فالغافل يريد أن يعيش عاملا علي إشباع شهواته، حريصا ألا يتعب جسمه إلا فيشهوته.. حريصا علي ألا يفقد شيئاً من ماله إلا في ملذاته، حريصا علي ألا يفقد لحظةمن عمره إلا وهو مستريح هادئ حتى ولو علي حساب دينه، فهو يريد أن يعيش متمتعابحياته علي أقصي درجة.. هذا نوم القلب… لأن القلب اليقظ يعلم أنه لم يخلق في هذهالدنيا لينغمس فيها وينسى آخرته.. وأن هذه الدنيا قنطرة إلى الآخرة، وأن لذاتهامكدرة.. نعمها منغصة، فليست هناك لذة خالصة بدون تنغيص.. أما اللذات بدون تنغيص ففيالآخرة، ولذلك لما سئل الإمام أحمد متى الراحة ؟ قال عند وضع أول قدم في الجنة .
علامات الغفلة
أولاً: التكاسل عن الطاعات:
وهذه العلامة من أهمالعلامات، قال الله تعالى في شأن المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِقَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّاقَلِيلًا}… (النساء : 142).
ثانياً: استصغار المحرمات والتهاون بها :
قال عبد الله ابن مسعود رضي اللهعنه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقطع عليه، وإن الفاجر يرىذنوبه كذُباب مرّ على أنفه فقال به هكذا" فقال أبو شهاب: بيده فوق أنفه" رواهالبخاري.
ثالثاً: إلف المعصية ومحبتها والجهر بها :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عنالنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل أمتي معافىً إلا المجاهرين، وإن من المجاهرةأن يعملَ الرَّجلُ بالليل عملاً ثم يُصبحُ وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملتُالبارحةَ كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه" متفق عليه.
رابعاً: تضييع الوقت من غير فائدة:
فإن الوقت نعمة، ولا يضيعه إلا غافل،لأنه لا يعرف أن الوقت هو أغلى ما يملك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبيصلى الله عليه وسلم "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" رواهالبخاري.
وما أحسن قول القائل :
تزوَّد من التُّقَى فإنَّك لا تدري *** إذا جنَّ ليلٌهل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ *** وكم من عليلٍ عاش حيناً منالدهر
أسباب الغفلة:
1- حب الدنيا:
فحب الدنيا راس كل خطيئة كما في الحكمةالمشهورة والغفلة هي ثمرة حب الدنيا قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لايَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِالآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}… (الروم: 6-7).
يقول ابن كثير في تفسيره : فإن أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وإكسابها وشؤونها فهم فيها حذاق أذكياء فيتحصيلها ووجوه مكاسبها وهم غافلون عن أمور الدين وما ينفعهم في الدار الآخرة كأنأحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَاللَّهِ لَبَلَغَمن أحدهم بدنياه أن يَقْلِبُ الدِّرْهَمَ عَلَى ظُفْرِهِ، فَيُخْبِرُكَ بِوَزْنِهِوَمَا يُحْسِنُ أَنْ يُصَلِّيَ .
كلامه رحمه الله فبعض الناس يجلسون مع بعضهم البعض كل حديثهم عن الدنيا، عنالمال، عن النساء، عن الشهوات، عن الربح عن الخسارة وهم عن الآخرة هم غافلون،فالإغترار بالدنيا والانغماس في شهواتها سبب كبير للغفلة، قال الله عز وجل: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَيَعْلَمُونَ}… (الحجر : 3) .
إن حال هؤلاء ليُنبئ عن سُكْر بحب الدنيا وكأنهم مخلدون فيها، وكأنهم لن يخرجوامنها بغير شيء من متاعها مع أن القرآن يهتف بنا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّوَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلايَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}…. (فاطر : 5).
إن سكران الدنيا لا يفيق منها إلا في عسكر الموتى نادما مع الغافلين، وهؤلاءالصنف يقول عنهم صلى الله عليه وسلم : "إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب في الأسواقجيفة بالليل حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة" صحيح الجامع الجَعظريهو "الفظُّ الغليظ المتكبر" والجواظ "الجموع المنوع"
والسخَّاب كالصخَّاب أي: ( كثير الضجيج والخصام).
فهذا الرجل كأنه لم يخلق للعبادة وإنما خلق للدنيا وشهواتها فإنه إن فكر فكرللدنيا وإن أحب أحب للدنيا وإن عمل عمل للدنيا فمن أجلها يخاصم ويزاحم ويقاتل،وبسببها يتهاون ويترك كثيراً من أوامر الله عز وجل وينتهك المحرمات من أجلها .
وإن من الخسارة العظيمة أن تضيع حياة العبد ما بين أمل طويل وعمل سيء، فتراه فينهاره عاملاً ناصباً صاخباً جامعاً مانعاً، وللفرائض والآداب مضيعاً، فإذا جاءالليل ارتمى على فراشه كالخشبة الملقاة أو الجيفة القذرة، لا يقوم لصلاة فريضةفضلاً عن قيام ليل وعبادة رب كريم !
إن حال هؤلاء يصدق فيه قول القائل:
نهارك يا مغرور سهو وغفلةٌ *** وليلكنومٌ والردى لك لازمٌ
وشغلك فيما سوف تكره غبه *** كذلك في الدنيا تعيشالبهائم
2-الجهل بالله عز وجل:
من أعظم أسباب الغفلة الجهل بالله عز وجل وأسمائهوصفاته، والحق أن كثيرًا من الناس لم يعرفوا ربهم حق المعرفة، ولو عرفوه حق المعرفةما غفلوا عن ذكره، وما غفلوا عن أوامره ونواهيه؛ لأن المعرفة الحقيقية تورث القلبتعظيم الرب ومحبته وخوفه ورجاءه، فيستحي المؤمن أن يراه ربه على معصية، أو أن يراهغافلاً، فأُنس الجاهلين بالمعاصي والشهوات، وأُنس العارفين بالذكر والطاعات .
3-المعاصي:
وهي من أعظم أسباب الغفلة، قال الله عز وجل: "كَلَّا بَلْ رَانَعَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" المطففين وقال عبد الله بن عباس رضيالله عنهما: "إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة فيالبدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناًفي البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق".
المصدر: موقع أون إسلام