فتاوى الزكاة
ما شروط وجوب الزكاة ؟
الجواب: شروط وجوب الزكاة : الإسلام ، والحرية، وملك النصاب واستقراره، ومضي الحول إلا في المعشرات.
فأما الإسلام :فإن الكافر لا تجب عليه الزكاة ، ولا تُقبل منه لو دفعها باسم الزكاة، لقوله تعالى : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة:54) الآية، ولكن ليس معنى قولنا : إنها لا تجب على الكافر ولا تصح منه أنه معفى عنه في الآخرة بل إنه يعاقب عليها ، لقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ) (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ) (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) . وهذا يدل على أن الكفار يعذبون على إخلالهم بفروع الإسلام وهو كذلك.
وأما الحرية: فلأن المملوك لا مال له إذ أن ماله لسيده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من باع عبداً له مال فماله لبائعه إلا أن يشترطه المبتاع))371 ، فهو إذاً غير مالك للمال حتى تجب عليه الزكاة، وإذا قُدر أن العبد ملك بالتمليك فإن ملكه في النهاية يعود لسيده، لأن سيده له أن يأخذ ما بيده، وعلى هذا ففي ملكه نقص ليس بمستقر استقرار أموال الأحرار.
وأما ملك النصاب:فمعناه أن يكون عند الإنسان مال يبلغ النصاب الذي قدره الشرع، وهو يختلف باختلاف الأموال، فإذا لم يكن عند الإنسان نصاب فإنه لا زكاة عليه؛ لأن ماله قليل لا يحتمل المواساة.
والنصاب في المواشي مقدار ابتداء وانتهاء، وفي غيرها مقدر ابتداء وما زاد فبحسابه.
وأما مضي الحول: فلأن إيجاب الزكاة في أقل من الحول يستلزم الإجحاف بالأغنياء، وإيجابها فيما فوق الحول يستلزم الضرر في حق أهل الزكاة، فكان من حكمة الشرع أن يقدر لها زمن معين تجب فيه وهو الحول، وفي ربط ذلك بالحول توازن بين حق الأغنياء، وحق أهل الزكاة.
وعلى هذا فلو مات الإنسان مثلاً أو تلف المال قبل تمام الحول سقطت الزكاة، إلا أنه يستثنى من تمام الحول ثلاثة أشياء:
ربح التجارة، ونتاج السائمة، والمعشرات.
أما ربح التجارة فإن حوله حول أصله، وأما نتاج السائمة حول النتاج حول أمهاته، وأما المعشرات فحولها وقت تحصيلها والمعشرات هي الحبوب والثمار.
* * *
ما كيفية إخراج زكاة الرواتب الشهرية؟
الجواب: أحسن شيء في هذا أنه إذا تم حول أول راتب استلمه فإنه يؤدي زكاة ما عنده كله، فما تم حوله فقد أخرجت زكاته في الحول، وما لم يتم حوله فقد عجلت زكاته، وتعجيل الزكاة لا شيء فيه، وهذا أسهل عليه من كونه يُراعي كل شهر على حدة، لكن إن كان ينفق راتب كل شهر قبل أن يأتي راتب الشهر الثاني فلا زكاة عليه، لأن من شروط وجوب الزكاة في المال أن يتم عليه الحول.
* * *
هل تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون؟
الجواب: هذه المسألة محل خلاف بين العلماء: فمنهم من قال: إن الزكاة في مال الصغير والمجنون غير واجبة، نظراً إلى تغليب التكليف فيها، ومعلوم أن الصغير والمجنون ليسا من أهل التكليف فلا تجب الزكاة في مالهما.
ومنهم من قال:الزكاة واجبة في مالهما، وهو الصحيح؛ لأن الزكاة من حقوق المال ولا ينظر فيها إلى المالك، لقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) (التوبة: الآية103)، فجعل موضع الوجوب المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن (( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم))372 وعلى هذا فتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ويتولى إخراجها وليهم.
* * *
ما حكم زكاة الدين؟
الجواب:جب على من له دين على شخص أن يؤدي زكاته قبل قبضه؛ لأنه ليس في يديه، ولكن إن كان الدين على موسر فإن عليه زكاته كل سنة، فإن زكَّاها مع ماله فقد برئت ذمته، وإن لم يزكها مع ماله وجب عليه إذا قبضها أن يزكيها لكل الأعوام السابقة، وذلك لأن المؤسر يمكن مطالبته، فتركه باختيار صاحب الدين، أما إذا كان الدين على معسر، أو غني لا يمكن مطالبته فإنه لا يجب عليه زكاته لكل سنة، وذلك لأنه لا يمكنه الحصول عليه فإن الله تعالى يقول : (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ) (البقرة: الآية280) فلا يمكن أن يستلم هذا المال وينتفع به فليس عليه زكاته ، ولكن إذا قبضه فمن أهل العلم من يقول: يستقبل به حولاً من جديد. ومنهم من يقول : يزكي لسنة واحدة، وإذا دارت السنة يزكيه أيضاً وهذا أحوط. والله أعلم.
* * *
هل يقضى دين الميت الذي لم يخلف تركة من الزكاة؟
الجواب: ذكر ابن عبد البر وأبو عبيد أنه لا يقضى من الزكاة دين على ميت بالإجماع، ولكن الواقع أن المسألة محل خلاف، لكن أكثر العلماء يقولون: إنه لا يقضى منها دين على ميت؛ لأن الميت انتقل إلى الآخرة، ولا يلحقه من الذل والهوان بالدين الذي عليه ما يلحق الأحياء، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقضي ديون الأموات من الزكاة، بل كان يقضيها عليه الصلاة والسلام من أموال الفيء حين فتح الله عليه ، وهذا يدل على أنه لا يصح قضاء دين الميت من الزكاة.
ويقال : الميت إن كان أخذ أموال الناس يريد أداءها فإن الله تعالى يؤدي عنه بفضله وكرمه، وإن كان أخذها يريد إتلافها فهو الذي جنى على نفسه، ويبقى الدين في ذمته يستوفى يوم القيامة، وعندي أن هذا أقرب من القول بأنه يقضى منها الدين على الميت.
وقد يقال : يفرق بين ما إذا كان الأحياء يحتاجون إلى الزكاة لفقر أو جهاد أو غرم أو غير ذلك، وما إذا كان الأحياء لا يحتاجون إليها ، ففي الحال التي يحتاج فيها الأحياء يقدم الأحياء على الأموات، وفي الحال التي لا يحتاجون إليها لا حرج أن نقضي منها ديون الأموات الذين ماتوا ولم يخلفوا مالاً، ولعل هذا قول وسط بين القولين.
* * *
هل تصح صدقة المدين؟ وماذا يسقط عن المدين من الحقوق الشرعية؟
الجواب:الصدقة من الإنفاق المأمور به شرعاً، والإحسان إلى عباد الله إذا وقعت موقعها، والإنسان مثاب عليها وكل أمرىء في ظل صدقته يوم القيامة، وهي مقبولة سواء كان على الإنسان دين، أم لم يكن عليه دين إذا تمت فيها شروط القبول، بأن تكون بإخلاص لله عز وجل، ومن كسب طيب، ووقعت في محلها، فبهذه الشروط تكون مقبولة بمقتضى الدلائل الشرعية، ولا يشترط أن لا يكون على الإنسان دين، لكن إذا كان الدين يستغرق جميع ما عنده فإنه ليس من الحكمة، ولا من العقل أن يتصدق – والصدقة مندوبة وليست بواجبة- ويدع ديناً واجباً عليه، فليبدأ أولاً بالواجب، ثم يتصدق، وقد اختلف أهل العلم فيما إذا تصدق وعليه دين يستغرق جميع ماله، فمنهم من يقول: إن ذلك لا يجوز له؛ لأنه إضرار بغريمه، وإبقاء لشغل ذمته بهذا الدين الواجب.
ومنهم من قال : إنه يجوز ولكنه خلاف الأولى.
وعلى كل حال فلا ينبغي للإنسان الذي عليه دين يستغرق جميع ما عنده أن يتصدق حتى يوفي الدين؛ لأن الواجب مقدم على التطوع .
وأما الحقوق الشرعية التي يعفى عنها من عليه دين حتى يقضيه: فمنها الحج ، فالحج لا يجب على الإنسان الذي عليه دين حتى يقضيه ويوفي دينه.
أما الزكاة فقد اختلف أهل العلم هل تسقط عن المدين أو لا تسقط؟ فمن أهل العلم من يقول: أن الزكاة تسقط فيما يقابل الدين سواءً كان المال ظاهراً أم غير ظاهر.
ومنهم من يقول: إن الزكاة لا تسقط فيما يقابل الدين بل عليه أن يزكي جميع ما في يده، ولو كان عليه دين ينقص النصاب.
ومنهم من فصل فقال: إن كان المال من الأموال الباطنة التي لا ترى ولا تشاهد كالنقود وعروض التجارة فإن الزكاة تسقط فيما يقابل الدين، وإن كان المال من الأموال الظاهرة كالمواشي والخارج من الأرض فإن الزكاة لا تسقط.
والصحيح عندي : أنها لا تسقط سواء كان المال ظاهراً أم غير ظاهر، وأن كل من في يديه مال مما تجب عليه الزكاة فعليه أن يؤدي زكاته ولو كان عليه دين، وذلك لأن الزكاة إنما تجب في المال لقوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة:103) ولقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه – حينما بعثه إلى اليمن: (( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم))373. والحديث في البخاري بهذا اللفظ، وبهذا الدليل من الكتاب والسنة تكون الجهة منفكة ، فلا تعارض بين الزكاة وبين الدين؛ لأن الدين يجب في الذمة، والزكاة تجب في المال، فإذاً كل منهما يجب في موضع دون ما يجب فيه الآخر، فلم يحصل بينهما تعارض ولا تصادم، وحينئذٍ يبقي الدين في ذمة صاحبه وتبقى الزكاة في المال يخرجها منه بكل حال.
* * *
: شخص لم يخرج زكاته أربع سنين ماذا يلزمه؟
الجواب: هذا الشخص آثم في تأخير الزكاة، لأن الواجب على المرء أن يؤدي الزكاة فور وجوبها ولا يؤخرها ؛ لأن الواجبات الأصل وجوب القيام بها فوراً، وعلى هذا الشخص أن يتوب إلي الله – عز وجل- من هذه المعصية، وعليه أن يبادر إلى إخراج الزكاة عن كل ما مضى من السنوات، ولا يسقط شيء من تلك الزكاة بل عليه أن يتوب ويبادر بالإخراج حتى لا يزداد إثماً بالتأخير.
* * *
: هل في المواشي التي تعلف نصف السنة زكاة؟
الجواب: المواشي التي تعلف نصف السنة كاملاً ليس فيها زكاة، وذلك لأن زكاة المواشي لا تجب إلا إذا كانت سائمة والسائمة هي التي ترعى مما أنبته الله في الأرض السنة كاملة أو أكثر السنة، وأما ما يعلف بعض السنة، أو نصف السنة فإنه لا زكاة فيه إلا إذا كانت معدة للتجارة، فهذه لها حكم زكاة العروض، وإذا كانت كذلك فإن فيها الزكاة حيث تقدر كل سنة بما تساوي ثم يخرج ربع عشر قيمتها، إي اثنين ونصف في المائة من قيمتها.
* * *
: اشتريت قبل ثلاث سنوات بيتاً وفيه ولله الحمد ثلاث نخلات مثمرات من نوعين، وفيهن ثمر كثير فهل على زكاة والحال هذه، فإذا كان الجواب بنعم والناس يجهلون ذلك جّداً فأسأل أسئلة عن ذلك كيف يكون معرفتي بلوغ النصاب من عدمه وأنا أخرفها خرفاً؟
ثانياً : كيف يكون تقدير الزكاة ؟ وهل تدفع من كل نوع بنسبته أم يضم بعضها إلى بعض وتخرج من نوع واحد؟ وهل يجوز أن أدفع نقوداً؟ وماذا أصنع في السنوات الماضية؟
الجواب:ما ذكره السائل من خفاء حكم هذه النخيل التي تكون في البيوت على كثير من الناس فهو صحيح، وكثير من الناس يكون عنده سبع نخل، أو عشر نخل، أو أكثر أو أقل وثمرتها تبلغ النصاب لكنهم لا يعلمون أن فيها زكاة يظنون أن الزكاة في البساتين فقط، والزكاة في ثمر النخل سواء كان في البستان أو في الدور، وعلى هذا فليأت بإنسان عنده خبرة وليقدر ثمر هذا النخل هل يبلغ النصاب أو لا؟ فإذا بلغ النصاب وجب عليه أن يزكيه ولكن كيف يزكيه وهو يخرفه؟ كما قال السائل أرى أنه في مثل هذه الحالة تقدر قيمة النخل، ويخرج نصف العشر من قيمتها؛ لأن ذلك أسهل على المالك، وأنفع للمحتاج- يعني إعطاء الدراهم أنفع للمحتاج وتقويمها بالدراهم أسهل على المالك- ومقدار الزكاة خمسة في المائة، بينما زكاة المال في المائة اثنين ونصف، لكن هذه فيها خمسة في المائة، لأن زكاتها زكاة ثمر، وليست زكاة تجارة.
أما ما مضى من السنوات وهو لم يزكه جاهلاً فإنه يقدر الآن في نفسه كم يظن الثمرات الماضية ويخرج زكاتها الآن، وليس عليه إثم فيما سبق من تأخير الزكاة؛ لأنه جاهل بذلك ، لكن لابد من أداء زكاة ما سبق.
* * *
: ما نصاب الذهب والفضة؟ وما مقدار صاع النبي صلى الله عليه وسلم بالكيلو؟
الجواب: نصاب الذهب عشرون مثقالاً ويساوي بالجرام خمسة وثمانين جراماً.
أما النصاب الفضة فهو مائة وأربعون مثقالاً، ويساوي بدراهم الفضة السعودية ستّاً وخمسين ريالاً.
وأما مقدار صاع النبي صلى الله عليه وسلم بالكيلو فهو كيلوان وأربعون جراماً من البر الرزين.
* * *
: رجل عنده بنات قد أعطاهن حلياً ومجموع حليهن يبلغ النصاب، وحلي كل واحدة بمفردها لا يبلغ النصاب فهل يجمع الحلي جميعاً ويزكي؟
الجواب: إذا كان أعطاهن هذا الحلي على سبيل العارية فالحلي ملكه ويجب عليه أن يجمعه جميعاً فإذا بلغ النصاب أدى زكاته، وإن كان أعطى بناته هذا الحلي على أنه ملك لهن فإنه لا يجب أن يجمع حلي كل واحدة إلى حلي الأخرى ؛ لأن كل واحدة ملكها منفرد عن الأخرى، وعلى هذا فإن بلغ حلي الواحدة منهن نصاباً زكاه، وإلا فلا.
…يتبع…
الجواب: إذا أعطى الرجل زكاته من يستحقها ثم أهداها له فلا بأس بذلك إذا لم يكن بينهما مواطأة، والأحوط أن لا يقبلها.
* * *
:هل يجوز للإنسان أن يدفع بدلاً عن زكاة المال ثياباً ونحوها؟
الجواب: لا يجوز ذلك.
* * *
:إذا كان مع الذهب الماس ونحوه فكيف تقدر زكاته؟
الجواب: يقدر ذلك أهل الخبرة فيذهب بها إلى تجار الذهب أو الصاغة لينظروا هل يبلغ الذهب النصاب أو لا يبلغ فإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه، إلا أن يكون عندها من الذهب ما يكمل به النصاب وتقدر قيمة الذهب الذي مع الماس ثم تخرج زكاته وهي ربع العشر.
* * *
: ما حكم صرف الزكاة في بناء المساجد؟ ومن هو الفقير؟
الجواب:لا يجوز صرف الزكاة إلا إلى الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله، لأن الله ذكر ذلك على سبيل الحصر بإنما فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:60) ، فلا يجوز صرفها في بناء المساجد، وتعليم العلم ونحو ذلك، وأما الصدقات المستحبة فالأفضل أن تكون فيما هو أنفع.
وأما الفقير الذي يستحق من الزكاة فهو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة بحسب الزمان والمكان، فربما ألف ريال في زمن ومكان تعتبر غنى، وفي زمن أو مكان آخر لا تعتبر غنى ، وفي زمن أو مكان آخر لا تعتبر غنى لغلاء المعيشة ونحو ذلك.
* * *
س369: هل تجب الزكاة في السيارات المعدة للأجرة والسيارات الخاصة؟
الجواب: السيارات التي يؤجرها الإنسان للنقل ، أو السيارات الخاصة التي يستخدمها لنفسه كلها لا زكاة فيها وإنما الزكاة في أجرتها إذا بلغت نصاباً بنفسها، أو بضمها إلى دراهم أخرى عنده وتم عليها الحول، وكذلك العقارات المعدة للأجرة ليس فيها زكاة وإنما الزكاة أجرتها.
* * *
: ما حكم زكاة الدار المؤجرة؟
الجواب: الدار المؤجرة إن كانت معدة للتأجير والاستغلال فإنه لا زكاة في قيمة الدار، وإنما الزكاة فيما يحصل فيها من الأجرة إذا تم عليه الحول من العقد، فإن كان لا يتم عليه الحول من العقد فلا زكاة فيه أيضاً، مثل أن يؤجر هذا البيت بعشرة آلاف مثلاً يقبض منها خمسة عند العقد فينفقها، ثم يقبض خمسة عند نصف السنة فينفقها قبل تمام السنة فإنه لا زكاة عليه حينئذ؛ لأن هذا المال لم يتم عليه الحول؛ أما إذا كانت الدار قد أعدها للتجارة وينتظر بها الربح لكنه قال ما مادامت لم تبع فإني أؤجرها، فإنه في هذه الحال تجب عليه الزكاة في قيمة الدار، وكذلك في أجرتها إذا تم عليها الحول كما تقدم، وإنما تجب عليه الزكاة في قيمة الدار حينئذ لأنه أعدها للتجارة وما أرادها للبقاء والاستغلال، وكل شيء يُراد به التجارة والتكسب فإن فيه الزكاة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل أمرىء ما نوى))374. وهذا الذي عنده أموال يريد بها التكسب إنما نوى بها قيمتها لا ذاتها، وقيمتها دراهم ونقود والدراهم والنقود تجب فيها الزكاة، وعلى هذا فيكون هذا الذي قصد بهذا البيت التجارة والاستغلال يكون واجباً عليه الزكاة في قيمة البيت وفي أجرته إذا تم عليه الحول من العقد.
* * *
: شخص اشترى أرضاً ليسكنها وبعد مضي ثلاث سنوات نواها للتجارة فهل فيما مضى زكاة؟
الجواب: لا تجب الزكاة فيها لأنه فيما مضى من السنوات إنما أرادها للسكنى، ولكن من حين نيته الاتجار والتكسب بها فإنه ينعقد الحول، فإذا تم الحول بعد ذلك وجبت عليه الزكاة.
* * *
ما حكم إخراج زكاة الفطر في العشر الأوائل من رمضان؟
الجواب: زكاة الفطر أضيفت إلى الفطر؛ لأن الفطر هو سببها فإذا كان الفطر من رمضان هو سبب هذه الكفارة فإنها تتقيد به ولا تقدم عليه، ولهذا كان أفضل وقت تخرج فيه يوم العيد قبل الصلاة، ولكن يجوز أن تقدم قبل العيد بيوم أو يومين، لما في ذلك من التوسعة على المعطي والآخذ، أما ما قبل ذلك فإن الراجح من أقوال أهل العلم أنه لا يجوز، وعلى هذا فلها وقتان: وقت جواز وهو: قبل العيد بيوم أو يومين، ووقت فضيلة وهو : يوم العيد قبل الصلاة، أما تأخيرها إلى ما بعد الصلاة فإنه حرام، ولا تجزيء عن الفطرة ، لحديث ابن عباس- رضي الله عنهما-: (( من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات))375. إلا إذا كان الرجل جاهلاً بيوم العيد مثل أن يكون في برية ولا يعلم إلا متأخراً وما أشبه ذلك فإنه لا حرج أن يؤديها بعد صلاة العيد، وتجزيء عن الفطرة.
* * *
: هل تجوز الزيادة في زكاة الفطر بنية الصدقة؟
الجواب: نعم يجوز أن يزيد الإنسان في الفطرة وينوي ما زاد على الواجب صدقة، ومن هذا ما يفعله بعض الناس اليوم يكون عنده عشر فطر مثلاً ويشتري كيساً من الرز يبلغ أكثر من عشر فطر ويخرجه جميعاً عنه، وعن أهل بيته، وهذا جائز إذا كان يتيقن أن هذا الكيس بقدر ما يجب عليه فأكثر؛ لأن كيل الفطرة ليس بواجب إلا ليعلم به القدر، فإذا علمنا أن القدر محقق في هذا الكيس ودفعناه إلى الفقير فلا حرج.
* * *
يقول بعض العلماء إنه لا يجوز أداء زكاة الفطر من الرز مادامت الأصناف المنصوص عليها موجودة فما رأي فضيلتكم؟
الجواب:قال بعض العلماء إنه إذا كانت الأصناف الخمسة وهي البر، التمر، والشعير، والزبيب، والإقط إذا كانت هذه موجودة فإن زكاة الفطر لا تجزيء عن غيرها وهذا القول مخالف تماماً لقول من قال : إنه يجوز إخراج زكاة الفطر من هذه الأصناف وغيرها حتى الدراهم فهما طرفان.
والصحيح:أنه يجزىء إخراجها من طعام الآدميين، وذلك لأن أبا سعيد الخدري- رضي الله عنه- كما ثبت عنه في صحيح البخاري يقول: (( كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا التمر، والشعير، والزبيب، والأقط))376. ولم يذكر البر أيضاً، ولا أعلم أن البر ذكر في زكاة الفطر في حديث صحيح صريح، ولكن لاشك أن البر يجزىء، ثم حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: )) فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين((377 ، فالصحيح أن طعام الآدميين يجزىء إخراج الفطرة منه وإن لم يكن من الأصناف الخمسة التي نص عليها الفقهاء، لأن هذه الأصناف- كما سبقت الإشارة إليه- كانت أربعة منها طعام الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيجوز إخراج زكاة الفطر من الأرز، بل الذي أرى أن الأرز أفضل من غيره في وقتنا الحاضر؛ لأنه أقل مئونة وأرغب عند الناس، ومع هذا فالأمور تختلف فقد يكون في البادية طائفة التمر أحب إليهم فيخرج الإنسان من التمر، وفي مكان آخر الزبيب أحب إليهم فيخرج الإنسان من الزبيب، وكذلك الأقط وغيره، فالأفضل في كل قوم ما هو أنفع لهم.
* * *
سئل فضيلة الشيخ: من كان عنده ثلث ميت ودراهم لأيتام فهل فيها زكاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الثلث الذي للميت فلا زكاة فيه لأنه ليس له مالك، وإنما هو معد لوجوه الخير، وأما الدراهم التي للأيتام فتجب فيها الزكاة فيخرجها الولي عنهم؛ لأن الصحيح من أقوال أهل العلم أن الزكاة لا يشترط فيها بلوغ ولا عقل؛ لأن الزكاة واجبة في المال.
* * *
: هل على السيارات الخاصة زكاة؟
الجواب: ليس عليها زكاة، وكل شيء يستعمله الإنسان لنفسه ما عدا حلي الذهب والفضة فليس فيه زكاة سواء سيارة، أو بعير، أو ماكينة فلاحة، أو غير ذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام (( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة))378.
* * *
: إذا أعطى الإنسان زكاته لمستحقها فهل يخبره أنها زكاة؟
الجواب: إذا أعطى الإنسان زكاته إلى مستحقها فإن كان هذا المستحق يرفض الزكاة ولا يقبلها فإنه يجب على صاحب الزكاة أن يخبره بأنها زكاة، وليكون على بصيرة من أمره إن شاء رفض، وإن شاء قبل، وإذا كان من عادته أن يأخذ الزكاة فإن الذي ينبغي أن لا يخبره؛ لأن إخباره بأنها زكاة فيه نوع من المنة، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى)(البقرة: الآية264).
* * *
ما حكم نقل الزكاة من مكان وجوبها؟
الجواب: يجوز للإنسان أن ينقل زكاته من بلده إلى بلد آخر إذا كان في ذلك مصلحة، فإذا كان للإنسان أقارب مستحقون للزكاة في بلد آخر غير بلده وبعث بها إليهم فلا بأس بذلك، وكذلك لو كان مستوى المعيشة في البلد مرتفعاً وبعث بها الإنسان إلى بلدٍ أهله أكثر فقراً فإن ذلك أيضاً لا بأس به، أما إذا لم يكن هناك مصلحة في نقل الزكاة من بلد إلى البلد الثاني فلا تنقل.
* * *
:
ما حكم دفع الزكاة للأقارب؟
الجواب: القاعدة في ذلك أن كل قريب تحب نفقته على المزكي فإنه لا يجوز أن يدفع إليه من الزكاة ما يكون سبباً لرفع النفقة عنه، أما إذا كان القريب لا تجب نفقته كالأخ إذا كان له أبناء، فإن الأخ إذا كان له أبناء فلا يجب على أخيه نفقته نظراً لعدم التوارث لوجود الأبناء، وفي هذه الحال يجوز دفع الزكاة إلى الأخ إذا كان من أهل الزكاة، كذلك أيضاً لو كان للإنسان أقارب لا يحتاجون الزكاة في النفقة لكن عليهم ديون فيجوز قضاء ديونهم ولو كان القريب أباً، أو أبناً أو بنتاً، أو أماً ما دام هذا الدين الذي وجب عليهم ليس سببه التقصير في النفقة.
مثال ذلك:رجل حصل على ابنه حادث وألزم بغرامة السيارة التي أصابها، وليس عنده مال فيجوز للأب أن يدفع الغرم سببه النفقة، بل إنما وجب لأمر لا يتعلق بالإنفاق، وهكذا كل من دفع زكاة إلى قريب لا يجب عليه أن يدفعه بدون سبب الزكاة فإن ذلك جائز من الزكاة.
* * *
:هل الصدقات والزكوات مختصة برمضان؟
الجواب: ليست مختصة بشهر رمضان، بل هي مستحبة ومشروعة في كل وقت، والزكاة يجب على الإنسان أن يخرجها إذا تم حول ماله ولا ينتظر رمضان، اللهم إلا إذا كان رمضان قريباً مثل أن يكون حوله في شعبان فينتظر رمضان فهذا لا بأس به، أما لو كان حول زكاته في محرم مثلاً فإنه لا يجوز له أن يؤخرها إلى رمضان، لكن يجوز له أن يقدمها في رمضان قبل محرم ولا حرج، وأما تأخيرها عن وقت وجوبها فإن هذا لا يجوز، لأن الواجبات المقيدة بسبب يجب أن تؤدى عند وجود سببها ولا يجوز تأخيرها عنه. ثم إن المرء ليس عنده ضمان إذا أخر الزكاة عن وقتها ليس عنده ضمان أن يبقى إلى الوقت الذي أخرها إليه فقد يموت وحينئذ تبقى الزكاة في ذمته، وقد لا يخرجها الورثة قد لا يعلمون أنها عليه إلى غير ذلك من الأسباب التي يخشى على المرء إذا تهاون في إخراج زكاته أن تكون عائقاً عن إخراج زكاته.
أما الصدقة: فالصدقة ليس لها وقت معين، فكل أيام العام وقت لها، ولكن الناس يختارون أن تكون صدقاتهم وزكاتهم في رمضان، لأنه وقت فاضل، وقت الجود والكرم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، ولكن يجب أن نعرف أن فضيلة الزكاة أو الصدقة في رمضان فضيلة تتعلق بالوقت، فإذا لم يكن هناك فضيلة أخرى تربو عليها ففي هذا الزمن أفضل من غيره، أما إذا كان هناك فضيلة أخرى تربو على فضيلة الوقت مثل أن يكون الفقراء أشد حاجة في وقت آخر- أي غير رمضان – فإنه لا ينبغي أن يؤخرها إلى رمضان، بل الذي ينبغي أن ينظر إلى الوقت والزمن الذي يكون فيه أنفع للفقراء فيخرج الصدقة في ذلك الزمن، والغالب أن الفقراء في غير رمضان أحوج منهم في رمضان؛ لأن رمضان تكثر فيه الصدقات والزكوات فتجد الفقراء فيه مكتفين مستغنين بما يعطون، لكنهم يفتقرون افتقاراً شديداً في بقية أيام السنة، فهذه المسألة ينبغي أن يلاحظها المرء، وأن لا يجعل فضل الزمن مقدماً على كل فضل.
* * *
: هل الصدقة الجارية ما أخرجه الإنسان في حياته أم ما تصدق به أهله عنه من بعده؟
الجواب: الظاهر أن قوله صلى الله عليه وسلم (( إلا من صدقة جارية))384 يعني من الميت نفسه وليس مما يجعله أولاده له من بعده، لأن ما يكون من الولد بيّنه الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: ((ولد صالح يدعو له)). فالميت إذا كان قد أوصى بشيء يكون صدقة جارية، أو أوقف شيئاً يكون صدقة جارية فإنه ينتفع به بعد موته وكذلك العلم فإنه من كسبه، وكذلك الولد إذا دعا له، ولهذا لو قيل لنا : هل الأفضل أن أصلي ركعتين للوالد، أو أن أصلي ركعتين لنفسي وأدعو للوالد فيهما؟ قلنا: الأفضل أن تصلي ركعتين لك، وتدعو للوالد فيهما؛ لأن هذا هو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : (( أو ولد صالح يدعو له)) ولم يقل يصلي له، أو يعمل عملاً آخر.
* * *
: هل يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها لنفسها أو لأحد من أمواتها؟
الجواب: من المعلوم أن مال الزوج للزوج، ولا يجوز لأحد أن يتصدق من مال أحد إلا بإذنه، فإذا أذن الزوج لها أن تتصدق به لنفسها، أو لمن شاءت من أمواتها فلا حرج عليها، فإن لم يأذن فإنه لا يحل له أن تتصدق بشيء لأنه ماله ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه.
* * *
: رجل فقير يأخذ الزكاة من صاحبه الغني بحجة أنه سيوزعها ثم يأخذها هو فما الحكم في هذا العمل؟
الجواب: هذا محرم عليه وهو خلاف الأمانة، لأن صاحبه يعطيه على أنه وكيل يدفعه لغيره، وهو يأخذه لنفسه، وقد ذكر أهل العلم أن الوكيل لا يجوز أن يتصرف فيما وكّل فيه لنفسه، وعلى هذا فإن الواجب على هذا الشخص أن يبين لصاحبه أن ما كان يأخذه من قبل كان يصرفه لنفسه، فإن أجازه فذاك ، وإن لم يجزه فإن عليه الضمان- أي يضمن ما أخذ لنفسه ليؤدي به الزكاة عن صاحبه-.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى مسألة يفعلها بعض الناس الجهال وهي : أنه يكون فقيراً فيأخذ الزكاة، ثم يغنيه الله فيعطيه الناس على أنه لم يزل فقيراً، ثم يأخذها، فمن الناس من يأخذها ويأكلها ويقول: أنا ما سألت الناس، وهذا رزق ساقه الله إلي، وهذا محرم؛ لأن من أغناه الله تعالى حرم عليه أن يأخذ شيئاً من الزكاة.
ومن الناس من يأخذها ثم يعطيها غيره بدون أن يوكله صاحب الزكاة وهذا أيضاً محرم ولا يحل له أن يتصرف هذا التصرف وإن كان دون الأول، لكنه محرم عليه أن يفعل هذا، ويجب عليه ضمان الزكاة لصاحبه إذا لم يأذن له ولم يجز تصرفه.