1- السيدة حليمة السعدية
( أم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة
رضى الله عنها )
هى حليمة بنت عبدالله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن وقيل إن أسم أبيها الحارث بن عبدالله بن شجنة ويكنى أبوها عبدالله بابى ذؤيب .
قدمت السيدة حليمة رضى الله عنها إلى مكة مع بعض نساء بنى سعد من المرضعات لتحظى بطفل ترضعه نظير أجر تتقاضاه كما هى العادة فى ذلك فى بعض السنين التى فيها شدة وقحط وكانت النساء تبحثن عن الأطفال الذين يدفع آباؤهم للمرضع ما يناسبه من المعروف أو الآجر فلما وجدن هذا الطفل اليتيم " سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم " يُعرض عليهن أعرضن عنه فلم تأخذه واحدة من المرضعات وكن يقلن :
ما داعى أن تصنع إلينا أمه ؟
إنما نرجو المعروف من أب الولد ..
وأقبلت المرضعات على الآطفال الآخرين وأخذت كل واحدة منهن طفلاً رضيعاً ما عدا السيدة حليمة رضى الله عنها فلم تجد لها طفلاً تأخذه لترضعه غير هذا اليتيم فتحدثت مع زوجها " عبدالله أو الحارث " وقالت له :
والله إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبى ليس معى رضيع وقالت :
لآنطلقن غلى هذا الطفل اليتيم فللأخذنه فوافقها زوجها على ما رات فأخذته صلى الله عليه وسلم وقد حدثت إرهاصات تبشر بأن هذا الطفل مبارك فقد كان مع السيدة حليمة أبنها من زوجها وكان طفلاً لا يكف عن البكاء من الجوع لأن لبنها كان قليلاً فلم يكن فى ثدييها ما يكفيه فلما أخذت المصطفى عليه الصلاة والسلام دّر اللبن الغزير فى ثدييها بحيث رضع عليه الصلاة والسلام حتى شبع ورضع طفلها من زوجها كذلك حتى روىّ ولم ينفذ لبنها .
وكان مع زوج السيدة حليمة ناقة مسنة لا لبن فيها ( شارف ) فإذا بها تدّر اللبن وضرعها حافل فحلب زوجها وشرب وشربت السيدة حليمة رضى الله عنها حتى رويت وكان مع السيدة حليمة وزوجها أيضاً آتان " أنثى الحمار " قمراء ( أى بيضاء فى كدرة ) وكانت ضعيفة هزيلة سبقتها ركائب النسوة
اللاتى كن معها بحيث وصلن قبلها وأخذن الأطفال قبلها ولم تتمكن السيدة حليمة رضى الله عنها من اللحاق بهن ووصلت بعد وصولهن مكة من بلادها فى ديار بنى سعد ولم تجد باقياً من الأطفال غير هذا اليتيم صلى الله عليه وسلم وحينما عادت به دبت روح القوة والنشاط فى الآتان والناقة وقويتا على السير وتمكنت بذلك السيدة حليمة رضى الله عنها وزوجها من سبق صائر المراضع فى حال العودة والرواح كل هذا لفت نظر زوجها فقال لها :
يا حليمة والله إنى لأراك أخذتِ نسمة مباركة
والدليل هو ما يلحظ من هذه البركات التى حدثت لها ولركوبتها ولطفلها الذى نام بعد أن شبع من الغذاء بلبنها وما حدث لها وزوجها من البركات والخير وكان وجوده صلى الله عليه وسلم معها مصدر كثرة الخير والرزق والسعادة وقيل كانت المراعى فى أراضى بنى سعد مجدبة فى هذا الوقت فأمرع مرعى السيدة حليمة رضى الله عنها ووجدت غنمها وزوجها ما كفاها من الطعام والشراب وكانت تذهب إلى المراعى خماصاً وتعود بطاناً إلى غير ذلك من البركات والأدلة على النعم الكثيرة التى عمت هذه الأسرة ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد كبره يرعى أمه من الرضاعة ويجلها بما لها عليه من حق الإرضاع والعناية به فعن أبى الطفيل رضى الله عنه قال :
إن النبى صلى الله عليه وسلم كان بالجعرانة يقسم لحماً فأقبلت إمرأة بدوية فلما دنت من النبى صلى الله عليه وسلم بسط لها رداءه فجلست عليه فقلت :
من هذه ؟
قالوا :
أمه التى أرضعته .
وكانت السيدة حليمة رضى الله عنها من أشرف العرب وكرائمهم وتعد مختارة من الله تعالى لإرضاع أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم رحمها الله ورضى عنها .
هى أكبر بناته صلى الله عليه وسلم ولدت وله ثلاثون سنة وأمها السيدة خديجة بنت خويلد بن اسلم رضى الله عنها تزوجها فى حياة أمها بن خالتها أبو العاص بن الربيع ( إبن أخت أم المؤمنين السيدة خديجة رضى الله عنها أمه هالة بنت خويلد ) .
أنجب منها ولده على بن أبى العاص وأمامة
قيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردف على بن أبى العاص وراءه يوم الفتح وأمامة كان يحملها النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته وهى صغيرة – ورد فى البخارى ومسلم وأبو داوود والنسائى – ونص مسلم :
عن أبى قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت ابى العاص بن الربيع فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها .
وأهديت إليه صلى الله عليه وسلم قلادة من الخرز اليمانى فقال :
لآدفعنها إلى أحب أهلى إلىّ وهى أمامة بنت زينب – فعلقها فى عنقها
أسلمت زينب وهاجرت بعد غزوة بدر قبل إسلام زوجها بست سنين وقد وقع زوجها أسيراً فى غزوة بدر وهو مُشرك فبعثت زينب مع أخيه عمرو قلادتها – التى أدخلتها بها أمها السيدة خديجة وكانت من جزع ظفار – لتفتدى بها زوجها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلادة عرفها ورّق لها وقال :
إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فعلتم قالوا :
نعم
وأطلقوه فأخذ عليه النبى صلى الله عليه وسلم العهد أن يخلى سبيل زينب وكانت من المستضعفين من النساء وإستكتمه النبى صلى الله عليه وسلم ذلك وبعث زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار ليصحباها بعد أن يطلق سراحها وذلك بعد بدر بشهر فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فتجهزت وخرجت مع أخيه كُنانة سراً وسلمها إلى زيد وصاحبه فعادا بها إلى المدينة وقد أثنى النبى صلى الله عليه وسلم أبى العاص زوجها حين قال :
حدثنى فصدقنى ووعدنى فوفى لى
فلما كان قبل الفتح خرج أبو العاص تاجراً إلى الشام بماله ومال كثير لقريش فلما رجع لقيته سرية فى سبعين ومائة راكب عليها زيد بن حارثة فلقوا العير فى سنة ست فأخذوها وأسروا أناساً منهم أبو العاص فدخل أبو العاص على السيدة زينب سراً فأجارته فلما كان النبى صلى الله عليه وسلم والناس فى صلاة الصبح صرخت زينب أيها الناس قد أجرت أبو العاص بن الربيع وبعث النبى صلى الله عليه وسلم إلى السرية التى أصابت ماله فقال :
إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم وقد أصبتم له مالاً فإن تحسنوا وتردوه فإنا نحب ذلك وإن أبيتم فهو فئ الله فأنتم أحق به
قالوا :
بل نرده
فردوه كله ثم ذهب إلى مكة فأدى إلى كل ذى مال ماله ثم قال :
يا معشر قريش هل بقى لأحدكم منكم عندى شيئ ؟
قالوا :
لا فجزاك الله خيراً
قال :
فإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله والله ما منعنى من الإسلام عنده إلا خوف أن تظنوا أنى أردتُ أكل أموالكم .
ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً مهاجراً فى المحرم سنة سبع فرد عليه النبى صلى الله عليه وسلم زينب على النكاح الأول لم يحدث شيئاً صِداقاً ولم يكن النبى صلى الله عليه وسلم فرق بينهما وقيل أن النبى صلى الله عليه وسلم رد إبنته على أبى العاص بنكاح ومهر جديد
وتوفيت السيدة زينب رضى الله عنها بالمدينة سنة ثمان من الهجرة وأمر الرسول صلوات الله عليه النسوة أن يغسلنها وغسلتها أم عطية وقال صلى الله عليه وسلم :
إغسلنها وتراً ثلاثاً أو خمساً وإجعلن فى الأخيرة كافوراً أو سيئاً من كافور فإذا غسلتنها فأعلمننى فلما غسلنها أعطاهن حقوة – إزاره – فقال :
أشعرنها إياه أى إجعلنه شعاراً – وهو الثوب الذى يلى الجسد – نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبرها وهو مهموم ومحزون قلما خرج سرى عنه وقال :
كنت ذكرت زينب وضعفها فسألت الله تعالى أن يخفف عنها ضيق القبر وغمه ففعل وهّون عليها
وكان النبى صلى الله عليه وسلم يحبها ويثنى عليها رضى الله عنها .. عاشت نحو ثلاثين سنة ومات أبو العاص زوجها فى شهر ذى الحجة سنة إثنى عشرة فى خلافة الصديق .
وتزوج أمامة على بن أبى طالب كرم الله وجهه بعد فاطمة فى خلافة عمر رضى الله عنه وبقيت عنده مدة وجاءته الأولاد منها وعاشت بعده حتى تزوج بها المغيرة بن نوفل بن الحارث فتوفيت عنده بعد أن ولدت له يحيى وماتت فى دولة معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما .
أمها السيدة خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها .. تزوجها أولاً عتبة بن أبى لهب كما تزوج أختها أم كلثوم أخوه عتيبة – قبل النبوة – وقيل قبل الهجرة ولعله الصواب فلما نزلت تبت يد أبى لهب وتب قال أبوهما :
رأسى من رأسيكما حرام إن لم تطلقا إبنتيه وأعانه على ذلك زوجته أم جميل أمهما حمالة الحطب بنت حرب بن أمية قائلة :
إن إبنتى محمد ( رقية وأم كلثوم ) قد صبأتا فطلقاهما ففعلا ففارقاهما قبل الدخول بهما كرامة من الله تعالى وهواناً لأبنى أبى لهب
أسلمت السيدة رقية مع أمها السيدة خديجة أم المؤمنين رضى الله عنهن ومع أخواتها ثم تزوجها عثمان بن عفان رضى الله عنه بمكة وهاجرت معه إلى الحبشة وولدت له ولداً هناك سماه عبدالله وكان عثمان يُكنى به ثم هاجرت إلى المدينة بعد هجرة زوجها وبعد بلوغ عبدالله ست سنين مرض وتوفاه الله تعالى سنة أربع من الهجرة وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل أبوه فى قبره .
مرضت السيدة رقية قبيل معركة بدر فترك النبى صلى الله عليه وسلم معها زوجها عثمان رضى الله عنه فلم يخرج إلى إلى غزوة بدر ليُعنى بأمر زوجته وتوفيت رضى الله عنها والمسلمون ببدر أو بعد نهاية المعركة .
وعن بن عباس رضى الله عنهما قال :
لما ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إلحقى بسلفنا عثمان بن مظعون فبكت النساء عليها فجعل رضى الله عنه يضربهن بسوطه فأخذ النبى صلى الله عليه وسلم بيده وقال :
دعهن يبكين ثم قال :
أبكين وإياكن ونعيق الشيطان فإنه مهما يكن من القلب والعين فمن الله والرحمة ومهما يكن من اليد واللسان فمن الشيطان
وقد بكت السيدة فاطمة رضى الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أختها رقية رضى الله عنها وكان النبى صلى الله عليه وسلم يمسح دموعها بطرف ثوبه ولعل ذلك كان بعد رجوع النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه من غزوة بدر وزيارته لقبرها
يتبع
السيدة أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
هى أصغر من السيدة رقية أختها رضى الله عنهن جميعاً وهذا يترجح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها عثمان بن عفان رضى الله عنه بعد وفاة السيدة رقية وما كان ليزوج الصغرى ويترك الكبرى .. فقد لقى النبى صلى الله عليه وسلم عثمان رضى الله عنه بعد وفاة زوجته السيدة رقية رضى الله عنها مهموماً لهفان فقال له :
ما لى أراك مهموماً ؟
فقال :
يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهل دخل على أحد ما دخل علّى !؟
ماتت إبنةرسول الله – صلى الله عليه وسلم – التى كانت عندى وإنقطع ظهرى وإنقطع الصهر بينى وبينك فبينما هو يحاوره إذ قال النبى صلى الله عليه وسلم :
يا عثمان هذا جبريل – عليه السلام – يأمرنى – عن الله عز وجل – أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها وعلى مثل عشرتها فزوجه إياها .
وكان هذا بعد أن طلقها عتيبة بن أبى لهب بعد أن نزلت سورة المسد بأمر من أبيه وأمه لعنهما الله تعالى .
وقد تزوج عثمان رضى الله عنه أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ربيع الأول من سنة ثلاث من الهجرة وبنى بها فى جمادى الآخرة من العام نفسه ولم ينجب عثمان رضى الله عنه منها
وتوفيت رضى الله عنها فى حياة أبيها صلى الله عليه وسلم سنة تسع وقيل إن أم عطية غسلتها بأمر من النبى صلى الله عليه وسلم
وعن أم عطية قالت :
توفيت إحدى بناتالنبى صلى الله عليه وسلم فقال :
إغسلنها وتراً ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن وإغسلنها بماء وسدر
وإجعلن فى الأخيرة كافوراً أو سيئاً من كافور فإذا فرغتن فأدننى فلما فرغناه آذناه فألقى علينا حقوه – إزاره – وقال :
أشعرنها إياه
وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل قبرها علّى والفضل وأسامة بن زيد وأبو طلحة الأنصارى بإذن من النبى صلى الله عليه وسلم .
ولما توفيت رضى الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان رضى الله عنه :
لو أن لنا ثالثة لزوجناكها .
يتبع
البضعة النبوية
السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمها السيدة خديجة رضى الله عنها بنت خويلد وأم المؤمنين وكانت تُكنى أم أبيها ولدت وقريش تبنى الكعبة قبل بعثة النبى صلى الله عليه وسلم بقليل تزوجها الإمام علّى بن أبى طالب كرم الله وجهه فى ذى القعدة أو قبيله من سنة إثنتين بعد وقعة بدر وكان زواجه بها بعد عُرس زواج السيدة أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها برسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أشهر ونصف وإبتنى بها بعد تزويجه إياها بسبعة أشهر ونصف – ولعل هذا يفسر ما قيل من أنه تزوجها بعد أُحد – ولفاطمة وقتئذ خمس عشرة سنة وخمس أشهر ونصف وكان مهرها درعه وروى فى كيفية خِطبتها عن على بن أبى طالب – كرم الله وجهه – قال :
خَطبتُ فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت مولاة لى :
هل علمت أن فاطمة خُطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقلت :
لا ؟
قالت :
خطبت فما يمنعك أن تأتى رسول الله فيزوجك ؟
فقلت :
وعندى شيئ أتزوج به ؟
فقالت :
إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجك فوالله ما زالت ترجينى حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم – وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جلالة وهيبة – فلما قعدت بين يديه أفحمت فوالله ما أستطيع أن أتكلم
فقال :
ما جاء بك ؟ ألك حاجة ؟
فسكت
فقال :
لعلك جئت تخطب فاطمة ؟
قلت :
نعم
قال :
وهل عندك من شيئ تستحلها به ؟
فقلت :
لا والله يا رسول الله
فقال :
فما فعلت بالدرع التى سلحكتها ؟
فقلت :
عندى والذى نفس على بيده إنها لحطيمة " أى تحطم السيوف – تكسرها –
قال :
ما ثمنها ؟
قلت :
أربعمائة درهم
قال :
قد زوجتك
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البناء بفاطمة بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على علّى وقال :
اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما فى نسلهما
وقد أنجب منها على كرم الله وجهه الحسن والحسين ومحمداً وأم كلثوم وزينب
وقد تزوجت أبنتهما أم كلثوم من عمر بن الخطاب وإبنتهما زينب من عبدالله بن جعفر بن أبى طالب
رضى الله عنهم جميعاً وصح أن النبى صلى الله عليه وسلم جلل فاطمة وزوجها وإبنتهما بكساء وقال :
اللهم هؤلاء أهل بيتى اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً
وعن أم سلمة رضى الله عنها قالت :
فى بيتى نزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
قالت :
فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة وعلى والحسن والحُسين فقال هؤلاء أهلى
فقلت :
يا رسول الله أفما أنا من أهل البيت ؟
قال :
بلى إن شاء الله عز وجل .
ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى على وفاطمة والحسن والحسين فقال :
أنا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم
وعن علّى كرم الله وجهه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضى الله عنها :
إن الله يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ
وكان صلى الله عليه وسلم يقول :
لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار
وكان على رضى الله عنه يقول لأمه :
أكفى فاطمة الخدمة خارجاً وتكفيك هى العمل فى البيت والعجن والخبز والطحن
وكان النبى صلى الله عليه وسلم يحب فاطمة رضى الله عنها ويكرمها ويسر إليها وعن رجل سمع على بن أبى طالب كرم الله وجهه يقول :
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت :
أينا أحب إليك أنا أو فاطمة ؟
قال :
فاطمة أحب إلى منك وأنت أعز علّى منها
وسُئلت السيدة عائشة رضى الله عنها أى الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قالت :
فاطمة
قيل :
من الرجال ؟
قالت :
زوجها إن كان ما علمت صواماً قواماً
وكانت السيدة فاطمة رضى الله عنها صابرة ديّنة خيرة صيّنة قانعة شاكرة له تعالى .. وصفتها السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت :
ما رأيت أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها وكذلك كانت هى تصنع به صلى الله عليه وسلم
وعن بن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قدّم من سفر قبّل إبنته فاطمة .
ومن مواقف المسارة ما حكته السيدة عائشة رضى الله عنها قالت :
كنا – أزواج النبى صلى الله عليه وسلم – إجتمعنا عنده لم يغادر منهن واحدة فجاءت فاطمة تمشى ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما رأها رحب بها قال :
مرحباً يا بنيتى ثم أقعدها عن يمينه أو عن يساره ثم سارها فبكت ثم سارها ثانية فضحكت فقلت :
ما رأيت اليوم فرحاً أقرب من حزن فلما قام قلت لها :
خصّك رسول الله بالسر وأنت تبكين عزمت عليك بما لى عليكِ من حق لما أخبرتنى مم ضحكتِ ؟ ومم بكيتِ ؟
قالت :
ما كنتُ لأفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فلما توفى قلت لها :
عزمت عليكِ بما لى عليكِ من حق لما أخبرتنى
قالت :
أما الآن فنعم فى المرة الأولى حدثنى أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وأنه عارضنى العام فى هذه السنة مرتين وأنى لأحسب ذلك إلا عند إقتراب أجلى فإتقى الله وإصبرى فنعم السلف لك أنا فبكيت فلما رأى جزعى قال :
أما ترضين أن تكونى سيدة نساء العالمين أو سيدة نساء هذه الأمة ؟
قالت :
فضحكت
ولم يرضى النبى صلى الله عليه وسلم أن يُزوجّ عليها علّى إبنة أبى جهل وقال :
والله لا تجتمع بنت نبى الله وبنت عدو الله وإنما فاطمة بضعة منى يريبنى ما رابها ويؤذينى ما آذاها
وفى رواية وأنا أكره أن يفتنوها وفى رواية ثالثة وأنا أتخوّف أن تُفتن فى دينها فلم يتزوج عليها حتى ماتت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر ببيتها ليوقظها وزوجها للصلاة إذا خرج لصلاة الفجر ويقول :
الصلاة يا أهل بيت محمد
وقد تأثرت لموت أبيها ومكثت بعده ستة أشهر وهى تذوب وما رويت ضاحكة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم حتى لحقت بربها ومن تقديرها لزوجها ما قيل من أنها لما مرضتّ أتى أبو بكر رضى الله عنه فإستأذن فقال على :
يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليكِ
فقالت :
أتحب أن آذن له ؟
قال :
نعم .. فلم تأذن فى بيت زوجها إلا بأمره .
وعاشت أربعاً أو خمساً وعشرين سنة وأكثر ما قيل إنها عاشت تسعاً وعشرين سنة والأول أصح وكانت وفاتها ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة قيل كانت وفاتها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وهذا أصح وغسلها زوجها علّى كرم الله وجهه وأسماء بنت عُميس بوصية منها قبل وفاتها رضى الله عنها ودفنت ليلاً وصلى عليها العباس وطلبت أن يغطى نعشها بجريد عليه ثوب كما حدثتها أسماء بنت عميس فيما كان يصنعه أهل الحبشة فكانت أول من غطى نعشه فى الإسلام على تلك الصفة .
وعن علّى كرم الله وجهه قال :
سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجاب يا أهل الجمع غضوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمد حتى تمر .
وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلملها ولزوجها وإبناها بالجنة فعن علّى رضى الله عنه قال :
دَخلَ علّى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم فإستسقى الحسن أو الحسين قال :
فقام النبى صلى الله عليه وسلم إلى شاة لنا بكئ – قليلة اللبن – فحلبها فدّرت فجاء الحسن فنحاه النبى صلى الله عليه وسلم فقالت فاطمة :
يا رسول الله كأنه أحبهما إليك ؟
قال :
لا لكن إستسقى قبل .. ثم قال :
إنا وإياك وهذين وهذا الراقد فى مكان واحد يوم القيامة
يتبع يرجى عدم الرد
رضى الله عنها
هى السيدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف القرشية الهاشمية والدة الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه وأم إخوته :
طالب وعقيل وجعفر وهى حماة السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت وكانت من المهاجرات الأوائل إلى المدينة والذى يدل على هجرتها ما جرى بينها وبين إبنها الإمام على كرم الله وجهه حينما تزوج السيدة فاطمة رضى الله عنها وأراد تقسيم العمل بين أمه وزوجته فقال لأمه :
أكفى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب فى الحاجة وتكفيكِ الداخل الطحن والعجن فهذا يدل على هجرتها لأن علياً تزوج السيدة فاطمة بالمدينة .
والسيدة فاطمة بنت أسد رضى الله عنها أول هاشمية ولدت لهاشمى وأول هاشمية ولدت خليفة .
عن بن عباس رضى الله عنهما قال :
لما ماتت فاطمة أم على ألبسها النبى صلى الله عليه وسلم قميصه وإضطجع معها فى قبرها فقالوا :
ما رأيناك يا رسول الله صنعت هذا !
فقال :
إنه لم يكن أحد بعد أبى طالب أبّر بى منها إنما ألبسها قميصى لتكسى من حُلل الجنة وإضطجعت معها ليهون عليها .
ودعا لها بالجزاء الحسن .
يتبع
الصحابية التى جمعت المجد من أطرافه كلها …
فأبوها صحابي, وجدها صحابي, و أختها صحابية, وزوجها صحابي, وابنها صحابي …
وحسبها بذلك شرفاً وفخراً …
أما أبوها فالصديق خليل الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم) في حياته, وخليفته من بعد مماته …
وأما جدها فأبو عتيق والد أبي بكر …
وأما أختها فأم المؤمنين عائشة الطاهرى المبرأة …
وأما زوجها فحواري رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الزبير بن العوام …
وأما ابنها فعبد الله بن الزبير رضي الله عنه و عنهم أجمعين …
إنها – بإيجازٍ – أسماء بنت أبي بكر الصديق …
وكفى …
كانت أسماء من السايقات إلى الإسلام إذ لم يتقدم عليها في هذا الفضل العظيم غير سبعة عشر إنساناً من رجل أو امرأة.
وقد لقبت بذات النطاقين لأنها صنعت للرسول صلوات الله وسلامه عليه ولأبيها يوم هاجرا إلى المدينة زاداً وأعدت لهما سقاءً فلما لم تجد ما تربطهما به شقت نطاقها شقين, فربطت بأحدهما المزود وبالثاني السقاء …
[النطاق : ما تشد به المرأة وسطها. المزود: كيس يوضع فيه الزاد للمسافر]
فدعا لها النبي عليه الصلاة والسلام أن يبدلها الله منهما نطاقين في الجنة …
فلقبت بذات النطاقين .
***
تزوج بها الزبير بن العوام, وكان شاباً فقيراً ليس له خادم ينهض بخدمته, أو مال يوسع به على عياله غير فرس اقتناها .
فكانت له نعم الزوجة الصالحة, تخدمه وتسوس فرسه وترعاه وتطحن النوى لعلفه, حتى فتح الله عليه فغدا من أغنى أغنياء الصحابة .
ولما أتيح لها أن تهاجر إلى المدينة فراراً بدينها إلى الله ورسوله كانت قد أتمَّت حملها بابنها عبدالله بن الزبير فلم يمنعها ذلك من تحمل مشاق الرحلة الطويلة, فما إن بلغت ((قباء)) حتى وضعت وليدها …
فكبر المسلمون وهللوا ؛ لأنه كان أول مولودٍ يولد للمهاجرين في المدينة .
فحملته إلى رسول الله ووضعته في حجره, فأخذ شيئاً من ريقه وجعله في فم الصبي, ثم حنكه ودعا له …
فكان أول ما دخل في جوفه ريق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .
***
وقد اجتمع لأسماء بنت أبي بكر من خصائل الخير وشمائل النبل, ورجاحة العقل ما لم يجتمع إلا للقليل النادر من الرجال .
فقد كانت من الجود بحيث يضرب بجودها المثل .
حدَّث ابنها عبدالله قال :
ما رأيت امرأتين قط أجود من خالتي عائشة و أمي أسماء, لكن جودهما مختلف …
أما خالتي فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها ما يكفي؛ قسمته بين ذوي الحاجات …
و أما أمي فكانت لا تمسك شيئاً إلى الغد …
***
وكانت أسماء إلى ذلك عاقلة تحسن التصرف في المواقف الحرجة …
من ذلك أنه لما خرج الصديق مهاجراً بصحبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حمل معه ماله كله, ومقداره ستة آلاف درهم, ولم يترك لعياله شيئاً …
فلما علم والده أبو قحافة برحيله – وكان ما يزال مشركاً – جاء إلى بيته وقال لأسماء :
والله إني لأراه قد فجعكم بماله بعد أن فجعكم بنفسه …
فقالت له :
كلا يا أبتِ إنه قد ترك لنا مالاً كثيراً, ثم أخذت حصى ووضعته في الكوة التي كانوا يضعون فيها المال و ألقت عليه ثوباً, ثم أخذت بيد جدها – وكان مكفوف البصر – وقالت :
يا أبت, انظر كم ترك لنا من المال .
فوضع يده عليه وقال :
لا بأس … إذا كان ترك لكم هذا كله فقد أحسن .
وقد أرادت بذلك أن تسكن نفس الشيخ, و ألا تجعله يبذل لها شيئاً من ماله …
ذلك لأنها كانت تكره أن تجعل لمشرك عليها معروفاً حتى لو كان جدها …
***
وإذا نسي التاريخ لأسماء بنت أبي بكر مواقفها كلها , فإنه لن ينسى لها رجاحة عقلها, وشدة حزمها, وقوة إيمانها وهي تلقى ولدها عبدالله اللقاء الأخير.
وذلك أن ابنها عبد الله بن الزبير بويع له بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية, ودانت له الحجاز ومصر والعراق وخراسان و أكثر بلاد الشام.
لكن بني أمية ما لبثوا أن سيروا لحربه جيشاً لجباً بقيادة (( الحجاج بن يوسف الثقفي )) …
فدارت بين الفريقين معارك طاحنة أظهر فيها ابن الزبير من ضروب البطولة ما يليق بفارس كمي مثله .
غير أن أنصاره جعلوا ينفضون عنه شيئاً فشيئاً ؛ فلجأ إلى بيت الله الحرام, واحتمى هو ومن معه في حمى الكعبة المعظمة …
***
وقبيل مصرعه بساعاتٍ دخل على أمه أسماء – وكانت عجوزاً قد كف بصرها – فقال :
السلام عليك يا أُمَّه ورحمة الله وبركاته .
فقالت : وعليك السلام يا عبدالله …
مالذي أقدمك في هذه الساعة , والصخور التي تقذفها منجنيقات الحَجَّاج على جنودك في الحرم تهز دور مكة هزاً ؟!
قال : جئت لأستشيرك .
قالت : تستشيرني ّّ … في ماذا ؟!
قال : لقد خذلني الناس وانحازوا عني رهبة من الحجاج أو رغبة بما عنده …
حتى أولادي وأهلي انفضوا عني, ولم يبق معي إلا نفر قليل من رجالي, وهم مهما عظم جلدهم فلن يصبروا إلا ساعة أو ساعتين …
ورسل بني أمية يفاوضونني على أن يعطونني ما شئت من الدنيا إذا ألقيت السلاح وبايعت عبد الملك بن مروان , فما ترين؟
فعلا صوتها وقالت :
الشأن شأنك يا عبد الله , و أنت أعلم بنفسك …
فإن كنت تعتقد أنك على حق, و تدعوا إلى حق, فاصبر وجالد كما صبر أصحابك الذين قتلوا تحت رايتك …
وإن كنت إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت … أهلكت نفسك, وأهلكت رجالك .
قال: ولكني مقتول اليوم لا محالة .
قالت : ذلك خير لك من أن تسلم نفسك للحجاج مختاراً, فيلعب برأسك غلمان بني أمية .
قال : لست أخشى القتل, وإنما أخاف أن يمثلوا بي .
قالت : ليس بعد القتل ما يخافه المرء , فالشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ …
فأشرقت أسارير وجهه وقال:
بروكتِ من أم, وبروكت مناقبك الجليلة؛ فأنا ما جئت إليك في هذه الساعة إلا لأسمع منك ما سمعت, والله يعلم أنني ما وهنت ولا ضعفت , وهو الشهيد علي أنني ما قمت بما قمت به حبا بالدنيا وزينتها , وإنما غضباً لله أن تستباح محارمه …
وهأنذا ماض إلى ما تحبين, فإذا أنا قتلت فلا تحزني علي وسلم أمرك لله …
قالت : إنما أحزن عليك لو قتلت في باطل .
قال : كوني على ثقة بأن ابنك لم يتعمد إتيان منكر قط , ولا عمل بفاحشة قط , ولم يجر في حكم الله , ولم يغدر في أمان , ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد , ولم يكن شيء عنده آثر من رضى الله عز وجل …
لا أقول ذلك تزكية لنفسي ؛ فالله أعلم مني بي , وإنما قلته لأدخل العزاء على قلبك .
فقالت : الحمدلله الذي جعلك على ما يحب و أُحب …
اقترب مني يابني لأتشمم رائحتك وألمس جسدك فقد يكون هذا آخر العهد بك .
فأكب عبدالله على يديها ورجليها يوسعهما لثماً , و أجالت في أنفها في رأسه ووجهه وعنقه تشممه و تقبله …
وأطلقت يديها تتلمس جسده ثم ما لبثت أن ردتهما عنه وهي تقول :
ماهذا الذي تلبسه يا عبدالله ؟ّ
قال : درعي .
قالت : ماهذا يابني لباس من يريد الشهادة .
قال : إنما لبستها لأطيب خاطرك , و أسكن قلبك .
قالت:
انزعها عنك, فذلك أشد لِحَمِيَّتِمَ و أقوى لوثبتك و أخف لحركتك …
ولكن البس بدلاً منها سراويل مضاعفة حتى إذا صرعت لم تنكشف عورتك .
***
نزع عبدالله بن الزبير درعه , وشد عليه سراويله , ومضى إلى الحرم لمواصلة القتال وهو يقول :
لا تفتري عن الدعاء لي يا أُمَّه .
فرفعت كفيها إلى السماء وهي تقول :
اللهم ارحم طول قيامه وشدة نحيبه في سواد الليل والناس نيام …
اللهم ارحم جوعه وظمأه في هواجر المدينة ومكة وهو صائم …
اللهم ارحم بره بأبيه و أمه …
اللهم إني قد سلمته لأمرك , ورضيت بما قضيت له ؛ فأثبني عليه ثواب الصابرين …
لم تغرب شمس ذلك اليوم إلا كان عبد الله بن الزبير قد لحق بجوار ربه .
ولم يمض على مصرعه غير بضعة عشر يوماً إلا كانت أمه أسماء بنت أبي بكر قد لحقت به …
وقد بلغت من العمر مائة عام , ولم يسقط لها سن ولا ضرس, ولم يغب من عقلها شيء .