من أخلاق الإسلام دفع السيئة بالحسنة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
ليعلم إخواني الفضلاء أن العادة الغالبة في حياة الناس هي مقابلة السيئة بالسيئة ، والقطيعة بالقطيعة ، و ليس ذلك إلا لضعف الإيمان ، ورغبة النفس في الانتقام ، طارحة وراءها كل النصوص التي تحث على الحلم والعفو والتجاوز ودفع السيئة بالحسنة .
وهاهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه يبلغه أمر مسطح وما وقع منه من الخوض في أمر الإفك ، فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله سبحانه قوله (( وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) النور(22)
فما كان من أبي بكر رضي الله عنه إلا أن قال : بَلَى وَاللَّهِ يَا رَبَّنَا إِنَّا لِنُحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا، وَعَادَ لَهُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ.
هكذا رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم ، وعند السيوطي في الدر المنثور بلفظ : فَقَالَ أَبُو بكر: أما إِذْ نزل الْقُرْآن يَأْمُرنِي فِيك لأضاعفن لَك .
ففي هذه الآية منقبة عظيمة لأبي بكر رضي الله عنه حيث أذعن لأمر الله تعالى ، مع عظم ما ابتلي به من المساس في عرضه وعرض ابنته ، ولكن لما جاء أمر الله تعالى بالعفو والصفح والتجاوز ابتغاء المغفرة ، فما كان منه رضي الله عنه إلا أن لبى وتجرد لله تعالى ووضع كل ما في نفسه وراء ظهره . وهذا حال جميع الصحابة رضي الله عنهم حيث أيقنوا أنَّ ما عند الله خير وأبقى .
وليعلم إخواني أن الله تعالى قد حث على هذا الخلق وهو العفو والصفع ودفع السيئة بالحسنة في قوله تعالى : (( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
وهذه الآية و إن كان لها سبب فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
فاحرص أخي المسلم أن تدفع من أساء إليك بالإحسان إليه، من الكلام الطيب ومقابلة الإساءة بالإحسان، والذنب بالعفو، والغضب بالصبر، والإغضاء عن الهفوات، واحتمال المكروهات.
وما أحسن ما قاله عمر رضي الله عنه: ما عاقبتَ من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.
ثم أبان الله تعالى نتيجة الإحسان وأثره البعيد، فقال:
(( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )) أي إنك إن فعلت ذلك، فقابلت الإساءة بالإحسان، صار الذي كان عدوا لك كالصديق.
ولما كانت هذه الخصلة وهي الدفع بالتي هي أحسن لا تتأتى إلا لذوي الأخلاق الفاضلة والنفوس الكاملة الشريفة قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا} أي وما يعطى هذه الخصلة {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} فكان الصبر خلقاً من أخلاقهم {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} في الأخلاق والكمال النفسي، في الدنيا، والآخرة والأجر العظيم وهو الجنة في الآخرة.
أخي الداعية لقد منَّ الله بالعلم والدعوة إلى الله تعالى ، وهذه وظيفة الأنبياء والرسل ، فاحرص أن تتمثل هذه الآية العظيمة التي يرشدك فيها ربك بدفع السيئة التي اعترضتك من بعض أعدائك بالتي هي أحسن منها ، وهي : أن تُحسن إليه في مقابلة إساءته ، فالحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما ، فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها ، وادفع بها السيئة ، كما لو أساء إليك رجل ، فالحسنة : أن تعفو عنه ، والتي هي أحسن : أن تُحسن إليه مكان إساءته ، مثل أن يذمك فتمدحه ، ويحرمك فتعطيه ، ويقطعك فتصله.