المرء مع من أحب , فاختر حبيبك من ها هنا قال لى أحدهم : أحب الممثلة الفلانية , قلت له : أتحب أن تحشر معها فى الآخرة ؟! .. تحب أن تكون معها أم مع النبى محمد صلى الله عليه وسلم ؟! .. تحب أن تكون مع من ؟ .. سأل أعرابى رسول الله صلى الله عليه وسلم : الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم ؟ , قال : " المرء مع من أحب " [متفق عليه] .
فهل تحب أن تكون مع الفاسدين وأهل اللغو والمجون ؟!
لذا لما سمع أنس بن مالك هذا الحديث , قال : فما فرحنا بشىء بعد الإسلام فرحنا بهذا الحديث " المرء مع من أحب " , لأننى أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر , وأرجو أن أكون معهم فى الجنة .
ولذلك كان من إحدى رسائلى على الهاتف لأحبابى فى الله : " اللهم إنك تعلم أنى وإن كنت أعصاك , إلا أننى أحب من يطيعك , فاجعل ذلك قربة لى عندك .. آمين " , هذه هى الرسائل النافعة .. وليست تلك التى يكتبونها اليوم من هراء غير مفيد .. اكتب شيئا مفيدا .. فالهاتف نعمة لا تستعملها فى المعاصى , لم تستعمله فى اللهو والغفلة ؟!
استعمله فى طاعة الله ونشر الحب فى الله .. اكتب : اليوم درس فى المكان الفلانى .. أرسله إلى كل الناس .. كل المسجل على الهاتف أرسل إليه .. فإن جاء فخير كبير , وإن لم يأت كانت أيضا فى ميزان حسناتك .. اكتب آية قرأتها نفعتك .. اكتبها وأرسلها .. حديثا سمعته اكتبه وأرسله ادع إلى الله بالحب لعل الله ينفع بك وإن لم تفعل .
إن فعلت هذا وعشت على هذا , فأنت تحب الخير وتحب أهله , وسوف تحشر معهم بإذن الله – تعالى .
والذى يحب الراقصة الفلانية والفنانة الفلانية والممثل الفلانى فسوف يكون معهم .. الذى تحبه ستكون معه .. تحب اللاعب الفلانى .. المسرحية الفلانية .. الأغنية الفلانية .. ستكونون معا يوم القيامة فى الموقف , وبعد ذلك جهنم والعياذ بالله .
أما إذا أحببت الله وأحببت من يحب الله .. فستكون جاره فى الفردوس الأعلى , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس , فإنه أعلى الجنة ووسط الجنة , ومنه تفجر أنهار الجنة , وسقفه عرش الرحمن " [أخرجه البخاري] .. فإذا أحببت الله كنت جاره .. وإذا أحببت النبى صلى الله عليه وسلم كنت معه .
أبو بكر الصديق وعمر وعلى وعثمان وأبو الدرداء وأنس وأبو ذر ومعاذ رضى الله عنهم .. هؤلاء هم النجوم بحق , فإذا أحببتهم كنت معهم هناك فى الآخرة .. نعم : هؤلاء هم الذين يستحقون الحب .. فمن تحب ؟!
إن قضية الحب فى هذه الأيام قضية فى غاية الغرابة , فالناس اليوم يحبون أشياء غريبة وموضوعات عجيبة .. لقد قرأت فى إحدى وسائل الإعلام المقروء : أن رجلين قد رفعا قضايا ضد بعضهما البعض بسبب كلمة ساقطة .. عجيب !! .. عجيب أن ترى الناس فى الشارع يحبون التلفظ بهذه الكلمات .
لقد كان الناس منذ زمان مضى يبحثون عن الكلام الذى فيه أدب وذوق .. كلام أرستقراطى .. فكانوا يتشبهون بالفرنسيين فى ترقيق الكلام ونطق الراء غينا .. وإن كنا لا نوافقهم , فلغتنا وقورة ومحترمة وفيها كل الجمال والأدب .. ولكن الشاهد أن الناس كانوا يبحثون عن الكلام المحبب الجميل , أما اليوم فصار الناس يبحثون عن كلام السوقة .. ألفاظ سوقية .. يبحثون عن ألفاظ السفلة والضائعين فى الشوارع .. وتجدنا وللأسف نتكالب عليها ونتباهى بها .. أمة فى الحضيض !!
إننا بحاجة إلى أن نبحث عن كل كلمة جميلة مريحة رطبة , وكل إشارة مؤدبة وكل حركة مهذبة لنتعامل بها مع الناس , لنكسب حبهم ونحببهم إلى الله , لنكون معهم ويكونوا معنا على طريق الحب فى الله .
وانظر إلى الرقة والأدب فى التعامل بين الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم أجمعين – :
عن زيد بن أسلم عن أبيه : " عزل عمر خالدا , فلم يعلمه أبو عبيدة حتى علم من الغير , فقال : يرحمك الله , ما دعاك إلى أن لا تعلمنى ؟ , قال : كرهت أن أروعك " .. حب فى الله .
قال الصورى : علامة الحب لله المراقبة للمحبوب , والتحرى لمرضاته .
ولما اشترى أبو بكر بلالا وهو مدفون فى الحجارة بخمس أواق ذهبا , قالوا : لو أبيت إلا أوقية لبعناكه , فقال : لو أبيتم إلا مئة أوقية لأخذته .. حب فى الله .
قال فضيل بن غزوان : أتيت أبا إسحاق بعد ما كف بصره , قال : قلت : تعرفنى ؟ , قال : فضيل ؟ قلت : نعم , قال : إنى والله أحبك , لولا الحياء منك لقبلتك , فضمنى إلى صدره ثم قال : حدثنى أبو الأحوص عن عبد الله :
" لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ " ( الأنفال :63 )نزلت فى المتحابين .
وكان أبو العالية إذا دخل عليه أصحابه يرحب بهم ويقرأ : " وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ "
( الأنعام : 54 ) .
وكان ابن عمر يقول : إنى لأخرج وما لى حاجة إلا أن أسلم على الناس ويسلمون علىّ .. حب فى الله .. يحب المسلمين ويحب رؤيتهم .
قال الأوزاعى : كتب إلىّ قتادة من البصرة : إن كانت الدار فرقت بيننا وبينك فإن ألفة الإسلام بين أهلها جامعة .
الحب فى الله والبغض فى الله , والموالاة فى الله والمعاداة فى الله .. الحب فى الله أن تحب الله – تعالى – ورسوله صلى الله عليه وسلم وتحب بحبهما المؤمنين , قال – تعالى – : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ"( المائدة : 55 ) .
والبغض فى الله أن تكره الكفر والكافرين والشرك والمشركين والفسق والفاسقين , حتى ولو كانوا أقرب الأقربين إليك , قال – تعالى – : " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ " ( الممتحنة : 4 )
وأبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح .. أمين هذه الأمة .. حقق هذا الأصل العظيم يوم بدر .. أصل الموالاة فى الله والمعاداة فى الله .. هذا الأصل الذى يقول عنه العلماء : الولاء والبراء هو المقياس العملى والحقيقى للتوحيد الخالص .
" عاش أبو عبيدة تجربة المسلمين القاسية فى مكة منذ بدايتها إلى نهايتها , وعانى مع المسلمين السابقين من عنفها وضراوتها , وآلامها وأحزانها ما لم يعانه أتباع دين على ظهر الأرض , فثبت للابتلاء , وصدق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فى كل موقف .
لكن محنة أبى عبيدة يوم " بدر " فاقت فى عنفها حسبان الحاسبين وتجاوزت خيال المتخيلين .
انطلق أبو عبيدة يوم بدر يصول بين الصفوف صولة من لايهاب الردى , فهابه المشركون , ويجول جولة من لا يحذر الموت , فحذره فرسان قريش , وجعلوا يتنحون عنه كلما واجههم ..
لكن رجلا واحدا منهم جعل يبرز لأبى عبيدة فى كل اتجاه , فكان أبو عبيدة يتحرف عن طريقه ويتحاشى لقاءه .
ولج الرجل فى الهجوم وأكثر أبو عبيدة فى التنحى , وسد الرجل على أبى عبيدة المسالك ووقف حائلا بينه وبين قتال أعداء الله , فلما ضاق به ذرعا ضرب رأسه بالسيف ضربة فلقت هامته فلقتين , فخر الرجل صريعا بين يديه .
لا تحاول – أيها القارىء الكريم – أن تخمن من يكون الرجل الصريع .. أما قلت لك : إن عنف التجربة فاق حسبان الحاسبين وجاوز خيال المتخيلين ؟ .. ولقد يتصدع رأسك إذا عرفت أن الرجل الصريع هو عبد الله بن الجراح والد أبى عبيدة .
لم يقتل أبو عبيدة أباه , وإنما قتل الشرك فى شخص أبيه .
فأنزل الله – سبحانه – فى شأن أبى عبيدة وشأن أبيه قرآنا , فقال – علت كلمته :
" لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " ( المجادلة : 22 ) .
لم يكن ذلك عجيبا من أبى عبيدة , فقد بلغ من قوة إيمانه بالله ونصحه لدينه , والأمانة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم مبلغا طمحت إليه نفوس كبيرة عند الله " .
فاختاروا – إخوتاه – من يسركم فى القيامة أن يكونوا معكم وتكونوا معهم , وابتعدوا عن طريق الصادين عن سبيل الله الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا .. تبرءوا من الفسقة الفجرة حتى لا يجمعكم الله بهم .. اتركوا الاختلاط بهم , واتركوا التشبه بهم فى الأعياد والاحتفالات والملبس والهيئة , واستعمال كلماتهم التى يكرهها الله .
قال – تعالى – : " وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ "
( هود : 113 ) .. فالآية : " فيها دليل على وجوب هجران أهل الكفر والمعاصى , وأهل البدع والأهواء , فإن صحبتهم كفر أو معصية , إذ الصحبة , لا تكون إلا عن مودة " .
إخوتاه , الطريق إلى الله لابد فيها من البعد عن المثبطين المقعدين الذين ركنوا إلى حب الدنيا والتذوا بها , فأحبوا المؤمنين الطائعين الطاهرين يعينوكم على الوصول , ويهونوا عليكم مشاق الطريق .
أخى فى الله , حبيبى فى الله , أحبب لله , واكره لله , فبهذا الأصل اختر حبيبك من ها هنا , واعلم أن المسافر إلى الله يحتاج ولابد إلى رفقة صالحة وصحبة طيبة .. يحتاج أن يعيش فى مجتمع تسوده المحبة والأخوة .
أخى فى الله , المرء مع من أحب , فمن تحب ولماذا ؟
اللهم ارزقنا حبك , وحب من أحبك , وحب كل عبد صالح يحبك , وحب كل عمل يقربنا إلى حبك .. اللهم اجعل حبك أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا ومن الماء البارد على الظمأ .. اللهم واجعلنا ممن أحببتهم فرضيت عنهم .. اللهم وكما جمعتنا على حبك فى الدنيا اجمعنا فى جناتك جنات النعيم على سرر متقابلين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين , وحسن أولئك رفيقا .. اللهم لا تحرمنا رؤية الصالحين ولا تحرمنا – اللهم – من النظر إلى وجهك الكريم ..
آميــــــن .. آميــــــن .. آميــــــن ..