تفسيرسورة الحاقة
الآيات (25- 37):
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ
{يا ليتني لم أُوت كتابية}: أي يتمنى أنه لم يعط كتابه لما رأى فيه من السيئات.
{كانت القاضية}: أي الموتة في الدنيا كانت القاطعة لحياتي حتى لا أبعث.
{هلك عني سلطانية}: أي قوتي وحجتي.
{خذوه}: أي أيها الزبانية خذوا هذا الكافر.
{فغلوه}: أي اجعلوا يديه إلى عنقه في الغل.
{ثم الجحيم صلوه}: أي ثم في النار المحرقة أدخلوه وبالغوا في تصليته كالشاة المصلية.
{حميم}: أي من قريب ينفعه أو صديق.
{إلا من غسلين}: أي صديد أهل النار الخارج من بطونهم لأكلهم شجر الغسلين.
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25)
هؤلاء أهل الشقاء يعطون كتب أعمالهم السيئة بشمالهم تمييزا لهم وخزيا وعارا وفضيحة، فيقول أحدهم من الهم والغم والخزي { يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ } لأنه يبشر بدخول النار والخسارة الأبدية.
وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)
{ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } أي: ليتني كنت نسيا منسيا ولم أبعث وأحاسب ولهذا قال:{ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ } أي:: يا ليت موتتي هي الموتة التي لا بعث بعدها.
مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (28)
ثم التفت إلى ماله وسلطانه، فإذا هو وبال عليه لم يقدم منه لآخرته، ولم ينفعه في الافتداء من عذاب الله فيقول: { مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ } أي: ما نفعني لا في الدنيا، لم أقدم منه شيئا، ولا في الآخرة، قد ذهب وقت نفعه.
هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
{ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } أي: ذهب واضمحل فلم تنفع الجنود الكثيرة، ولا العدد الخطيرة، ولا الجاه العريض، بل ذهب ذلك كله أدراج الرياح، وفاتت بسببه المتاجر والأرباح، وحضر بدله الهموم والغموم والأتراح.
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30)ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)
فحينئذ يؤمر بعذابه فيقال للزبانية الغلاظ الشداد: { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } أي: اجعلوا في عنقه غلا يخنقه.{ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ } أي: قلبوه على جمرها ولهبها.
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)
{ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا } من سلاسل الجحيم في غاية الحرارة { فَاسْلُكُوهُ } أي: انظموه فيها بأن تدخل في دبره وتخرج من فمه، ويعلق فيها، فلا يزال يعذب هذا العذاب الفظيع، فبئس العذاب والعقاب، وواحسرة من له التوبيخ والعتاب.
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
• وهي وقفة طويلة , وحسرة مديدة , ونغمة يائسة , ولهجة بائسة . والسياق يطيل عرض هذه الوقفة حتى ليخيل إلى السامع أنها لاتنتهي إلى نهاية , وأن هذا التفجع والتحسر سيمضي بلا غاية ! وذلك من عجائب العرض في إطالة بعض المواقف , وتقصير بعضها , وفق الإيحاء النفسي الذي يريد أن يتركه في النفوس . وهنا يراد طبع موقف الحسرة وإيحاء الفجيعة من وراء هذا المشهد الحسير . ومن ثم يطول ويطول , في تنغيم وتفصيل . ويتمنى ذلك البائس أنه لم يأت هذا الموقف , ولم يؤت كتابه , ولم يدر ما حسابه ; كما يتمنى أن لو كانت هذه القارعة هي القاضية , التي تنهي وجوده أصلا فلا يعود بعدها شيئا . . ثم يتحسر أن لا شيء نافعه مما كان يعتز به أو يجمعهما أغنى عني ماليه). .(هلك عني سلطانيه). . فلا المال أغنى أو نفع . ولا السلطان بقي أو دفع . . والرنة الحزينة الحسيرة المديدة في طرف الفاصلة الساكنة وفي ياء العلة قبلها بعد المد بالألف , في تحزن وتحسر . . هي جزء من ظلال الموقف الموحية بالحسرة والأسى إيحاء عميقا بليغا . .
• ولا يقطع هذه الرنة الحزينة المديدة إلا الأمر العلوي الجازم , بجلاله وهوله وروعته:
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ
يا للهول الهائل ! ويا للرعب القاتل ! ويا للجلال الماثل !
• كلمة تصدر من العلي الأعلى . فيتحرك الوجود كله على هذا المسكين الصغير الهزيل . ويبتدره المكلفون بالأمر من كل جانب , كما يقول ابن أبي حاتم بإسناده عن المنهال بن عمرو:"إذا قال الله تعالى:خذوه ابتدره سبعون ألف ملك . إن الملك منهم ليقول هكذا فيلقي سبعين ألفا في النار" . . كلهم يبتدر هذه الحشرة الصغيرة المكروبة المذهولة !
فأي السبعين ألفا بلغه جعل الغل في عنقه . . !ونكاد نسمع كيف تشويه النار وتصليه .
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ
وذراع واحدة من سلاسل النار تكفيه ! ولكن إيحاء التطويل والتهويل ينضح من وراء لفظ السبعين وصورتها .
.من هداية الآيات:
1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثها.
2- المال الذي باع المفلسون فيه الأمة والملة لا يغني يوم القيامة عن صاحبه شيئا.
3- التنديد بالكفر بالله وأهله.
4- عظم جريمة منع الحقوق المالية من الزكاة وغيرها
جزاكم الله خيراً على طيب المتابعة ..
طيب الله أوقاتكم..فى أمان الله
المراجع:
==========
تفسير القرآن العظيم ابن كثير
تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان للسعدى.
التفسير الوسيط الطنطاوى
سيد قطب فى ظلال القرآن.
الجزائرى أيسر التفاسير