قال عبدالله بن المبارك: خرجتُ حاجّاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام.
فينما أنا في بعض الطريق إِذْ أنا بسَوَادٍ، فتَمَـيَّـزْتُ ذاكَ فإذا هي عَجوزٌ عليها دِرْع ٌ من صفوف، وخمارٌ من صوف.
فقلتُ: السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته،
فقالت: {سلامٌ قولاً من رَبٍّ رَحِيمٍ}.
فقلت لها: يرحمكِ اللهُ، ما تصنعين في هذا المكان؟
قالت: {وَمَن يُضلِل ٱللهُ فلا هاديَ لَهُ}
.فَعَلِمْتُ أَنـــَّها ضالَّةٌ عن الطريق، فقلت لها: أين تريدين؟
قالت: {سُبْحانَ الذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيـْلاً مِن المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى}.
فعلمتُ أنها قد قَضَتْ حَجَّتَها وهي تريد بيت المَقْدِسِ،
فقلت لها: أنت منذ كم في هذا الموضع؟
قالت: {ثَلاثَ لَيالٍ سَويّاً}.
فقلت: ما أرى معكِ طعامًا تأكلين،
قالت: {هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}.
فقلت: فبأي شيء تتوضئين؟
قالت: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا }.
فقلت لها: إن معي طعامًا، فهل لكِ في الأكلِ؟
قالت: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيـْلِ}.
فقلتُ: ليس هذا شهر رمضان،
فقالت: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ}.
فقلت: قد أُبيحَ لنا الإفطار في السفر،
فقالت: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُـنْتُم تَعْلَمُونَ}.
فقلت: لـِمَ لا تكلمينني مثلما أكلمكِ؟
قالت: {ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيـْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
فقلت: فمن أي الناس أنتِ؟
قالت: {وَلا تَـقْـفُ ما ليَسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}.
فقلت: قد أخطأتُ فاجعليني في حِلٍّ.
قالت: {لا تَثْرِيبَ عَلَيــْكُم اليَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُم}.
فقلت: فهل لكِ أن أحملك على ناقتي هذه فتدركي القافلة؟
فقالت: {وَما تَفْعَلُوا مِن خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ}.
فأنختُ ناقتي فقالت: {قُلْ لِلــْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبــْصارِهِم}.
فغضضتُ بَصَري عنها وقلتُ لها ارْكَبِي،
فلما أرادت أن تَرْكَبَ نَفَـرَت الناقةُ فمزقت ثيابها
فقالت: {وَما أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُم}.
فقلتُ لها: اصْبِرِي حتى أَعْقِلَـها،
قالت: {فَفَهَّمْناها سَلَيْمانَ}.
فعَقَلْتُ الناقةَ وقلتُ لها اركبي،
فلما رَكِبَت قالت: {سُبْحانَ الذِي سَخَّرَ لَنَا هذا وَما كُنــَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}.
قالَ: فأخذتُ بِزِمَامِ الناقةِ وجَعَلْتُ أُسْرِعُ وأَصِيحُ،
فقالت: {واقْصِدْ فِي مَشْيِكَ واغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}.
فجعلتُ أَمشي رُوَيــْدًا رويدًا وأَتَرَنَّمُ بالشِّعْرِ
فقالت: {فَاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِن القُرْآنِ}.
فقلت لها: لقد أُوتِيتِ خيرًا كثيرا
فقالت: {وَما يَذَّكَرُ إِلاّ أُولُوا الأَلــْبابِ }.
فلما مشيتُ بها قليلاً قلتُ: أَلَكِ زوجٌ؟
قالت: {يا أَيــُّها الذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلـــُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُم تَسُؤْكُم}.
فسَكَتُّ ولَمْ أُكَلِّمْها حتى أَدْرَكْتُ بها القافلة،
فقلت لها: هذه القافلة، فمن لك فيها؟
فقالت: {المالُ والبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيا}.
فعلمتُ أن لها أولادًا
فقلت: وما شأنهم في الحج؟
قالت: {وَعَلامَاتٍ وبِالنَّجْمِ هُم يَهْتَدُونَ}.
فعلمتُ أنهم أَدِلاّءُ الرَّكْبِ.
فقَصَدْتُ بها القِبابَ والعِماراتِ فقلتُ: هذه القبابُ، فمَن لَكِ فيها؟
قالت: {واتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً}،{وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}،{يا يَحْيَى خُذ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ}.
فناديتُ: يا إبراهيم، يا موسى، يا يحيى.
فإذا أنا بشُبَّان كأنهم الأقمار قد قَبَلُوا، فلما استقر بهم الجلوس
قالت: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هذهِ إِلَى المَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيــُّها أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِنْهُ}.
فمضى أحدهم فاشترى طعامًا فقَدَّمُوه بين يَدَيَّ،
فقالت: {كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُم فِي الأَيــَّامِ الخالِيَةِ}.
فقلتُ: الآن طعامكم عَلَيَّ حَرامٌ حتى تخبروني بأمرها.
فقالوا: هذه أُمُّـنا منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تَزِلَّ فيَسْخَطَ عليها الرحمن، فسبحان القادر على ما يشاء.
فقلتُ: {ذلكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ واللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ}.
أمانحن اخوتي في الله فقد إمتلأت مجالسنا بالغيبة والنميمة والكذب والزور
نسأل الله السلامة والعافية وأن يطهر السنتنا من كل سوء
ونسأله التقى والعفاف والهدى ..
جُزيتى الجنة وبميزان حسناتك ان شاء الله يارب
بارك الله فيكي
ليتنا مثلها