إن هؤلاء المشركين بربهم الذين يدعونك إلى اتباع أهوائهم لن يغنوا عنك -أيها الرسول- من عقاب الله شيئًا إن اتبعت أهواءهم, وإن الظالمين المتجاوزين حدود الله من المنافقين واليهود وغيرهم بعضهم أنصار بعض على المؤمنين بالله وأهل طاعته, والله ناصر المتقين ربَّهم بأداء فرائضه واجتناب نواهيه.
هذا القرآن الذي أنزلناه إليك أيها الرسول بصائر يبصر به الناس الحق من الباطل, ويعرفون به سبيل الرشاد, وهدى ورحمةٌ لقوم يوقنون بحقيقة صحته, وأنه تنزيل من الله العزيز الحكيم.
بل أظنَّ الذين اكتسبوا السيئات, وكذَّبوا رسل الله, وخالفوا أمر ربهم, وعبدوا غيره, أن نجعلهم كالذين آمنوا بالله, وصدقوا رسله وعملوا الصالحات, وأخلصوا له العبادة دون سواه, ونساويَهم بهم في الدنيا والآخرة؟ ساء حكمهم بالمساواة بين الفجار والأبرار في الآخرة.
آ:19 الجار "من الله" متعلق بحال من "شيئا"، و"شيئا" نائب مفعول مطلق أي: إغناء قليلا أو كثيرا،
جملة "وإن الظالمين …" معطوفة على جملة "إنهم لن يغنوا"، وجملة "بعضهم أولياء" خبر إن.
آ:20 الجار "للناس" متعلق بنعت لـ "بصائر"، الجار "لقوم" متعلق بنعت لـ "رحمة".
آ:21 "أم" المنقطعة. والمصدر "أن نجعلهم" سدَّ مسدَّ مفعولَيْ حَسِبَ، الجار "كالذين" متعلق بالمفعول
الثاني لـ "نجعل"، "سواء" حال من الضمير المستتر في الجار "كالذين" أي: كائنين هم سواءً،
"محياهم" فاعل بـ"سواء"، جملة "ساء ما يحكمون" مستأنفة، "ما" اسم موصول فاعل "ساء"،
والمخصوص بالذم محذوف أي: حكمهم.
، وقال هاهنا:( وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) أي: وماذا تغني عنهم ولايتهم لبعضهم بعضا، فإنهم لا يزيدونهم إلا خسارا
ودمارا وهلاكا، ( وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) ، وهو تعالى يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا
أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات.
ثم قال: ( هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ ) يعني: القرآن ( وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )
يقول تعالى: لا يستوي المؤمنون والكافرون، كما قال: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [ الحشر: 20] وقال هاهنا: ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ) أي: عملوها وكسبوها ( أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ) أي: نساويهم بهم في الدنيا والآخرة! ( سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) أي: ساء ما ظنوا بنا وبعدلنا أن نُسَاوي بين الأبرار والفجار في الدار الآخرة، وفي هذه الدار.
قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا مُؤمَّل بن إهاب، حدثنا بُكَير بن عثمان التَّنُوخِي، حدثنا الوَضِين بن عطاء، عن يزيد بن مَرْثَد الباجي ، عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: إن الله بنى دينه على أربعة أركان، فمن صبر عليهن ولم يعمل بهن لقي الله [وهو] من الفاسقين. قيل: وما هن يا أبا ذر؟ قال: يسلم حلال الله لله، وحرام الله لله، وأمر الله لله، ونهي الله لله، لا يؤتمن عليهن إلا الله. < 7-268 >
قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "كما أنه لا يجتنى من الشوك العنب، كذلك لا ينال الفجار منازل الأبرار"
هذا حديث غريب من هذا الوجه. وقد ذكر محمد بن إسحاق في كتاب "السيرة" أنهم وجدوا حجرا بمكة في أسِّ الكعبة مكتوب عليه: تعملون السيئات وترجون الحسنات؟ أجل كما يجتنى من الشوك العنب .
وقد روى الطبراني من حديث شعبة، عن عمرو بن مُرَّة، عن أبي الضحى، عن مسروق ، أن تميما الداري قام ليلة حتى أصبح يردد هذه الآية: ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) ؛ ولهذا قال تعالى: ( سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) .
منقول
وجعلها في ميزان حسناتك بإذن الله
جعله الله في ميزان حسناتك