«المورتديلا»، شرائح الديك الرومي أو لحم البقر بالزيتون أو بالثوم… اكتسحت وجباتنا اليومية، خصوصا أن نمط حياة المغاربة «المعاصر» غيَّر العديد من عاداتهم الغذائية.
ومع ذلك، تُحذّر الكثير من الدراسات من استهلاك هذا النوع من الأطعمة، لما يحتوي عليه من مواد مضافة خطيرة.
لقد ولى زمن «الطاجين»، الذي يطهى على نار الخشب، أو الخبز «المنزلي» ومعهما كل تلك الوصفات اللذيذة التي تركها لنا أجدادنا. أصبح المغاربة، اليوم، «ضحية» للإرهاق، لكثرة مشاغلهم اليومية، الشيء الذي أثّر على عاداتهم الاستهلاكية. يفضل المغاربة اختصار الوقت والمجهود وبتكلفة أقل. ورغم كل التوصيات باستهلاك أطعمة طبيعية، فإن بعض المواد تشهد نسبة استهلاك متزايدة، مثل «شاركيتري»… إن رفوف «المورتديلا» وشرائح الديك الرومي ولحم البقر المدخّن بالزيتون أو حبوب الفلفل… تستهلك بشكل متزايد، ويوميا، إذ سجلت نسبة الاستهلاك الوطني بهذا الخصوص ارتفاعا سنويا هاما منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي.
وفي ظرف عشر سنوات، أصبحت هذه الأطعمة الغذائية المصنَّعة في المغرب تُسوَّق في جميع أنواع الأسواق الممتازة المحلية، حيث تُخصَّص لها رفوف بالكامل، ونفس الأمر بالنسبة إلى محلات البقالة ومقشدات الأحياء، وبهذا أضحت مكونا أساسيا في وجبات المغاربة.
«المورتديلا» سبب العديد من التسممات الغذائية الجماعية
إلى حدود نهاية تسعينيات القرن الماضي، كانت معظم الـ«شاركيتري»، التي تروج في السوق، مستوردة من إسبانيا. وقد شهدت سنة 1999 «زوبعة»، بسبب التسمم الغذائي الذي نتج عن استهلاك «المورتديلا» المستورَدة من إسبانيا وتصدرت هذه الفضيحة صفحات كل الصحف، إلى درجة أصبحت معها «قضية وطنية».. ونتيجة لذلك، تم الحجز على كل مخزون «المورتديلا» حيثما وُجِدت، لتسبُّبها في ثلثي حالات التسمم الغذائي الجماعية المسجَّلة، والتي خلّفت العديد من الوفيات. وعقب ذلك، تعبّأت السلطات المغربية وأجرت العديد من التحاليل الوبائية في كل الوحدات الإنتاجية، ليتبين أن 10 شركات من أصل 60 هي التي تحترم معايير الصحة وظروف الحفظ قبل البيع. وفي حالة ما إذا تم احترام المعايير المحددة أثناء عملية التصنيع وإهمال شروط الحفظ الصحية، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تسمم المواد الغذائية.
«أوضحت الدراسات التي خضعت لها بعض العينات من المورتديلا آنذاك أنها تحتوي على مادة سامة مخفية تنتجها بكتيريا تسبب مرض «البوتيليزم»، أي التسمم، بسبب الأكل الفاسد»، حسب ما أكده أحد العلماء. وهكذا، يتبيّن لنا أن السبب الأساسي وراء هذه الآفة هو عدم احترام شروط الحفظ وليس كيفية الإنتاج. تجدر الإشارة إلى أنه تم تسجيل حالات عديدة بعد ذلك الحادث والتي تسببت فيها المورتديلا في حالات تسمم مميتة.
المورتديلا.. وصفة سحرية؟
ما هي مكونات هذه المورتديلا التي تجعل المغاربة «يدمنون» على استهلاكها؟ يبقى لحم الديك الرومي أو لحم البقر مُكوِّنَها الأساسي! ولا يجب أن نخشى شيئا، إذا تم احترام شروط الذبح الصحية. تحتوي المورتديلا، أيضا، على نسبة مهمة من النشا تُقدَّر بـ20 %، وهذا شيء لا مضرة فيه، فالأمر يتعلق بمستخلصات نباتية كالجذامير أو الحبوب، والتي تُخمّر الأطعمة، بالإضافة إلى المركبات الفوسفورية، والتي لا تلحق أي أضرار بالجسم، حسب ما يقوله الباحثون، أو سكريات ونكهات متبّلة. كما يمكن أن نجد من ضمن المكونات مضادا للأكسدة «316E»، والذي لا يبدو له أي ضرر على الصحة، حسب أخصائيي المجال. لكن حذار! هذه ليست المكونات الأكثر خطورة على الصحة! لأن المورتديلا تحتوي على الكثير من ملونات «120E» وعلى ملح النترات «250E».. هذه هي المكونات التي يجب أن يتوقف عندها المستهلك، لأنها تشكل بالفعل خطورة على صحته.
لتحضير «شاركيتري»، تستعمل الشركات المصنعة عددا من المكونات تسمى «المواد المضافة». هذه الأخيرة، (120E و250E) مواد مصنفة في خانة المواد «الخطيرة» المستعملة، حسب التصنيف العالمي. ونجد في قائمة مسهبة أنجزها الأخصائيون الدوليون في المواد المضرة بالصحة، والتي يجب تنحيتها من وجباتنا، مكونين أساسيين يُستعمَلان في المورتديلا وهما «E120» وتُعرف بـ«دودة الدوالي» أو «الحمض القرمزي»، وهي ملون أحمر يستعمل في المورتديلا وكذلك في المشروبات السكرية وفي العلك. والمخاطر التي ترتبط باستهلاك هذه المادة متنوعة، فقد تتسبب في النشاط الزائد والربو وأكزيما الجلد والأرق. وبما أنها مواد تُستخلَص من حشرات مسحوقة أو من مواد كيميائية، فقد تتسبب في السرطان أو المطفرة. أما في ما يخص الأطفال، فيجب أن يشطب على هذه المادة بشكل نهائي من وجباتهم. أما مادة «250 E» فليست أقل خطرا من نظيرتها «E120» فهي تستعمل بشكل خاص في اللحوم و«شاركيتري» ويتعلق الأمر بـ«نترين الصوديوم»، وهو حافظ كيميائي أو معدني مصنف كمادة خطيرة ممزوجة بـ»كلوريد الصوديوم»، الذي يتحول في المعدة إلى «نيتروسامين»، وهو مكون قد يتسبب بشكل كبير في السرطان. هذه المادة مستخلصة من النتريت والنترات، اللذين يعتبَران حسب المنظمة العالمية للصحة مواد مسببة للسرطان، ويمكن أن تتسبب كذلك في النشاط الزائد والربو والأرق والدوار أو في انخفاض ضغط الدم، وبالتالي يجب أن تنحى جانبا من وجبات أطفالنا.
ضرورة تفادي استهلاك هذه الأطعمة المضرة
لا يقتصر الأمر فقط على مكونات المورتديلا، بل كذلك على شروط حفظها، ابتداء من عملية نقلها,، فجودة المنتوجات لا تقف عند باب مصنعها بل هناك حلقة تربط ما بين المصنع والمستهلك، وهم الموزعون، فالتسويق، بدوره، يجب أن يحترم مجموعة من المعايير الصحية المعتمَدة، والتي تضمن جودة المواد وحفاظها على مذاقها. وبالنسبة إلى «شاركيتري»، فيجب أن تُحفظ في درجة تتراوح بين °0 و°4 سيليسيوز، الشيء الذي لا يحترمه معظم الموزعين، باستثناء المدن الكبرى، التي يحاول موزعوها -ما أمكن- احترام شروط الحفظ، أما الموزعون في بقية الجهات فلا يأبهون بهذا الجانب الصحي.
وجبات «قاتلة»
من الضروري مواصلة عملية حفظ هذه المواد، ففي نقط البيع، يجب أن تكون درجة الحرارة لا تتجاوز°4، لتفادي التسبب في تسممات غذائية مميتة، كتلك التي نشهدها بين الفينة والأخرى. والواقع أن التغيير المستمر للمناخ الذي تُحفَظ فيه هذه المواد قد يهدد حياة الكثيرين، متسببا في قتلهم، كما حدث سنة 1999.
وهذا حال معظم التسممات الغذائية الجماعية المسجَّلة، والتي ترجع بالأساس إلى المورتديلا، وبالتحديد إلى التسمم نتيجة مرض «البوتيليزم»، الذي تسببه الأطعمة الفاسدة، وهو مرض نادر يظهر أساسا بسبب بكتيريا مُدمِّرة تكون في «البوتولين» («ذيفان» (توكسين) سامّ للأعصاب في اللحوم المعلبة الفاسدة) فالبوتيليزم بكل بساطة قاتل. ويمكن لهذه الأطعمة أن تتعفن خلال تحضيرها، فهذه البكتيريا تتطور في غياب التعقيم اللازم أو بسبب انعدام شروط الحفظ (درجة حرارة المكان الذي تحفظ فيه). ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فحتى في المنزل، يجب أن تحفظ هذه المواد في البراد وفي درجة حرارة ملائمة، وإذا تم فتح المورتديلا، فيجب أن تُستهلَك في ظرف 48 ساعة، عوض أن يتم نسيانها في البراد.
ومنذ زمن طويل، والدراسات الوبائية تفترض أن هذه الأطعمة يمكن أن تتسبب في مرض سرطان القولون. وأثبتت دراسات حديثة، أنجزها المعهد الوطني للبحوث الزراعية في فرنسا، أن هناك علاقة مباشرة وغير افتراضية بين استهلاك «شاركيتري» وسرطان القولون. وهنا، أيضا، تلعب شروط الحفظ دورا مباشرا في التسبب في هذا المرض. ويفسر لنا أحد الباحثين في معهد الدراسات والبحوث الزراعية «عند شراء هذه الأطعمة المعلَّبة، فهي لا تكون مؤكسَدة، وبالتالي فهي لا تشكل خطرا، ولكنْ إذا تم شراء علبة فيها ست شرائح واستُهلِكت شريحتان فقط وتُرِكت الشرائح المتبقية خارج البراد، يمكن أن تكون لهذا السلوك عواقب وخيمة على صحتنا». وتفيد الدراسة أن أكبر المستهلكين لهذه المواد (50 غراما أو 100 غرام يوميا) يقدر احتمال إصابتهم بسرطان القولون بنسبة 30%. وقد أنجزت هذه الدراسات، حتى الآن، على فئران تجارب، في انتظار تأكيد خطرها على الإنسان، والحال أن جميع المؤشرات تفيد باحتمال هذا الخطر.
كيف يمكن احترام شروط الحفظ؟
شروط حفظ مثالية للأطعمة؟ يبقى هذا صعب المنال، في ظل سوق تكتسحه المواد المهربة وفي ظل أجهزة مراقبة معطلة. فمحلات البقالة والمقشدات والسوق السوداء «غارقة» بهذه المواد، وخصوصا المورتديلا. وبما أن الأسعار في المتناول (20 درهما للكيلوغرام الواحد) فالإقبال عليها كبير، والمؤسف أن نقط البيع هذه لا تحترم أدنى الشروط اللازمة للحفظ الصحي. وبالرغم من أن العديد من محلات البقالة والمقشدات مجهَّزة بوسائل التبريد اللازمة لحفظ هذه المواد، تجد أن درجة الحرارة في معظمها إذا لم نقل كلها تفوق °4 لكي يتجنب أصحاب محلات البقالة فواتير كهربائية مكلفة. أما صحة المستهلكين، فتبقى هي آخر هم التجار. ونفس الشيء بالنسبة إلى الأسواق السوداء، كسوق درب غلف في الدار البيضاء، حيث تجد المورتديلا على الأشكال والأنواع. وإذا كان المستهلك يتحمل المسؤولية عند شرائه هذه المواد، فأجهزة المراقبة الصحية تتحمل نصيبها أيضا .فقد قامت مصالح مراقبة السوق من حيث الجودة ومكونات الأغذية، مؤخرا، بجمع هذه المواد وإرسالها إلى المكتب الوطني لسلامة المنتجات الغذائية الذي تأسس سنة 2024.
ويبقى السؤال: هل سيتمكن هذا المكتب من رفع تحدي هذه المعضلة؟ لا شيء مؤكدا! فبجولة صغيرة داخل الأسواق، ستلاحظ عدم احترام الجهات المعنية لمعايير تخزين وحفظ المواد الغذائية، الشيء الذي يُبرز بشكل كبير الخطرَ الذي يتهدد حياة المستهلك المغربي. أما جمعيات حماية المستهلك، فتبقى بعيدة كل البعد عن الواقع المعيش وتبقى نشاطاتها شبهَ منعدمة، فهي عاجزة عن إيصال صوت المستهلك المغربي لا إلى السلطات المختصة ولا إلى مُصنِّعي هذه
الأغذية.
وتجدر الإشارة إلى أن من بين هؤلاء المصنعين هناك شركة «ساباك» ،صاحبة منتوجات «الكتبية»، والتي تتربع على عرش السوق، بنسبة تتراوح ما بين 60 و80 %. ويعتبر منافسوها هذا الاحتكار غيرَ منصف في حقهم. ورغم أن وزارة الزراعة تُحصي العديد من الشركات المصنِّعة للمقبلات، تبقى خمس شركات فقط منظَّمة بشكل جيد، وهي «ساباك»، «إلدين» (س. م.) «مجموعة لعلج»، «بونشورو ماروك»، و«فوديس». وتعتبر «شاركيتري» من صنف المورتديلا والنقانق الأكثر تصنيعا، لأنها الأرخص، وبالفعل فبعض أولئك المصنعين الذين حاولوا إنتاج مقبلات أخرى سرعان ما عادوا إلى تصنيع المورتديلا والنقانق…
ويبقى السؤال الملحّ هو:
إلى أي حد تحترم هذه الشركات معايير الإنتاج المعتمَدة؟
نمو سنوي متزايد
تعد الشركات المصنعة للمقبلات في المغرب على رؤوس الأصابع. هناك خمس شركات تحتكر واحدة منه 70 % من السوق، حسب مصادر مضطلعة. وتصنع شركة «ساباك»، صاحبة الماركة الشهيرة «الكتبية»، حوالي 200 منتوج، كما طورت شبكة توزيع ونقط بيع خاصة بها، ويتقاسم ما تبقى من السوق كل من «إلدن» و«بونشورو ماروك» و«لعلج» و«فوديس»، مع تذمرها من المنافسة غير المشروعة التي تتعرض لها من طرف «ساباك». وتبقى المورتديلا أهمَّ منتوج تصنعه هذه الشركات، لأنها الأكثر استهلاكا بحكم أن أثمنتها في المتناول (20 درهما للكيلوغرام الواحد) حتى إن مصنعي «شاركيتري» ذات الجودة العالية، مثل «بونشورو ماروك» غيروا إستراتيجيتهم، لكي يصنعوا المورتديلا والنقانق. وفي المجموع، يُقدَّر رقم المعاملات السنوية بـ600 مليون درهم، في حين سجل النمو نسبة 10 %، الشيء الذي يفتح «شهية» المُصنِّعين…
مكونات مجهولة
نسبة المكونات التالية غير مذكورة في المعلبات المحلية، باستثناء نسبة النشا:
> نشا 20 %
> لحم الديك الرومي
> نكهات، توابل
> مضاد للأكسدة 316E
> مواد دهنية
> ملح النترات 250E
> سكريات
> مركبات فوسفورية 450E
> ملون قرمزي 120E
أخصائيو التغذية يطالبون بحظر «المورتديلا»
يتفق كل أخصائيي التغذية بهذا الشأن، فكلهم ينصحون بعدم استهلاك المورتديلا، فهي تحتوي على الكثير من الدهون، وخاصة الدهون غير الصحية، وعلى رأس المواد الأكثر دهنية، تأتي «الشاركيتري»، وبفارق كبير جدا عن اللحوم الحمراء والبيضاء، والتي لا تعتبر بدورها خالية من الدهون. وتحتوي هذه الأطعمة، على الأقل، على نسبة 15 % من الدهون، وفي غالب الأحيان، تصل هذه النسبة إلى 20 %. ويبقى أخصائيو التغذية أكثر تساهلا في ما يخص شرائح الديك الرومي، لكنْ شريطة استهلاك كميات قليلة لا تتعدى 60 غراما في الوجبة الواحدة.