الحـب .. في الطب النفسـي .. هل الحب مرض نفسـي ؟
كثير من الناس يعتقدون أنه لا علاقة بين الحب وهو أسمى المشاعر والطب النفسي الذي يختص بمداواة اعتلال النفس والعقل، علماً أن للحب ارتباط وثيق بالنفس البشرية وما يخالجها من مشاعر وأحاسيس. فنحن نعلم أن النفس قد "تُقتل من الحب أحياناً" فيختل توازنها ويصاب المحب بالاكتئاب والقلق وقلة النوم والعصبية الزائدة، وقد يفقد صوابه عندما يتحول الحب إلى غيرة حمقاء تصل إلى حد المرض. وهذا يبين قوة ذلك الارتباط، ومنه يتضح أهمية وضرورة تدخل الطب النفسي لعلاج هذه الحالات.
كثير من الناس يعتقدون أنه لا علاقة بين الحب وهو أسمى المشاعر والطب النفسي الذي يختص بمداواة اعتلال النفس والعقل، علماً أن للحب ارتباط وثيق بالنفس البشرية وما يخالجها من مشاعر وأحاسيس. فنحن نعلم أن النفس قد "تُقتل من الحب أحياناً" فيختل توازنها ويصاب المحب بالاكتئاب والقلق وقلة النوم والعصبية الزائدة، وقد يفقد صوابه عندما يتحول الحب إلى غيرة حمقاء تصل إلى حد المرض. وهذا يبين قوة ذلك الارتباط، ومنه يتضح أهمية وضرورة تدخل الطب النفسي لعلاج هذه الحالات.
كثير من الناس يعتقدون أنه لا علاقة بين الحب وهو أسمى المشاعر والطب النفسي الذي يختص بمداواة اعتلال النفس والعقل، علماً أن للحب ارتباط وثيق بالنفس البشرية وما يخالجها من مشاعر وأحاسيس. فنحن نعلم أن النفس قد "تُقتل من الحب أحياناً" فيختل توازنها ويصاب المحب بالاكتئاب والقلق وقلة النوم والعصبية الزائدة، وقد يفقد صوابه عندما يتحول الحب إلى غيرة حمقاء تصل إلى حد المرض. وهذا يبين قوة ذلك الارتباط، ومنه يتضح أهمية وضرورة تدخل الطب النفسي لعلاج هذه الحالات.
وهناك الكثير من الأمثلة تبين كيف يمكن للحب أن يتحول إلى مرض نفسي، كأن يختلف الزوج مع زوجته، والصديق مع صديقه، والأب مع ابنه والأخ مع أخيه وقد يصل الخلاف إلى حد القطيعة وتتحول إلى كراهية تتطور إلى تأزم النفس من الحياة وعامة البشر، رغم وجود مشاعر الحب بمختلف أنواعه في بدية علاقة كل طرف منهم مع الآخر.
إذن أين تلك المشاعر الجارفة ولماذا لم تمنع تدهور العلاقة إلى هذا الحد السلبي؟ السبب يكمن في الفهم الخطأ لمضمون الحب. فنسمع عن طالب يرسب بالامتحان لأن فكره وباله مشغولان بحب انسانة وقد يكتئب ويتهور ويحاول أن يؤذي نفسه فيبتلع كمية كبيرة من الحبوب فيحمله الأهل إلى قسم الطوارئ بحالة يرثى لها. وهم تعساء وقلقين عليه ونراهم مستعدين لتلبية كل طلباته، مهما كانت غير منطقية، حتى لا يفقدوه.
وبعد الكشف يجد الطبيب النفسي أن الحب وراء المشكلة… الحب بالمفهوم الخطأ، بمفهوم الحب المتأجج من أول نظرة الذي يركز على الانجذاب السطحي فقط.
كل هذه الأمثلة والمشاكل التي تنتج عنها قد يمكن التقليل منها لو نظرنا الى الحب بمفهوم علمي ونفسي.
فدعونا نستعرض بعض النظريات العلمية التي تفسر وجوده ونتفق من خلالها على معني متكامل للحب بأنواعه المختلفة. حيث أن للحب نظريات متعددة منها ما هو قائم على أساس شرح وتفسير الأمر الواقع أثناء الحب ومنها ما هو قائم على أساس كيميائي وبيولوجي يصل الى حد اعتبار أن الحب إدمان… نعم إدمان. حيث أن المحب يدمن حبيبه ولا يستطيع الاستغناء عنه ولو افترقا فإن كلاهما سيعاني من الأعراض الانسحابية للحب والتي تتمثل بعدم النوم، القلق، والعصبية، والحزن وكل هذه الأعراض تدخل ضمن إطار الطب النفسي حتى ولو أسمتها كتب الشعراء والأدباء والأغاني بالهجر والبعد والخصام.
فبماذا نعرف الحب إذاً… وهل هو مشاعر فقط أم تدخل فيه عناصر أخرى؟
لو كان الحب إحساس فقط لما استمرت العلاقة بنفس الدرجة فترة طويلة، لأن الأحاسيس والعواطف تتبع قوانين الطبيعة، فتعلو وتنخفض، تظهر وتختفي، وتتغير كفصول السنة والطقس، باردة أحياناً ساخنة أحياناً أخرى. ففي الحب من النظرة الأولى تهب أعاصير ورياح المشاعر الأولى بكل قوة فيعتقد الشخص أن تلك المشاعر القوية جداً لدرجة السحر لابد من أن تستمر بنفس القوة والى الأبد وهذا يخالف طبيعة الأشياء حيث أنه من البديهي أن الشيء مهما علا وأرتفع لابد أن يأتيه يوم وينخفض. وهكذا حال المشاعر فبعد التأجج لابد من أن تهدأ وتعود الى نقطة البداية التي هي نقطة الاستقرار، حيث أنه من غير المعقول أن تستمر نار العواطف ملتهبة بنفس الشدة طوال الوقت ولابد أن يود المحب الى أرض الواقع ويرى حقيقة العلاقة عندما يقيم الأمور بعقله.
والواقع أن الحب هو "قــرار" يتخذه المحب وليس فقط مشاعر، العواطف توقد الشمعة الأولى ثم لكي يستمر نورها وضّاء لابد من أن يغذيها وقود العقل والاقتناع والمنطق فتسير العاطفة جنباً الى جنب مع قرار العقل فتتبلور العلاقة للأسباب والحيثيات التي يراها كل محب في الآخر.
ومما يؤكد أن الحب ليس فقط عاطفة، دراسات علمية أُجريت بالولايات المتحدة أظهرت أن معظم الذين تزوجوا بعد قصة حب كبيرة…. لم ينجح زواجهم. وهذا يدعو للتأمل. وفسرت هذه الظاهرة بعدة أسباب منها من أعتبر أن العلاقة بُنيت على حب يفتقد العناصر الأساسية من المعرفة الواقعية لكل طرف بالآخر والتي تضمن استمرارية المشاعر. فمعرفة الصفات الحقيقية لكل طرف بدون مبالغة، وأيضا معرفة العيوب وكيفية التعامل معها والتأقلم عليها أمور هامة جداً للحفاظ على شمعة الحب. وهذه المعرفة تستند على الرغبة في الارتباط بالمحبوب مدى الحياة وبالتالي فإن "القرار" بالاستمرار في الحب يدفعه ليعرف أكثر وأكثر بمن سيرتبط به طول العمر.
التفسير الآخر لفشل تلك الزيجات هو أن مشاعر الحب الأولى ارتكزت على عنصر واحد فقط، غالباً ما يكون المظهر الخارجي أو الشكل. وبسبب هذا الانطباع المبدئي يعتقد المحب أن جميع الصفات الأخرى في محبوبة لابد وأن تكون رائعة، إلا أن الحقيقة تنكشف بعد الزواج فيحدث الخلاف والصدام ثم يكون الطلاق بسبب الإحباط الناتج عن اختلاف الواقع عما تخيله المحب في محبوبة… إذن العنصر الأول في الحب الحقيقي كما ذكرنا سابقاً هو المعرفة، المعرفة الحقيقية والواقعية لكل طرف بصفات الطرف لآخر: درجة الجمال، ومستوى القدرات العقلية، والصفات الانسانية، وردود فعله وقدرته على التعامل مع الآخرين، إمكانياته المختلفة في أمور الحياة العامة…وهكذا. إذن الحب الحقيقي ليس الحب الذي يأتي من أول نظرة، أو القائم على أساس الانجذاب الخارجي أو الجنس، وإن حدث ذلك فيجب أن تكمله المعرفة والتفكير العقلاني حتى تُكتب له الاستمرارية.
وقد أتفق المحلون النفسيون على أن الحب احتياج قائم بحد ذاته ومستقل تماماً عن الاحتياج الجنسي. وأن الحب والجنس ليس شيئاً واحداً بل شيئين مختلفين، وقد يجتمعا معا. فقد بينت التجارب العلمية أن القرود الصغار يفضلون دفء الأم عن الأكل مما يؤكد أن مشاعر الحب احتياج قائم بذاته…وهكذا الإنسان.
وهناك تعريف علمي للحب وأنا شخصياً أعتبره معبراً جداً وواقعياً وهو يرتكز على أهمية عنصر معرفة كل طرف بالآخر يقول:
الحب هو أن يعلم المحب أن محبوبه ليس على درجة كبيرة من الجمال وليس على درجة عالية من الذكاء وأنه ليس واسع المعرفة وأنه ليس لديه قدرات كبيرة في نواحي الحياة المختلفة.. وبالرغم من ذلك فهو يحبه ويحرص على البقاء بجانبه ومعه… هذا هو الحب الحقيقي الذي يدوم ويختصر مشاكل كثيرة تحدث بين الأزواج.
ولكن عنصر المعرفة بالطريقة التي أوضحناها لابد أن يتوجه عنصر آخر هام في الحب وهو "الاحتـرام" ، احترام كل طرف للآخر كما هو بصفاته الطبيعية دون العمل على تغيير طبيعة الطرف الآخر بما يلائم صفاته الشخصية، كأن يفرض طرف على الآخر طريقة تعامله مع الناس بالأسلوب الذي يهواه حتى وإن كان ذلك يخالف طبيعته أو يصعب عليه تنفيذه. وهذا لا يعتبر احتراماً بل سيطرة وتحكم من طرف على الطرف الآخر، وهذا الإحساس سوف يقتل الحب مهما اختلفت أنواعه أكان بين الأصدقاء، أو الأخوان، أو الأم لابنها؟….إلخ. فلو تصرفت الأم مع إبنها من خلال الحب المسيطر وحاولت أن تُشكل شخصيته حسب رغبتها لن تتكون لديه شخصية ناضجة مستقلة بل سيظل معتمداً طوال حياته عليها وستظل تتدخل في حياته حتى بعد أن يصبح زوجاً أو أباً.. وتقوم الأم بهذا التصرف بعذر الحب وأن الدافع الذي يحركها هو مصلحة إبنها، ويظل هو يتبعها ويتبع نصائحها اعتقاداً منها أنه بذلك يكون باراً بوالديه اللذان يحبانه.
ولكن الحقيقة من وجهة نظر الطب النفسي هي ن كل طرف يحبط النضوج النفسي للطرف لآخر ويمنعه من الوصول الى درجة الاستقلالية والاعتماد على النفس في كل شيء، فتفشل بذلك علاقاته الأسرية والعائلية. ويترتب على ذلك مشاكل كثيرة نواجهها في عيادات الطب النفسي ويلجأ الطبيب الى الجلسات النفسية التي تساعد في أن يتوصل الشخص نفسه إلى إدراك طبيعة العلاقة التي تربطه بالآخرين ويتفهم ما يحمل في نفسه من أشياء سببها طريقة تربيته في الصغر فيتمكن من إصلاحها.
بعد أن ذكرنا عنصري المعرفة والاحترام يأتي العنصر الثالث في تعريف الحب وهو "الاهتمـام"، أي أن ك طرف يهتم باحتياجات الطرف الآخر، ولانعني الاحتياجات المادية فقط ولكننا نؤكد عل الاحتياجات النفسية. فعلى الرجل أن يستمع الى متاعب المرأة وكل ما يشغل بالها حتى لو لم يجد حل لمتاعبها. ولكن ما تريده المرأة – وهذا طبيعتها – ليس الحل لمشاكلها ويكفيها مجرد الإحساس بأن زوجها ينصت إليها باهتمام وأن كل ذهنه وتركيزه معها وليس فقط 1% منه. أما إذا أعطاها الرجل الحل السريع لمشاكلها فإن ذلك لن يسعدها، بل على العكس ستشعر بإحباط حيث أنها بطبيعتها يهمها أن تشعر بالاهتمام لكل ما تقوله بعكس الرجل الذي تجعله طبيعته ميّال الى الصمت والتركيز في مشاكله وحيداً بعيداً عن الضوضاء ولو أن المرأة تفهمت طبيعة الرجل هذه لقلّت المشاكل الى حد كبير ولأقترب كل واحد من الآخر ولما احتاجا الى زيارة الطبيب النفسي.
وأخيراً ياـي عنصري المسئولية والثقـة في تعريف الحب وهو أن يشعر كل طرف أنه مسئول ومرتبط بالآخر ويثق فيه.
ويبقى تعريف الحب بأنه شعور يراود كلا الطرفين باحتياجه للآخر لأنه يحبه وليس بأن يحبه لأنه في حاجة إليه. فالحب الناضج يحتاج الى شخصية ناضجة متكاملة لا تبحث عن طرف آخر – حتى ولو كان محبوبة – فقط من أجل أن يكمل نقص معين في شخصيته أو يلبي احتياج معين. الحب الناضج يقول: إني أحتاج إليك لأني أحبك، أما الحب غير الناضج فيقول: إني أحبك لأني أحتاج إليك.
الحـب…والحـب الحقيقـي
من المنظــور النفســي
في المقالة السابقة ذكرنا أن الحب بالمفهوم غير المتكامل هو أن يتصور كل إنسان محبوبه بالصورة المثالية الرائعة في كل شيء مع الأمل بأن يستمر بمثاليته المرغوبة في الحياة الزوجية. إلا أن هذا التصور غير واقعي لأنه يفتقر الى المعرفة الحقيقية لطبيعة كل طرف بالآخر، وهذه المعرفة تؤدي الى أن يعلم كل محب أن لدى محبوبه جوانب إيجابية وأخرى سلبية وهو يدرك ذلك جيداً ويقبله بكليته. هذا الإدراك والقبول يحافظ على الحب ويضمن استمرار العلاقة بكل معانيها الجميلة وبالتالي ينجح الزواج وتقل المشاكل النفسية.
يعجب بعض الناس بمشاهير النجوم ويعتقدون أنهم القدوة والمثال إلا أن هذا غير صحيح حيث أننا نرى أغلب هؤلاء النجوم فاشلون في حياتهم الاجتماعية والزوجية كما هو الحال مارلين مونرو، آلان ديلون، مادونا….الخ. وهذا تماماً ما يحدث عندما يعجب أحدنا بأي إنسان لصفة معينة فيه، فيتصور أو يتمنى أن تكون جميع صفاته الأخرى على نفس المستوى الممتاز، ولكن مع الاحتكاك والعشرة تظهر الصفات الطبيعية لديه ويهتز الإعجاب عندما تتكشف الأمور وتبدو على حقيقتها. ويصيبنا الاحباط عندئذ ولا يجب أن نلوم إلا أنفسنا لا غير، فلا ذنب للمحبوب أن تصرف على سجيته التي لم نتوقع أن تكون بعكس ما تخيلنا.
وبناء على هذا المفهوم فإنه لو تزوج كل من قيس وليلى أو روميو وجوليت وعاشا مع بعضهما البعض فترة طويلة لظهرت المشاكل بينهما ولما استمرا على نفس درجة الحب المتوقعة، ولكنهما مع ذلك، يظلا الرمز الحي للحب الرومانسي الجميل بما فيه من مرحلة النشوة والآمال البراقة.
ذكرنا أيضاً أن الحب بالمفهوم المتكامل بين الرجل والمرأة يشتمل على عناصر عدة متداخلة بعضها ببعض وهي: المعرفة، الاهتمام، الاحترام، المسئولية، والثقة لا يكتمل ويأخذ لديه خاصية الاستمرار إلا بتوفر هذه العناصر مجتمعة حتى لو بنسب.
الحب الحقيقـي ونضوج الشخصية:
من الطبيعي أن يشعر أي إنسان بمشاعر الحب والانجذاب تجاه شخص آخر ولكن من غير الشائع أن يكون بمقدور كل إنسان أن يحب بشكل حقيقي بالمفهوم المتكامل الذي يشتمل على العناصر التي أوضحناها سابقاً، وقد يكون السبب في ذلك أن الحب الحقيقي مرتبط ارتباطاً مباشراً بعملية النضوج النفساني.
فالإنسان الناضج نفسياً (سيكولوجياً) هو الذي يصل بنفسه الى درجة التوازن والامتلاء العاطفي والثقة بالنفس التي تؤهله لأن يعطي كل الناس مشاعر وأحاسيس ودية ويعاملهم معاملة حسنة فيها الكثير من الحب، إذ أنه ليس منطقياً أن يكون الإنسان قادراً على حب شخص واحد فقط ولا يحمل أي مشاعر حب وود لأي شخص آخر. هذا العطاء لن يتطلب من الإنسان الناضج جهداً كبيراً لأنه يصبح جزءاً من تكوين شخصيته ولن يكون مشروطاً بالحصول على نفس القدر من العطاء من الطرف الآخر. بمعنى أن نعتبر أن الإنسان الناضج يمتلك ثروة حب كبيرة بداخله ومهما أنفق منها على الآخرين فإنه لن يشعر بالخسارة أو الإفلاس، إضافة الى أنه لا ينتظر أن يُعوض بالمثل عمّا أنفقه من مشاعر من الآخرين. فنرى أن لمعاملته مع الناس الكثير من التفهم والتسامح والرغبة المستمرة في مساعدتهم، لذا يشعر بالإحباط الشديد عندما يقابل بعض الناس حسن معاملته بالإساءة والسبب في ذلك هو أن لدى الشخص الناضج سيكولوجياً القدرة المستمرة على تخيل الأمور والوصول الى حكم صحيح على التجربة السيئة ووضع الحلول الصحيحة لها دون تعميم نتائجها على كل الناس.
الحـب مرتبط بتركيب الشخصية ونمـط التفكير:
هناك أشخاص ذو أنماط مختلفة من التفكير غير المعتدل وغير الناضج وهم يرون الأشياء إما سوداء تماماً أو بيضاء تماماً وبناءاً عليه يصنفون الناس ويحددون علاقاتهم بهم: أما سيئين أو طيّبين.
والنمط الآخر لهذا التفكير غير المعتدل هو تعميم التجربة السيئة – التي قد تكون واجهت ذلك الشخص ولو لمرة واحدة في حياته – على جميع الأشياء المتشابهة فمثلاً: يصاب رجل بإحباط في علاقة حب فيعتبر أن كل النساء سيئات، ولو أشتري سيارة من نوع وسببت له مشاكل فإنه يعتبر كل الأنواع الأخرى من نفس الماركة حتماً سيئة.
إن الهدف من هذا السرد هو الإشارة الى نقطة هامة، وهي أن المحب يحمل معه نمط شخصيته ونمط تفكيره الذي يتعامل به مع الآخرين بشكل طبيعي إلى علاقة الحب. ومن هنا ندرك أن الحب الحقيقي يتطلب أولاً "محب حقيقي" يملك القدر الكافي من عناصر التفكير الناضج والشخصية المتبلورة…وهذا ليس بالشيء السهل أو الشائع .
كيف يحدث النضوج النفساني؟
إن عملية النضوج النفساني عملية مستمرة تبدأ في السنوات الأولى من عمر الإنسان وينتهي معظمها بعد سن المراهقة، وهذه المرحلة لا تتناسب طرداً مع العمر أي أنه لا يشترط نضوج الشخص أكثر كلما تقدم به العمر. والحقيقية أن النواة الأولى للنضوج تتشكل وتتلون تبعاً لطبيعة العلاقة مع الوالدين أو من يقوم بمهامهما في الصغر. فالأم تعطي أطفالها وتستمر بالعطاء بلا حدود وتبذل كل ما في وسعها لحمايتهم ووقايتهم من جميع شرور الدنيا. ولكن مشكلة العطاء غير المحدود هو أن الطفل سينشأ معتقداً أنه سيستمر على هذا المنوال طوال حياته بحيث يصبح دائم الاحتياج لوجود شخص يحمل عنه مسئولية كل شيء يواجهه حتى بعد أن يكبر ويصبح رجلاً (ولو كان هذا الشخص زوجته). وهو لا يشعر بمسئوليته تجاه أي تدهور في علاقاته م الآخرين، ويعتبر أن كل ما يتحصل عليه من الآخرين سواء مادياً أو عاطفياً هو حق له، وأن ما يعطيه للآخرين مهما كان قليلاً يعتبره كثيراً وثميناً جداً، وبهذا الشكل تكون العلاقة غير صحيحة ولن يكون ذلك حبً حقيقياً. فالأخذ بلا حدود والعطاء بأقل ما يمكن سيؤديان الى فشل الحب.
إن عملية النضوج النفساني عملية مستمرة تبدأ في السنوات الأولى من عمر الإنسان وينتهي معظمها بعد سن المراهقة، وهذه المرحلة لا تتناسب طرداً مع العمر أي أنه لا يشترط نضوج الشخص أكثر كلما تقدم به العمر. والحقيقية أن النواة الأولى للنضوج تتشكل وتتلون تبعاً لطبيعة العلاقة مع الوالدين أو من يقوم بمهامهما في الصغر. فالأم تعطي أطفالها وتستمر بالعطاء بلا حدود وتبذل كل ما في وسعها لحمايتهم ووقايتهم من جميع شرور الدنيا. ولكن مشكلة العطاء غير المحدود هو أن الطفل سينشأ معتقداً أنه سيستمر على هذا المنوال طوال حياته بحيث يصبح دائم الاحتياج لوجود شخص يحمل عنه مسئولية كل شيء يواجهه حتى بعد أن يكبر ويصبح رجلاً (ولو كان هذا الشخص زوجته). وهو لا يشعر بمسئوليته تجاه أي تدهور في علاقاته م الآخرين، ويعتبر أن كل ما يتحصل عليه من الآخرين سواء مادياً أو عاطفياً هو حق له، وأن ما يعطيه للآخرين مهما كان قليلاً يعتبره كثيراً وثميناً جداً، وبهذا الشكل تكون العلاقة غير صحيحة ولن يكون ذلك حبً حقيقياً. فالأخذ بلا حدود والعطاء بأقل ما يمكن سيؤديان الى فشل الحب.
ومن الحب ماقــتل
إن علاقة الأم بطفلها علاقة سامية فيها العطاء بلا حدود والتسامح والمغفرة بلا حدود أيضاً وهذا ماقد يجعل الطفل يعتقد أن واقع العلاقات مع كل الناس هكذا مما ينعكس سلباً عليه. ففي عملية النضوج السيكولوجي يحاول الطفل وهو في عمر 7 سنوات أن يكتشف العالم الخارجي وعلى الأب أن يلقنه أن العالم الخارجي شيء مختلف وأن واقع العلاقات الاجتماعية شيء آخر يختلف عن عطاء الأم وعليه أن يعلم طفله شيئين أساسين:
1) أن الحب ليس فقط أن نحصل ليه ولكن يجب أيضاً أن نكون قادرين على إعطائه للآخرين.
2) الحب لا يعطي جزافاً كما تعطيه الأم بل يجب أن نستحقه كي يُمنح لنا كما هو الحال عند الأب الذي غالباً ما يكون حبه مشروطاً بالأعمال الجيدة التي يفرضها على أبنائه. وعليه أن يعلم أن المجتمع لا يعطينا الحب إلا إذا استحققناه وسعينا من أجله وبذلنا الجهد للحصول عليه.
مراحل الوصول للحب الحقيقي:
يبدأ الطفل في استيعاب هذه الأشياء تدريجياً حتى يصل عمره الى عشر سنوات، بعد ذلك يكون لديه القدرة على التعبير عن حبه للآخرين. ومن الأخطاء الشائعة أن نطلب من الأطفال قبل سن العاشرة التعبير عن حبهم لنا بالقول والفعل، حيث أنه غير مجدي من الناحية النفسية لأن حبهم لأنفسهم لم يكتمل بعد حتى يستطيعوا إظهار أي مشاعر للآخرين. ويصر الأهل على أن يسمعوا منهم عبارات الحب رغم أن الأطفال لم يدركوا أو يحسوا معناه المكتمل بعد. لذا قد يتلفظون بعبارات الحب بعد ذلك بصورة سطحية دون إعطاءها معناه العميق.
وما نود أن نؤكد عليه هنا هو أن كمية الحب التي تعطي للأبناء ليست هي التي تشكل نواة الامتلاء العاطفي لديهم، والأهم من ذلك نوعية الحب الذي يحترم رغبات الطفل ويساعده على نمو شخصيته واستقلاليته حتى ولو أدى ذلك الى شعور الأم بالألم الشديد من جراء استقلال ابنها عنها وشعورها أنه لم يعد ملكاً لها.
إن أهم خطورة في النضوج العاطفي والنفساني لدى الطفل هي في أن يقطع الحبل السري العاطفي الذي لا يزال يربطه بالأم حتى عمر 7 سنوات، هذا القطع سيؤدي حتماً الى نزيف عاطفي مؤلم لدى الأم ولكن الأم الناضجة هي التي تتغلب الى هذه المعاناة من أجل مصلحة إبنها وتركه ينمو نفسياً وعاطفياً بعيداً عن حبها الذي يصبح حباً مُقيداً لاستقلال شخصيته ونضوجها بعد أن يبلغ السابعة من عمره.
إن التوازن في العلاقة الثلاثية بين الأب والأم والطفل أمر هام جداً في صقل شخصية الطفل وتحديد نمط علاقاته مع الآخرين بعد ذلك. تمثل الأم في ذهن الطفل جنس النساء بصفة عامة، ويمثل الأب جنس الرجال بصفة عامة أيضاً. إن علاقة الأم بطفلها تعني العطاء والحب بحدود ومن غير شروط بينما علاقة لأب بابنه تكون مشروطة بما يقدمه الطفل أو يقوم به من أعمال جيدة، ولو أستوعب الطفل هذين النوعين من الحب فسوف تتكون لديه عناصر النضوج النفساني بعد ذلك. وإذا لم يعي هذه النقطة ويستوعبها وهو صغير، سنراه يبحث عن شخصية المرأة التي تعوضه عن أمه في أن تعطيه كل شيء وهو رجل. كما ستبحث المرأة عن شخصية الرجل الذي تعتمد ليه في كل شيء ويعوضها عن أبيها، وهذا النوع من العلاقات في الحب محكوم عليه في معظم الأحيان بالفشل وعدم الاستمرارية لأنها غير متكافئة وأيضاً غير محتملة من الطرف الآخر.
كيف نتعرف على الحب الحقيقي:
– في وجود محب حقيقي ناضج وليس لديه ثقب اطفي.
– أن حب كل الناس أولاً ثم أخص المحبوب بقدر أكبر من المشاعر
– أن أعطي كل ما أستطيع لمن أحب دون انتظار مقابل
– أن أقول وأفعل ما أقول لمن أحب: فلذي يحب الورد يعطيه الماء ويهتم به، لا يكفي أن أقول أحبك…المهم ماذا أفعل لحبيبي. وكل ما هو مطلوب هو أن أهتم به وأحترمه وأكون مسؤولاً عنه وأثق به وأعرفه حق المعرفة وأغفر له هفواته.
الحـب الحقيقـي …بعـد الزواج
دُهشت كثيراً عندما قرأت ذات مرة نتيجة لبحث علمي أُجري بالولايات المتحدة الأمريكية يفيد بأن الزواج القائم على الحب يفشل في غالبيته العظمي!!.
ودفعني فضولي للبحث عن السبب، لأن خلاصة هذا البحث هي عكس المتوقع تماماً. فالكثير منّا يتصور – وأنا كنت منهم – أن التقارب العاطفي وانجذاب كل طرف للآخر ورغبتهما الملحة أن يكونا معاً للأبد هي عوامل كافية لإنجاح أي زواج…ولكن تلك الدراسة العلمية جداً أثبتت عكس هذا التصور.
السبب في هذا هو أن للحب مفاهيم مختلفة. فعندما نطلق كلمة حب على الانجذاب العاطفي فقد يخفى هذا وراءه انجذابا للشكل والمظهر الخارجي وربما للجنس. ثم نسترسل في خيالنا بأن هذا الشكل الجذّاب لابد ويخفي وراءه مضمون جميل وشخصية مميزة…وسرعان ماتنطفيء جذوة الانبهار والانجذاب الأولى بعد الزواج ويفاجأ كل طرف بإنسان غريب وجديد عليه ويكتشف به أشياء لم يكن يتخيلها.
وعندما ننجذب لإنسان ما لصفة جميلة وجدناها فيه أو فيها فنحن نتصور أن بقية صفات هذا الإنسان بنفس الدرجة من الجمال…ثم نفاجأ بالحقيقة بعد الزواج وأن الصفة المستحبة في ذلك الإنسان كانت لاتمثل أكثر من 10% من مجموع الصفات الأخرى الغير مستحبة..وهذا ليس حباً لأنه يفتقر للمعرفة الحقيقية لمميزات وعيوب الشخص….وبذلك يفشل الزواج المفترض فيه أنه قائم على أساس الحب!!.
ونحن عندما نحب إنسان ما نكون مستعدين للتنازل عن احتياجات وصفات تخصنا من أجل إرضاء الطرف الآخر حتى ولو كان هذا على حساب راحتنا ومهما كلفنا هذا من إرهاق لنفسيتنا..ولكن هل سنحتمل هذا الإرهاق وهذه المعاناة بعد أن يُخفت لهيب العواطف!!!. بالطبع لا وستكون النتيجة أن يعود كل طرف إلى طبيعته الأصلية بلا تنازلات حيوية تمس كيانه وشخصيته. فيصبح التعامل الند للند، ويكون كل طرف متحفز للآخر ويصر أن يكون التنازل من الطرف الآخر أولاً… ويحدث الصدام ويكون الطلاق.
وهنا سننسى أو نتناسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد إستكمل الإيمان".
فالحب الذي لاتبعثه شهوات النفس والبغض الذي لاتبعثه رغبة الانتقام هو الذي يدوم بعد الزواج. وأن يكون العطاء من كل طرف للآخر بلا مقابل إلا مرضاة الله هو الذي يستمر. إن الله يوصي الرجل على المرأة ويحث المرأة على طاعة الرجل…ولكن أنتذكر هذا عندما نتعامل مع بعضنا البعض؟.
إنها ليست مثاليات غير واقعية. لكنها في الواقع تعاليم عميقة تنفذ إلى أعماق النفس التي شكّلها بارؤها: العطاء بلا مقابل، التنازل بلا مقابل، عمل الخير أولاً وثانياً وآخراً. الكلمة الطيّبة صدقة في جميع الأحوال وبالذات وقت الشجار والصدام. احترام كل طرف لكيان وشخصية واحتياجات الآخر شيء أساسي في العلاقات الإنسانية.
إن النضوج النفسي يبيّنه ويظهر صفة الإيثـار Altruism أى أنني أؤثر الآخرين على نفسي، أى أنني لا أنتظر منهم شيء!!. وهذا يعني أنني "ممتلئ" بداخلي. أى أن "نفسي شبعانة" من جميع النواحي. وبذلك فلو قدمت معروف وشُكرت عليه سأسعد به ولكنني لن أتعب وأحزن لأن الناس لم تُقدر ما فعلته.
وكأنني أمتلك ثروة معنوية كبيرة بدخلي لا تنضب، فإذا لم أحصل على مقابل لما أنفقه من هذه الثروة فلن يضيرني في شيء ولن ينقص من قدر نفسي ومن الثروة الكبيرة التي بداخلي!.
ومن هنا ندرك أن التنازل بلا مقابل والعطاء بلا مقابل…لوجه الله فقط هو من أسمى علامات النضوج النفساني.. والسمو الروحي!.
أليس هذا هو الحب الحقيقي؟
عندما أحب شخص ما ليس لأنني أحتاج منه أن يُكمل نقصاً معيناً في داخلي أو احتياج معين عندي وذلك لأنني أشعر بالنضوج والامتلاء النفساني والاكتفاء الذاتي حتى من قبل أن أرتبط به. ولكنني أحتاج للشخص الآخر لأنني أحبه – وليس العكس.
إن المشاعر الحقيقية التي تدوم بعد الزواج هي التي ترتكز على التكافؤ والتساوي. كل منّا لا يحتاج للآخر لملء فراغ معين به ولكن "ليسكن إليه"، ليرتاح في قربه، ليشاركه في الحياة. "وخلقنا لكم من أنفسكم أزواجً لتسكنوا إليها".
الحب الحقيقي هو الذي يرتكز على عناصر:
(1) المعرفة: بمميزات وعيوب الشخص ثم بالتفاهم نتفق على تهذيبها وتحسينها.
(2) الاحترام: وهو ضد سيطرة طرف على الآخر وإجباره على التخلص من جزء أساسي من شخصيته.
(3) الاهتمام والعناية كل طرف بالآخر ليس فقط بالاحتياجات المادية ولكن بالمشاعر والأحاسيس النفسية.
(4) الحنان المتبادل: أن يحرص كل طرف على الآخر ويعطيه من المشاعر ما يشعره بالود والتواصل..وليس بالضرورة الهيام والالتصاق الشديدين اللذان يؤديان للغير الجنونية
ألا تتفقون معي بأن جميع عناصر الحب الحقيقي تتوفر بصورة أفضل مع "العشرة" بعد الزواج؟! وأن نتيجة ذلك البحث العلمي منطقية وأن تقاليد مجتمعنا ليست خاطئة؟!.
منقول من موقع الدكتور / احمد جاد وهو أستشاري طب نفسي
…
في امان الله
نورتو يا قمرات