مــــــع وقـــــــف الـتـنــفـيــذ
فى أحد أحياء القاهرة المزدحمة بالطبقة المتوسطة وما تحتها …حيث نرى سلاسل البنايات المتراصة دون تناسق….. ملتحمةً بعضها ببعض وكأنها تشد أزرها وتهون عليها أثر هذا الزحام الغير مقصود من التكتلات العائلية والاسرية البسيطه… مع اختلاف الالوان والعقائد والمعاملات…. حيث الاختلاف النوعى البشرى الطبيعى والذى تتميز به بلدنا عن غيرها من البلاد ….نعم تختلف العقيدة واللون والمستويات الاجتماعية منذ سنوات وسنوات ….ولكن أجتمعوا على حب هذه الجيرة القديمة والاثار المترتبة عليها من ود وشهامه وتقارب روحى وصلة لا تنفك ان تنقطع ابدا…. ففيها يطيب السمر بأجتماع الاحبة وتختزل الذكريات الجميلة وتحلو سنوات الطفولة بكل تفاصيلها التى تأبى الذاكره على محوها يوما ما…..والتى أنطلق من خلفيتها شباب وفتيات فى عمر الزهور فى مجالات التعليم والعمل المختلفة كلٌ له هدف وأتجاه وطريق يتخذه سبيلاً لتحقيق طموحاته ….
ومن هؤلاء الشباب شاب فى مقتبل العمر ذات ملامح مصرية هادئة جذابة تتميز بالرجوله من أول وهله.. وقف فى ساحة الجامعة ينتظر شخصٌ ما فى قلق واضح ..يدور بعينيه باحثاً عنه وسط التجمعات الشبابية الكبيرة التى تتهافت متلهفة لمعرفة نتيجة أختبارات نهاية العام الدراسى وبالأخص نتيجة الليسانس التى ينبرى من أجلها منذ أربع سنوات جهد ودراسة كخطوة على طريق حلمه الكبير……
وأخيراٌ ظهرت * دنيا * من وسط الزحام مبتسمة وأقبلت عليه فى لهفة تهتف به فى سعادة واضحه بعينين لامعتين:نجحنا يا فارس ..نجحنا نجحـنا
أتسعت ابتسامته وخفق قلبه بشدة وهو يخطو نحوها بخطوات واسعة مضطربة وهو يبادلها الهتاف:بتكلمى جد……قوليلى بسرعه تقديرى ايه وتقديرك ايه
عقدت ذراعيها أمام صدرها قائلةً بأبتسامه واسعه :تدفع كـام
أمسكها من ذراعيها بتوتر هاتفاً:قولى بقى أنا خلاص أعصابى باظت
أبتسمت فى شغف قائلة:مبروك يا سيدى جيد جدا زى كل سنه …وانا طبعا مقبول زى كل سنه
ضحك فى سعادة كبيرة وهو يفرك كفيه فى بعضهما البعض قائلا:الحمد لله أنا كده حطيت رجلى على أول سلمه
ضحكت دنيا بينما أقبلت عليهما فتاة أخرى تمشى نحوهما وعينيها مثبتة على فارس وعلى السعادة التى تبدو على وجهه وما أن أقتربت حتى قالت بمرح:مبروك النجاح من غير ما أعرف النتيجه
ألتفت اليها فارس بمرح قائلا:الله يبارك فيكى يا عزة ..الحمد لله جيد جدا
قالت بسعادة بالغه:الحمد لله أنا كنت متأكده
أمسكت دنيا بكف فارس ونظرات الغيرة مطلة من عينيها وهى توجه حديثتها ل عزة قائله:الله يبارك فيكى يا عزة عقبال ما تباركيلنا على الخطوبة قريب إن شاء الله
أطرقت عزة براسها وقالت بهدوئها المعتاد :مبروك مقدماٌ عن أذنكم
ألتفتت لترحل ولكن تذكرت شىء مهم فأستدارت مرة أخرى وقالت له:أنا هروح دلوقتى وأكيد مامتك هتقابلنى وهتسألنى على النتيجه ..تحب أقولها ولا أنت عاوز تكون أول واحد تبلغها خبر النجاح؟؟
نظر لها فارس بأمتنان قائلا:قوليلها طبعا وهى أصلا منبهه عليا أول ما أعرف النتيجه أكلمها على طول ..وأردف مبتسما :انتى عارفه بقى خالتك أم فارس مش هتستنى لما أروحلها…..
ابتسمت عزة قائلة :طبعا عارفاها زمانها قاعده مع ماما فى البلكونه مستنين اللى يوصل فينا الاول
ضحك فارس وضحكت وهى تلوح مودعة لهما:يلا أمشى أنا بقى سلام ..ومبروك مره تانيه
لوح لها فأمسكت دنيا يده وهى تقف أمامه وتنظر اليه بشك قائلة:طبعا لو قلتلك انا مبحبش البت دى هتقولى دى جارتى ومتربين مع بعض ومينفعش مكلمهاش..مش كده
قبض على كفها ببطء وهو يقول:بقولك إيه سيبك من الكلام الفاضى ده وتعالى نروح نقعد فى أى حته
أستقلت معه أحد سيارات الاجرة وهى تهمس بتذمر واضح:كده يا فارس بتركبنى ميكروباص ده انا عندى أخدها مشى أحسن
أشار لها أن تصمت حتى يترجلا من السيارة …ترجلت دنيا من السيارة بمعاونة فارس وقفت أمام الحديقة عاقدة ذراعيها أمام صدرها بحنق قائلة:هى دى المفاجأه جايبنى جنينه زى دى
أختفت الابتسامه من محياه وهو ينظر اليها بحزن قائلا:ما انتى عارفه يا دنيا انا مقدرش على غير كده ….أنتظرها تجيبه ولكنها ظلت عاقدة حاجبيها حانقة …فاردف قائلا:يعنى هتضيعى علينا الساعه اللى خارجينها مع بعض ..أمشى يعنى؟!
قالت وهى تلوح بعدم رضى :لا متمشيش.. أمرى لله يلا ندخل
جلسا الى مقعد أمام النيل مباشرةً وألتفت اليها ونظر لها بحب قائلا:دنيا ..انا عاوز آجى أتقدم بقى
ألتفتت اليه بسرعة قائله:لالا مش دلوقتى لما مرتبك يزيد شويه
فارس:يا حبيبتى الدكتور حمدى وعدنى أول لما أتخرج هيزود مرتبى على طول يبقى نستنى ليه بقى..
دنيا:يا حبيبى مش قصدى… أنا قصدى يعنى نصبر شويه ..لما المرتب يزيد ونشوف هنعمل ايه
نظر لها بأستنكار وألتفت الى النيل مرة أخرى ولم يتحدث …شعرت دنيا بغضبه وأستنكاره فهو دائما يظهر فى عينيه ما لا يريد البوح به
فقالت مستدركه:يا حبيبى أفهمنى أنا عاوزاك تصبر لما تشوف تعينات النيابه مش جايز حلمك يتحقق وتبقى وكيل نيابه قد الدنيا وساعتها تتقدم بقلب جامد لبابا
أستدار اليها بجسده دفعة واحدة وقال بعصبيه:انتى كمان عاوزانا نستنى تعينات النيابه يعنى ندخلنا فى سنه كمان…ويمكن أكتر الله أعلم
دنيا بتوتر:طب وفيها ايه يا حبيبى فات الكتير ما بقى الا القليل
هز راسه حانقا وهو يقول:غريبه أوى أى بنت مكانك هى اللى تحب ترتبط بالراجل اللى بتحبه …مش عارف ليه انتى اللى عماله تطولى فى المده وانا اللى مستعجل المفروض العكس يا دنيا…وبعدين انتى كده هتطلعينى عيل قدام مامتك ..انتى ناسيه انى وعدتها أتقدم اول ما اتخرج على طول
قالت دنيا بأبتسامه تريد بها أمتصاص غضبه :ملكش دعوه بماما انا هفهمها إن التأجيل منى انا مش منك انت ..خلاص يا سيدى ارتحت
هز راسه نفيا وقال باعتراض:لا مرتحتش طبعا ..انا مش فاهم انتى ليه مصممه على التأجيل انتى عاوزانى وانا وكيل نيابه وبس يعنى غير كده لاء
أخذت دنيا حقيبتها بتردد وهى تقول:فى ايه بقى أنت كل شويه تقولى كده ليه.. انت عارف كويس أوى انى بحبك ومقدرش أستغنى عنك
أبتسم بسخرية وقال هامساٌ:اه ماهو باين…ثم نهض واقفاٌ وهو يقول:يلا بينا اروحك علشان اروح انا كمان زمان ماما مستنيانى بفارغ الصبر
أقترب فارس من الحى الذى يقطن به وهو ينظر للأعلى فى تسائل وهو يشاهد الزينة والكهرباء المعلقه فى تناغم بين الوانها المبهجه :ايه ده هو فى فرح النهارده ولا ايه
أستقبله صديقه عمرو وهو يفتح ذراعيه فى الهواء مداعبا:فارس باشا ..الف مبروك النجاح … عقبال النيابه وتبقى باشا رسمى وتشرفنا فى كل حته ونتفشخر بيك كده
ضحك فارس لمداعبة صديقه ورفيقه عمرو وبادله المداعبه قائلا:نتفشخر…ده انت بيئه صحيح
صفق عمرو بمشاغبة وقال:ايوه هنبدأ بقى من اولها ..ماشى ياعم يحقلك اكتر من كده بكره هنقابلك بالحجز وبدفتر المواعين قصدى المواعيد
وضع فارس ذراعه على كتف صديقه وهو يقول:ده انت يبنى فضيحه بجد الناس بتتفرج علينا …قولى بقى هو فرح مين النهارده
قال عمرو وهو يلوح بذراعه :فرحك انت يا عريس ..أمك اول ما سمعت الخبر مسكتتش وقعدت تزغرد والحبايب بقى صمموا يعلقوا الكهربا دى علشانك…ورفع يديه بالدعاء قائلا:عقبالى يارب لما أتخرج كده وابقى مهندس قد الدنيا
ثم همس فى اذنه أم عزة قاعده مع أمك وشاكلهم كده عاوزني يدبسوكوا فى بعض
نظر له فارس باستنكار قائلا:هما ايه مبيزهقوش قلت لماما مية مره انا بحب دنيا وهجوزها ومش هتجوز غيرها مفيش فايده…
وقف عمرو ونظر اليه بتفحص قائلا:انت بتكلم جد يا فارس يعنى عزة مش على بالك خالص
فارس:يابنى ده انت صاحبى يعنى المفروض عارف كل حاجه عنى بتسألنى سؤال زى ده برضه
وبمجرد ظهورهما عند بداية المنعطف الذى يجاور منزلهما بدأ شباب الجيران فى التهافت عليه وتهنئته وبمجرد ولوجه الى بوابة منزلهم المتواضع أستمع الى صوت زغاريد الجارات من النساء وأقبلت عليه والدته تقبله وتحتضنه بسعادة بالغه وهى تقول:مبروك يا حضرة وكيل النيابه المحترم
ضحك فارس وعمرو وقال الاخير:شكله بالكتير اوى بشكاتب
ضربته أم فارس على كتفه وهى تقول :بس يا واد يا عمرو ايه اللى انت بتقوله ده طب بكره تشوف فارس ده هيبقى ايه
التفت عمرو الى فارس قائلا:شفت ياعم مش لسه كنت بقولك
أنتهت الاحتفاليه البسيطه بسرعه وما أن أغلق الباب على فارس ووالدته وحدهم حتى قالت له مؤنبة:كده برضه تحرجنى قدام أم عزة
أقترب فارس من والدته وقبل رأسها قائلا:ليه بس يا ست الكل هو انا عملت ايه
نظرة له بعتاب وقالت :بقى أقولك عقابل ما نفرح بيك انت وعزة ترد تقولى لاء عزة الاول لازم أطمن على أختى الاول..بتستعبط يا فارس
جلس فارس على اقرب مقعد وهو يبتسم لوالدته قائلا:يا حاجه ما انتى عارفه من الاول ان عزة زى أختى وعارفه انا ناوى أتجوز مين
قالت والدته بأنفعال وهى تجلس على الأريكة بجواره:انت عارف انى مبطقش البت دى يا فارس هتجيبها تعيش معايا هنا ازاى
تقدم نحوها وقبل كفها عدة قبلات سريعه وقال برجاء:ياماما انتى عارفه انى بحبها وهى كمان بتحبنى وبعدين يا ست الكل مش انتى يهمك سعادتى برضه..وانا مش هبقى سعيد مع واحده تانيه..علشان خاطرى يا ماما حاولى تتقبليها علشان خاطرى
ربتت على رأسه وقالت بحنان:يابنى والله يهمنى سعاتك وكل حاجه بس انا اصلا مبحسش ان البت دى بتحبك زى ما بتحبها قلبى مش مرتحلها ابدا
رفع عينيه اليها وقال مؤكدا:لا والله يا ماما انتى ظلماها دنيا طيبه جدا وبتحبنى اوى بس هى مشاعرها مش بتبان عليها بسرعه وبعدين بقى فى حاجه متعرفيهاش
والدته باهتمام:حاجه ايه
التفت حوله وكأنهما ليسوا وحدهما فى المنزل وقال بصوت خفيض:عمرو حاطط عينه على عزة بس شكله كده مستنى لما يتخرج هو كمان
نظرت له تتفحصه وهى تقول:بتكلم جد يا فارس هو اللى قالك كده
أومأ فارس براسه وأغمض عينيه فى حركه مسرحيه وقال بثقه:مش لازم يقولى يا حاجه…… انا بلقطها وهى طايره فى الهوا
ضربته على كفه وهى تقول:تصدق انا غلطانه انى قاعده اتكلم معاك انا هقوم ألحق صلاة العشاء…لم تلبث ان نهضت واقفه حتى سمعت طرقات خفيفه على الباب فغيرت مسارها اليه وهى تقول :ياترى مين
فارس :أستنى يا ماما هفتح أنا
اشارت اليه ان يجلس مكانه وهى تفتح الباب وقالت:مين.. أم يحيى تعالى أتفضلى يا حبيبتى
أرتبكت جارتها أم يحيى وهى تقول بخجل واضح:والله اسفه انى رجعت تانى يا ست أم فارس …ثم قالت وهى تشير لأبنتها الصغيرة:بس البت المضروبه دى صممت أجيبها علشان تبارك للأستاذ فارس ..وراسها وألف سيف لازم تيجى دلوقتى وعماله تعيط وتصرخ ..مقدرتش عليها ياختى
نظرت أم فارس الى الطفله الصغيرة فى يد والدتها وهى تفرك عينيها من اثر النوم وتتثائب وهى تقول بصوت مرتفع :فين فارس يا طنط
وكزتها أمها فى يدها وهى تقول قولتلك مية مره قولى ابيه فارس …دخلت الصغيرة دون إستئذان وهى تجذب يد أمها قائله بمشاغبه:أحنا متفقين على كده وهو مش بيزعل
وقف فارس ينظر اليها وهى تحاول ترتيب شعرها الاشعث وعينيها التى أنتفخت من اثر البكاء والنوم وهى تقول:مبروك يا فارس ..ضحك وقال مداعبا:بقى ده منظر تيجى تباركيلى بيه برضه
جذبتها أمها مره أخرى بشدة من يدها وهى تقول لفارس باعتذار معلش يا استاذ فارس عيله متقصدش
فارس:ولا يهمك يا أم يحيى مُهره صاحبتى وتقولى اللى هى عاوزاه
نظرة مُهره الى والدتها فى أنتصار وهى تقول :شفتى مش قولتلك
أقترب فارس منها ونزل على أحدى ركبتيه وهو يتصنع الغضب قائلا:بس انا زعلان منك يا مُهره لسه جايه تباركيلى دلوقتى
قالت بأندفاع طفولى:وانا مالى ماما سابتنى نايمه وجات لوحدها ولما صحيت صممت اجيلك شفت بقى انا جدعه معاك ازاى
ثم نظرة لوالدتها مؤنبة وهى تقول:ماشى يا ماما بكرا لما أكبر وانتوا تصغروا هسيبكوا نايمين وهاخرج لوحدى
ضحكت أم فارس وهى تربت على شعر مُهره وتحاول عبثاً أصلاح غرتها المبعثره على جبينها وتمسح عليه قائله:معلش يا مُهره تلاقى ماما مرضيتش تصحيكى علشان عندك مدرسه الصبح بدرى
نظرت اليها مُهره بعين مفتوحه والاخرى مغمضة:احنا فى الاجازه يا طنطتى
فارس :بمناسبة المدرسه يا لمضه درجات سنه رابعه معجبتنيش أعملى حسابك السنه الجايه سنه خامسه وزى ما سمعنا كده عتبقى خامسه وسادسه مع بعض يعنى مش هقبل اقل من الدرجات النهائيه ..ها هاتذاكرى ولا هتقضيها كارتون
لوحت فى الهواء بطفوليه وهى تقول:طبعا هذاكر وهبقى أشطر منك كمان وهجيب درجات أكبر من السنه اللى فاتت وماما هتعملى حفله كبييييرة ..وأشارت له محذره :وعارف لو مجتش
قاطعتها والدتها وهى تقول لها:يابنتى عيب كده ..ثم نظرة الى أم فارس قائله:البت لسه مكملتش العشر سنين ومفتريه اومال لما تكبر هتعمل فينا ايه
ضحك فارس قائلا لها:يا ستى إنجحى انتى بس وليكى عندى هديه معتبره
قالت وهى تمسك بيد والدتها:ماشى لما نشوف يلا يا مامتى..تصبحوا على خير كلكوا
دخلت دنيا فراشها وتدثرت وهى تتذكر ملامح فارس وكلماته الحانيه فأبتسمت وهى تغمض عينيها ….ولكن الابتسامه سرعان ما تلاشت عندما تذكرت لقائهما الاخير..طرقت والدتها الباب وأطلت برأسها وهى تقول:نمتى يا دنيا ولا لسه
أدارت رأسها تجاه الباب وهى تقول لوالدتها:لا لسه يا ماما ..فى حاجه ولا ايه
دخلت والدتها وجلست على طرف فراشها وهى تقول:عاوزه أتكلم معاكى فى موضوع مهم وكنت مستنيه لما باباكى ينام
أعتدلت دنيا فى فراشها وقالت :بأهتمام خير يا ماما
والدتها:بصراحه كده انا مش عاجبنى حالك كده …والكلام اللى قولتيه لفارس النهارده ده ولا هيقدم ولا هيأخر
زفرت دنيا بضيق وهى تقول:انتى كمان يا ماما وانا اللى فاكراكى فاهمانى
والدتها:بصراحه بقى انا مش فاهمه تمسكك بيه ده كله ليه …ده فى الاخر هيتجوزك مع أمه فى شقتها فى مكان مش من مقامك ..انتى لسه فى اول العمر والدنيا فتحالك ايديها ليه تدفنى نفسك معاه
تنهدت دنيا وهى تنظر للفراغ وكأنها تنظر للمستقبل قائلة:يا ماما فارس عنده عزيمه قويه انا عارفاه كويس ومش هيفضل حاله كده ….هيفضل يحارب لحد ما يبقى وكيل نيابه ثم ابتسمت وهى تقول:وانا هبقى مرات البيه وكيل النيابه
مطت والدتها شفتيها وقالت:ولحد ما يبقى وكيل نيابه هتقبلى انك تعيشى معاه عند أمه
رفعت دنيا كتفيها وهى تقول:لاء طبعا انا قولتله كده بس فى الاول لكن انا عماله اهو أجل فى الارتباط على قد ما اقدر لحد ما ياخد وضعه ….حتى الخطوبه عاوزه أجلها لحد ما يتعين
ثم نظرت لوالدتها فى ثقه قائله:ياماما متخافيش عليا انا مش مراهقه …انا اه بحبه بس برضه مش هارتبط بيه غير لما احس ان المستقبل بقى مضمون وهيجيبلى شقه تانيه فى مكان تانى وساعتها كل حاجه هتتغير للأحسن
قالت والدتها بعدم تصديق:عموما متخطيش خطوة الا لما تتأكدى الاول
عادت الابتسامه اليها مرة أخرى وهى تقول بعينين لامعتين:متخافيش عليا انا عارفه انا بعمل ايه كويس
فى الصباح أستيقظ فارس على صوت والدته وهى توقظه وتهتف به:قوم يا فارس تليفون علشانك…
نظر اليها بصعوبه وهو يحاول فتح عينيه قائلا:مين يا ماما
والدته بتأفف:السفيره عزيزة بتاعتك
ابتسم وهو ينهض من فراشه وأتجه مباشرة الى الهاتف:ألو
:صباح الخير يا حبيبى
:لسه فاكره
:هو انا لحقت ده انا لسه سيباك امبارح
:سايبانى طول اليوم وانتى عارفه انى مضايق منك وجايه تتصلى تانى يوم
:خلاص بقى يا حبيبى متبقاش حمقى كده…يالا بقى البس وانزل عاوزه أشوفك
:أبتسم ولكنه صبغ صوته بنبرة جدية قائلا:لا مش قادر انزل
:كده برضه يعنى موحشتكش
:أنتى فين دلوقتى
:انا فى البيت
:طيب خلاص نتقابل فى المكان بتاعنا بعد ساعه
:زفرت بقوة وهى تقول:يا حبيبى مش هنغير بقى المكان ده تلاقى مامتك أدتلك حلاوة النجاح
:قال بحده:جرى ايه يا دنيا هو انا عيل ولا ايه ايه حلاوة النجاح دى
:طب خلاص متتعصبش كده..خلاص اوكى ساعه وهكون هناك..يلا مع السلامه
:سلام
أغلق فارس الهاتف وأتجه الى الحمام توضأ صلى الظهر …بدل ملابسه وأتجه الى المطبخ وجد والدته تعد طعام الغذاء عندما رأته قالت بعبوس:يعنى مقولتش أنك خارج النهارده..اومال انا بعمل الغدا ده لمين ان شاء الله
قبلها على وجنتها وهو ينظر للأوانى ويلتقط منها بعض الطعام ليأكله فى سرعه وهو يقول:معلش يا ماما مش هتأخر ساعه ولا اتنين بالكتير وهتلاقينى هنا ..بس أتغدى انتى متقعديش جعانه لحد ما أرجع
ضربته على ظهر يده وهو يعبث بالطعام وتقول:قولتلك مية مره متحطش ايدك فى الاكل كده أستنى أحطلك فى طبق
تناول كوب مياه ليشربه ثم قال:لالا لما اجى بقى ..مش عاوزه حاجه اجيبهالك معايا
والدته :لا مش عاوزه حاجه بس خلى بالك من نفسك
طبع قبله اخيره على راسها وقال مودعا:طيب سلام بقى يا ست الكل
هبط الدرج قفزا كما يفعل دائما وخرج من باب البيت وما ان خطى خطوتين حتى سمع نداء طفولى مزعج من الاعلى يصيح به :فااااااارس يا فاااااارس
نظر للأعلى مبتسما وقال بهتاف وهو يلوح :عارف عارف مش هنسى العسليه
ضحكت مُهره بينما نهرتها والدتها التى كانت تقف بجوارها فى الشرفه:يابنت عيب كده هو خلفك ونسيكى
أخذت مُهره دميتها ولم تجيبها ودخلت لتكمل لعبتها ببراءة تارة وتضايق أخيها يحيى تارة أخرى
خرج عامر من ورشته عندما سمع صوت فارس وأتجه أليه فى خطوات واسعه مهنئا:مبروك يا أستاذ فارس معلش ملحقتش اكلمك امبارح كان عندى زباين وأتحرجت اطلعلك فوق
أبتسم فارس متفهما وقال:الله يبارك فيك يا عم عامر ويارب عقبال مريان ومينا ما يتخرجوا وتفرح بيهم
عامر مبتسما:طيب مش هاعطلك بقى سعادة المستشار
ضحك فارس بعذوبه قائلا:يسمع من بؤك ربنا يا عم عامر ..ثم قال معتذرا:عن اذنك انا بقى علشان مستعجل
عامر :أتفضل يابنى مع السلامه
وقبل أن يتحرك سمع جلبه من خلفه وهتاف يعرفه جيدا:يا استاذ فارس أستنى
ألتفت وهو يرفع حاجبيه بمرح للحاج عبد الله الذى اقبل عليه بجلبه كبيره قائلا:مبروك يا أستاذ فارس يابنى والله والله انا فرحان زى ما يكون ابنى هو اللى أتخرج وبقى باشا قد الدنيا
ضحك فارس مداعبا:لسه مابقتش باشا يا حاج عبد الله أدعيلى انت بس
وضع الحاج عبد الله يده على كتفه وتكلم بهتاف كعادته :داعيلك يابنى والله ربنا يكتبلك الخير ماطرح ما تروح يابنى
ربت فارس على يده بأمتنان قائلا:ربنا يتقبل منك يا حاج عبد الله..ثم تنحنح قائلا:طيب تؤمرنى بحاجه ..اصلى عندى مشوار كده
أفسح له الحاج عبد الله الطريق قائلا:لا يا بنى أتفضل متعطلش نفسك ربنا يجعلك فى كل خطوة سلامه
أكمل فارس طريقه بصعوبه فكلما خطى خطوة أوقفه أحد جيرانه مهنئا وداعيا له بالتوفيق …نعم هذه هى القلوب المحبه التى تمتاز بها أحيائنا المصريه البسيطه
وقفت دنيا تنتظر ظهور فارس وهى تنظر لساعتها اليدويه فى قلق حتى ظهر اخيرا قادما من بعيد بأبتسامته المشرقه الجذابه ..وعندما رأها اسرع الخطى نحوها ووقف معتذرا :اسف والله يا حبيبتى بس أعمل ايه الناس عندنا ماكنتش عاوزه تسيبنى كل شويه حد يوقفنى يباركلى ويدعيلى
عقدت ذراعيها بغضب قائله:يعنى الناس دول اهم مني
قطب جبينه بمرح قائلا:انتى عارفه ان مفيش حد اهم منك عندى ..صح ولا لاء
وأمسك يدها وأجلسها على مقعدهم المفضل أمام النيل مباشرة قائلا:يعنى مردتيش
ألتفتت اليه قائله:عارفه يا سيدى ..ارتحت…
ثم اردفت قائله:فارس انا ليا عندك طلب
أومأ براسه قائلا:أؤمرينى يا حبيبتى
قالت بدلال:انا عاوزه أجى أشتغل معاك فى المكتب
زفر بضيق قائلا:مش أحنا أتفقنا قبل كده ان انا بس اللى هشتغل..انتى عارفه يا دنيا شغل المحاماه متعب ازاى وبصراحه كده بحس انه بهدله للبنات
قالت بعناد:بس انا عاوزه أشتغل..وبعدين مانا هبقى معاك يا سيدى ايه اللى هيبهدلنى
رفع حاجبيه بدهشه قائلا:ياسلام يعنى لما تيجى تشتغلى والاستاذ يديكى شغل تعمليه هتقوليله طب اخد فارس معايا ولا ايه مش فاهم يعنى…انا مش حابب يا دنيا كل يوم تقعدى تتنططى ما بين الاقسام والنيابات والمحاكم والموظف ده يرزل عليكى والموظف ده يبصلك..لاء انا مش موافق
قالت بعناد أكبر:بص يا فارس انا كده ولا كده هشتغل انا مخدتش الشهاده علشان افضل قاعده فى البيت…فقولت أشتغل معاك أحسن ما اروح أشتغل فى مكتب تانى وعلى فكره جايلى مكتب كويس اوى لكن انا فضلت أشتغل معاك …
نظر الى البحر متأملا وقال بهدوء:يعنى رأيي مش مهم عندك للدرجه دى
لمست كتفه وقالت بخفوت:ياحبيبى ازاى بس تقول كده …بس انت عارف يا فارس انى لازم أساعد فى تجهيز نفسى وبابا مش هيقدر على الحمل ده كله لوحده ده انا لسه مجبتش قشايه فى جهازى
مط شفتيه متبرما وشعر بالاختناق وهو يقول:انا لو عليا مخليكيش تجيبى حتى القشايه دى…لكن مفيش فى ايدى حاجه غير مرتبى وأنتى عارفه
قالت بهدوء:عارفه يا حبيبى وبكره الدنيا هاتتغير وحياتنا هاتتغير وهانبقى من طبقة الهاى كلاس وبكره تقول دنيا قالت
*******************************************
وقف الأستاذ حمدى مهران أمام فارس وهو يربت على كتفه قائلا:بس كده يا سيدى خلاص أعتبرها أشتغلت خلاص ..خاليها تيجى من بكره لو تحب
قال فارس بأمتنان:متشكر اوى يا دكتور
أبتسم الاستاذ حمدى وهو يقول باهتمام :علشان تعرف بس انى نظرتى ثاقبه دايما..قولتلك هتنجح وبالتقدير اللى انت عاوزه
قال فارس بسعاده:طبعا يا دكتور وربنا ميحرمناش من توجيهاتك ابدا
أعتدل الاستاذ حمدى فى مقعده وهو يقول:بس أنا عاوزك تسعى فى الماجيستير من دلوقتى يا فارس ده هيخدمك جامد فى المستقبل..وعندك يا سيدى المكتبه بتاعتى هنا فى المكتب أستعين بيها زى ما انت عايز يعنى مش هتحتاج تشترى كتب من بره
قال فارس فى تفكير:ان شاء الله يا دكتور بس انا دماغى مشغول دلوقتى بحكاية النيابه دى عاوز استنى لما اعرف راسى من رجلى فيها
الاستاذ حمدى:فكر تانى فى الموضوع ده حكاية النيابه دى لسه قدامها وقت وانت لسه هتاخد دبلومه قبل الماجيستير ..استغل الوقت ده وخد الدبلومه لحد ما نشوف موضوع النيابه
بدا عليه التفكير فى الامر وهو ينظر للأمام قائلا:خلاص يا دكتور انا حطيت الموضوع فى دماغى وان شاء الله هابتدى اسأل على الاجراءات وايه المطلوب بالظبط
أومأ الأستاذ حمدى براسه مبتسما وهو يقول:خلاص ولو أحتاجت اى حاجه ماتترددش تعلالى على طول
فارس:طيب عن أذن حضرتك
أشار له ان ينصرف بابتسامه …أنصرف فارس الى مكتبه وجلس الى مقعده وأخرج بعض الملفات وبدأ فى العمل ولكن عقله مازال يدور ويبحث الامر ولا يجرؤ ابدا ان يتطرق الى نقطه معينه….. وهى أحتمال عدم قبوله فى النيابة …..هو ليس حلمه وحده أنما هو حلم والدته ووالده قبل ان يتوفاه الله ….بل وجيرانه واصدقائه جميعهم ..ودنيا ..دنيا التى تحلم بأن تصبح زوجة وكيل نيابه وان تصعد من طبقتها الى طبقة أخرى دنيا التى لا تتوقف عن أحلامها وطموحها ابدا ولا تقف أمامها اى حدود من أجل تحقيقها
فى اليوم التالى وعند الخامسة مساء كانت دنيا تقف أمام باب مكتب الاستاذ حمد مهران وتخطو فيه أول خطواتها العمليه تمت المقابله مع الاستاذ حمدى بنجاح وبدأت فى الاطلاع على القضايا وملفاتها فى المكتب المجاور لمكتب فارس فى نفس الغرفه
نهض فارس من مكانه وأقترب من مكتبها مبتسما وجلس على المقعد المقابل لها قائلا:ها ايه رأيك فى الشغل ..فى حاجه مش فاهماها؟
قالت وهى تنظر بحيره الى الملفات التى أمامها:قول فى حاجه فاهماها
كتم ضحكاته وهو يقول:معلش بكره هتفهمى كل حاجه
ظلت تنظر الى الاوراق بعينين زائغتين وهى تقول:انا ماكنتش فاكره الشغل العملى كده
قال بجديه:متقلقيش انتى هتنزلى معايا بكره المحكمه والشهر العقارى وواحده واحده هتتعلمى
مطت شفتاها وهى تقول :بس المجهود ده كله على المرتب ده بس
نظر لها باستنكار قائلا:ده انتى لسه متخرجه وبصراحه المرتب ده ميحلمش بيه حد لسه متخرج ده الدكتور كرمك علشان خاطرى
قالت بحده:اه هو ياخد على قلبه الألوفات واحنا الملاليم
تعجب فارس من طريقة حديثها وهى التى لم تبذل اى جهد حتى الان وقال:فى ايه يا دنيا ده انتى لسه بتقولى يا هادى وبعدين بصراحه وبشهاده محاميين كتير الدكتور حمدى بيدى أعلى مرتبات فى مكاتب المحامين كلها…وبعدين خلى بالك احنا مش بناخد مرتب وبس لاء احنا بناخد كمان خبرته الطويله ودى متتقدرش بفلوس
عبثت فى الاوراق وهى تقول بلا مبالاه :والله انت طيب يا فارس يلا بقى قولى المفروض بكره هنعمل ايه بالظبط
قال بجديه :قبل ما اقولك على الشغل عاوز اقولك انى قررت حاجه مهمه جدا
الفتت اليه باهتمام قائله:حاجة ايه قول
فارس:انا قررت ابدأ فى الدبلومه ان شاء الله
ظهرت الدهشه على وجهها وقالت:دبلومه؟! طب والنيابه
فارس:ياستى النيابه لسه قدامها سنه ويمكن أكتر وانا زى ما انتى عارفه مابحبش أضيع وقت..انا بقى هاستغل الوقت ده وأحضر الدبلومه ولو النيابه جات مش هاتخسر بالعكس دى هاتزيدنى خبره فى شغلى
أومأت برأسها بتفكير قائله:مش مشكله أى حاجه تخلينا نقب بسرعه معنديش فيها مانع
قاطعهم دخول باسم أحد المحامين العاملين فى المكتب وهو ينادى على فارس بصخب ولكنه توقف عندما وقع بصره على دنيا الجالسه خلف مكتبها…فنهض فارس فى سرعه واقفا وهو يقدمها له قالا:الاستاذه دنيا أول يوم معانا النهارده
أبتسم باسم أبتسامه واسعه وهو يتقدم نحوها وقال مرحبا وهو يمد يده ليصافحها:اهلا وسهلا نورتى المكتب
صافحته بابتسامه رقيقه فبدأ فى تقديم نفسه قائلا:أنا باسم صفوت محامى هنا وابن خالة الدكتور حمدى
نظر لها فارس نظره حاده لتسحب يدها من يده فارتبكت وهى تسحب يدها بهدوء قائله:أهلا بحضرتك
لاحظ فارس نظراته المتفحصه لها والتى أشعلت مصافحته لها بداية فتيل الغيره فى قلبه فلم يعد يحتمل نظراته هى الاخرى فقال بعصبيه واضحه:خير يا أستاذ باسم حضرتك كنت عاوز حاجه
ألتفت اليه باسم متعجبا من عصبيته المفاجأه ولكن الموقف لم يكن يحتاج الكثير من الذكاء فعلم على الفور ان دنيا تخصه بشكل أو بآخر
فقال بهدوء:خلصت الملف اللى أديتهولك امبارح قبل ما تمشى
كان يحاول السيطره على أعصابه ولكنه لم ينجح فكانت كل خلجه من خلجات وجهه تنطق بالغيره فاستدار ليتناول الملف من فوق سطح مكتبه وناوله اياه قائلا:أيوا خلصته أتفضل
قلب باسم صفحاته سريعا واشار اليه ليتبعه قائلا:طب تعالى معايا مكتبى عاوز أناقشك فى شوية نقط فيه
ألقى عليها فارس نظرة حاده قبل ان يترك الحجره وتبع باسم الى حجرة مكتبه
فركت يدها فى توتر فهى تعلم ماذا ينتظرها من شلال جارف من الغيره الساخطه يجرفها بحده لتصبح وحيده لا يراها غيره ولا يلمسها غيره فهكذا هو دائما
فى هذه الاثناء دخل محامى آخر كانت قد ألتقت به من قبل قبل دخولها لمقابله الاستاذ حمدى فأبتسم لها قائلا:ها أخبار المقابله ايه..انا شايف اهو ماشاء الله بدأتى شغلك
قالت بارتباك :اه الحمد لله متشكره اوى يا استاذ حسن
جلس الى أحد المكاتب واشار الى المكتب الرابع والخاوى بجواره :ده بقى مكتب الاستاذه نورا..هى مجاتش النهارده بس لما هاتتعاملى معاها هتحبيها أوى
قالت بأهتمام:هى شغاله معاكوا من زمان
أومأ براسه قائلا:اه بس مش من زمان أوى أصلها بتشتغل من وهى لسه بتدرس زى فارس كده
رسمت ابتسامه مصطنعه وقالت بهدوء:تمام… ان شاء الله أستفاد من خبرتها
تصنعت الامبالاه وهى تنظر للملفات امامها قائله:واضح ان الاستاذ باسم قديم هنا فى المكتب
قال بسرعه:طبعا قديم ده بقالوا عشر سنين هنا ده غير أنه ابن خالة الدكتور حمدى وهو اللى ماسك أدارة المكتب تقريباً
تابعت حديثها بتسائل:طب وده ايه خلاه كل ده ميفتحش مكتب خاص بيه
أعجب حسن بفضولها الذى يشبع رغبته فى الحديث فى شئون زملاءه ..نظر حسن بأتجاه حجرة باسم المغلقه وقال بصوت خفيض:ده ذكاء منه…لو فتح مكتب هيضطر يجيب محامين وموظفين ويديهم مرتبات ده غير النور والايجار وخلافه لكن كده بيشتغل فى القضايا الخاصه بتاعته واللى بياخد أتعابها كامله لافى ضرايب ولا يحزنون
دنيا:طب والاستاذ حمدى ميعرفش كده
حسن:عارف طبعا بس ميفرقش معاه كتير وبعدين زى ما قلتلك الاستاذ باسم هو اللى بيدير المكتب …اصلا الدكتور حمدى مش فاضى ومبيجيش كتير
خرج فارس من مكتب باسم فوجدها تتحدث مع حسن أتجه الى مكتبه وجلس خلفه وهو ينظر اليها بتوعد مما جعلها تخفى وجهها بين أوراقها حتى لا تنظر اليه
لم يستطع حسن كتم فضوله أبدا فقال بسرعه:هى الأستاذه دنيا تقربلك يا استاذ فارس
نظر له فارس بحده وقال:خطيبتى…ليه
أرتبك حسن بسبب عصبية فارس الواضحه وقال:لا ابدا مفيش بسأل بس..ألف مبروك
وبعد أنتهاء مواعيد العمل فى المكتب أنصرفت دنيا بصحبة فارس الذى ظل صامتاً وهو يمشى بجوارها وهى تحاول اللحاق بخطواته الكبيرة فقالت وهى تحاول جاهدة ألتقاط أنفاسها :يا فارس براحه شويه أنا بجرى علشان الحقك
أبطأ من سرعته قليلا وظل محتفظا بصمته فقالت :أنا عارفه أنك زعلان مني بس أنت مش ملاحظ أنك مكبر الموضوع شويه يا فارس
توقف فجأة والتفت اليها وضغط على أسنانه بغضب وهو يقول:يعنى انتى مش شايف انك عملتى حاجه غلط؟
ارتبكت وقالت بتلعثم :يعنى كنت أقوله ايه هو اللى سلم وفضل ماسك ايدى
حاول كتم غضبه بقوة وهو يقول:يلا علشان أوصلك انا مش عاوز اتنرفز فى الشارع وصوتى يعلى …ثم نظر لها بحده قائلا:خلى بالك انتى مبتراعيش مشاعرى ولا وجودى خالص وانا مش هستحمل كده كتير
حاولت ان تدافع عن نفسها مرة أخرى ولكنه لم يعطيها الفرصه وأوقف سيارة أجرة لتستقلها لمنزلها
***********************************************
فى اليوم التالى صباحا كان ينتظرها عند باب المحكمة رافقته فى رحلته اليوميه من المحكمه للشهر العقارى فى صمت …لم تحاول التحدث الا بالقيل وهو لم يتحدث فى العمل فقط ..وهو يشرح لها وهى تحاول حفظ لاجراءات وأماكن المكاتب وأدوارها حتى يسهل عليها التوجه لها مباشرة عندما تقوم بالعمل بمفردها …علمت قدر التعب والجهد المبذول فى عملهم فى مهنة المحاماه وخصوصا فى بداية الطريق …فالنهار ينقضى هكذا تحت وطأ درجة الحراره الشديده فى الصيف بين التنقل بين المحاكم واقسام الشرطه والشهر العقارى وغيرهم……… وفى الليل خلف مكاتبهم يبحثون الاوراق ويدققون بها بالاضافه الى كتابة المرافعات والمذكرات وغيرها……
علمت ان العمل ليس بسهل او يسير على الاطلاق فهى ليست موظفه عاديه كما كانت تظن …علمت الان لماذا كان يقول لها دائما هذا العمل غير مناسب للنساء ..عندما كان يقول لها ذلك كانت تشعر بالأستياء وبأنه يهمش دورها ويقلل من شأنها ولكن بعد ان رأت بعينيها علمت انه كان محقاً …فهل تعود الى بيتها وتقبع به الى ان يتم تحديد مصيرها مع فارس؟!
..