الصلاة لغة
أصل الصلاة لغة يرجع إلى معنيين احدهما الدعاء والتبرك فمنه: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} ، وقوله، {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} ومنه الصلاة على الجنازة أي الدعاء للميت أنشدوا:
وقابلها الريح في دنها وصلى على دنها وارتم
قال أبو عمر النميري ومنه قول الأعشى:
لها حارس لا يبرح الجهر ينهها وإن ما دعت صلى عليها وزمزما
وسمي الدعاء صلاة لأن قصد الداعي جميع المقاصد الحسنة الجميلة والمواهب السنية الرفيعة أولاً وآخراً ظاهراً وباطناً دينا ودنيا بحسب إختلاف السائلين ففيه معنى الجمعية كما سيأتي والله أعلم.
والمعنى الثاني، العبادة، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام إذا دعى أحدكم إلى طام فإن كان صائماً فليصل وقد غير بالمعنى الأول أيضاً وهو الأكثر وقيل أن الصلاة في اللغة الدعاء وهو على نوعين دعاء عبادة ودعاء مسألة فالعابد داع كالسائل وبهما غير قوله تعالى أدعوني أستجب لكم فقيل أطيعوني أثبكم وقيل سلوني أعطكم وقوله {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} .
قال ابن القيم: والصواب أن الدعاء يعم النوعين قال وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاةالشرعية هل هو منقول عن موضوعه في اللغة فيكون حقيقة شرعية لا مجازاً شرعياً فعلاً هذا تكون الصلاة باقية على مسماها في اللغة وهو الدعاء, والدعاء دعاء عبادة ودعاء مسألة والمصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة فهو في صلاة حقيقية لا مجازاً ولا منقولة ولكن خص اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ التي يخصها أهل اللغة والعرف ببعض مسماها كالدابة والرأس ونحوهما فهذا غاية تخصيص اللفظ وقصره على بعض موضوعه وهذا لا يوجب نقلاً ولا خروجاً عن موضوعه الأصلي.
ولما ذكر العلامة اللغوي مجد الدين اختلاف العلماء هل هي الدعاء أو مشتقة من الصلاة بالقصر وهي النار أو الملازمة أو الترحم أو التعظم أو غير ذلك مما ذكر عن الحليمي عقب ذلك بقوله ونحن بتأييد الله وتوفيقه لا نعرج على شيء مما ذكروه وعندنا فيها قول هو القول إن شاء الله تعالى.
وذلك أن مادة ص ل وو ل ي موضوعه لأصل واحد وملحوظ لمعنى مفرد وهو الضم والجمع وجميع تفاريعها راجعة إلى هذا المعنى وكذلك سائر تقاليبها كيف ما تصرفت وتقلبت كان مرجعها إلى هذا المعنى وبيان ذلك أن ص ل ومنها الصلاة وسط الظهر من الإنسان من كل ذي أربع وقيل ما أنحدر من الوركين كل ذلك لما فيه من الإنضمام والإجتماع ومنه صلاة بالنار شواه لأنه ينضم ويجتمع اجزاؤه وصلا يده سخنها وادفاها لأنضمام الحرارة إليها وصلاه خاتله وخدعه لأنه ينضم ويجتمع لخدعه كإنضمام الصياد منه الصلاية لمدق الطيب يجمع فيه الطيب والمصلي من أفراس الحلبة يجمع مع السابق والصلاة كنايس اليهود لاجتماعهم فيها ومنها ص ول منه صال على قرنه صولا إذا سطا عليه ووثب إليه والمصولة المكنسة لأنه يجمع بها الكناسة والصيلة بالكسر عقدة في العدبة والمصول شيء يجمع فيه الحنظل وينقع لتذهب مرارته والتصويل كنس نواحي البيدر أي جمع مل تفرق منها.
الثالثة: ل وص تقول لا ص لوصا إذل لمح من خلل الباب كالمختفي وكذلك لا وص ملاوصة واللصوص واللواص والملوس الفالوذ لانعقاده وانجماعه
واللواص أيضاً العسل لذلك أو لاجتماعه في الخلية ولا ص حاد عن الطريق كأنه طلب الإختفاء والإجتماع وكذلك ل ي ص.
والرابعة: ل ص وو ل ص ي تقول لصاه يلصوه ولصا إليه إذا أنضم إليه لريبة وكذلك لصى يلصى كرمى يرمي ولصى يلصى كرضى يرضي.
والخامسة: وص ل وصله وصلا وصله لامه ووصل الشيء ووصل إلى الشيء وصولا ووصلا وصلة بلغه وأجتمع به وأنتهى إليه ومنه الوصيلة الناقة التي وصلت بين عشرة البطن والشاة التي ولدت سبعة أبطن عناقين عناقين فظهر بذلك معنى الضم والجمع في جميع مواد الكلمة فيميت الأفعال المشروعة المخصوصة صلاة لما فيها من اجتماع الجوارح الظاهرة والخواطر الباطنة وإزاحة المصلي عن نفيه جميع المفرقات والمكدرات وجمعه جميع المهمات المجتمعات للحاظر المسكنات أو لاشتمالها على جميع المقاصد والخيرات وكونها أصل العبادات وأم الطاعات انتهى.
وتستعمل الصلاة بمعنى الاستغفار أيضاً ومنه قوله – صلى الله عليه وسلم – أني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم إنه فير في الراوية الأخرى أمرت أن أستغفر لهم وتستعمل بمعنى البركة ومنه قوله – صلى الله عليه وسلم – اللهم صل على آل أبي أوفى وتستعمل بمعنى القراءة ومنه قوله {لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} وبمعنى الرحمة والمغفرو وأما قول الأعشى:
تراوح من صلاة المليك فطورا سجودا وطورا جوارا
فالمراد به الصلاة الشرعية التي فيها الركوع والسجود والحوار هنا الرجوع إلى القيام والقعود إذا تقرر هذا فليعلم أن الصلاة يختلف حالها بحسب حال المصلي والمصلى له والمصلى عليه ففي البخاري عن أبي العاليه أن معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته ومعنى صلاة الملائكة عليه الدعاء له وكذا روينا في أواخر الثامن من حديث الخرساني عن الربيع بن أنس في قوله أن الله ملائكته يصلون على النبي قال صلاة الله عليه ثناؤه عند ملائكته وصلاة الملائكة عليه الدعاء له وقوله يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه أدعوا له وعند ابن أبي حاتم في تفسيره عن
سعيد بن جبير مقاتل بن حيان هو الذي يصلي عليكم يغفر لكم ويأمر الملائكة أن يستغفروا لكم وعن ابن عباس أن معنى صلاة الملائكة الدعاء بالبركة وقد علق ذلك البخاري عنه فقال وقال ابن عباس يصلون يبركون وتقل الترمذي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا صلاة الرب الرحمة وصلاة الملائكة الاستغفار وهو منقول عن ابي العالية والضحاك إلا أنهما قالا صلاة الملائكة الدعاء وقال الضحاك بن المزاحم أيضاً صلاة رحمته وفي رواية عنه مغفرته وصلاة الملائكة الدعاء أخرجهما إسماعيل القاضي من طريقه فكأنه يريد الدعاء بالمغفرة نحوها ورجع الشيخ شهاب الدين القرافي أن الصلاة من الله المغفرة وهكذا فسرها الأرموي والبيضاوي وقال الإمام فخر الدين الرازي والأمدي أنها الرحمة.
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره أيضاً عن الحسن أن بني إسرائيل سألوا موسى هل يصلي ربك قال فكان لك كبر في صدر موسى فأوحى الله إليه أخبرهم أني أصلي وأن صلاتي وأن رحمتي سبقت غضبي وهو في معجمي الطبراني الأوسط والصغير عن عطاء بن أبي رياح عن أبي هريرة عنه رفعه قلت يا جبرائيل أيصلي ربك جل ذكره قال نعم قلت ما صلاته قال سبوح قدوس سبقت رحمتي غضبي وعن ابن حاتم أيضاً من طريق عطاء المذكور في قوله تعالى أن الله و ملائكته يصلون على النبي قال صلاته تبارك وتعالى سبوح قدوس سبقت رحمني غضبي وقال المبرد الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة رقة تبعث على استدعاء الرحمة وتعقب بأن الله تعالى غاير بين الصلاة والرحمة في قوله تعالى أولئك عليهم صلاة من ربهم ورحمة وكذلك فهم الصحابة المغايرة من قوله صلوا عليه وسلموا تسليماً حتى سألوا عن كيفية الصلاة مع ما تقدم من ذكر الرحمة في تعليم السلام حيث جاء بلفظ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وأقرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – فلو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقال لهم قد علمتم ذلك في السلام وقد قال ابن الإعرابي الصلاة من الله الرحمة ومن الآدميين وغيرهم من الملائكة والجن الركوع والسجود والدعاء والتسبيح ومن الطير والهوام التسبيح قال تعالى كل قد علم صلاته وتسبيحه وقال ابن عطية صلوات الله على عبيده عفوه ورحمته وبركته وتشريفه أياهم في الدنيا والآخرة وقال في قوله تعالى هو الذي يصلي عليكم
وملائكته صلاة الله على العبد هي رحمته له وبركته لديه ونشره الثناء الجميل عليه وصلاة الملائكة دعاؤهم وقال غيره صلاة الملائكة رقة ودعل وقال الراغب الصلاة في اللغة الدعاء والتبريك والتحميد ومن الله التزكية، ومن الملائكة الإستغفار ومن الناس الدعاء وقال الزمخشري لما كان من شأن المصلي أن يتعطف في ركوعه وسجوده أستعير لمن يتعطف على غيره حنوا عليه وترؤفا كعائد المريض في انعطافه عليه والمرأة في حنوها على ولدها ثم كثر حتى استعمل في الرحمة والترؤف ومنه قولهم صلى الله عليك أي ترحم وترأف حكاه المجد اللغوي وقال بعده فإن قلت هو الذي يصلي عليكم إن فيرته بترحم وترأف فما تصنع بقوله تعالى ملائكته قلت هي مثل قولهم اللهم صلي على المؤمنين جعلوا لكونهم مستجابي الدعوى كأنهم فاعلون للرحمة والرأفة وقال الماوردي هو اسم مشترك لمعان فمن الله في أظهر الوجوه الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن المؤمنين الدعاء وقال إنما أكدها بالعطف مع اختلاف اللفظ لأنه أبلغ
وجوز الحليمي أن يكون الصلاة بمعنى السلام عليه فإن شيخنا وفيه نظر وحديث كعب وغيره يعني من الإحاديث الآتية يرد على ذلك وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية أن معنى صلاة الله تعالى على نبيه ثناؤه وتعظيمه وصلاة الملائكة وغيرهم طلب ذلك له من الله تعالى والمراد طلب الزيادة لا طلب أصلالصلاة وقيل صلاة الله على خلقه تكون عامة فصلاته على انبيائه هي ما تقدم من الثناء والتعظيم وصلاته على غيرهم الرحمة فهي التي وسعت كل شيء ونقل عياض عن بكر القشيري قال الصلاةعلى النبي من الله تشريف وزيادة تكرمه وعلى من دون النبي رحمة.
وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي – صلى الله عليه وسلم – وبين سائر المؤمنين حيث قال الله تعالى أنه الله وملائكته يصلون على النبي وقال قبل ذلك في السورة المذكورة هو الذي يصلي عليكم وملائكته ومن المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي – صلى الله عليه وسلم – من ذلك أرفع مما يليق بغيره والإجماع منعقد على أن في هذه الآية من تعظيم النبي – صلى الله عليه وسلم – والتنويه به ما ليس في غيرها