************
السؤال
أنا فتاةٌ في العشرينيات مِن عمري, وأنا كأية فتاة يتقدَّم لها مَن يريد الزواج بها، ولكني كنتُ أرفضُ، ولا أقبل إلا مَن يحتاج إلى الرويَّة والتفكير، وأيضًا كنتُ دائمًا لا أدعو لنفسي بالزوج الصالح، حتي قالتْ لنا أختٌ في الله: ادعين لأنفسِكن بالزواج، وكنتُ أتجاهل ذلك، ولكني كنتُ أدعو بأن إذا قدَّر الله لي الزواج ألَّا يتقدم لي سوى مَن سأتزوجه, حتى تقدَّم لي شخصٌ أُعْجِب بي كثيرًا، وأُعجبتُ به، واستخرت الله كثيرًا، وشعرتُ براحة كبيرة، كما سألت عنه، ووجدته على خير، وقد تقولون: كيف عَرَفتِ أنه أعجب بكِ؟ فقد عَرَفت ذلك ممن يعرفُ الموضوع خارج بيتنا؛ لأنه أخبرهم بذلك.
المهم: أنه جاء مرة ثانية، وجاءتْ معه أخته، وجلستْ تتكلَّم معي، وكأنني في تحقيق! وفي نهاية اللقاء أظهر أنه سوف يرجع، وكان الموضوع قد أوشك على الاتفاق, ولكنه لم يرجعْ!
عرفتُ مما أخبرتني بموافقته عليَّ أن أخته تقول: إنه تعقَّد مني، ومن الزواج؛ فكم كانتْ هذه الكلمات صعبةً عليَّ!
أنا – ولله الحمد – مؤمنةٌ بقضاء الله، ولكني خيالية جدًّا, ومن حينها وأنا أُفَكِّر فيه، وأتخيَّله كثيرًا حتي تعبتُ، وأحسستُ بأني أعصي الله بتعلُّق قلبي به؛ لأنه لا تربطني به أية علاقة، ودعوتُ الله أن يرفع عني ما أنا فيه؛ فأهدأ، ولكني سرعان ما أعود إلى هذا التفكير مرة أخرى، وكم أتمنَّى أن أعرف أنه قد ارتبط بأخرى حتى أتقبل الأمر، وأعود إلى صوابي!
أودُّ أن أقول أيضًا: إن مَن قالت لي: إن هذا الشخص على خيرٍ، قالتْ لي حينها: إنه سوف يعود لي ثانية؛ لأنها أحسَّتْ بأنه نصيبي، وهدَّأتني بما عَرَفت من كلام أخته عني, فأنا أقول: ربما كلامها هذا هو ما جعلني أتعلَّق أكثر؛ لا أدري.
أرجو الإفادة والنصيحة؛ فأنا – ولله الحمد – صابرة، ولا أحد من أهلي يعلم بما أنا فيه؛ لأني أخجل مِن هذا, وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فقد أصبتِ كبد الحقيقة لما أدركتِ أن سبب تعلقك بهذا الشخص هو إخبار تلك المرأة لك أنه أُعجِب بكِ؛ فكثيرٌ من الناس يتعلَّق بغيره إذا علم أنه يحبه، أو يهتم به، ولذلك صحَّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: ((إذا أحبَّ أحدُكم أخاه فليُعْلِمه أنه أحبه)).
أما الحكم الشرعي لتعلق قلبكِ بهذا الشاب، فلا يعدُّ حرامًا ما لم تحوِّلي هذا الشعور والإحساس إلى عمل أو قول محرَّم؛ ففي الحديث: ((إن الله تجاوز لأمتي عما حدَّثت به نفسَها ما لم تتكلم به، أو تعمل))؛ رواه النسائي، والترمذي.
ولكن عليك أن تدفعي عنك هذا التفكير، وقد ذكر ابن القيم – رحمه الله – في "زاد المعاد" في بعض طرق علاج تلك المشكلة حتى وإن تفاقمتْ، فقال: "… وإن كان لا سبيل للعاشق إلى وصالِ معشوقه قدرًا أو شرعًا، أو هو ممتنع عليه من الجهتين، وهو الداء العضال، فمِن علاجه إشعار نفسه اليأس منه، فإن النفس متى يَئِستْ من الشيء استراحتْ منه، ولم تلتفت إليه، فإن لم يزل مرض العشق مع اليأس، فقد انحرف الطبع انحرافًا شديدًا، فينتقل إلى علاج آخر، وهو علاج عقله؛ بأن يعلم بأن تعلق القلب بما لا مطمعَ في حصوله نوعٌ من الجنون، وصاحبه بمنزلة مَن يعشق الشمس، وروحه متعلِّقة بالصعود إليها، والدوران معها في فلكها، وهذا معدود عند جميع العقلاء في زمرة المجانين، وإن كان الوصال متعذرًا شرعًا لا قدرًا، فعلاجه بأن ينزلَه منزلة المتعذر قدرًا؛ إذ ما لم يأذنْ فيه الله، فعلاج العبد ونجاته موقوفٌ على اجتنابه، فليُشعِر نفسه أنه معدوم ممتنع لا سبيل له إليه، وأنه بمنزلة سائر المحالات، فإن لم تُجِبه النفس الأمَّارة، فليتركه لأحد أمرين: إما خشيةً، وإما فوات محبوب هو أحب إليه وأنفع له، وخير له منه، وأدوم لذةً وسرورًا، فإن العاقل متى وازن بين نَيْل محبوب سريع الزوال بفوات محبوب أعظم منه وأدوم، وأنفع وألذ، أو بالعكس؛ ظهر له التفاوت، فلا تَبِعْ لذة الأبد التي لا خطر لها بلذة ساعة تنقلب آلامًا، وحقيقتها أنها أحلام نائم، أو خيال لا ثبات له، فتذهب اللذة وتبقى التبعة، وتزول الشَّهْوة وتبقى الشَّقْوة".
ثم قال: "فإن عجزتْ عنه هذه الأدوية كلها، لم يبقَ له إلا صِدْق اللجْءِ إلى مَن يجيب المضطرَّ إذا دعاه، وليطرحْ نفسه بين يديه على بابه مستغيثًا به، متضرعًا متذللًا مستكينًا، فمتى وفِّق لذلك فقد قرع باب التوفيق، فليَعِفَّ وليكتم، ولا يشبِّب بذكر المحبوب، ولا يفضحْه بين الناس، ويعرضه للأذى، فإنه يكون ظالمًا معتديًا"؛ انتهى.
فَارْضي بما قسم الله واصبري، واصرفي تفكيرَك عن هذا الرجل؛ فإن تعلق القلب بما ليس في الإمكان الوصول إليه من ضعف العقل.
ولتشغلي نفسك بما ينفعك، ولتكثري من الدعاء أن يصرف الله عنك ما ألمَّ بك، واشغلي نفسك؛ حتى لا تتفرغي لذلك التفكير.
أجاب عليه الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي حفظة الله
اسعدني مروركم