[تفسير ما تيسر من سورةالطلاق(8- 12)]
تفسير الآيات (8- 12)
{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)}
.شرح الكلمات
{وكأين من قرية}: أي وكثير من قرية أي مدينة.
{عنت عن أمر ربها}: أي عصت يعنى أهلها عصوا ربهم ورسله.
{عذاباً نكراً}: أي فظيعاً.
{ذكراً رسولاً}: أي القرآن وأرسل إليكم رسولاً هو محمد صلى الله عليه وسلم.
{من الظلمات إلى النور}: أي من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإيمان والتوحيد.
{قد أحسن الله له رزقاً}: أي رزق الجنة التي لا ينقطع نعيمها ابداً.
{ومن الأرض مثلهن}: أي سبع أرضين فوق أرضاً كالسموات سماء فوق سماء.
{يتنزل الأمر بينهن}: أي الوحي بين السموات والأرض.
{لتعلموا أن الله على كل شيء قدير}: أي أعلمكم بذلك الخلق العظيم والتنزيل العجيب لتعلموا..
معنى الآيات
( 8 _9) وكثير من القرى عصى أهلها أمر الله وأمر رسوله وتمادَوا في طغيانهم وكفرهم، فحاسبناهم على أعمالهم في الدنيا حسابًا شديدًا، وعذَّبناهم عذابًا عظيمًا منكرًا، فتجرَّعوا سوء عاقبة عتوهم وكفرهم، وكان عاقبة كفرهم هلاكًا وخسرانًا لا خسران بعده.
( 10 ) أعدَّ الله لهؤلاء القوم الذين طغَوا، وخالفوا أمره وأمر رسله، عذابًا بالغ الشدة، فخافوا الله واحذروا سخطه يا أصحاب العقول الراجحة الذين صدَّقوا الله ورسله وعملوا بشرعه. قد أنزل الله إليكم- أيها المؤمنون- ذكرًا يذكركم به، وينبهكم على حظكم من الإيمان بالله والعمل بطاعته. وهذا الذكر هو الرسول يقرأ عليكم آيات الله موضحات لكم الحق من الباطل؛ كي يخرج الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بما أمرهم الله به وأطاعوه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن يؤمن بالله ويعمل عملا صالحًا، يدخله جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار، ماكثين فيها ابدًا، قد أحسن الله للمؤمن الصالح رزقه في الجنة.
( 11 ) أعدَّ الله لهؤلاء القوم الذين طغَوا، وخالفوا أمره وأمر رسله، عذابًا بالغ الشدة، فخافوا الله واحذروا سخطه يا أصحاب العقول الراجحة الذين صدَّقوا الله ورسله وعملوا بشرعه. قد أنزل الله إليكم- أيها المؤمنون- ذكرًا يذكركم به، وينبهكم على حظكم من الإيمان بالله والعمل بطاعته. وهذا الذكر هو الرسول يقرأ عليكم آيات الله موضحات لكم الحق من الباطل؛ كي يخرج الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بما أمرهم الله به وأطاعوه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن يؤمن بالله ويعمل عملا صالحًا، يدخله جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار، ماكثين فيها ابدًا، قد أحسن الله للمؤمن الصالح رزقه في الجنة.
( 12 ) الله وحده هو الذي خلق سبع سموات، وخلق سبعًا من الأرَضين، وأنزل الأمر مما أوحاه الله إلى رسله وما يدبِّر به خلقه بين السموات والأرض؛ لتعلموا- أيها الناس- أن الله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء، وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، فلا يخرج شيء عن علمه وقدرته.
• لما انتهى الحديث عن الطلاق وكل ما يتعلق به ساق العبرة الأخيرة في مصير الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله، فلم يسمعوا ولم يستجيبوا. وعلق هذه العبرة على الرؤوس، تذكرهم بالمصير البائس الذي ينتظر من لا يتقي ولا يطيع. كما تذكرهم بنعمة الله على المؤمنين المخاطبين بالسورة والتشريع
• وهو إنذار طويل وتحذير مفصل المشاهد. كما أنه تذكير عميق بنعمة الله بالإيمان والنور، ووعده بالأجر في الآخرة وهو أحسن الرزق وأكرمه.
• فأخذ الله لمن يعتو عن أمره ولا يسلم لرسله هو سنة متكررة: {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكراً}.
• وتفصيل أخذها وذكر الحساب العسير والعذاب النكير، ثم تصوير العاقبة وسوء المصير: {فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسراً}..
• ثم تأخير صورة هذه العاقبة الخاسرة في الآية التالية: {أعد الله لهم عذاباً شديداً}.. كل هذا لإطالة المشهد وتفصيل خطواته ومراحله. وهي طريقة من طرق الأسلوب القرآني في تعميق الأثر في الحس وإطالة مكثه في الأعصاب.
•• ونقف لحظة أمام هذا التحذير فنرى أن الله أخذ القرى واحدة بعد واحدة كلما عتت عن أمر ربها ورسله.. ونجد أن هذا التحذير يساق هنا بمناسبة الطلاق وأحكامه، فيرتبط الطلاق وحكمه بهذه السنة الكلية. ويوحي هذا الارتباط أن أمر الطلاق ليس أمر أسر أو أزواج. إنما هو أمر الأمة المسلمة كلها. فهي المسؤولة عن هذا الأمر. وهي المسؤولة فيه عن شريعة الله.
• ومخالفتها عن أمر الله فيه أو مخالفتها عن أمر الله في غيره من أحكام هذا النظام، أو هذا المنهج الإلهي المتكامل للحياة هي عتو عن أمر الله، لا يؤاخذ به الأفراد الذين يرتكبونه، إنما تؤاخذ به القرية أو الأمة التي تقع فيها المخالفة، والتي تنحرف في تنظيم حياتها عن نهج الله وأمره.
• فقد جاء هذا الدين ليطاع، ولينفذ كله، وليهيمن على الحياة كلها. فمن عتا عن أمر الله فيه ولو كان هذا في أحوال الأفراد الشخصية فقد تعرض لما تعرضت له القرى من سنة الله التي لا تتخلف أبداً.
• وتلك القرى ذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسراً.. ذاقته في هذه الأرض قبل يوم الحساب الأخير. ولقد ذاقت هذا الوبال قرى وأمم وشعوب عتت عن منهج الله في الأرض. ونحن نشهد وأسلافنا شهدوا هذا الوبال. ذاقته فساداً وانحلالاً، وفقراً وقحطاً، وظلماً وجوراً، وحياة مفزعة لا أمن فيها ولا سلام، ولا طمأنينة فيها ولا استقرار. وفي كل يوم نرى مصداق هذا النذير!
• وذلك فوق العذاب الشديد الذي ينتظر العتاة عن أمر الله ونهجه في الحياة حيث يقول الله: {أعد الله لهم عذاباً شديداً}.. والله أصدق القائلين.
• •إن هذا الدين منهج نظام جماعي كما أسلفنا الحديث في سورة الصف جاء لينشئ جماعة مسلمة ذات نظام خاص. وجاء ليصرف حياة هذه الجماعة كلها. ومن ثم فالجماعة كلها مسؤولة عنه، مسؤولة عن أحكامه. ولن تخالف عن هذه الأحكام حتى يحق عليها هذا النذير الذي حق على القرى التي عتت عن أمر ربها ورسله.
• وفي مواجهة هذا الإنذار ومشاهده الطويلة يهتف بأولي الألباب الذين آمنوا. الذين هدتهم ألبابهم إلى الإيمان. يهتف بهم ليتقوا الله الذي أنزل لهم الذكر: {قد أنزل الله إليكم ذكراً}.. ويجسم هذا الذكر ويمزجه بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم فيجعل شخصه الكريم هو الذكر، أو بدلاً منه في العبارة: {رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات}..
•• وهنا لفتة مبدعة عميقة صادقة ذات دلائل منوعة:
_إن هذا الذكر الذي جاء من عند الله مر إليهم من خلال شخصية الرسول الصادق حتى لكأن الذكر نفذ إليهم مباشرة بذاته، لم تحجب شخصية الرسول شيئاً من حقيقته.
_والوجه الثاني لإيحاء النص هو أن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم قد استحالت ذكراً، فهي صورة مجسمة لهذا الذكر صنعت به فصارت هو. وهو ترجمة حية لحقيقة القرآن. وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا وصفته عائشة رضي الله عنها وهي تقول: «كان خلقه القرآن».. وهكذا كان القرآن في خاطره في مواجهة الحياة. وكان هو القرآن يواجه الحياة!
• وفوق نعمة الذكر والنور والهداية والصلاح، وعد بنعيم الجنات خالدين فيها أبداً. وتذكير بأن هذا الرزق هو أحسن الرزق، فلا يقاس إليه رزق الأرض: {قد أحسن الله له رزقاً}.. وهو الرازق في الدنيا والآخرة، ولكن رزقاً خير من رزق، واختياره للأحسن هو الاختيار الحق الكريم.
وهكذا يلمس نقطة الرزق مرة أخرى، ويهون بهذه الإشارة من رزق الأرض، إلى جانب رزق الجنة.
1- التحذير من ترك الأحكام الشرعية وإهمالها والعبث بها.
2- بيان منة الله على هذه الأمة بإنزال القرآن عليها وإرسال الرسول إليها.
3- بيان أن الكفر ظلمة وان الإيمان نور.
4- بيان عظمة الله تعالى وسعة علمه.
_كلمة كَأَيِّنْ اسم لعدد كثير منهم، يفسره ما بعده، فهي بمعنى «كم» الخبرية التي تفيد التكثير، وهي مبتدأ، وقوله مِنْ قَرْيَةٍ تمييز لها.
_وجملة عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها خبر للمبتدأ.
والعتو: الخروج عن الطاعة، يقال: عتا فلان يعتو عتوا وعتيا. إذا تجبر وطغى وتجاوز الحدود في الاستكبار والعناد.
ابن عاشور،الطنطاوى
[تم تفسيرسورة الطلاق ولله الحمد والمنة ] ويليه سورة التحريم بإذن الله تعالى.
===========
المراجع.
ابن عاشور التحرير والتنوير.
الطنطاوى الوسيط.
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء.
في ظلال القرآن الكريم سيد قطب
السعدى تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام
المنان المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله …
الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير.