حقيقة التحايل على الحرام وبعض صوره
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إغاثة اللهفان ( 2/80) :
فصل القسم الخامس من الحيل : أن يقصد حل ما حرمه الشارع
أو سقوط ما أوجبه بأن يأتي بسبب نصبه الشارع سببا إلى أمر مباح مقصود فيجعله المحتال المخادع سببا إلى أمر محرم مقصود اجتنابه
فهذه هي الحيل المحرمة التي ذمها السلف وحرموا فعلها وتعليمها
وهذا حرام من جهتين : من جهة غايته ومن جهة سببه
أما غايته : فإن المقصود به إباحة ما حرمه الله ورسوله وإسقاط ما أوجبه
وأما من جهة سببه : فإنه اتخذ آيات الله هزوا وقصد بالسبب ما لم يشرع لأجله ولا قصده به الشارع بل قصد ضده فقد ضاد الشارع في الغاية والحكمة والسبب جميعا وقد يكون أصحاب القسم الأول من الحيل أحسن حالا من كثير من أصحاب هذا القسم فإنهم يقولون : إن ما نفعله حرام وإثم ومعصية ونحن أصحاب تحيل بالباطل عصاة لله ولرسوله مخالفون لدينه وكثير من هؤلاء يجعلون هذا القسم من الدين الذي جاءت به الشريعة وأن الشارع جوز لهم التحيل بالطرق المتنوعة على إباحة ما حرمه وإسقاط ما أوجبه فأين حال هؤلاء من حال أولئك ثم إن هذا النوع من الحيل يتضمن نسبة الشارع إلى العبث وشرع ما لا فائدة فيه إلا زيادة الكلفة والعناء فإن حقيقة الأمر عند أرباب الحيل الباطلة : أن تصير العقود الشرعية عبثا لا فائدة فيها فإنها لم يقصد بها المحتال مقاصدها التي شرعت لها بل لأغراض له في مقاصدها وحقائقها البتة وإنما غرضه التوصل بها إلى ما هو ممنوع منه فجعلها سترة وجنة يتستر بها من ارتكاب ما نهي عنه صرفا فأخرجه في قالب الشرع كما أخرجت الجهمية التعطيل في قالب التنزيه
وأخرج المنافقون النفاق في قالب الإحسان والتوفيق والعقل المعيشي
وأخرج الظلمة الفجرة الظلم والعدوان في قالب السياسة وعقوبة الجناة وأخرج المكاسون أكل المكوس في قالب إعانة المجاهدين وسد الثغور وعمارة الحصون وأخرج الروافض الإلحاد والكفر والقدح في سادات الصحابة وحزب رسول الله ــ صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم ــ وأوليائه وأنصاره في قالب محبة أهل البيت والتعصب لهم وموالاتهم
وأخرجت الإباحية وفسقة المنتسبين إلى الفقر والتصوف بدعهم وشطحهم في قالب الفقر والزهد والأحوال والمعارف ومحبة الله ونحو ذلك وأخرجت الإتحادية أعظم الكفر والإلحاد في قالب التوحيد وأن الوجود واحد لا اثنان وهو الله وحده فليس ههنا وجودان : خالق ومخلوق ولا رب وعبد بل الوجود كله واحد وهو حقيقة الرب
وأخرجت القدرية إنكار عموم قدرة الله تعالى على جميع الموجودات : أفعالها وأعيانها في قالب العدل وقالوا : لو كان الرب قادرا على أفعال عباده لزم أن يكون ظالما لهم فأخرجوا تكذيبهم بالقدر في قالب العدل
وأخرجت الجهمية جحدهم لصفات كماله سبحانه في قالب التوحيد وقالوا : لو كان له سبحانه سمع وبصر وقدرة وحياة وإرادة وكلام يقوم به لم يكن واحدا وكان آلهة متعددة
وأخرجت الفسقة والذين يتبعون الشهوات الفسوق والعصيان في قالب الرجاء وحسن الظنع بالله تعالى وعدم إساءة الظن بعفوه وقالوا : تجنب المعاصي والشهوات إزراء بعفو الله تعالى وإساءة للظن به ونسبة له إلى خلاف الجود والكرم والعفو
وأخرجت الخوارج قتال الأئمة والخروج عليهم بالسيف في قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وأخرج أرباب البدع جميعهم بدعهم في قوالب متنوعة بحسب تلك البدع
وأخرج المشركون شركهم في قالب التعظيم لله وأنه أجل من أن يتقرب إليه بغير وسائط وشفعاء وآلهة تقربهم إليه
فكل صاحب باطل لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالب حق
والمقصود : أن أهل المكر والحيل المحرمة يخرجون الباطل في القوالب الشرعية ويأتون بصور العقود دون حقائقها ومقاصدها
فصل وهذا القسم من أقسام الحيل أنواع : أحدها : الاحتيال لحل
ما هو حرام في الحال كالحيل الربوية وحيلة التحليل
الثاني : الاحتيال على حل ما انعقد سبب تحريمه فهو صائر إلى التحريم ولا بد كما إذا علق طلاقها بشرط محقق تعليقا يقع به ثم أراد منع وقوع الطلاق عند الشرط فخالعها خلع الحيلة حتى بانت ثم تزوجها بعد ذلك
الثالث : الاحتيال على إسقاط ما هو واجب في الحال كالاحتيال على إسقاط الإنفاق الواجب عليه وأداء الدين الواجب بأن يملك ماله لزوجته أو ولده فيصير معسرا فلا يجب عليه الإنفاق والأداء وكمن يدخل عليه رمضان ولا يريد صومه فيسافر ولا غرض له سوى الفطر ونحو ذلك
الرابع : الاحتيال على إسقاط ما انعقد سبب وجوبه ولم يجب لكنه صائر إلى الوجوب فيحتال حتى يمنع الوجوب كالاحتيال على إسقاط الزكاة بتمليكه ماله قبل مضيالحول لبعض أهله ثم استرجاعه بعد ذلك وهذا النوع ضربان : أحدهما إسقاط حق الله تعالى بعد وجوبه أو انعقاد سببه والثاني : إسقاط حق المسلم بعد وجوبه أو انعقاد سببه كالاحتيال على إسقاط الشفعة التي شرعت دفعا للضرر عن الشريك قبل وجوبها أو بعده
الخامس : الاحتيال على أخذ حقه أو بعضه أو بدله بخيانة كما تقدم وله صور كثيرة
منها : أن يجحده دينه كما جحده
ومنها : أن يخونه في وديعته كما خانه
ومنها : أن يغشه في بيع معيب كما غشه هو في بيع معيب
ومنها : أن يسرق ماله كما سرق ماله
ومنها : أن يستعمله بأجرة دون أجرة مثله ظلما وعدوانا أو غرورا وخداعا أو غبنا فيقدر المستأجر له على مال فيأخذ تمام أجرته
وهذا النوع يستعمله كثير من أرباب الديوان ونظار الوقوف والعمال وجباه الفيء والخراج والجزية والصدقة وأمثالهم فإن كان المال مشتركا بين المسلمين رتعوا وربعوا ورأى أحدهم أن من الغبن أن يفوته شيء منه ويرى إن عدل أن له نصف ذلك المال ويسعى في السدس تكملة للثلثين كما قيل في بعضهم :
له نصف بيت المال فرض مقرر … وفي سدس التكميل يسعى ليخلصا من القوم لا تثنيهم عن مرادهم … عقوبة سلطان بسوط ولا عصا ) انتهى كلامه رحمه الله تعالى
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إغاثة اللهفان ( 2/80) :
فصل القسم الخامس من الحيل : أن يقصد حل ما حرمه الشارع
أو سقوط ما أوجبه بأن يأتي بسبب نصبه الشارع سببا إلى أمر مباح مقصود فيجعله المحتال المخادع سببا إلى أمر محرم مقصود اجتنابه
فهذه هي الحيل المحرمة التي ذمها السلف وحرموا فعلها وتعليمها
وهذا حرام من جهتين : من جهة غايته ومن جهة سببه
أما غايته : فإن المقصود به إباحة ما حرمه الله ورسوله وإسقاط ما أوجبه
وأما من جهة سببه : فإنه اتخذ آيات الله هزوا وقصد بالسبب ما لم يشرع لأجله ولا قصده به الشارع بل قصد ضده فقد ضاد الشارع في الغاية والحكمة والسبب جميعا وقد يكون أصحاب القسم الأول من الحيل أحسن حالا من كثير من أصحاب هذا القسم فإنهم يقولون : إن ما نفعله حرام وإثم ومعصية ونحن أصحاب تحيل بالباطل عصاة لله ولرسوله مخالفون لدينه وكثير من هؤلاء يجعلون هذا القسم من الدين الذي جاءت به الشريعة وأن الشارع جوز لهم التحيل بالطرق المتنوعة على إباحة ما حرمه وإسقاط ما أوجبه فأين حال هؤلاء من حال أولئك ثم إن هذا النوع من الحيل يتضمن نسبة الشارع إلى العبث وشرع ما لا فائدة فيه إلا زيادة الكلفة والعناء فإن حقيقة الأمر عند أرباب الحيل الباطلة : أن تصير العقود الشرعية عبثا لا فائدة فيها فإنها لم يقصد بها المحتال مقاصدها التي شرعت لها بل لأغراض له في مقاصدها وحقائقها البتة وإنما غرضه التوصل بها إلى ما هو ممنوع منه فجعلها سترة وجنة يتستر بها من ارتكاب ما نهي عنه صرفا فأخرجه في قالب الشرع كما أخرجت الجهمية التعطيل في قالب التنزيه
وأخرج المنافقون النفاق في قالب الإحسان والتوفيق والعقل المعيشي
وأخرج الظلمة الفجرة الظلم والعدوان في قالب السياسة وعقوبة الجناة وأخرج المكاسون أكل المكوس في قالب إعانة المجاهدين وسد الثغور وعمارة الحصون وأخرج الروافض الإلحاد والكفر والقدح في سادات الصحابة وحزب رسول الله ــ صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم ــ وأوليائه وأنصاره في قالب محبة أهل البيت والتعصب لهم وموالاتهم
وأخرجت الإباحية وفسقة المنتسبين إلى الفقر والتصوف بدعهم وشطحهم في قالب الفقر والزهد والأحوال والمعارف ومحبة الله ونحو ذلك وأخرجت الإتحادية أعظم الكفر والإلحاد في قالب التوحيد وأن الوجود واحد لا اثنان وهو الله وحده فليس ههنا وجودان : خالق ومخلوق ولا رب وعبد بل الوجود كله واحد وهو حقيقة الرب
وأخرجت القدرية إنكار عموم قدرة الله تعالى على جميع الموجودات : أفعالها وأعيانها في قالب العدل وقالوا : لو كان الرب قادرا على أفعال عباده لزم أن يكون ظالما لهم فأخرجوا تكذيبهم بالقدر في قالب العدل
وأخرجت الجهمية جحدهم لصفات كماله سبحانه في قالب التوحيد وقالوا : لو كان له سبحانه سمع وبصر وقدرة وحياة وإرادة وكلام يقوم به لم يكن واحدا وكان آلهة متعددة
وأخرجت الفسقة والذين يتبعون الشهوات الفسوق والعصيان في قالب الرجاء وحسن الظنع بالله تعالى وعدم إساءة الظن بعفوه وقالوا : تجنب المعاصي والشهوات إزراء بعفو الله تعالى وإساءة للظن به ونسبة له إلى خلاف الجود والكرم والعفو
وأخرجت الخوارج قتال الأئمة والخروج عليهم بالسيف في قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وأخرج أرباب البدع جميعهم بدعهم في قوالب متنوعة بحسب تلك البدع
وأخرج المشركون شركهم في قالب التعظيم لله وأنه أجل من أن يتقرب إليه بغير وسائط وشفعاء وآلهة تقربهم إليه
فكل صاحب باطل لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالب حق
والمقصود : أن أهل المكر والحيل المحرمة يخرجون الباطل في القوالب الشرعية ويأتون بصور العقود دون حقائقها ومقاصدها
فصل وهذا القسم من أقسام الحيل أنواع : أحدها : الاحتيال لحل
ما هو حرام في الحال كالحيل الربوية وحيلة التحليل
الثاني : الاحتيال على حل ما انعقد سبب تحريمه فهو صائر إلى التحريم ولا بد كما إذا علق طلاقها بشرط محقق تعليقا يقع به ثم أراد منع وقوع الطلاق عند الشرط فخالعها خلع الحيلة حتى بانت ثم تزوجها بعد ذلك
الثالث : الاحتيال على إسقاط ما هو واجب في الحال كالاحتيال على إسقاط الإنفاق الواجب عليه وأداء الدين الواجب بأن يملك ماله لزوجته أو ولده فيصير معسرا فلا يجب عليه الإنفاق والأداء وكمن يدخل عليه رمضان ولا يريد صومه فيسافر ولا غرض له سوى الفطر ونحو ذلك
الرابع : الاحتيال على إسقاط ما انعقد سبب وجوبه ولم يجب لكنه صائر إلى الوجوب فيحتال حتى يمنع الوجوب كالاحتيال على إسقاط الزكاة بتمليكه ماله قبل مضيالحول لبعض أهله ثم استرجاعه بعد ذلك وهذا النوع ضربان : أحدهما إسقاط حق الله تعالى بعد وجوبه أو انعقاد سببه والثاني : إسقاط حق المسلم بعد وجوبه أو انعقاد سببه كالاحتيال على إسقاط الشفعة التي شرعت دفعا للضرر عن الشريك قبل وجوبها أو بعده
الخامس : الاحتيال على أخذ حقه أو بعضه أو بدله بخيانة كما تقدم وله صور كثيرة
منها : أن يجحده دينه كما جحده
ومنها : أن يخونه في وديعته كما خانه
ومنها : أن يغشه في بيع معيب كما غشه هو في بيع معيب
ومنها : أن يسرق ماله كما سرق ماله
ومنها : أن يستعمله بأجرة دون أجرة مثله ظلما وعدوانا أو غرورا وخداعا أو غبنا فيقدر المستأجر له على مال فيأخذ تمام أجرته
وهذا النوع يستعمله كثير من أرباب الديوان ونظار الوقوف والعمال وجباه الفيء والخراج والجزية والصدقة وأمثالهم فإن كان المال مشتركا بين المسلمين رتعوا وربعوا ورأى أحدهم أن من الغبن أن يفوته شيء منه ويرى إن عدل أن له نصف ذلك المال ويسعى في السدس تكملة للثلثين كما قيل في بعضهم :
له نصف بيت المال فرض مقرر … وفي سدس التكميل يسعى ليخلصا من القوم لا تثنيهم عن مرادهم … عقوبة سلطان بسوط ولا عصا ) انتهى كلامه رحمه الله تعالى
جزاكى الله خيراااااااا
بارك الله فيكِ
الف شكر
جزاكى الله خيرا حبيبتى
ربي يكرمك ويبعد عنك السوء