—————————————-
العنوان للوهلة الأولى كأنه يتعارض مع السنة الربانية الرحمانية أن الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها، قال تعالى: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (160)) (الأنعام).
إننا نسلم بهذه القاعدة، ولكن نريد أن نذكر بأن هناك أحوالاً تُستثنى من هذه القاعدة حيث يتضاعف فيها الذنب، وحديثي هنا عن تلك الأحوال المتعلقة بالصغائر، فالكبائر لها أحاديث خاصة..
فمتى تتضاعف السيئات؟
(1) المجاهرة بالمعصية:
——————————-
من نعم الله علينا التي لا نشعر بها نعمة الستر، فالله هو الستير الذي يستر على عباده، قال أحد الصالحين: "لو كانت للذنوب رائحة لما جالس أحدنا صاحبه"، والنبي- صلى الله عليه وسلم- يأمر أصحابه أن يسألوا الله أن يستر عوراتهم، فعن أنس عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "اسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم"،
ومعنى أن يجاهر الإنسان بالمعصية أن يعمل الرجل معصية ولا يراه أحد من البشر ثم يفضح نفسه ويكشف سره، أو أن يعمل المعصية أمام الناس جهارًا نهارًا.
وهذا المجاهر يُحرَم من العافية في الدنيا والآخرة، فعن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافى إلاَّ المُجَاهِرِينَ، وَإنّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبحُ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيهِ، فَيقُولُ: يَا فُلانُ، عَمِلت البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصبحُ يَكْشِفُ ستْرَ اللهِ عَنْه" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
كما يُحْرَمُ المجاهر بالمعصية نعمة النجوى يوم القيامة، وما هي النجوى؟ بهذا السؤال سأل رجلٌ عبدَ الله بن عمر، فقال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ" البخاري
(2) من سن سنة سيئة:
—————————–
وهذا لعمري كفيل بأن يهلك صاحبه، تخيل أن يموت الإنسان فينقطع عمله وما زال سجل السيئات مفتوحًا، إنه لم يغلق، لماذا؟ لأنه قد أضل غيره، ربما يعطي الشاب صديقه صورة أو فيديو فيه معصية، أو يرفعه على الشبكة العنكبوتية، وينتشر في أرجاء الدنيا، ولا يدري المسكين أنه لم يرتكب ذنبًا واحدًا بهذا الفعل، وإنما مئات الذنوب، بل ربما الألوف والملايين، قال تعالى (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ) (العنكبوت: من الآية 13).
عن جرير ابن عبد الله عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ لَهُ وِزْرُهَا وَمِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ" رواه أحمد وصحح الألباني.
إن ذنوبنا كفيلة بأن تدخلنا النار- إلا أن يتجاوز الله عنا- فكيف بنا إذا حملنا أوزارنا وأوزار غيرنا؟.
(3) النظر إلى صغر المعصية:
———————————
وكلما صغرت المعصية في عينك عظم جُرمها، ولذا قالوا: "لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت"،
وهذا هو حال المؤمن؛ فعن عبد الله بن مسعود أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعدٌ تحت جبلٍ يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبابٍ مر على أنفه فقال به هكذا- أي بيده- فذبه عنه" رواه البخاري
والنبي- صلى الله عليه وسلم- حذرنا من هذه الذنوب التي نحتقرها، فقال: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن بالرجل حتى يهلكنه" رواه أحمد، وصححه الألباني.
إن شجرة ثابتة منذ مئات السنين، راسخة أمام الرياح والعواصف، ثم يأتي إليها أسراب من الحشرات والهوام فتستوي بالأرض، إن الكثير منا مثل هذه الشجرة؛ نصمد أمام عظائم الذنوب ثم تهلكنا الصغائر، وصدق من قال:
لا تحقرن من الذنوب صغيرة إن الصغير غدًا يصير كبيرا
إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطرًا تسطيرا
وقال المتنبي:
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
وأخيرًا.. أذكر نفسي وإخواني بالتوبة إلى الله والحذر من الذنوب المضاعفة، والمؤمن دائم التوبة، فقد كان رسول الله يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة، ولئن أراد إبليس أن يقتلنا بالذنب فلنقتلنه بالتوبة، ففيما رواه الحاكم وصححه عن أبي سعيد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لا أزل أغفر لهم ما استغفروني".
أسأل الله أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، وأن يكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعلنا من الراشدين
منقووووووووووووووووول