ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأخت "أم الفضل" زوجة العباس، وخالة عبد الله بن عباس, وخالة خالد بن الوليد، وكان اسمها "برة"، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنْ يعطي أجمل الأسماء، وكان يأمرنا أن نخاطب الإنسان بأحب الأسماء إليه؛ لأن ثمة أسماء ليس محببة كثيراً؛ فسماها النبي ميمونة.
تزوجها النبي عليه الصلاة والسلام في ذي القعدة سنة سبع, لما اعتمر عمرة القضاء، وبنى بها عقب مرجعه من العمرة في مكان بين مكة والمدينة، وكان الذي تولّى تزويجها هو العباس رضي الله عنه بتوكيل منها.
روت عن النبي أحاديث كثيرة، وقد روى عنها ابن أختها عبد الله بن عباس، وابن أختها الأخرى عبد الله بن شداد، وابن أختها عبد الرحمن بن السائب، وابن أختها الأخرى يزيد بن الصم، وآخرون كمولاها عطاء بن يسار، وكريب مولى ابن عباس، وكثيرون.
ما الخبر الذي روّجه المشركون في مكة؟ وماذا فعل النبي حينما علم بذلك؟ ومتى تمّ عقد بناء النبي على زوجه ميمونة؟
حينما منع المشركون رسول الله والمؤمنون من أن يؤدوا العمرة، واتفقوا على صلح الحديبية، على أن يرجعوا هذا العام، ويأتوا في العام التالي؛ فهذه العمرة سُمِّيت عمرة القضاء.
أحب أهل مكة أن يعزوا أنفسهم؛ فأخلوا مكة وتركوها لرسول الله في العام المقبل؛ فأشاعوا وأذاعوا في أرجاء مكة أن المسلمين يعانون عسرة وجهداً، وكما نعرف أن الكافر دائماً يتلقى الأخبار السيئة للمؤمنين براحة، ويتلقى الأخبار الطيبة بانزعاج.
فوقف أهل مكة عند دار الندوة, لينظروا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وإلى أصحابه, كيف أصابهم الجهد، وأنهكتهم العسرة، وعلم النبي بالخبر؛ فقال لأصحابه الكرام: "أرملوا بالبيت, ليرى المشركون قوتكم"، ولما دخل صلى الله عليه وسلم اضطبع بردائه -يعني أخرج كتفه اليمنى (هذا الاضطباع في الحج والعمرة)- ثم قال: "رحم الله امرءاً أراهم اليوم من نفسه قوة"، ثم استلم الركن، وأخذ يهرول، ويهرول أصحابه معه؛ فكان ذلك إظهاراً لقوتهم وتكذيباً لإشاعات المشركين.
لما دخل النبي مكة, أمسك ابن رواحة خطام ناقة النبي، وقال:
خلوا بني الكفار عن سبيله *** خلوا فكل الخير في رسوله
يا رب إنـي مؤمن بقيـله *** أعرف حق الله في قبوله
وأقام النبي عليه الصلاة والسلام في مكة ثلاث ليال بعد العمرة، وكان العباس قد زوّجه ميمونة بمكة، وكان لها من العمر ست وعشرون عاماً؛ فعقد عليها بمكة بعد تحلله من عمرته، وبنى بها في طريق عودته إلى المدينة، وفي هذه العمرة نزل قوله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}.
يقول كتّاب السيرة: ما بقي أحد من المسلمين إلا وقد أيقن يومئذ أن يوم النصر الأكبر كاد قريباً وشيكاً؛ لأن بعد عمرة الحديبية عمرة القضاء، بعدها فتح مكة, قال تعال: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً}.
هذه المعاني من العزة والنصر والفتح، وميمونة رضي الله عنها في نشوة سرورها وفرحها وابتهاجها بزواجها، وعندما وصلت إلى المدينة, استقبلتها نساء النبي بالترحاب, والتهاني, والتبريكات.
ما هو الشرف الذي نالته السيدة ميمونة؟ وهل أذنت للسيدة عائشة في مطلبها؟ وهل كانت من المعمرات في الدنيا؟ ومتى توفيت؟ وأين دفنت؟
دخلت أم المؤمنين ميمونة بيت النبي، وقد اغتنمت من الدنيا نعمة الإيمان والإسلام والشرف العظيم أن أصبحت زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وبقيت ميمونة تحظى بالقرب من رسول الله؛ حتى إذا اشتد المرض برسول الله, نزل في بيتها، ثم استأذنتها عائشة بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم لينتقل إلى بيتها ليُمَرّض حيث أحب في بيت عائشة؛ حيث كانت أول مرحلة من مرضه في بيت ميمونة، والمرحلة الثانية في بيت عائشة، ومقامه الشريف الآن هو بيت عائشة حيث دُفن الآن هذا بيت عائشة، وهذه نعمة من أجلِّ النعم أن قبر النبي ثابت، ومعلوم ليس فيه مشكلة إطلاقاً.
فلما انتقل عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى, عاشت ميمونة رضي الله عنها حياتها بعد النبي, في نشر سنته بين الصحابة والتابعين؛ حيث روى عنها كثير من الصحابة والتابعين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، كما رووا عن سائر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
وفي عام واحد وخمسين من الهجرة، توفيت السيدة ميمونة ولها ثمانون سنة في المكان الذي بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفنت في موضع قبتها, الذي كان فيه عرسها رضي الله عنها وأرضاها.