لا تزال إشكالية تصنيف الشخصية المعادية للمجتمع بين المرض النفسي والإجرام مستمرة ويرى البعض أن هذا الاضطراب في الشخصية لا يعني التجريم للمضطرب ووصمه بالمنحرف دائما. وغالبا ما تشوب ملف المصاب بالاضطراب المشاكل القانونية والاتصال بالجهات القانونية وطلب التقارير الطبية من جهات مختلفة.
يصاب ما نسبته 3% من الرجال و1% من النساء بهذا الاضطراب وترتفع هذه النسبة إلى 75% في أوساط المساجين. تظهر بوادر الاضطراب في هذه الشخصية في سن مبكرة(بشكل عام قبل سن الــ 15) وتكون مبكرة وواضحة أكثر في الذكور. ترتفع نسبة الاضطراب خمس أضعاف في أقارب المصابين من الدرجة الأولى.
التشخيص:
أهم العناصر الموجود في هذا النوع من الاضطراب في الشخصية ما يلي:
1) نمط سلوكي مستمر من عدم احترام وانتهاك حقوق الآخرين بداية من سن الـ 15 سنه. يتميز السلوك بثلاثة أو أكثر من العناصر التالية:
عدم تماشي الشخص وانصياعه لأخلاقيات وقيم المجتمع كالقيام بتصرفات تستدعي القبض عليه وحبسه.
الخداع, الكذب, المراوغة, لمصلحته الشخصية أو لمجرد الشعور بالسعادة.
الاندفاعية وعدم القدرة على التخطيط السليم.
العصبية والعدوانية وافتعال الشجار وإيذاء الآخرين.
التهور وعدم مراعاة سلامته وسلامة الآخرين.
عدم الشعور بالمسئولية. لا يحافظ على عمله أو متطلبات أسرته ولا يلتزم بتعهداته(المالية مثلا).
لا يشعر بالندم ولا يعتذر عن تصرفاته بل يختلق المبررات عند إيذاءه للغير وانتهاكه للقانون.
2) يشخص الاضطراب بعد سن الــ 18.
3) يوجد اضطراب في السلوك قبل سن الــ 15.
4) لا تكون هذه السلوكيات جزء من مرض عقلي كالفصام أو نوبات الهوس(Mania).
يعتمد التشخيص بشكل أساسي على السيرة المرضية من المريض وأقاربه ومن السجلات القانونية ولكن قد يتطلب تأكيد التشخيص إجراء بعض الفحوصات السريرية والمخبرية مثل تخطيط الدماغ(Electroencephalogram EEG).
الصورة الإكلينيكية:
بالرغم من الصورة الإجرامية الراسخة في أذهان الناس عن المصابين باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع, إلا أن هذه الصورة قد تتجلى بصورة أخرى تتميز بالجاذبية والظهور الاجتماعي المبهر ويستعمل قيم المجتمع الطيبة للوصول لأهدافه الخاصة فتجده يتملق وينافق.
ميلهم للمراوغة والخداع يظهر بشكل واضح حينما يعرضون على الطبيب النفسي لتقييمهم أو أمام اللجان الطبية التي تبت في مسئوليتهم أو الشرعية التي تصدر أحكاما عليهم نتيجة أفعالهم.
تحوي سيرة الشخص المعادي للمجتمع الكثير من بؤر السلوك السيئ والمرفوض من المجتمع عموما كالكذب, السرقة, هروب من البيت(كالسهر والبيات خارج المنزل) أو المدرسة, الشجار المتكرر, سوء استعمال المواد المحظورة, الفشل في الوظيفة(تغييره المستمر لعمله) وكذلك في علاقته مع الآخرين حتى أقاربه. قد تظهر أكثر هذه السلوكيات حتى في سن الطفولة ويصفه أهله أو المحيطين به بأن هذا الإنسان منحرف منذ الصغر.
بالرغم من سلوكهم الإجرامي إلا إنهم نادرا ما يشعرون بالقلق أو الاكتئاب نتيجة لهذه التصرفات فهم لا ينزعون لتقييم أفعالهم أو نتائجها على أنفسهم أو الآخرين. وبالرغم من ذلك, فهم يميلون لإيذاء أنفسهم وتكرر التهديد بالانتحار وكذلك انشغالهم بأعراض جسمانية متعددة.
في أحوالهم العادية لا تظهر عليهم أي أعراض ذهانية كالضلالات(Delusions), الهلاوس(Hallucinations), أو اضطراب التفكير(Disordered Thinking). بل العكس يظهرون صفاء في التفكير ويتركون انطباعا لأي ملاحظ لهم بأنهم متحدثون بارعون وأذكياء.
يوظف المضطربون قدرتهم على المراوغة والخداع وأحيانا مهارتهم في الكلام على أرض الواقع بجر الآخرين في مغامرات غير محسوبة العواقب كالمشاريع التجارية أو حتى الأنشطة الإجرامية كترويج الممنوعات أو السلوك الداعر ولا يظهر لديهم أي التزام بعهودهم مالية كانت أو أخلاقية.
من مظاهر الحياة المعتادة لدى المصابين باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع سوء معاملة الأطفال والأزواج ومعاقرة الخمور والمخدرات والقيادة تحت تأثيرها وتكرر إصابتهم بالحوادث والإصابات نتيجة الشجار المتكرر مع الآخرين ووجود سجل إجرامي لهم في مراكز الشرطة وسوء السمعة وبالرغم من ذلك لا يشعرون في داخلهم أن سلوكهم يبعث على الندم أو مراجعة النفس أو الرغبة في الاعتذار من الآخرين.
المآل ومسار هذا الاضطراب:
بمجرد تبلور أعراض الشخصية المعادية للمجتمع في سن المراهقة(أو حتى الطفولة) فإن مظاهر الاضطراب تميل للاستمرارية. ومن الملاحظ أنهم لا يتعظون من أخطائهم السابقة أو عند إيقاع العقوبة عليهم أو عند وقوع خسارة كبيرة في حياتهم نتيجة أفعالهم وقد ينتهي بهم الأمر إلى السجن أو حتى الموت نتيجة القتل أو الحوادث أو سوء استعمال المخدرات أو الإعدام.
تظهر بعض البحوث أن بعض السلوكيات تقل مع بلوغ سن متقدمة ويعتقد أن ذلك يعود لعدم قدرتهم الجسدية والذهنية على القيام بالتصرفات المعادية للمجتمع بشكل واضح.
العلاج:
1) العلاج النفسي:
بالطبع لا يتوقع من الشخص المعادي للمجتمع أن يلجأ للطبيب طلبا للعلاج وقد لا تتأتى لهم فرصة العلاج إلا عندما تضطرهم الظروف لذلك كالتنويم في المستشفى لأي سبب أو عندما يتورط في فعل يتطلب التقييم الطبي لحالته أو عندما يفتعل المرض النفسي للهروب من العقوبة. ومهما كان العلاج النفسي المقدم للمريض فإن فائدته تضمحل وتنتهي باختلاطه بمن هم على شاكلته(في السجون مثلا) وهنا تأتي أهمية من يخالطهم الإنسان عموما والمضطرب على وجه خاص وتتضح أيضا أهمية الوسط الذي يعيش ويتربى فيه الإنسان. وتظهر أيضا أهمية الصديق في العلاج لمثل هذه الحالات.
يجد المعالجون صعوبة بالغة في تدبير الشخصية المعادية للمجتمع وقد تبدأ الصعوبات في تكوين العلاقة المناسبة مع المريض فلا يستطيع المعالج أحيانا نسيان عدوانية المريض وسلوكه المنحرف.
2) العلاج الدوائي:
لا توجد أدوية نفسية تعالج أعراض الشخصية المعادية للمجتمع ولكن قد تستعمل الأدوية مرحليا عند ظهور أمراض أخرى مصاحبة كالاكتئاب, القلق, أو إدمان المخدرات.
قد تستعمل بعض الأدوية لتقليل التصرفات الاندفاعية مثل أدوية الصرع والمثبتة للمزاج في نفس الوقت مثل التقريتول(Tegretol), الديباكين(Depakene). قد تفيد قوافل مستقبلات الأدرينالين من نوع بيتا( في التحكم في السلوك العدواني إلى حد ما.