مقدمات الحرب
كانت ألمانيا في العام 1870 لاعبا أساسيا في السياسة الأوربية إذ تمكن أوتو فون بسمارك رئيس وزراء ألمانيا من عقد سلسلة من التحالفات لتقوية أمن بلاده، فبدأ بتحالف مع إمبراطورية النسما ـ المجر. وفي سنة 1879 اتفقت ألمانيا والنمسا ـ المجر أن تشتركا في الحرب إذا ما هوجم أي بلد منهما من جانب روسيا ، ثم انضمت إيطاليا إلى التحالف سنة 1882، وأصبح هذا التحالف يعرف بالتحالف الثلاثين واتفق أعضاؤه أن يساعد كل منهم الآخر في حال وقوع أي عدوان من بلدين أو أكثر.
ثم جعل بسمارك النمسا ـ المجر وألمانيا تدخلان في تحالف مع روسيا في العام 1881 وعرف هذا التحالف باسم عصبة الأباطرة الثلاثة، اتفقت القوى الثلاث على أن تظل على الحياد إذا اشتركت واحدة منها في حرب مع قطر آخر. وحث بسمارك النمسا ـ المجر وروسيا المتنافستين حول النفوذ في البلقان بأن تعترف كل منهما بنفوذ الأخرى في المنطقة، ومن ثم قلل من شأن خطر الاحتكاك بين البلدين.
ساءت علاقات ألمانيا مع البلدان الأوروبية الأخرى بعد ترك بسمارك السلطة سنة 1890. عمل بسمارك على أن الحيلولة دون عقد فرنسا أي تحالف مع الدول المجاورة لألمانيا بالغرب، وبين أن تتحالف مع دولة أخرى من جيران ألمانيا في الشرق أي مع روسيا والنمسا. إلا أن فرنسا تمكنت من عقد معاهدة مع روسيا في العام 1894 واتفقتا على تعبئة قواتهما إذا ما عبأت أمة أخرى من دول التحالف الثلاثي قواتها، كما اتفقت فرنسا وروسيا على أن تساعد كل منهما الأخرى إذا ما هوجمت إحداهما من جانب ألمانيا.
في تلك الأثناء كانت بريطانيا تتبع سياسة خارجية عرفت بالعزلة المجيدة، لكنها اضطرت إلى التخلي عن عزلتها بعد بناء ألمانيا لقواتها البحرية وشعور بريطانيا بالحاجة إلى حلفاء، وفي العام 1904 سوت كل من فرنسا وبريطانيا خلافاتهما الماضية حول المستعمرات ووقَّعتا الاتفاق الودي. وعلى الرغم من أن الاتفاق لم يتضمن أية التزامات بمساعدة حربية، إلا أن البلدين بدءا مناقشة خططهما الحربية المشتركة. وفي عام 1907 انضمت روسيا إلى الحلف الودي وأصبح يعرف بالوفاق الثلاثي، ولم يرغم الوفاق الثلاثي أعضاءه أن يشتركوا في الحرب مثلما تضمن التحالف الثلاثي، لكن التحالفات قسمت أوروبا إلى معسكرات متنازعة.
في العام 1908 ضمت النمسا إقليم البوسنة والهرسك في البلقان فاثأر ذلك الأمر دولة الصرب التي كانت تطمع بالسيطرة على البوسنة بحجة أن الإقليم يضم بين سكانه مجموعة من الصرب وأظهرت بعدها النمسا أطماعها في ضم الصرب ذاتها مما أوصل الوضع في البلقان إلى درجة الغليان، ودخلت الدول المحيطة والدول الأوروبية الكبرى طرفا في النزاع، فروسيا وفرنسا وبريطانيا تؤيد الصرب في إنشاء دولة صرب الكبرى في البلقان.
بينما تسعى النمسا للهيمنة على البلقان بعد تراجع نفوذ الدولة العثمانية ، وتؤيد ألمانيا النمسا وتحرضها على لتشكيل قوة برية قوية في وسط أوروبا تتصل بالإمبراطورية العثمانية.
وبقيت الأجواء متوترة في أوروبا إلى أن جاء اغتيال ولي عهد إمبراطورية النمسا – المجر الأرشيدوق فرانسيس فرديناند وزوجته في البوسنة في 28 يونيو 1914 على يد طالب صربي يدعى جافريلو برنسيب ينتمي إلى عصابة صربية تسمى اليد السوداء.
أعطى اغتيال فرانسيس النمسا ـ المجر عذرا لسحق صربيا عدوتها القديمة في البلقان، وحصلت النمسا على وعد من ألمانيا بمساعدتها في أي عمل تتخذه ضد صربيا ، ثم أرسلت قائمة بطلبات مهمة لصربيا في 23 يوليو وقبلت صربيا معظم المطالب واقترحت أن تسوى المطالب الأخرى في مؤتمر دولي، ورغم ذلك رفضت النمسا ـ المجر العرض وأعلنت الحرب على صربيا في 28 يوليو وتوقعت نصرا سريعا.
وفي الوقت ذاته تعهدت روسيا لصربيا بالوقوف الى جانبها في نزاعها مع النمسا، وذلك بعد تقاعسها في الوقف إلى جانبها قبل 6 أعوام عندما ضمت النمسا البوسنة والهرسك، وحصلت روسيا على وعد بدعم من فرنسا، ووافق القيصر الروسي على خطط لتعبئة قواته على طول حدود روسيا مع النمسا ـ المجر، لكن القادة العسكريين الروس حثوا القيصر على أن يحشد قواته على طول الحدود مع ألمانيا أيضا، وفي 30 يوليو عام 1914 أعلنت روسيا أنها ستعبئ قواتها كاملة.
وبذلك أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا في بداية أغسطس 1914 ردا على التعبئة الروسية، وبعد يومين أعلنت ألمانيا الحرب على فرنسا، واكتسح الجيش الألماني بلجيكا في طريقه إلى فرنسا، وكان غزو بلجيكا المحايدة سببا في إعلان بريطانيا الحرب على ألمانيا في 4 أغسطس، ومنذ ذلك الحين وحتى نوفمبر 1918حين انتهت الحرب، لم تبق سوى مناطق قليلة من العالم محايدة.
بدأت ألمانيا في تنفيذ خطتها لغزو فرنسا التي وضعت قبل تسع سنوات، حيث كانت تأمل بالسيطرة على فرنسا بشكل سريع، وفي 16 أغسطس دخل الجيش الألماني الأراضي البلجيكية وأرغم القوات الفرنسية وقوة صغيرة بريطانية على أن تتقهقر إلى جنوب بلجيكا واكتسح فرنسا واندفع لمطاردة القوات الفرنسية المنسحبة شرقا على نهر المارن.
وفي هذه الأثناء قام الجيش الفرنسي بتثبيت قواته قرب نهر المارن شرقي باريس ، واستعد للمعركة، وبدأ قتالا شرسا عرف بمعركة المارن الأولى في 6 سبتمبر لتبدأ القوات الألمانية بالانسحاب في 9 سبتمبر.
أقام الألمان بعد ذلك المتاريس والخنادق لتتحول الحرب منذ ذلك الحين إلى حرب خنادق احتفظ خلالها الألمان بتفوق نسبي وكانوا على بعد 55 ميلا من باريس، واعتبرت معركة المارن الأولى مفتاح النصر للحلفاء لأنها أنهت آمال ألمانيا في هزيمة فرنسا سريعا.
وفي منتصف أكتوبر سعت ألمانيا إلى السيطرة على موانئ في القنال الإنجليزي لتقطع خطوط المدد الحيوي بين فرنسا وبريطانيا، لكن الحلفاء أوقفوا تقدم الألمان نحو البحر في معركة إيبر الأولى في بلجيكا منتصف نوفمبر.
وفي أواخر نوفمبر 1914م وصلت الحرب إلى طريق مسدود على طول جبهة القتال التي امتدت أكثر من 720كم عبر بلجيكا وشمال شرقي فرنسا إلى حدود سويسرا ، وقد عرفت سلسلة المعارك التي وقعت في تلك الجبهة باسم السباق نحو البحر.
واستمرت بريطانيا مسيطرة على البحار بعد نصرين بحريين على ألمانيا في سنة وأصبح بعدها الأسطول الألماني محصورا في مياهه الإقليمية معظم الحرب، ومن ثم اعتمدت ألمانيا على حرب الغواصات.
وسرعان ما امتدت الحرب العالمية الأولى إلى المستعمرات الألمانية فيما وراء البحار، وأعلنت اليابان الحرب على ألمانيا في آخر أغسطس 1914 وطردت الألمان من عدة جزر في المحيط الهادئ، فيما سيطرت القوات الاسترالية والنيوزلندية على المستعمرات الألمانية في المحيط الهادئ .
انتهزت روسيا فرصة انشغال القوات الألمانية في فرنسا، وأرسلت جيشين أواخر أغسطس ليخترقا عمق في الأراضي الألمانية في شرقي بروسيا لتطويق القوات الألمانية في روسيا الشرقية، الأمر الذي اضطر ألمانيا إلى سحب ثلثي قواتها من فرنسا، وعرف الألمان أن الجيشين أصبحا منفصلين فأعدوا خطة حربية، تمكنوا بها من محاصرة جيش روسي في معارك تاننبرج في 31 أغسطس ثم طاردوا الجيش الروسي الثاني في شرق بروسيا في معركة البحيرات الماسورية، وفقدت روسيا ربع مليون من جنودها.
أما النمسا ـ المجر فكان نجاحها أقل من نجاح حليفتها ألمانيا في الجبهة الشرقية. ففي نهاية عام 1914م هاجمت القوات النمساوية ـ المجرية صربيا ثلاث مرات، وألحقت بها الهزيمة في كل مرة.
ولم تمنع هزيمة روسيا أمام الألمان من قتال قوات النمسا- المجر ومحاصرتها في إقليم جاليسيا في النمسا ـ المجر (جزء من بولندا والاتحاد السوفييتي السابق)، والانتصار عليها حيث أجبرتها على الارتداد إلى مدينة كراكاو البولندية القديمة وذلك في أوائل أكتوبر.
بعد هذا الانتصار أصبح الجيش الروسي في وضع يهدد ألمانيا، ولم يجد الألمان وسيلة غير تهديد وارسو في بولندا الخاضعة للسيادة الروسية، واشتبك الطرفان في معارك لودز التي انتهت بحماية الحدود الألمانية. في نهاية أكتوبر 1914 دخلت الإمبراطورية العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا ضد روسيا وضربت السفن التركية الموانئ الروسية على البحر الأسود ، ثم غزت القوات التركية روسيا، وفي نوفمبر أعلن الحلفاء الحرب على الدولة العثمانية وقاموا بحملة عسكرية كبيرة على شبه جزيرة غاليبولي بهدف إنشاء ممر بين البحر الأبيض والبحر الأسود، والاستيلاء على القسطنطينية لإنقاذ روسيا وتطويق ألمانيا، غير أن حملتهم تلك قد فشلت وانهزم الأسطول الإنجليزي واعتبرت تلك الخسارة كارثة على دول الحلفاء، فعمدوا إلى مهاجمة الدولة العثمانية في الأراضي التابعة للدولة العثمانية في شبه الجزيرة العربية وأراضي الرافدين (العراق حاليا) و فلسطين و سوريا.
بقيت إيطاليا خارج الحرب العالمية الأولى طوال عام 1914 رغم أنها كانت عضوا في التحالف الثلاثي مع النمسا ـ المجر وألمانيا، وادعت بأنها ليست ملتزمة بالانضمام للحرب لأن النمسا ـ المجر لم تدخل في حرب دفاعية.
[تحرير]
بعد دخول الدولة العثمانية الحرب قامت بإغلاق الممر المائي بين بحر إيجة والبحر الأسود لتغلق بذلك الطريق البحري إلى جنوب روسيا. الأمر الذي دفع السفن الحربية الروسية والفرنسية والإنجليزية مضيق الدردنيل في فبراير ومارس 1915 أملا منهم في إيجاد طريق مدد إلى روسيا، ورغم ذلك فإن الألغام التي زرعتها الدولة العثمانية في البحر تمكنت من وقف الهجوم.
وفي أبريل أنزل الحلفاء قوات في شبه جزيرة جاليبولي على الشاطئ الغربي للدردنيل، وأدت قوات من أستراليا و نيوزيلندا دورا رئيسيا في هذا الإنزال، وسرعان ما أصبحت القوات العثمانية والحليفة متورطة في حرب خنادق، وجمدت الجبهة على هذا الوضع.
وفي محاولة لسكر هذا الجمود قامت قوات الحلفاء في أغسطس بالهجوم في خليج سوفلا في الشمال إلا أن الهجوم فشل ما دفع الحلفاء إلى الانسحاب في ديسمبر بعد ان خسروا نحو 250 ألف جندي في الدردنيل.
سببت سيطرة بريطانيا على البحار أثناء الحرب العالمية الأولى مشاكل جسيمة لألمانيا. فقد سد الأسطول البريطاني مياه ألمانيا، ومنع المدد من الوصول إلى الموانئ الألمانية، وسعت ألمانيا إلى جعل بريطانيا تعاني من الجوع وتستسلم بإغراق سفن الشحن المتوجهة إلى موانئها. لذا فقد استخدمت ألمانيا غواصاتها المسماة قوارب اليو في محاربة الأسطول البريطاني.
في فبراير 1915 فرضت ألمانيا حصارا بالغواصات على الجزر البريطانية، محذرة بأنها ستهاجم أية سفينة تحاول أن تخترق هذا الحصار، وبالفعل دمرت قوارب اليو عددا من السفن المتجهة إلى بريطانيا وغرقت كميات كبيرة من البضائع المتجهة إليها.
وفي مايو 1915 هاجمت الغواصات الألمانية سفينة الركاب البريطانية لوسيتانيا على سواحل ايرلندا ، وقتل نتيجة لذلك 1198 راكباً منهم 128 أمريكيا. الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي ودرو ولسون على حث ألمانيا على وقف حرب الغواصات غير المحدودة وفي سبتمبر وافقت ألمانيا على عدم مهاجمتها سفنا محايدة أو سفن ركاب.
وفي أواخر نوفمبر 1914 وصلت الحرب إلى طريق مسدود على طول جبهة القتال التي امتدت أكثر من 720كم عبر بلجيكا وشمال شرقي فرنسا إلى حدود سويسرا، وقد عرفت سلسلة المعارك التي وقعت في تلك الجبهة باسم السباق نحو البحر.
نتيجة على جمود الوضع العسكري على الجبهة الغربية (بلجيكا وشمال شرقي فرنسا إلى حدود سويسرا) فقد قام الطرفان المتحاربان فقد حفر الجانبان سلسلة من الخنادق تعرجت على طول الجبهة، وسميت تلك المرحلة مرحلة حرب الخنادق حيث استخدم كل طرف الخنادق للدفاع عن قواته أو شن هجماته على الطرف الآخر. كما استخدمت الخنادق للاتصال بين القوات الأمامية والقوات المساندة والاحتياط الموجودة في الخطوط الخلفية.
ولكسر الجمود طور كل من الحلفاء والقوات الألمانية أسلحة جديدة أرادوا، وفي أبريل 1915 استخدم الألمان الغاز السام على خطوط الحلفاء في معركة إيبر الثانية، وسبب ذلك دخانا وغثيانا واختناقا، ولكن القادة الألمان كانت لديهم ثقة قليلة في الغاز، وفشلوا في انتهاز هذه الفرصة لشن هجوم أكبر. واستخدم الحلفاء الغاز السام بعد ذلك بقليل، وأصبحت كمامات الغاز أداة حربية في الخنادق، كما استخدمت قاذف اللهب لأول مرة، على الرغم من ذلك فقد استمر الجمود على طول تلك الجبهة حتى العام 1918.
وفي تلك الفترة تمكنت القوات الألمانية من تحقيق المزيد من الانتصارات على الحلفاء فهزموا الروس في معركة جورليس تارناو في مايو 1915، وتمكنوا من احتلال بولندا ومعظم مدن لتوانيا ، وحاولوا قطع خطوط الاتصال بين الجيوش الروسية وقواعدها للقضاء عليها، إلا أن الروس حققوا بعض الانتصارات الجزئية على الألمان، كلفتهم 325 ألف أسير روسي، ولم يتمكن الجيش الروسي بعد ذلك من استرداد قوته. وأدى النجاح الألماني على الروس إلى إخضاع البلقان، وعبرت القوات النمساوية والألمانية نهر الدانوب لقتال الصرب وألحقوا بهم هزيمة قاسية.
في ظل هذا الوضع اعتقد بعض القادة العسكريين أن خلق جبهات جديدة قد يكسر الجمود الحاصل على الجبهة الغربية،
وهكذا دخلت ايطاليا الحرب في مايو عام 1915 إلى جانب الحلفاء وهاجم الجيش الايطالي الجيوش النمساوية وتعمقوا في أراضي النمسا- المجر وخاضوا سلسلة من المعارك الشرسة على طول نهر إيسونزو لمدة عامين متواصلين ورغم تكبد الايطاليين العديد من الخسائر إلا أنهم لم يستطيعوا السيطرة إلا على قليل من أراضي الإمبراطورية النمسا، وعلى الرغم من انه تم سحب بعض القوات بعيدا عن الجبهة الروسية لكن ذلك لم يساعد روسيا كثيرا.
وفي تلك الأثناء اخترقت جيوش ألمانيا والنمسا ـ المجر في مايو 1915 الخطوط الروسية في جاليسيا بالإمبراطورية النمساوية وهي المقاطعة التي غزتها روسيا سنة 1914 وانسحب الروس نحو 480 كم قبل أن خط دفاع جديد لقواتهم.
وفي منتصف العام الثاني من الحرب في منتصف عام سقطت معظم أملاك الإمبراطورية الألمانية في إفريقيا في يد القوات البريطانية. ورغم ذلك استمر القتال في الأملاك الألمانية في إفريقيا الشرقية (تنزانيا حاليا) لمدة عامين أو أكثر.
امتدت رقعة الحرب لتشارك فيها دولا جديدة فدخلت بلغاريا الحرب في أكتوبر 1915 لمساعدة النمسا ـ المجر كي تهزم صربيا. وكانت بلغاريا تأمل أن تستعيد أرضا فقدتها في الحرب البلقانية الثانية وسعى الحلفاء لمساعدة صربيا التي كانت احد أسباب اندلاع الحرب فقاموا بإنزال قوات في مدينة سالونيك بـ اليونان لكن تلك القوات لم تصل إلى صربيا، وانسحب الجيش الصربي إلى ألبانيا.
استخدمت الأطراف المتحاربة عدة أسلحة جديدة خلال العام الثاني من الحرب فكما استخدمت الغازات الكيماوية تم اللجوء للسلاح الجوي وسعى كل طرف لصنع طائرات تتفوق على طائرات الطرف الآخر، حيث استخدمت الطائرات بشكل رئيسي لمراقبة أنشطت العدو وتحركاته، وكان الطيارون يحملون مدافع رشاشة لإسقاط الطائرات المعادية ولكنهم كانوا بهذا يجازفون بقتل أنفسهم بنفس القوت إذا ما حدث أن ارتدت رصاصاتهم إلى نحورهم بفعل مراوح طائراتهم.
تميز هذا العام عن الأعوام التي سبقته في الحرب بوقوع أول معركة بحرية بين الأسطولين البريطاني والألماني كما تميز بوقوع معركتين كبيرتين على الأراضي الفرنسية.
وضع الجيش الألماني خطة تقضي بالتركيز على قتل اكبر عدد من قوات الحلفاء لإرهاقها وتم اختيار مدينة فردان الفرنسية لتنفيذ تلك الخطة لان الجيش الفرنسي سيدفع بالمزيد من قواته إليها لمنعها من السقوط.
بدا الهجوم على المدينة في شهر فبراير من العام 1916، واعتبر قادة الجيش الفرنسي أن خسارة المدينة ستضعف روح الفرنسيين المعنوية بشكل كبير، وتمكن الجيش الفرنسي خلال الربيع والصيف من صد المهاجمين، وكما تنبأ الألمان فقد دفعت فرنسا بالمزيد من القوات إلى المعركة.
وفي محاولة من الروس لتخفيف الضغط الألماني في الفردان شن الجيش الروسي في مارس هجومين على جالينسا التي خسرها قبل نحو عام إلا أن الهجوم الروسي فشل في دفع القوات الألمانية بعيدا عن فردان.
على الرغم من ذلك تمكنت القوات الفرنسية من تكبيد الجيش الألماني خسائر كبيرة في الرواح، الأمر الذي دفع الجيش الألماني إلى وقف هجومه على المدنية في بداية يوليو.
أصبحت معركة فردان رمزا للتخريب والتدمير في الحرب فقد بلغت خسائر الفرنسيين نحو 315 ألف رجل وخسر الألمان نحو 280 ألفا، وأما المدينة فقد دمرت تماما.
قبل انتهاء معركة الفردان بيوم واحد حرص الحلفاء على شن هجوم على الجيش الألماني بعد الخسائر التي تكبدها في الفردان، لذا فقد زاد الحلفاء من دفاعاتهم عند نهر السوم في فرنسا وقاد البريطانيون في يوليو وخلال ساعات خسرت القوات البريطانية نحو 60 ألف جندي بين قتيل وجريح.
واستمرت المعارك الطاحنة طيلة فصل الخريف وفي سبتمبر تمكنت بريطانيا من إنتاج أول دبابة، ودخلت الدبابات سلاحا في معركة السوم ولكن لقلة عدد الدبابات المستخدمة فلم يعول عليها كثيرا في تغيير مجرى المعركة.
وفي نوفمبر قرر الجيش البريطاني وقف هجومه بعد إجبار الجيش الألماني على التراجع 11 كيلو مترا، كما قضت هذه المعركة على الجيش الألماني القديم، وأصبح الاعتماد على المجندين من صغار السن. ورغم خسارة ألمانيا للمعركتين إلا أن جيشها ظل متماسكا على تلك الجبهة.
على الرغم من أن السفن الحربية التي تسابقت بريطانيا وألمانيا لبنائها قبل الحرب ظلت في المياه الإقليمية لكل دولة خلال معظم سنوات الحرب، إلا انه قد تم اللجوء إليها في العام الثالث من الحرب.
وخرج الأسطول الألماني من موانئه لشن هجوم على الأسطول الإنجليزي على أمل رفع الحصار البحري المفروض على ألمانيا. ضم الأسطول البريطاني 150 سفينة حربية، مقابل 99 سفينة حربية للأسطول الألماني، وتقابل الأسطولان في مايو ووقعت معركة جاتلاند التي دارت بعيدا عن ساحل الدانمارك.
وانتصر الألمان على الإنجليز وألحقوا بالأسطول الإنجليزي خسائر فادحة في تلك المعركة التي استمرت قرابة شهر، ورغم خسارة بريطانيا فقد ظلت مسيطرة على البحار.
في يونيو شن الجيش الروسي هجوما جديدا على النمسا- المجر واجبروا قوات النمسا على التقهقر 80كم، ولصد ذلك الهجوم وإيقافه اضطرت النمسا إلى سحب قواتها من الجبهة الايطالية، إلا أنها لم تتمكن من صد الهجوم واسر الجيش الروسي نحو 450 ألف جندي من النمسا- المجر.
وهكذا أخرج الهجوم الروسي النمسا ـ المجر من الحرب، ولكنه أرهق روسيا أيضا التي خسرت نحو مليون جندي بين قتيل وجريح.
شجعت نتيجة الهجوم الروسي رومانيا على الانضمام إلى الحلفاء وإعلان الحرب على النمسا-المجر في أغسطس، إذ كانت تأمل في الحصول على بعض الأراضي من النمسا ـ المجر إذا كسب الحلفاء الحرب، الأمر الذي دفع ألمانيا على إعلان الحرب على رومانيا فردت ألمانيا بإعلان الحرب عليها وفي نهاية 1916 خسرت رومانيا معظم جيشها وسيطرت ألمانيا على حقول القمح الغنية وحقول النفط وبعد ستة أسابيع من المعارك دخلت القوات الألمانية العاصمة الرومانية بوخارست.
عادت ألمانيا في نهاية يناير إلى حرب الغواصات التي كانت قد التزمت بوقفها في العام 1915 واعتبرت أميركا أن عودة ألمانيا يشكل تهديدا لمصالحها وإضرارا بعلاقتها التجارية عبر البحار ولم يمض على الإعلان الألماني شهران حتى أعلنت أميركا تخليها عن مبدأ مونرو ودخول الحرب في ابريل.
ولكن السبب الحقيقي لتدخل أميركا يعود إلى أن الإستراتيجية الأميركية كانت تقوم على عدم التدخل ودعم حلفاءها الغربيين على مواصلة التقدم وإحراز النصر غير أن الموقف في بداية العام 1917 كان يشير إلى تراجع قوة الحلفاء وبوادر انهيار روسيا وان الألمان باتوا قريبين من تحقيق النصر. وهو النصر الذي اعتبره الأميركيين مرفوضا وتهديدا لمصالحهم.
في مارس من العام 1917 كان القادة العسكريون الفرنسيون والإنجليز ما يزالون يعتقدون أن هجوما ناجحا قد يكسب الحرب، لكن القادة الألمان استغلوا الجمود على الجبهة الفرنسية ليحسنوا دفاعاتهم، وتقهقرت القوات الألمانية إلى خط معركة جديد محصن بقوة في شمال فرنسا سمي بخط سيجفريد لدى الألمان وبخط هندنبرج لدى الحلفاء، حاصر الألمان من خلال خط سيجفريد الجبهة الفرنسية وتمركزت المدفعية الألمانية والمدافع الآلية بمراكز أفضل وتسبب بفشل الهجوم الفرنسي الذي بدأ في ابريل رغم ذلك فقد استمر القتال حتى مايو من العام ذاته وبدا التمرد بين القوات الفرنسية بعد ذلك الفشل، ورفضوا أن يستمروا في الحرب، الأمر الذي أدى إلى تغيير قيادة الجيوش الفرنسية، وبعد تحسين الظروف المعيشية للجنود الفرنسيين وإعادة الهدوء إلى صفوفهم وعدهم القائد الجديد بان تبقى فرنسا في وضع دفاعي إلى أن تصبح مستعدة لكي تقاتل مرة أخرى. وظل دور الدفاعات الأخرى على الجبهة الغربية مسؤولية بريطانيا.
وفي آخر يوليو قرر البريطانيون شن هجوم آخر على الالمان عند إيبرو وكانت تعرف بمعركة باشندالن واستمرت القوات البريطانية وقوة فرنسية صغيرة تضرب الألمان في معركة رهيبة لأكثر من ثلاثة أشهر، ولقد عمل قصف الحلفاء بالمدفعية الثقيلة، الذي تقدم هجوم المشاة على تدمير شبكات الصرف الصحي حول إيبرو، وتسببت الأمطار الغزيرة بتحويل الأرض إلى مستنقع غرق فيه آلاف من الجنود الإنجليز، ليوقف الثلج والبرد المعركة المدمرة نهائيا في 10 نوفمبر. وفي أواخر الشهر نفسه استخدمت بريطانيا الدبابات لاختراق خط سيجفريد، لكن الفشل عند إيبرو أنهك القوات التي كانت بريطانيا تحتاج إليها لمتابعة النجاح.
وفي ذات الفترة تراجع الجنود الروس بعد أن أنهكتهم الحرب صيف عام 1917 بعد أن علموا بأن الألمان قد سحقوا جبهتهم الحربية. وقد توقفت روسيا عن المعارك في أواخر تلك السنة.
وتمكنت قوات النمسا ـ المجر بمساعدة ألمانيا في أكتوبر من إجلاء الإيطاليين من أراضيها في معركة كابوريتو وتمدير القوات الايطالية عند نهر ايسونزو وأصبح ضعف إيطاليا هو الشغل الشاغل للحلفاء طوال ذلك العام.
وعلى الرغم من الهزائم التي تكبدها الحلفاء إلا أنهم استطاعوا تحقيق بعض الانتصارات في جبهات أخرى ففي مارس تمكنت القوات البريطانية من احتلال بغداد وبعد فشل هجومين للقوات البريطانية للسيطرة على مدينة غزة الفلسطينية تمكن الجنرال إدموند أللنبي من هزيمة القوات العثمانية في نوفمبر ليتمكن من دخول القدس في ديسمبر.
عانى الشعب الروسي كثيرا خلال الحرب وخلال سنة 1917 لم يعد كثير منهم قادرا على تحمل الخسائر العديدة، والنقص الخطير في الطعام، وأخذوا ينحون باللائمة على القيصر نيكولاي الثاني ومستشاريه فيما يتعلق بمشكلات البلاد. وفي مارس بدات الثورة البلشفية في روسيا واطاحت الثورة بعرش نيكولاي الثاني وتم تشكيل حكومة جديدة استمرت في الحرب.
ولكي تضعف ألمانيا من مجهود روسيا الحربي فقد ساعدت ف. ل. لينين الذي كان يعيش في سويسرا في ذلك القوت في العودة إلى روسيا في أبريل، وبعد سبعة أشهر قاد لينين ثورة البلاشفة الذين تمكنوا من السيطرة على الحكم في العاصمة الروسية بتروجراد (بطرسبورج حاليا) في نوفمبر، وطلب لينين في الحال بعقد معاهدة سلام مع ألمانيا، لتنتهي الحرب على الجبهة الروسية.