الحمد لله القائل :
((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا ))
والصلاة والسلام على الرسول الأعظم من خاطبه ربه بقوله
((طه .مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى . إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى
((..
وفهم آيات القران وبيانها وأسباب النزول مما يعين على تدبر القران
ليتجاوز التلاوة إلى التطبيق
وفي هذه السطور .. نمضي في رحلة ممتعة عن
(( محاسن التأويل في سورة الكهف ))
سورة الكهف سورة مكية وهي واسطة العقد بين خمس سور افتتحت
بالحمد ولم تفتتح غيرها به ..
الفاتحة – الأنعام – الكهف- سبأ-فاطر
ومن الوارد في سبب فضلها أنها تقي من فتنة الدجال
ما العلة التي خصت سورة الكهف بالعصمة من فتنة الدجال ؟
قال العلماء :
1. أن الله من على هؤلاء الفتية بالوقوف أمام ملك طاغ جبار فنجاهم الله .. فكان من
قرا السورة التي ذكروا فيها تعصم من فتنة الدجال فالدجال نظير الملك الظالم في وقتهم ..
2. أن الله تعالى ذكر في سورة الكهف أربع فتن وذكر سبيل النجاة منها كما سيرد ذكرها لاحقا
.. وفتنة الدجال فتنة تتبع تلك الأربعة
أداب في سورة الكهف :
التوكل على الله :
(
وفيها ان لايغتر الانسان بنفسه وعلمه .. بل يتوكل على الله في كل امره ويطلب منه
العون والارشاد للصواب .
دفع العين :
( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾
وفيها مشروعية قول (( ماشاء الله لاقوة إلا بالله )) لدفع العين
الظلم :
قال تعالى (
وقال ( كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً (
تأملي : لم تظلما وصاحبهما ظالم ( جماد لم يظلم وبشر ظالم )!!
الأدب مع الله :
قال تعالى في الآية الأولى عن السفينة : أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا .
حيث أضاف عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب ، لأنها لفظة عيب فتأدب ، بأن لم يسند الإرادة
فيها إلا إلى نفسه ،
الآية الثانية قال الله تعالى فيها عن الغلام :وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا
طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا .
فأردنا وكأنه أضاف القتل إلى نفسه ، والتبديل إلى الله تبارك وتعالى .
والآية الثالثة تتحدث عن الجدار قال الله تعالى : وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي
الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا
كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا .
حيث أسند الإرادة في الجدار إلى الله تبارك وتعالى ، لأنها في أمر من الغيوب ،
فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله تعالى
ذكر الله:
قال تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ )
فمن نسي شيئا ذكر الله لأن النسيان من الشيطان وذكر الله يطرد الشيطان .
الايثار والشفقة خلق الأنبياء والأصفياء :
قال تعالى عن قصة موسى والخضر عليهما السلام في سورة الكهف
(( فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمرا(
ولم يقل (لتغرقنا) فنسي نفسه واشتغل بغيره في الحالة التي كل أحد فيها يقول: (نفسي نفسي)
لا يلوي على مال ولا ولد، وتلك حالة الغرق. فسبحان من جبل أنبياءه وأصفياءه على نصح
الخلق والشفقة عليهم والرأفة بهم.
وقصص سورة الكهف الأربعة يربطهامحور واحد وهو أنهاتجمع الفتن الأربعة في الحياة:
1-فتنةالدين(قصة أهل الكهف)،
2- فتنةالمال(صاحب الجنتين)،
3- فتنةالعلم (موسى عليه السلام والخضر)
4 – وفتنةالسلطة او الملك(ذو القرنين).
وهذه الفتن شديدة على الناس والمحرك الرئيسي لهاهو الشيطان الذي يزيّن هذه
الفتن ولذا جاءت الآية
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا)
ما العاصم من هذه الفتن ؟؟
ذكر الله تعالى العاصم من هذه الفتن :
فالعصمة من فتنة الدين تكون بالصحبة الصالحة وتذكر الآخرة
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ
تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا )
والعصمة من فتنة المال تكون في فهم حقيقة الدنيا وتذكر الآخرة.
وَاضْرِب لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ
هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا
لعصمة من فتنة العلم هي التواضع وعدم الغرور بالعلم.والصبر
(قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا)
فالعصمة من فتنة السلطة هي الإخلاص لله في الأعمال وتذكر الآخرة.]
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )
فوائد لغوية في سورة الكهف
توجد سكتة لطيفة بعد كلمة عوجا في قوله تعالى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا
قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا
ليستقيم المعنى فمعناه كتابا لا عوج فيه وقيم ولو اتصلت القراءة لتوهم السامع أن لا عوج فيه
ولا هو قيم وهذا معنى باطل
2. ذكر (( اسطاع )) و (( استطاع ))
والفرق بينهم أن استطاع مع كثرة الجهد واسطاع مع قلة الجهد .
قوله تعالى:"لم تستطع عليه صبرا"، و"ما لم تسطع عليه صبرا"
فالأولى قيلت لما كان موسى حائرا في أفعال الخضر – عليهما السلام – لا يجد
لها تفسيرا؛ فهي هم ثقيل على صدره؛ فناسب التعبير بالجرس والمعنى الثقيلين.
أما الثانية فقد قيلت لما وضح الخضر الأمر لموسى عليهما السلام- فارتاح
وانزاح الهم عن صدره؛ فناسب التعبير بالجرس والمعنى الخفيفين.
وفي قوله سبحانه في سورة الكهف [
فهنا نفى الله سبحانه قدرة يأجوج ومأجوج واسطاعتهم على صعود السد الذي بناه ذو القرنين ,
ونفى قدرتهم واستطاعتهم على ثقب وخرق هذا السد .
وذلك لأن صعود السد يتطلب أقل جهداً من خرقه
أسأل الله أن يقينا فتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال
اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا
في أمان الله
اللهم صل علي النبي