سورة المعارج
.تفسير الآيات (1- 4)
{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4).
شرح الكلمات:
{سأل سائل}: أي دعا داع بعذاب واقع.
{ليس له دافع من الله}: أي فهو واقع لا محالة.
{ذي المعارج}: أي ذي العلو والدرجات ومصاعد الملائكة وهي السموات.
{تعرج الملائكة والروح إليه}: أي تصعد الملائكة وجبريل إلى الله تعالى.
{في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}: أي تصعد الملائكة وجبريل من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السموات السبع في يوم مقداره خمسون ألف سنة بالنسبة لصعود غير الملائكة من الخلق.
.معنى الآيات
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ
كان كفار قريش يستهزئون فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم متى هذا العذاب الذي تتوعدنا به ، ويسألونه تعجيله ، قال تعالى : { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ يونس : 48 ]
{ ويستعجلونك بالعذاب } [ الحج : 47 ] وكانوا أيضاً يسألون الله أن يوقع عليهم عذاباً إن كان القرآن حقاً من عنده قال تعالى : { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] .
* لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ
ولمَّا سألوا عن العذاب الذي هُددوا به عن وقته ووصفه سؤال استهزاء ، ودعوا الله أن يرسل عليهم عذاباً إن كان القرآن حقاً ، إظهاراً لقلة اكتراثهم بالإِنذار بالعذاب .
فأعلمهم أن العذاب الذي استهزأوا به واقع لا يدفعه عنهم تأخر وقته ، فإن أرادوا النجاة فليحذروه .
*مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ
فالعذاب لا بد أن يقع عليهم من الله، فإما أن يعجل لهم في الدنيا، وإمَّا أن يؤخر عنهم إلى الآخرة ، فلو عرفوا الله تعالى، وعرفوا عظمته، وسعة سلطانه وكمال أسمائه وصفاته، لما استعجلوا ولاستسلموا وتأدبوا، ولهذا أخبر تعالى من عظمته ما يضاد أقوالهم القبيحة فقال: { ذِي الْمَعَارِجِ}
* تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
أي: ذو العلو والجلال والعظمة، والتدبير لسائر الخلق، الذي تعرج إليه الملائكة بما دبرها على تدبيره، وتعرج إليه الروح، وهذا اسم جنس يشمل الأرواح كلها، برها وفاجرها، وهذا عند الوفاة، فأما الأبرار فتعرج أرواحهم إلى الله، فيؤذن لها من سماء إلى سماء، حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله عز وجل، فتحيي ربها وتسلم عليه، وتحظى بقربه، وتبتهج بالدنو منه، ويحصل لها منه الثناء والإكرام والبر والإعظام.
* وأما أرواح الفجار فتعرج، فإذا وصلت إلى السماء استأذنت فلم يؤذن لها، وأعيدت إلى الأرض.
ثم ذكر المسافة التي تعرج إلى الله فيها الملائكة والأرواح وأنها تعرج في يوم بما يسر لها من الأسباب، وأعانها عليه من اللطافة والخفة وسرعة السير، مع أن تلك المسافة على السير المعتاد مقدار خمسين ألف سنة، من ابتداء العروج إلى وصولها ما حد لها، وما تنتهي إليه من الملأ الأعلى، فهذا الملك العظيم، والعالم الكبير، علويه وسفليه، جميعه قد تولى خلقه وتدبيره العلي الأعلى، فعلم أحوالهم الظاهرة والباطنة، وعلم مستقرهم ومستودعهم، وأوصلهم من رحمته وبره ورزقه ، ما عمهم وشملهم وأجرى عليهم حكمه القدري، وحكمه الشرعي وحكمه الجزائي.
*فبؤسا لأقوام جهلوا عظمته، ولم يقدروه حق قدره، فاستعجلوا بالعذاب على وجه التعجيز والامتحان، وسبحان الحليم الذي أمهلهم وما أهملهم، وآذوه فصبر عليهم وعافاهم ورزقهم.
*هذا أحد الاحتمالات في تفسير هذه الآية الكريمة فيكون هذا العروج والصعود في الدنيا، لأن السياق الأول يدل على هذا.
*ويحتمل أن هذا في يوم القيامة، وأن الله تبارك وتعالى يظهر لعباده في يوم القيامة من عظمته وجلاله وكبريائه، ما هو أكبر دليل على معرفته، مما يشاهدونه من عروج الأملاك والأرواح صاعدة ونازلة، بالتدابير الإلهية، والشئون في الخليقة.
*في ذلك اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة من طوله وشدته، لكن الله تعالى يخففه على المؤمن.
فى ظلال الآيات:
{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)}
• كانت حقيقة الآخرة من الحقائق العسيرة الإدراك عند مشركي العرب ; ولقد لقيت منهم معارضة نفسية عميقة , وكانوا يتلقونها بغاية العجب والدهش والاستغراب ; وينكرونها أشد الإنكار , ويتحدون الرسول صلى الله عليه وسلم في صور شتى أن يأتيهم بهذا اليوم الموعود , أو أن يقول لهم:متى يكون .
_ وفي رواية عن ابن عباس أن الذي سأل عن العذاب هو النضر بن الحارث . وفي رواية أخرى عنه:قال:ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع بهم .
• وعلى أية حال فالسورة تحكي أن هناك سائلا سأل وقوع العذاب واستعجله . وتقرر أن هذا العذاب واقع فعلا , لأنه كائن في تقدير الله من جهة , ولأنه قريب الوقوع من جهة أخرى . وأن أحدا لا يمكنه دفعه ولا منعه . فالسؤال عنه واستعجاله – وهو واقع ليس له من دافع – يبدو تعاسة من السائل المستعجل ; فردا كان أو مجموعة !
• وهذا العذاب للكافرين . . إطلاقا . . فيدخل فيه أولئك السائلون المستعجلون كما يدخل فيه كل كافر . وهو واقع من الله (ذي المعارج). . وهو تعبير عن الرفعة والتعالي , كما قال في السورة الأخرى: (رفيع الدرجات ذو العرش). .
_ وبعد هذا الافتتاح الذي يقرر كلمة الفصل في موضوع العذاب , ووقوعه , ومستحقيه , ومصدره , وعلو هذا المصدر ورفعته , مما يجعل قضاءه أمرا علويا نافذا لا مرد له ولا دافع . . بعد هذا أخذ في وصف ذلك اليوم الذي سيقع فيه هذا العذاب , والذي يستعجلون به وهو منهم قريب . ولكن تقدير الله غير تقدير البشر , ومقاييسه غير مقاييسهم:
تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5)
• الأرجح أن اليوم المشار إليه هنا هو يوم القيامة , لأن السياق يكاد يعين هذا المعنى . وفي هذا اليوم تصعد الملائكة والروح إلى الله . والروح:الأرجح أنه جبريل عليه السلام , كما سمي بهذا الاسم في مواضع أخرى .
وإنِّما أفرد بالذكر بعد الملائكة لما له من شأن خاص .
وعروج الملائكة والروح في هذا اليوم يفرد كذلك بالذكر , إيحاء بأهميته في هذا اليوم وخصوصيته , وهم يعرجون في شؤون هذا اليوم ومهامه .
• ولا ندري نحن – ولم نكلف أن ندري – طبيعة هذه المهام , ولا كيف يصعد الملائكة , ولا إلى أين يصعدون . فهذه كلها تفصيلات في شأن الغيب لا تزيد شيئا من حكمة النص , وليس لنا إليها من سبيل , وليس لنا عليها من دليل . فحسبنا أن نشعر من خلال هذا المشهد بأهمية ذلك اليوم , الذي ينشغل فيه الملائكة والروح بتحركات تتعلق بمهام ذلك اليوم العظيم .
وقوله (كان مقداره خمسين ألف سنة). . فقد تكون كناية عن طول هذا اليوم كما هو مألوف في التعبير العربي . وقد تعني حقيقة معينة , ويكون مقدار هذا اليوم خمسين ألف سنة من سني أهل الأرض فعلا وهو يوم واحد ! وتصور هذه الحقيقة قريب جدا الآن . فإن يومنا الأرضي هو مقياس مستمد من دورة الأرض حول نفسها في أربع وعشرين ساعة .
• وهناك نجوم دورتها حول نفسها تستغرق ما يعادل يومنا هذا آلاف المرات . . ولا يعني هذا أنه المقصود بالخمسين ألف سنة هنا . ولكننا نذكر هذه الحقيقة لتقرب إلى الذهن تصور اختلاف المقاييس بين يوم ويوم !
• وإذا كان يوم واحد من أيام الله يساوي خمسين ألف سنة , فإن عذاب يوم القيامة قد يرونه هم بعيدا , وهو عند الله قريب . ومن ثم يدعو الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الصبر الجميل على استعجالهم وتكذيبهم بذلك العذاب القريب .
بارك الله فيكم على طيب المتابعة..دمتم فى حفظ الرحمن ورعايته.
من هداية الآيات:
1- حرمة سؤال العذاب فإِن عذاب الله لا يطاق ولكن تسأل الرحمة والعافية.
2_ العذاب الذي يستهزأ به الكفار واقع لا يدفعه عنهم تأخر وقته ، فإن أرادوا النجاة فليحذروه .
فائدة:
• قوله- سبحانه- بِعَذابٍ واقِعٍ ولم يقل بعذاب سيقع، للإشارة إلى تحقق وقوع هذا العذاب في الدنيا والآخرة.
أما الدنيا فمن هؤلاء السائلين من قتل في غزوة بدر وهو النضر بن الحارث، وأبو جهل وغيرهما، وأما في الآخرة فالعذاب النازل بهم أشد وأبقى.
• والمعارج جمع معرج، وهو المصعد، ومنه قوله- تعالى-
( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً، لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ ).
المراجع
تفسير القرآن العظيم ابن كثير
تيسير الكريم الرحمن فى تفسير
كلام المنان للسعدى.
سيد قطب فى ظلال القرآن.
الجزائرى أيسر التفاسير.
بارك الله فيكم على طيب المتابعة وبارك الله فيمن قرأ ونشر فالدال على الخير كفاعله ورب حامل فقه غير فقيه ورُب حامل فقه إلى من هو أفقه منه دمتم طيبين