ذكرى اليمه
ابلغ صباه واكتمل شبابه فى بيئه تعد امثاله من الفتيه الهاشمين ماشاءوا من ملذات لكنه لم يجد طعم للحياه فى مذاقه مرا كلما عاودته ذكرى بعيده …………….
وتلك الذكرى كانت تعاوده وترده الى لحظه طواها الزمن منذ ثمانية عشر عاما وما يزال يذكر موقفه فى بقعه موحشه من الصحراء بين مكه ويثرب امام امه ((آمنه )) والحياه تتسرب من كيانها رويدا ثم تنطفىء الى الابد
ثمانية عشر عاما وما يزال المشهد الاليم يتراءى له عبر السنين فيرى نفسه مكبا على الحفره التى القوا فيها جثمان الغاليه ((بالابواء)) ضائع الحياه مهيض الجناح لايملك ان يستبقى امه لحظه واحده بعد ان حان اجلها ولا ان يرد عليها عاديات الوحشه والظلام والبرد بعد ان هالوا عليها بالرمال
وربما شغلته شواغل العيش حينا عن اشجانه وصرفته دواعى الحياه فتره عن تمثل ذاك الموت الذى غال اعز من له امام عينيه وبين يديه لكنه لا يلبث ان ينتزع من حاضره مستثار الحزن فاذا بقلبه يخفق بين جوانحه شعورا بعالم بعيد فى طريق الشمال ليطوف بمرقد الثانويه فى جوف الصحراء ثم يثنى مثقلا بالاسى والشجن
وما اكثر ما كان ان يمر بالبيت المهجور فى مكه الذى ضمه وامه زمنا ثم اوحش بعدها وخلا
ما اكثر ما كان ينطلق الى المراعى خارج مكه فاذا حان المساء وآن له ان يثوب الى منزله تلبث برهة عند مدخل البيت الحرام وتمثل نفسه عائدا الى رحلته الاولى الى يثرب وحيدا محزونا مضاغف اليتم يتابع جاريته بركه صامتا واجما وهى تسعى به الى بيت جده الشيخ عبد المطلب وكم
حاول الجد الرحيم ان يزود عن افق الغلام اليتيم تلك الرؤى الحزينه التى تروع صباه
كم جاهد طوال عامين كاملين ليضمد بيده الرقيقه ذلك الجرح الدامى فى قلب حفيده الصغير اليتيم
لكن الزائر المرهوب الذى الم بآل الغلام فانتزع منه اباه ثم امه عاد من جديد فطوف بحى بنى هاشم وتلبث برهه يحوم حول فراش عميدهم الشيخ عبد المطلب وينذر بالرحيل
ووقف الغلام مره ثانيه يرقب الحياه وهى تنطفىء فيما كان له ابا بعد ابيه واصغى فى حزن زاهل الى صوت الشيخ المحتضر وهو يدعو اليه ولده ابا طالب فيوصيه بمحمد ابن
اخيه ((عبد الله ))
ثم يمضى …………………
وانتقل الصبى من بعده الى منزل جديد والفى الى عمه ابا ثالثا لكنه ظل يفتقد الام
وبقى قلبه على الايام والشهور والسنين ينزع نحو مرقدها الاخير فى ((الابواء))
ولم يستطع صوت ضجيج بنى هاشم فى ملاعب حداثتهم ان يمحو من مسمعه صدى الحشرجه الرهيبه التى صكت اذنيه وقلبه فى جوف البيداء
ولا استطاعت مشاهد الحياه الزاخره الحافله حول(( البيت العتيق )) فى ((ام القرى )) ان تطوى فى متاهة النسيان ذلك المشهد الفاجع لاحتضار امه وموتها قرب ((الابواء))
وهذا هو يقف فى المسجد الساجى عند اطراف الصحراء شارد البال والكون من حوله موحش واجم يلفه الغلس برداء ابيض ويتنفس فيه الصمت العميق شجنا واعياء
واذ تتكاثف الظلمه حوله يجمع نفسه فى جهد وياخذ طريقه الى منزل عمه وفى نفسه احساس مرهف بفراق وشيك فقد آن له ان يغادر هذا المنزل الذى آواه بضعة عشر عاما وحسب العم ما يحمل من اعباء بنيه الكثار
ولكن الى اين ؟؟
الى ((الشام )) مؤقتا كما اراد له عمه فى صباح يومه ذاك فلقد حدثه فى مطلع الشمس عن رحله مرجوة الخير وقال له فيما قال :
(( يا ابن اخى انا رجل لا مال لى وقد اشتد الزمان علينا والحت علينا سنون منكره وليس لنا مال ولا تجاره وهذه عير قومك قد حضر خروجها الى الشام وخديجه تبعث رجالا يتجرون فى مالها ويصبون منافع فلو جئتها لفضلتك على غيرك لما يبلغها عنك من امانتك وطهارتك وان كنت اكره ان تاتى الشام واخاف عليك من يهود ……….
منقول الجزء الاول من كتاب نساء النبى
اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه اجمعين
بارك الله فيك حبيبتى