تخطى إلى المحتوى

سورة الحاقةتفسير الآيات 43) 2024



الونشريس
سورة الحاقة
تفسير الآيات (38- 43)

الونشريس

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)}

الونشريس
شرح الكلمات:

{بما تبصرون ومالا تبصرون}: أي بكل مخلوق في الأرض وفي السماء.
{إنه لقول رسول كريم}: أي القرآن قاله تبليغا رسول كريم هو محمد صلى الله عليه وسلم.
{وما هو بقول كاهن}: أي ليس القرآن بقول كاهن إذ ليس فيه من سجع الكهان شيء.

الونشريس
.معنى الآيات:

• فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)
أقسم تعالى بما يبصر الخلق من جميع الأشياء وما لا يبصرونه، فدخل في ذلك كل الخلق بل يدخل في ذلك نفسه المقدسة، على صدق الرسول بما جاء به من هذا القرآن الكريم، وأن الرسول الكريم بلغه عن الله تعالى.

وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42)
ونزه الله رسوله عما رماه به أعداؤه، من أنه شاعر أو ساحر، وأن الذي حملهم على ذلك عدم إيمانهم وتذكرهم، فلو آمنوا وتذكروا، لعلموا ما ينفعهم ويضرهم، ومن ذلك، أن ينظروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم، ويرمقوا أوصافه وأخلاقه، لرأوا أمرا مثل الشمس يدلهم على أنه رسول الله حقا.

تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ
وأن ما جاء به تنزيل رب العالمين، لا يليق أن يكون قول البشر بل هو كلام دال على عظمة من تكلم به، وجلالة أوصافه، وكمال تربيته لعباده، وعلوه فوق عباده، .

الونشريس
فى ظلال الآيات:

إن الأمر لا يحتاج إلى قسم وهو واضح هذا الوضوح , ثابت هذا الثبوت , واقع هذا الوقوع . لا يحتاج إلى قسم أنه حق , صادر عن الحق , وليس شعر شاعر , ولا كهانة كاهن , ولا افتراء مفتر ! لا . فما هو بحاجة إلى توكيد بيمين:

فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)

بهذه الفخامة وبهذه الضخامة , وبهذا التهويل بالغيب المكنون , إلى جانب الحاضر المشهود . . والوجود أضخم بكثير مما يرى البشر . بل مما يدركون . وما يبصر البشر من الكون وما يدركون إلا أطرافا قليلة محصورة , تلبي حاجتهم إلى عمارة هذه الأرض والخلافة فيها – كما شاء الله لهم – والأرض كلها ليست سوى هباءة لا تكاد ترى أو تحس في ذلك الكون الكبير . والبشر لا يملكون أن يتجاوزوا ما هو مأذون لهم برؤيته وبإدراكه من هذا الملك العريض , ومن شؤونه وأسراره ونواميسه التي أودعها إياه خالق الوجود . .

فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)

ومثل هذه الإشارة تفتح القلب وتنبه الوعي إلى أن هناك وراء مد البصر ووراء حدود الإدراك جوانب وعوالم وأسرارا أخرى لا يبصرها ولا يدركها . وتوسع بذلك آفاق التصور الإنساني للكون والحقيقة . فلا يعيش الإنسان سجين ما تراه عيناه , ولا أسير ما يدركه وعيه المحدود . فالكون أرحب والحقيقة أكبر من ذلك الجهاز الإنساني المزود بقدر محدود من الطاقة يناسب وظيفته في هذا الكون . ووظيفته في الحياة الدنيا هي الخلافة في هذه الأرض . . ولكنه يملك أن يكبر ويرتفع إلى آماد وآفاق أكبر وأرفع حين يستيقن أن عينه ومداركه محدودة , وأن هناك وراء ما تدركه عينه ووعيه عوالم وحقائق أكبر – بما لا يقاس – مما وصل إليه . . عندئذ يتسامى على ذاته ويرتفع على نفسه , ويتصل بينابيع المعرفة الكلية التي تفيض على قلبه بالعلم والنور والاتصال المباشر بما وراء الستور !

إن الذين يحصرون أنفسهم في حدود ما ترى العين , ويدرك الوعي , بأدواته الميسرة له . . مساكين ! سجناء حسهم وإدراكهم المحدود . محصورون في عالم ضيق على سعته , صغير حين يقاس إلى ذلك الملك الكبير . .

وفي فترات مختلفة من تاريخ هذه البشرية كان كثيرون أو قليلون يسجنون أنفسهم بأيديهم في سجن الحس المحدود , والحاضر المشهود ; ويغلقون على أنفسهم نوافذ المعرفة والنور , والاتصال بالحق الكبير , عن طريق الإيمان والشعور . ويحاولون أن يغلقوا هذه النوافذ على الناس بعد ما أغلقوها على أنفسهم بأيديهم . . تارة باسم الجاهلية . وتارة باسم العلمانية ! وهذه كتلك سجن كبير . وبؤس مرير . وانقطاع عن ينابيع المعرفة والنور !

والعلم يتخلص في هذا القرن الأخير من تلك القضبان الحديدية التي صاغها – بحمق وغرور – حول نفسه في القرنين الماضيين . . يتخلص من تلك القضبان , ويتصل بالنور – عن طريق تجاربه ذاتها – بعد ما أفاق من سكرة الغرور والاندفاع من أسر الكنيسة الطاغية في أوربا ; وعرف حدوده , وجرب أن أدواته المحدودة تقوده إلى غير المحدود في هذا الكون وفي حقيقته المكنونة . وعاد "العلم يدعو إلى الإيمان" في تواضع تبشرأوائله بالفرج ! أي نعم بالفرج . فما يسجن الإنسان نفسه وراء قضبان المادة الموهومة إلا وقد قدر عليه الضيق !

_{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)}

ولقد كان مما تقول به المشركون على القرآن وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.قولهم:إنه شاعر . وإنه كاهن . متأثرين في هذا بشبهة سطحية , منشؤها أن هذا القول فائق في طبيعته على كلام البشر . وأن الشاعر في وهمهم له رئي من الجن يأتيه بالقول الفائق , وأن الكاهن كذلك متصل بالجن . فهم الذين يمدونه بعلم ما وراء الواقع ! وهي شبهة تسقط عند أقل تدبر لطبيعة القرآن والرسالة , وطبيعة الشعر أو الكهانة . .

فالشعر قد يكون موسيقي الإيقاع , رائع الأخيلة , جميل الصور والظلال ; ولكنه لا يختلط أبدا ولا يشتبه بهذا القرآن إن هنالك فارقا أساسيا فاصلا بينهما . إن هذا القرآن يقرر منهجا متكاملا للحياة يقوم على حق ثابت , ونظرة موحدة , ويصدر عن تصور للوجود الإلهي ثابت , وللكون والحياة كذلك . والشعر انفعالات متوالية وعواطف جياشة , قلما تثبت على نظرة واحدة للحياة في حالات الرضى والغضب , والانطلاق والانكماش , والحب والكره , والتأثرات المتغيرة على كل حال !

كذلك الأمر في الكهانة وما يصدر عنها . فلم يعرف التاريخ من قبل أو بعد كاهنا أنشأ منهجا متكاملا ثابتا كالمنهج الذي جاء به القرآن . وكل ما نقل عن الكهنة أسجاع لفظية أو حكمة مفردة , أو إشارة ملغزة !

وهناك لفتات ليس من طبيعة البشر أن يلتفتوها , وقد وقفنا عند بعضها في هذه الظلال أحيانا . فلم يسبق لبشر ولم يلحق كذلك أن أراد التعبير عن العلم الشامل الدقيق اللطيف , فاتجه إلى مثل هذه الصورة التي جاءت في القرآن:

_ وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو , ويعلم ما في البر والبحر , وما تسقط من ورقة إلا يعلمها , ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين . . أو إلى مثل هذه الصورة: يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها , وما ينزل من السماء وما يعرج فيها , وهو معكم أينما كنتم , والله بما تعملون بصير أو إلى مثل هذه الصورة: وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه . وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب . إن ذلك على الله يسير

_ كذلك لم يسبق لبشر ولم يلحق أن التفت مثل هذه اللفتة إلى القدرة التي تمسك هذا الكون وتدبره: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا . ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده . . أو هذه اللفتة إلى انبثاقات الحياة في الكون من يد القدرة المبدعة وما يحيط بالحياة من موافقات كونية مدبرة مقدرة:

_ (إن الله فالق الحب والنوى , يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي . ذلكم الله . فأنى تؤفكون . فالق الإصباح . وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا , ذلك تقدير العزيز العليم . وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر , قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون . وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع , قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون . وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء , فأخرجنا منه خضرا , نخرج منه حبا متراكبا , ومن النخل من طلعها قنوان دانية , وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه . انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون) . .

= وهذه اللفتات الكونية كثيرة في القرآن كثرة ملحوظة , ولا نظير لها فيما تتجه إليه خواطر البشر للتعبير عن مثل المعاني التي يعبر عنها القرآن . . وهذه وحدها كافية لمعرفة مصدر هذا الكتاب . . بغض النظر عن كل دلالة أخرى من صلب الكتاب أو من الملابسات المصاحبة له على السواء .

فالشبهة واهية سطحية . حتى حين كان القرآن لم يكتمل , ولم تتنزل منه إلا سور وآيات عليها ذلك الطابع الإلهي الخاص , وفيها ذلك القبس الموحي بمصدرها الفريد .

وكبراء قريش كانوا يراجعون أنفسهم , ويردون على هذه الشبهة بين الحين والحين . ولكن الغرض يعمي ويصم . وإذ لم يهتدوا به فسيقولون:هذا إفك قديم . كما يقول القرآن الكريم !
وقد حكت كتب السيرة مواقف متعددة لزعماء قريش , وهم يراجعون هذه الشبهة وينفونها فيما بينهم .
من ذلك ما رواه ابن اسحق عن الوليد بن المغيرة , وعن النضر بن الحارث , وعن عتبة بن ربيعة وقد جاء في روايته عن الأول:

"ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش . وكان ذا سن فيهم ; وقد حضر الموسم . فقال لهم:يا معشر قريش , إنه قد حضر هذا الموسم , وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه , وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ; فأجمعوا فيه رأيا واحدا , ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا , ويرد قولكم بعضه بعضا , فقالوا:فأنت يا أبا عبد شمس فقل , وأقم لنا رأيا نقل به . قال:بل أنتم فقولوا أسمع . قالوا:نقول:كاهن . قال:لا والله , ما هو بكاهن , لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه . قالوا:فنقول:مجنون . قال:ما هو بمجنون , لقد رأينا الجنون وعرفناه , فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته . قالوا:فنقول:شاعر . قال:ما هو بشاعر , لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر . قالوا:فنقول:ساحر . قال:ما هو بساحر ; لقد رأينا السحار وسحرهم , فما هو بنفثهم ولا عقدهم . . قالوا:فما نقول يا أبا عبد شمس؟قال:والله إن لقوله لحلاوة , وإن أصله لعذق , وإن فرعه لجناة وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل , وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا:هو ساحر جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأبيه , وبين المرء وأخيه , وبين المرء وزوجه , وبين المرء وعشيرته . فتفرقوا عنه بذلك , فجعلوا يجلسون بسبل الناس – حين قدموا الموسم – لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه , وذكروا لهم أمره . . . "

إذن فما كان قولهم:ساحر أو كاهن , إلا حيلة ماكرة أحيانا وشبهة مفضوحة أحيانا . والأمر أوضح من أن يلتبس عند أول تدبر وأول تفكير . وهو من ثم لا يحتاج إلى قسم بما يعلمون وما لا يعلمون:إنه لقول رسول كريم . وما هو بقول شاعر . ولا بقول كاهن . . إنما هو تنزيل من رب العالمين .

_ وتقرير أنه قول رسول كريم لا يعني أنه من إنشائه , ولكن المراد هنا أنه قول من نوع آخر . لا يقوله شاعر , ولا يقوله كاهن , إنما يقوله رسول , يرسل به من عند الله , فيحمله من هناك , من ذلك المصدر الذي أرسله .

الونشريس
.من هداية الآيات:

1- لله تعالى أن يحلف بما شاء من مخلوقاته لحكم عالية وليس للعبد أن يحلف بغير الربّ تعالى.
2- تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية.
3- وصف الرسول بالكرم وبكرامته على ربّه تعالى.
بارك الله فيكم على طيب المتابعة

الونشريس
المراجع:
تفسير القرآن العظيم ابن كثير
تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان للسعدى.
سيد قطب فى ظلال القرآن.
الجزائرى أيسر التفاسير.

الونشريس

    شكرااااااااااااا جعلها الله في ميزان حساناتك☻

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.