الاعتدال في تجهيز البنت
سلآم من الله عليكم تحية طيبة وبعد ..لو تأتّى لمجتمعاتنا الخروج على حالة الترف، واقتناء المسائل الكمالية لهانت بقيّة المسائل؛ إننا نستطيع بهذا الجهاز (اللوازم المنزلة التي تأتي بها البنت إلى بيت زوجها) تزويج "10" فتيات بدلاً من واحدة، وقد يرفض هذه المقولة بعض النساء وبعض الرجال، ولكن الإسلام يؤكدها ويرحّب بها.وفي مسألة اقتناء الكماليات أو ما يطلق عليها "فُضُول العيش" قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب"ع" في الديوان المنسوب إليه: وقد دقّت ورُقّت واسترقت فضولّ العيش أعناق الرجال أي أن المسائل الكمالية، أو التجميلية ـ الغير ضرورية ـ قصّرت وأذلت واستعبدت أعناق الرجال.فالحياة التجميلة أو الفائضة على الضرورية تجلب الفقر الفردي والاجتماعي، وتذل صاحبها وتجعل منه أسيراً للآخرين وهذا مرفوض من قبل العقلاء، والملتزمين بشرعة الله الحقّة.إن الوسائل الزائدة عن الحاجة والتي يهيؤها الأبوان لابنتهما الذاهبة إلى بيت الزوج ما هو إلاّ قصم لظهرهما ولكل شيء في حياتهما، ومثلهما مثل ذلك الذي وضع في هاون يمتلكه، وبدأ غيره بالطرق على رأسه، هذا هو مثل أب البنت الذاهبة إلى بيت الزوجية.أيها المجتمع! إننا جميعاً مبتلون، أنا مبتلىً، وأنت مبتلىً، القروي مبتلىً، وابن المدينة مبتلىً، المتدين مبتلىً، وغير المتدين مبتلىً.. كلنا مبتلون، ولو تأتى تقليل هذه الوسائل البيتية القاصمة للظهر لكان بالإمكان تزويج"10" فتيات؛ وقد يقول أحدكم لا يمكن ذلك، واقول له: ثق إن ذلك يمكن، وعليه لا بأس من نقل حكاية عن المرحوم آية الله الحائري الذي كان أسوةً وقدوةً للجميع.يقال: كان الشيخ المرحوم جالساً بين جمعٍ من تلامذته، وإذا بأحد التجار يدخل باحة الدرس ليقدم للشيخ عباءةً من النوع الثمين وهي ما يطلق عليها باللهجة العراقية الدارجة "خاجية".نظر الشيخ إلى العباءة جيداً، وفكر جيداً ليصل إلى نتيجة وهي أنه لا يمكن أن يلبس هكذا عباءة وهو في ذلك المقام الذي يعتبره الناس قدوة لهم، ولا يمكن أن يردّ الهدية، لأن ذلك خلاف الأدب؛ لذا سأل التاجر قائلاً: كم تعدل هذه العباءة من العباءات العادية؟ فقال التاجر:"16" عباءة عادية! فقال الشيخ: هل يمكن إبدالها بهذا العدد من العباءات إذا أنا قبلتها منك؟ فقال: ولم لا، فقال الشيخ: لا بأس بإبدالها لنا.ذهب التاجر إلى السوق حاملاً معه تلك العباءة الثمينة، ليرجع ثانية بعد حين معه "16" عباءة، ليقدمها بدوره إلى الشيخ، وكان ذلك في حضور جمع من التلاميذ والفضلاء.قام المرحوم من مكانه وأمسك بالعباءات ليوزعها بين طلبته، لتبقى واحدة فيضعها على كتفيه ويلتفت إلى التاجر ليقول: أيها أفضل ذلك الحال أو هذا؟.لو كانت عباءة واحدة للبسها شخص واحد، وبما أنها "16" عباءة فقد لبسها "16" شخصاً، وهذه الحالة أفضل من تلك التي يلبس فيها شخص واحد عباءة ثمينة ولا يلبس الباقون أي شيء!.إننا جميعاً مسؤولون غداً، فلا تتنكروا لهذه المسؤولية الكبرى. قال رسول الله(ص):"كلّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته"(14).صحيح مسلم-ج14-ص1459أيها الشباب الأعزّاء! إننا إذا أردنا ديمومة ثورتنا هذه، علينا أن نغيّر أنفسنا من الجذور لكي نتمكن من المساهمة في استمرار هذه الثورة الإسلامية.علينا أن نصلح أنفسنا أولاً، ثم نبدأ بإصلاح وإمار البلد الذي دمّره أعوان السلطة البائدة، إذ لا يمكن إصلاح البلد بدون إصلاح من في البلد، لذا ينبغي علينا تحسين أخلاقنا في البيت، وإفهام فتياتنا بأن هذه الوسائل البيتية المسماة "بالجهاز" يمكن تقسيمها بين "16" بنتاً أو "20" فتاة أو حتى "100" فتاة، بدل أن تكون لفتاة واحدة تستأثر بها وتترك من هم مثلها من الفتيات بدون وسائل وبدون زواج، وهذا الإفهام والنصح لا أعني به أحداً معيناً، بل هو شامل لجميع أفراد المجتمع شيبتهم وشبابهم، عالمهم وجاهلهم، فاضلهم وطالبهم، سألت الباري تعالى أن يوفّق الجميع للابتعاد عن كلّ ما هو غير ضروري، وزائد عن الحاجة، وكماليّ ليعمّ الخير والصلاح في مجتمعاتنا الإنسانية.