سورة التحريم
تفسير الآيات (2- 5)
{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)}
شرح الكلمات
{وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه}: هي حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.
{حديثا}: هو تحريم مارية وقوله لها لا تفشيه.
{فلما نبأت به}: أي نبأت حفصة عائشة أي أختبرها به ظناً منها أنه لا حرج في ذلك باجتهادٍ.
{وأظهره الله عليه}: أي اطلعه عليه على المنبأ به.
{عرف بعضه}: أي لحفصة.
{وأعرض عن بعض}: أي تكرما منه صلى الله عليه وسلم.
{إن تتوبا إلى الله}: أي حفصة وعائشة رضي الله عنهما تقبل توبتكما.
{فقد صغت قلوبكما}: أي مالت إلى تحريم مارية أي سركما ذلك.
{وإن تظاهرا عليه}: أي تتعاونا أي على النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكرهه.
{فإن الله هو مولاه}: أي ناصره.
{وصالح المؤمنين}: أي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
{والملائكة بعد ذلك ظهير}: أي ظهراء وأعوان له.
{قانتات}: أي عابدات.
{سائحات}: أي صائمات أو مهاجرات.
معنى الآيات
( 2 ) قد شرع الله لكم -أيها المؤمنون- تحليل أيمانكم بأداء الكفارة عنها، وهي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. والله ناصركم ومتولي أموركم، وهو العليم بما يصلحكم فيشرعه لكم، الحكيم في أقواله وأفعاله.
( 3 ) وإذ أسرَّ النبي إلى زوجته حفصة – رضي الله عنها- حديثا، فلما أخبرت به عائشة رضي الله عنها، وأطلعه الله على إفشائها سرَّه، أعلم حفصة بعض ما أخبرت به، وأعرض عن إعلامها بعضه تكرما، فلما أخبرها بما أفشت من الحديث، قالت: مَن أخبرك بهذا؟ قال: أخبرني به الله العليم الخبير، الذي لا تخفى عليه خافية.
( 4 ) إن ترجعا (حفصة وعائشة) إلى الله فقد وُجد منكما ما يوجب التوبة حيث مالت قلوبكما إلى محبة ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إفشاء سرِّه، وإن تتعاونا عليه بما يسوءه، فإن الله وليه وناصره، وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد نصرة الله أعوان له ونصراء على مَن يؤذيه ويعاديه.
( 5 ) عسى ربُّه إن طلقكنَّ- أيتها الزوجات- أن يزوِّجه بدلا منكن زوجات خاضعات لله بالطاعة، مؤمنات بالله ورسوله، مطيعات لله، راجعات إلى ما يحبه الله مِن طاعته، كثيرات العبادة له، صائمات، منهنَّ الثيِّبات، ومنهن الأبكار.
فى ظلال الآيات
• قلنا فى السابق أنَّ الحياة في جو النبوة في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لتقضي على المشاعر البشرية، والهواتف البشرية في نفوس أزواجه رضي الله عنهن فقد كان يبدو أو يشجر بينهن، ما لا بد أن يشجر في قلوب النساء في مثل هذه الحال.
{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا….الآيات)
• وهو عتاب مؤثر موح. فما يجوز أن يحرم المؤمن على نفسه ما أحله الله له من متاع. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن حرم العسل أو مارية بمعنى التحريم الشرعي؛ إنما كان قد قرر حرمان نفسه. فجاء هذا العتاب يوحي بأن ما جعله الله حلالاً فلا يجوز حرمان النفس منه عمداً وقصداً إرضاء لأحد.. والتعقيب.. {والله غفور رحيم}.. يوحي بأن هذا الحرمان من شأنه أن يستوجب المؤاخذة، وأن تتداركه مغفرة الله ورحمته. وهو إيحاء لطيف.
• فأما اليمين التي يوحي النص بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حلفها، فقد فرض الله تحلتها. أي كفارتها التي يحل منها. ما دامت في غير معروف والعدول عنها أولى.
• {والله مولاكم}.. فهو يعينكم على ضعفكم وعلى ما يشق عليكم. ومن ثم فرض تحلة الأيمان، للخروج من العنت والمشقة.. {وهو العليم الحكيم}. يشرع لكم عن علم وعن حكمة، ويأمركم بما يناسب طاقتكم وما يصلح لكم. فلا تحرموا إلا ما حرم، ولا تحلوا غير ما أحل.
وهو تعقيب يناسب ما قبله من توجيه.
• ثم يشير إلى الحديث ولا يذكر موضوعه ولا تفصيله، لأن موضوعه ليس هو المهم، وليس هو العنصر الباقي فيه. إنما العنصر الباقي هو دلالته وآثاره:
{وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً}..
•ومن النص نطلع على نموذج من تلك الفترة العجيبة في تاريخ البشرية. الفترة التي يعيش فيها النَّاس مع السماء. والسماء تتدخل في أمرهم علانية وتفصيلاً. ونعلم أن الله قد أطلع نبيه على ما دار بين زوجيه بشأن ذلك الحديث الذي أسره إلى بعض أزواجه. وأنه صلى الله عليه وسلم حين راجعها فيه اكتفى بالإشارة إلى جانب منه. ترفعاً عن السرد الطويل، وتجملاً عن الإطالة في التفصيل؛ وأنه أنبأها بمصدر علمه وهو المصدر الأصيل:
• {فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض، فلما نبأها به قالت: من أنبأك هذا؟ قال: نبأني العليم الخبير}..
• والإشارة إلى العلم والخبرة هنا إشارة مؤثرة في حالة التآمر والمكايدات المحبوكة وراء الأستار! ترد السائلة إلى هذه الحقيقة التي ربما نسيتها أو غفلت عنها، وترد القلوب بصفة عامة إلى هذه الحقيقة كلما قرأت هذا القرآن.
• ويتغير السياق من الحكاية عن حادث وقع إلى مواجهة وخطاب للمرأتين كأن الأمر حاضر:
{إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما. وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير}..
وحين نتجاوز صدر الخطاب، ودعوتهما إلى التوبة لتعود قلوبهما فتميل إلى الله، فقد بعدت عنه بما كان منها.. حين نتجاوز هذه الدعوة إلى التوبة نجد حملة ضخمة هائلة وتهديداً رعيباً مخيفاً.
ومن هذه الحملة الضخمة الهائلة ندرك عمق الحادث وأثره في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احتاج الأمر إلى إعلان موالاة الله وجبريل وصالح المؤمنين. والملائكة بعد ذلك ظهيرا! ليطيب خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم ويحس بالطمأنينة والراحة من ذلك الأمر الخطير!
••ولا بد أن الموقف في حس رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي محيطه كان من الضخامة والعمق والتأثير إلى الحد الذي يتناسب مع هذه الحملة.
• ولعلنا ندرك حقيقته من هذا النص ومما جاء في الرواية على لسان الأنصاري صاحب عمر رضي الله عنهما وهو يسألة: جاءت غسان؟ فيقول لا بل أعظم من ذلك وأطول. وغسان هي الدولة العربية الموالية للروم في الشام على حافة الجزيرة، وهجومها إذ ذاك أمر خطير.
•ولكن الأمر الآخر في نفوس المسلمين كان أعظم وأطول! فقد كانوا يرون أن استقرار هذا القلب الكبير، وسلام هذا البيت الكريم أكبر من كل شأن.
وأن اضطرابه وقلقه أخطر على الجماعة المسلمة من هجوم غسان عملاء الروم! وهو تقدير يوحي بشتى الدلالات على نظرة أولئك الناس للأمور. وهو تقدير يلتقي بتقدير السماء للأمر، فهو إذن صحيح قويم عميق.
•وكذلك دلالة الآية التالية، وتفصيل صفات النساء اللواتي يمكن أن يبدل الله النبي بهن من أزواجه ولو طلقهن. مع توجيه الخطاب للجميع في معرض التهديد:
{عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات، مؤمنات، قانتات، تائبات، عابدات، سائحات، ثيبات وأبكاراً}..
وهي الصفات التي يدعوهن إليها عن طريق الإيحاء والتلميح.
الإسلام الذي تدل عليه الطاعة والقيام بأوامر الدين. والإيمان الذي يعمر القلب، وعنه ينبثق الإسلام حين يصح ويتكامل. والقنوت وهو الطاعة القلبية. والتوبة وهي الندم على ما وقع من معصية والاتجاه إلى الطاعة. والعبادة وهي أداة الاتصال بالله والتعبير عن العبودية له. والسياحة وهي التأمل والتدبر والتفكر في إبداع الله والسياحة بالقلب في ملكوته. وهن مع هذه الصفات من الثيبات ومن الأبكار. كما أن نساءه الحاضرات كان فيهن الثيب وفيهن البكر.
•وهو تهديد لهن لا بد كان له ما يقتضيه من تأثير مكايداتهن في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان ليغضب من قليل!
• وقد رضيت نفس النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآيات. وخطاب ربه له ولأهل بيته. واطمأن هذا البيت الكريم بعد هذه الزلزلة، وعاد إليه هدوؤه بتوجيه الله سبحانه. وهو تكريم لهذا البيت ورعاية تناسب دوره في إنشاء منهج الله في الأرض وتثبيت أركانه.
••وبعد فهذه صورة من الحياة البيتية لهذا الرجل الذي كان ينهض بإنشاء أمة، وإقامة دولة، على غير مثال معروف، وعلى غير نسق مسبوق. أمة تنهض بحمل أمانة العقيدة الإلهية في صورتها الأخيرة، وتنشئ في الأرض مجتمعاً ربانياً، في صورة واقعية يتأسى بها الناس.
وهي صورة من حياة إنسان كريم رفيع جليل عظيم. يزاول إنسانيته في الوقت الذي يزاول فيه نبوته. فلا تفترق هذه عن تلك؛ لأن القدر جرى بأن يكون بشراً رسولاً، حينما جرى بأن يحمله الرسالة الأخيرة للبشر أو منهج الحياة الأخير.
إنها الرسالة الكاملة يحملها الرسول الكامل. ومن كمالها أن يظل الإنسان بها إنساناً. فلا تكبت طاقة من طاقاته البانية. ولا تعطل استعداداً من استعداداته النافعة؛ وفي الوقت ذاته تهذبه وتربيه، وترتفع به إلى غاية مراقيه.
وكذلك فعل الإسلام بمن فقهوه وتكيفوا به، حتى استحالوا نسخاً حية منه. وكانت سيرة نبيهم وحياته الواقعية، بكل ما فيها من تجارب الإنسان، ومحاولات الإنسان، وضعف الإنسان، وقوة الإنسان، مختلطة بحقيقة الدعوة السماوية، مرتقية بها خطوة خطوة كما يبدو في سيرة أهله وأقرب الناس إليه كانت هي النموذج العملي للمحاولة الناجحة، يراها ويتأثر بها من يريد القدوة الميسرة العملية الواقعية، التي لا تعيش في هالات ولا في خيالات!
•وتحققت حكمة القدر في تنزيل الرسالة الأخيرة للبشر بصورتها الكاملة الشاملة المتكاملة.
وفي اختيار الرسول الذي يطيق تلقيها وترجمتها في صورة حية. وفي جعل حياة هذا الرسول كتاباً مفتوحاً يقرؤه الجميع. وتراجعه الأجيال بعد الأجيال..
من هداية الآيات
1- تقرير نبوته صلى الله عليه وسلم وبشريته الكاملة.
2- أخذ الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى من هذه الآية أن من قال لزوجته أنت حرام أو حرمتك وهو لم ينو طلاقها أن عليه كفارة يمين لا غير، وذكر القرطبي في هذه المسألة ثمانية عشر قولاً للفقهاء أشدها البتة وأرفقها أن فيها كفارة يمين كما هو مذهب الإمامين الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى.
3- كرامة الرسول صلى الله عليه وسلم على ربه.
4- فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
فائدة
ورد فى البخاري حديث ذكر مع نزول هذه الآيات:
عن عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ رضي اللهُ تعالى عنهما قال : لم أزَلْ حريصًا على أن أسأَل عُمَرَ رضي اللهُ عنه، عن المرأتينِ من أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، اللتينِ قال اللهُ لهما : إن تتوبا إلى اللهِ فقد صغَتْ قلوبُكما . فحجَجْتُ معَه، فعدَل وعدَلتُ معَه بالإداوَةِ، فتبرَّزَ، حتى جاء فسكَبْتُ على يدَيه من الإداوَةِ فتوضَّأ، فقلتُ : يا أميرَ المؤمنينَ، مَنِ المرأتانِ من أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، اللتانِ قال اللهُ عز وجل لهما : إن تتوبا إلى اللهِ . فقال : واعجبي لك يا ابنَ عباسٍ، عائشةُ وحفصَةُ، ثم استقبَل عُمَرُ الحديثَ يسوقُه، فقال : إني كنتُ وجارٌ لي من الأنصارِ في بني أُمَيَّةَ بنِ زيدٍ، وهي من عوالي المدينةِ، وكنا نتناوَبُ النزولَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فينزِلُ يومًا وأنزِلُ يومًا، فإذا نزَلتُ جئتُه من خبرِ ذلك اليومِ من الأمرِ وغيرِه، وإذا نزَل فعَل مثلَه، وكنا مَعشرَ قريشٍ نغلِبُ النساءَ، فلما قدِمْنا على الأنصارِ إذا هم قومٌ تغلِبُهم نساؤُهم، فطفِق نساؤنا يأخُذنَ من أدبِ نساءِ الأنصارِ، فصِحتُ على امرأتي فراجعَتْني، فأنكَرتُ أن تراجِعَني، فقالتْ : ولم تُنكِرْ أن أُراجِعَك، فواللهِ إن أزواجَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُراجِعْنَه، وإن إحداهُنَّ لتَهجُرُه اليومَ حتى الليلِ . فأفزَعني، فقلتُ : خابَتْ مَن فعَل منهن بعظيمٍ، ثم جمَعتُ عليَّ ثيابي فدخَلتُ على حفصةَ، فقلتُ : أيْ حفصةُ، أتُغاضِبُ إحداكنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اليومَ حتى الليلِ ؟ فقالتْ : نعمْ، فقلتُ : خابتْ وخسِرَتْ، أفتأمَنُ أن يغضَبُ اللهُ لغضبِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فتهلِكينَ، لا تستكثِري على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا تُراجِعيه في شيءٍ ولا تَهجُريه، واسأليني ما بدا لك، ولا يَغُرَنَّكِ أن كانتْ جارتُك هي أوضَأُ منك وأحبُّ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – يريدُ عائشةَ – وكنا تحدَّثْنا أن غسَّانَ تنعَّلَ النِّعالَ لغزوِنا، فنزَل صاحبي يومَ نوبَتِه، فرجَع عِشاءً، فضرَب بابي ضربًا شديدًا، وقال : أنائمٌ هو، ففزِعتُ، فخرَجتُ إليه، وقال : حدَث أمرٌ عظيمٌ، قلتُ : ما هو أجاءَتْ غسَّانُ ؟ قال : لا، بل أعظمُ منه وأطولُ، طلَّق رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نساءَه، قال : قد خابتْ حفصةُ وخسِرَتْ، كنتُ أظنُّ أن هذا يوشِكُ أن يكونَ، فجمَعتُ عليَّ ثيابي فصلَّيتُ صلاةَ الفجرِ معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدخَل مَشرُبَةً له فاعتزَل فيها، فدخَلتُ على حفصةَ، فإذا هي تبكي، قلتُ : ما يُبكيكِ، أو لم أكُنْ حذرتُكِ، أطلقَكنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ قالتْ : لا أدري، هو ذا في المَشرُبَةِ، فخرَجتُ فجِئتُ المِنبرَ، فإذا حولَه رَهطٌ يَبكي بعضُهم، فجلَستُ معَهم قليلًا، ثم غلَبني ما أجِدُ، فجِئتُ المَشرُبَةَ التي هو فيها، فقلتُ لغلامٍ له أسوَدُ : استأذِنْ لعُمَرَ، فدخَل فكلَّم النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثم خرَج فقال : ذكرتُك له فصمَت، فانصرَفتُ حتى جلَستُ معَ الرَّهطِ الذين عِندَ المِنبرِ، ثم غلَبني ما أجِدُ فجِئتُ فذكَر مثلَه، فجلَستُ معَ الرَّهطِ الذين عِندَ المِنبرِ، ثم غلَبني ما أجِدُ فجِئتُ الغلامَ، فقلتُ : استأذِنْ لعُمَرَ، فذكَر مثلَه، فلما وَلَّيتُ مُنصَرِفًا فإذا الغلامُ يدعوني، قال : أذِن لك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدخَلتُ عليه، فإذا هو مضطَجِعٌ على رمالِ حصيرٍ، ليس بينه وبينه فراشٌ، قد أثَّر الرمالُ بجنبِه، متكئٌ على وِسادةٍ من أَدَمٍ، حشوُها لِيفٌ، فسلَّمتُ عليه، ثم قلتُ وأنا قائمٌ : طلَّقتَ نساءَك ؟ فرفَع بصرَه إليَّ، فقال : ( لا ) . ثم قلتُ وأنا قائمٌ أستأنِسُ : يا رسولَ اللهِ، لو رأيتَني وكنا معشرَ قريشٍ نغلِبُ النساءَ، فلما قدِمْنا على قومٍ تغلِبُهم نساؤهم، فذكَره، فتبسَّم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثم قلتُ : لو رأيتَني ودخلتُ على حفصةَ فقلتُ : لا يغُرَّنَّكِ أن كانتْ جارتُكِ هي أوضَأُ منكِ وأحبُّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – يريدُ عائشةَ – فتبسَّم أخرى، فجلَستُ حين رأيتُه تبسَّم، ثم رفعتُ بصري في بيتِه، فواللهِ ما رأيتُ فيه شيئًا يرُدُّ البصرَ، غيرَ أُهبَةٍ ثلاثةٍ، فقلتُ : ادعُ اللهَ فليوسِّعْ على أمتِك، فإن فارسَ والرومَ وُسِّعَ عليهِم وأُعطوا الدنيا، وهم لا يعبُدونَ اللهَ، وكان مُتَّكِئًا، فقال : ( أوَ في شكٍّ أنت يا ابنَ الخطَّابِ ؟ أولئك قومٌ عُجِّلَتْ لهم طيباتُهم في الحياةِ الدنيا ) . فقلتُ : يا رسولَ اللهِ استغفِرْ لي، فاعتزَل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أجلِ ذلك الحديثِ حين أفشَتْه حفصةُ إلى عائشةَ، وكان قد قال : ما أنا بداخِلٍ عليهِنَّ شهرًا، من شدةِ مَوجِدَتِه عليهن حين عاتبَه اللهُ، فلما مضَتْ تِسعٌ وعِشرونَ، دخَل على عائشةَ فبدَأ بها، فقالتْ له عائشةُ : إنك أقسَمتَ أن لا تدخُلَ علينا شهرًا، وإنا أصبَحنا لتسعٍ وعِشرينَ ليلةً أعُدُّها عدًّا، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( الشهرُ تِسعٌ وعِشرونَ ) . وكان ذلك الشهرُ تِسعًا وعِشرينَ، قالتْ عائشةُ : فأُنزِلَتْ آيةُ التخييرِ، فبدَأ بي أولَ امرأةٍ، فقال : ( إني ذاكِرٌ لكِ أمرًا، ولا عليكِ أن لا تعجَلي حتى تستأمِري أبوَيكِ ) . قالتْ : قد أعلَم أن أبوَيَّ لم يكونا يأمُراني بفِراقِك، ثم قال : ( إن اللهَ قال : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ – إلى قولِه – عظيمًا ) . قلتُ : أفي هذا أستأمِرُ أبوَيَّ، فإني أريدُ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخِرَةَ، ثم خيَّر نساءَه، فقُلْنَ مثلَ ما قالتْ عائشةُ .
الراوي:عمر بن الخطاب المحدث:البخاري المصدر:صحيح البخاري الجزء أو الصفحة:2468 حكم المحدث:[صحيح]
جزاكم الله خيرا على طيب المتابعة
المراجع
معالم التنزيل (تفسير البغوي)
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء.
في ظلال القرآن الكريم سيد قطب
السعدى تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله …
الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير.