تفسيرسورة الحاقة
الآيات (1- 8):
{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)}
شرح الكلمات:
{الحاقة}: أي الساعة الواجبة الوقوع وهي القيامة.
{مالقارعة}: لفظ القارعة، من أسماء يوم القيامة، وسمى يوم القيامة بذلك، لأنه يقرع القلوب ويزجرها لشدة أهواله:
{فأهلكوا بالطاغية}: أي بطغيانهم وعتوهم عن أمر ربهم فأخذتهم صيحة طاغية أيضاً.
{بريح صرصر عاتية}: قوية شديدة الهبوب لها صوت أبلغ من صوت الرعد؛ فأهلكت بالريح الشديدة، التي لها صوت عظيم، والتي تجاوزت كل حد في قوتها.
{حسوماً}: أي متتابعات الهبوب بلا فاصل كتتابع الكيّ القاطع للداء.
{كأنهم أعجاز نخل خاوية}: أي أصول نخل ساقطة فارغة ليس في جوفها شيء.
.معنى الآيات:
{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)}
{ الْحَاقَّةُ } من أسماء يوم القيامة، لأنها تحق وتنزل بالخلق، وتظهر فيها حقائق الأمور، ومخبآت الصدور، فعظم تعالى شأنها وفخمه، بما كرره من قوله: { الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ } فإن لها شأنا عظيما وهولا جسيما، [ومن عظمتها أن الله أهلك الأمم المكذبة بها بالعذاب العاجل]
• كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ
ثم ذكر نموذجا من أحوالها الموجودة في الدنيا المشاهدة فيها، وهو ما أحله من العقوبات البليغة بالأمم العاتية فقال: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ } وهم القبيلة المشهورة سكان الحجر الذين أرسل الله إليهم رسوله صالحا عليه السلام، ينهاهم عما هم عليه من الشرك، ويأمرهم بالتوحيد، فردوا دعوته وكذبوه وكذبوا ما أخبرهم به من يوم القيامة، وهي القارعة التي تقرع الخلق بأهوالها، وكذلك عاد الأولى سكان حضرموت حين بعث الله إليهم رسوله هودا عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى عبادة الله [وحده] فكذبوه وكذبوا بما أخبر به من البعث فأهلك الله الطائفتين بالهلاك المعجل
• فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ
{ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ } وهي الصيحة العظيمة الفظيعة، التي انصدعت منها قلوبهم وزهقت لها أرواحهم فأصبحوا موتى لا يرى إلا مساكنهم وجثثهم.
• وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ
{ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ } أي: قوية شديدة الهبوب لها صوت أبلغ من صوت الرعد [القاصف] { عَاتِيَةٍ } [أي: ] عتت على خزانها، على قول كثير من المفسرين، أو عتت على عاد وزادت على الحد كما هو الصحيح.
• سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ
{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا } أي: نحسا وشرا فظيعا عليهم فدمرتهم وأهلكتهم، { فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى } أي: هلكى موتى
{ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } أي: كأنهم جذوع النخل التي قد قطعت رءوسها الخاوية الساقط بعضها على بعض.
فى ظلال الآيات:
{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)}
• والجو كله في السورة جو جد وجزم , كما أنه جو هول وروع . وهو يوقع في الحس إلى جانب ما أسلفنا في التقديم , شعورا بالقدرة الإلهية الكبرى من جهة , وبضآلة الكائن الإنساني تجاه هذه القدرة من جهة أخرى ; وأخذها له أخذا شديدا في الدنيا والآخرة , عندما يحيد أو يتلفت عن هذا النهج الذي يريده الله للبشرية , ممثلا فيما يجيء به الرسل من الحق والعقيدة والشريعة ; فهو لا يجيء ليهمل , ولا ليبدل , إنما يجيء ليطاع ويحترم , ويقابل بالتحرج والتقوى . وإلا فهناك الأخذ والقصم , وهناك الهول والروع .
• والألفاظ في السورة بجرسها وبمعانيها وباجتماعها في التركيب , وبدلالة التركيب كله . . تشترك في إطلاق هذا الجو وتصويره . فهو يبدأ فيلقيها كلمة مفردة , لا خبر لها في ظاهر اللفظ الحاقة). . ثم يتبعها باستفهام حافل بالاستهوال والاستعظام لماهية هذا الحدث العظيم ما الحاقة ?). . ثم يزيد هذا الاستهوال والاستعظام بالتجهيل , وإخراج المسألة عن حدود العلم والإدراك وما أدراك ما الحاقة ?). . ثم يسكت فلا يجيب على هذا السؤال . ويدعك واقفا أمام هذا الأمر المستهول المستعظم , الذي لا تدريه , ولا يتأتى لك أن تدريه ! لأنه أعظم من أن يحيط به العلم والإدراك !
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)}
• ويبدأ الحديث عن المكذبين به , وما نالهم من الهول , وما أخذوا به من القصم , فذلك الأمر جد لا يحتمل التكذيب , ولا يذهب ناجيا من يُصر فيه على التكذيب.
• [بِالْقَارِعَة] هذا اسم جديد للحاقة . إنها فوق إنها تحق . . فهي تقرع . . والقرع ضرب الشيء الصلب والنقر عليه بشيء مثله . والقارعة تقرع القلوب بالهول والرعب , وتقرع الكون بالدمار والحطم . وها هي ذي بجرسها تقعقع وتقرقع , وتقرع وتفزع . . وقد كذبت بها ثمود وعاد . فلننظر كيف كانت عاقبة التكذيب . .(فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية). .
• وثمود – كما جاء في مواضع أخرى – كانت تسكن الحجر في شمالي الحجاز بين الحجاز والشام . وكان أخذهم بالصيحة كما سماها في غير موضع . أما هنا فهو يذكر وصف الصيحة دون لفظها . .(بالطاغية). . لأن هذا الوصف يفيض بالهول المناسب لجو السورة . ولأن إيقاع اللفظ يتفق مع إيقاع الفاصلة في هذا المقطع منها . ويكتفي بهذه الآية الواحدة تطوي ثمود طيا , وتغمرهم غمرا , وتعصف بهم عصفا , وتطغى عليهم فلا تبقي لهم ظلا !
• وأما عاد فيُفصل في أمر نكبتها ويطيل , فقد استمرت وقعتها سبع ليال وثمانية أيام حسوما . على حين كانت وقعة ثمود خاطفة . . صيحة واحدة . طاغية . .(وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية). والريح الصرصر:الشديدة الباردة . واللفظ ذاته فيه صرصرة الريح . وزاد شدتها بوصفها(عاتية). . لتناسب عتو عاد وجبروتها المحكي في القرآن , وقد كانوا يسكنون الأحقاف في جنوب الجزيرة بين اليمن وحضرموت . وكانوا أشداء بطاشين جبارين . هذه الريح الصرصر العاتية: (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما). . والحسوم القاطعة المستمرة في القطع . والتعبير يرسم مشهد العاصفة المزمجرة المدمرة المستمرة هذه الفترة الطويلة المحددة بالدقة: (سبع ليال وثمانية أيام). ثم يعرض المشهد بعدها شاخصا: (فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية). .
_ فترى . . فالمنظر معروض تراه , والتعبير يلح به على الحس حتى يتملاه !(صرعى). . مصروعين مجدلين متناثرين (كأنهم أعجاز نخل)بأصولها وجذوعها(خاوية)فارغة تآكلت أجوافها فارتمت ساقطة على الأرض هامدة !
إنه مشهد حاضر شاخص . مشهد ساكن كئيب بعد العاصفة المزمجرة المدمرة . .(فهل ترى لهم من باقية ?). . لا ! فليس لهم من باقية !!!
ذلك شأن عاد وثمود . . وهو شأن غيرهما من المكذبين .
.من هداية الآيات:
1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- بيان أن كلا من عاد وثمود كانوا يكذبون بالبعث وبيان ما أهلكهم الله به.
3- بيان أن معصية الرسول موجبة للعذاب الدنيوي والأخروي.
فائدة :
• ابتدأ- سبحانه- بذكر ما أصاب هاتين القبيلتين، لأنهما أكثر القبائل المكذبة معرفة لمشركي قريش، لأنهما من القبائل العربية، ومساكنهما كانت في شمال وجنوب الجزيرة العربية.
• وحتى لا اطيل على القاريء الكريم سأفرد موضوع خاص بقصص هؤلاء والله الموفق
بارك الله فيكم على طيب المتابعة
المراجع:
تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان للسعدى.
التفسير الوسيط الطنطاوى
سيد قطب فى ظلال القرآن.
الجزائرى أيسر التفاسير