هذه سيرة الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب.
[نسبه ومولده ونشأته]:
التعريف بشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن مشرف النجدي التميمي. ولد سنة 1115هـ ونشأ في بيت علم، فوالده من علماء البلاد وتولى القضاء في عدة جهات، وجده الشيخ سليمان كان عالما جليلا وإماما في الفقه وهو المفتي في البلاد في وقته وقد تخرج على يديه عدد كبير من العلماء وطلبة العلم، وعمه الشيخ إبراهيم بن سليمان كان من أجلة العلماء، فنشأ الشيخ محمد في هذا الجو العلمي وكان حاد الذهن متوقد الذكاء سريع الحفظ، حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة ودرس على والده كتب الفقه الحنبلي وكان كثير المطالعة والقراءة للكتب إلى جانب قراءته على والده وقرأ في كتب التفسير والحديث والأصول، وعني عناية خاصة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وكتب العلامة ابن القيم، وكان لكتب هذين الإمامين أكبر الأثر في تكوين شخصيته العلمية المتميزة والأخذ بيده إلى مصادر العلم الصحيحة فتكون لديه الاتجاه السليم منذ صغره وتركزت في قلبه العقيدة الصحيحة، وتخرج على كتب هذين الإمامين المحققين.
[رحلاته العلمية]:
رحلاته العلمية ولما استوعب ما يدرس في بلدته من علوم الفقه والعربية والحديث والتفسير تطلع إلى الزيادة وعزم على الرحلة إلى علماء البلاد المجاورة للاستفادة من علومهم فرحل إلى البصرة وإلى الأحساء وإلى مكة والمدينة والتقى بعلماء تلك البلدان وأخذ عنهم واستحصل على الكتب والمراجع، ولنترك المجال لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن ليحدثنا عن تلك الرحلات المباركة، قال:
إنه نشأ في طلب العلم وتخرج على أهله في سن الصبا، ثم رحل لطلب العلم للبصرة مرارًا وللأحساء ثم إلى المدينة، ثم قال في تفصيل ذلك:
فظهر شيخنا بين أبيه وعمه فحفظ القرآن وهو صغير، وقرأ في فنون العلم وصار له فهم قوي وهمة عالية في طلب العلم فصار يناظر أباه وعمه في بعض المسائل بالدليل على بعض الروايات عن الإمام أحمد والوجوه عن الأصحاب، فتخرج عليهما في الفقه وناظرهما في مسائل قرأها في الشرح الكبير والمغني والإنصاف لما فيهما من مخالفة ما في متن المنتهى والإقناع، وعلت همته إلى طلب التفسير والحديث فسافر إلى البصرة غير مرة، كل مرة يقيم بين من كان بها من العلماء، فأظهر الله له أصول الدين ما خفي على غيره وكذلك ما كان عليه أهل السنة في توحيد الأسماء والصفات والإيمان. . . . إلى أن قال: فصنف في البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضله بتصنيفه القريب والبعيد، أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث. . . . إلى أن قال: ثم إن شيخنا رحمه الله بعد رحلته إلى البصرة وتحصيل ما حصل بنجد وهناك رحل إلى الأحساء وفيها فحول العلماء منهم عبد الله بن فيروز أبو محمد الكفيف، ووجد عنده من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ما سر به، وأثنى على عبد الله هذا بمعرفته بعقيدة الإمام أحمد، وحضر مشايخ الأحساء ومن أعظمهم عبد الله بن عبد اللطيف القاضي فطلب منه أن يحضر الأول من فتح الباري على البخاري ويبين له ما غلط فيه الحافظ في مسألة الإيمان، وبين أن الأشاعرة خالفوا ما صدر به البخاري كتابه من الأحاديث والآثار، وبحث معهم في مسائل وناظر، وهذا أمر مشهور يعرفه أهل الأحساء وغيرهم من أهل نجد. . . . إلى أن قال:
ثم إن شيخنا رحمه الله رجع من الأحساء إلى البصرة وخرج منها إلى نجد قاصدًا الحج فحج رحمه الله، وقد تبين له بما فتح الله تعالى عليه ضلال من ضل باتخاذ الأنداد وعبادتها من دون الله في كل قطر وقرية إلا ما شاء الله، فلما قضى الحج وقف في الملتزم وسأل الله تعالى أن يظهر هذا الدين بدعوته وأن يرزقه القبول من الناس، فخرج قاصدًا المدينة مع الحاج يريد الشام فتعرض له بعض سراق الحجيج فضربوه وسلبوه وأخذوا ما معه وشجوا رأسه، وعاقه ذلك عن مسيرة مع الحجاج فقدم المدينة بعد أن خرج الحاج منها فأقام بها وحضر عند العلماء إذ ذاك منهم محمد حياة السندي وأخذ عنه كتب الحديث إجازة في جميعها وقراءة لبعضها ووجد فيها بعض الحنابلة (1) فكتب كتاب الهدي لابن القيم بيده وكتب متن البخاري وحضر في النحو وحفظ ألفية ابن مالك – حدثني بذلك حماد بن حمد عنه رحمهما الله ثم رجع إلى نجد وهم على الحالة التي لا يحبها الله، انتهى المقصود.
الدرر السنة (9 / 215 -216) .
فأنت ترى أيها القارئ من هذا السياق قوة الأسباب التي بذلها الشيخ لتحصيل العلم: كثرة الحفظ وكثرة القراءة والاطلاع وكثرة الرحلات في طلب العلم للتلقي عن العلماء مع شدة الذكاء والنية الصالحة، إن هذه الأسباب مع توفيق الله تعالى كفيلة بتوفر التحصيل وهذا ما حصل.
_________
(1) منهم الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف وابنه.
[حالة المسلمين عند ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب]
حالة المسلمين عند ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لقد ذكر المؤرخون كابن غنام وابن بشر وغيرهما عن حالة أهل نجد خصوصا والعالم الإسلامي عموما الشيء الكثير من ظهور البدع والخرافات والشركيات والجهل بحقيقة الدين الصحيح، ففي نجد كانت القبور والأشجار والأحجار والمغارات تعبد من دون الله بأنواع من القربات، وفي الحجاز واليمن وغيرهما من البلاد من ذاك الشيء الكثير، يقول العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في قصيدة له يصف المظاهر الشركية في البلاد الإسلامية وهو معاصر للشيخ محمد وقد وصف ما يفعل ويمارس حول القبور من الشرك الأكبر فيثني على دعوة الشيخ:
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه … عيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهرا ما طوى كل جاهل … ومبتدع منه فوافق ما عندي
ويعمر أركان الشريعة هادما … مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا بها معنى سواع ومثله … يغوث وود بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها … كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة … أهلت لغير الله جهرا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبل … ومستلم الأركان منهن باليد
ويقول الإمام الشوكاني وهو من المعاصرين لدعوة الشيخ أيضا، يقول في وصف ما يفعل عند القبور من الشرك: وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام، منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصدًا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا.
وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالمًا ولا متعلمًا ولا أميرًا ولا وزيرًا ولا ملكًا، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة، فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي درء للإسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمين تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا:
لقد أسمعت لو ناديت حيا … ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارًا نفخت بها أضاءت … ولكن أنت تنفخ في رماد
انتهى من نيل الأوطار (4 / 90) .
وقد ألف كل من هذين الإمامين رسالة في التحذير من هذا الشرك الذي فشا في البلدان في عصرهما فألف الصنعاني رسالة اسمها "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد"، وألف الشوكاني رسالة اسمها "شفاء الصدور بتحريم البناء على القبور" وكلتا الرسالتين مطبوعة ومتداولة.
وإليك ما قاله فاضلان من أهل العلم معاصران للشيخ محمد ودعوته، قالا رحمهما الله:
(من محمد بن غيهب ومحمد بن عيدان إلى عبد الله المويس، الباعث للكتاب إخبارك عن ديننا قبل أن يجعل هذا الشيخ لهذا القرن (1) .
يدعوهم إلى الله وينصح لهم ويأمرهم وينهاهم حتى أطلع الله به شموس الوحي وأظهر به الدين وفرق به أهل الباطل من السادة والكهان والمرتشين فهو غريب في علماء هذا الزمان هو في شأن وهم في شأن آخر، رفع الله له علم الجهاد فشمر إليه فأمر ونهى ودعا إلى الله تعالى ونصح ووفى بالعهد لما نقضوه وشمر عن ساعد الجد لما تركوه وتمسك بالكتاب المنزل لما نبذوه فبدعوه وكفروه، فديننا قبل هذا الشيخ المجدد لم يبق منه إلا الدعوى والإسم فوقعنا في الشرك فقد ذبحنا للشياطين ودعونا الصالحين ونأتي الكهان ولا نفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ولا بين توحيد الربوبية الذي أقر به مشركو العرب وتوحيد الألوهية الذي دعت إليه الرسل، ولا نفرق بين السنة والبدعة فنجتمع لليلة النصف من شعبان لصلاتها الباطلة التي لم ينزل بها من سلطان ونضيع.
الفريضة، ونقدم قبل الصلاة الوسطى – صلاة العصر – من الهذيان ما يفوتها عن وقت الاختيار إلى وقت الضرورة، هذا وأضعافه من البدع لم ينهنا عنه علماؤنا بل أقرونا عليه وفعلوه معنا فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ولا ينصحون جاهلًا ولا يهدون ضالًا والكلام من جهتهم طويل عصمنا الله وإياك من الاقتداء بهم واتباع طريقتهم فكن منهم على حذر إلا القليل منهم يكفيك عن التطويل أن الشرك بالله يخطب به على منابرهم ومن ذلك قول ابن الكهمري: اللهم صل على سيدنا وولينا ملجانا منجنانا معاذنا ملاذنا.
وكذلك تعطيل الصفات في الطيبي فيشهد أن الله لا جسم ولا عرض ولا قوة.
فقبل هذا الشيخ لا تؤدى أركان الإسلام كالصلاة والزكاة فلم يكن في بلدنا من يزكي الخارج من الأرض حتى جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) (2) .
_________
(1) كذا في الأصل ولعل الصواب: "يجيء" "يجعل".
(2) من كتاب "علماء نجد خلال ستة قرون" للشيخ عبد الله البسام (2 / 605 -606) .
[عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله]:
عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال رحمه الله جوابا لمن سأله عن عقيدته: انظر الدرر السنية (1 / 28 -30) .
أشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني اعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه؛ لأنه تعالى لا سمي له ولا كفؤ له ولا ند له ولا يقاس بخلقه، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلًا واحسن حديثًا فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل فقال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ – وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ – وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 – 182]
والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية، وهم وسط في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية، وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله بين الرافضة والخوارج، وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحية وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأؤمن بأن الله فعال لما يريد ولا يكون في ملكة شيء إلا بإرادته ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور، وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت فأؤمن بفتنة القبر ونعيمه وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا، تدنو منهم الشمس وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 102 – 103]
وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله، وأؤمن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لن يضمأ بعدها أبدًا، وأؤمن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم، وأؤمن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع وأول مشفع ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال، ولكنها لا تكون إلا بعد الإذن والرضى، كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]
وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]
قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] هو لا يرضى إلا التوحيد، ولا يأذن إلا لأهله، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48]
وأؤمن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، وأؤمن بأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته، وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم على المرتضى، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة} .
وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم وأستغفر لهم وأكف عن مساويهم وأسكت عما شجر بينهم وأعتقد فضلهم عملا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء، وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات إلا أنهم ما لا يستحقون من حق الله تعالى شيئا، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء، ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام، وأرى الجهاد ماضيًا مع كل إمام برًا كان أو فاجرًا، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة.
والجهاد ماض منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه، وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، أحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة، وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهو بضع وسبعون شعبة. أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة، فهذه عقيدة وجيزة حررتها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي، والله على ما نقول وكيل. انتهى.
[بدء دعوة الشيخ محمد رحمه الله]:
بدء دعوة الشيخ محمد رحمه الله وفي وسط هذا الجو المظلم الذي سبق وصفه سطعت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ورفع صوته منكرًا هذا الشرك داعيا الناس إلى التوحيد الذي بعث الله به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم فلقي من الناس ما يلقاه أمثاله من الدعاة إلى الله من الأذى وأطاعه من وفقه الله لقبول الحق، يقول حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: ثم رجع إلى نجدوهم على الحالة التي لا يحبها الله ولا يرضاها من الشرك بعبادة الأموات والأشجار والأحجار والجن، فقام فيهم يدعوهم إلى التوحيد وأن يخلصوا العبادة بجميع أنواعها لله، وأن يتركوا ما كانوا يبعدونه من قبر أو طاغوت أو شجر أو حجر، والناس يتبعه الواحد منهم والإثنان فصاح به الأكثرون وحذروا منه الملوك وأغروهم بعداوته. انتهى من الدرر السنية (9 / 216) .
وهذا لا يعني أنه لا يوجد علماء في هذا العصر، بل يوجد منهم الكثير، ولكنهم ما بين مستحسن لهذا الوضع السيئ، أو غير مستحسن لكنه لا يملك الشجاعة لمقاومته.
[أصول دعوة الشيخ رحمه الله]:
أصول دعوة الشيخ رحمه الله لقد أوضح أصول دعوته في إحدى رسائله حيث قال: (1 / 62 -64) الدرر السنية:
1 – أما ما نحن عليه من الدين فعلى دين الإسلام الذي قال الله فيه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]
2 – وأما ما دعونا الناس إليه فندعوهم إلى التوحيد الذي قال الله فيه خطابًا لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]
وقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]
3 – وأما ما نهينا الناس عنه فنهيناهم عن الشرك الذي قال الله فيه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72] وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على سبيل التغليظ، وإلا فهو منزه هو وإخوانه عن الشرك: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ – بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 65 – 66] وغير ذلك من الآيات، ونقاتلهم عليه كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39] أي شرك، ثم ساق الأدلة على ذلك إلى أن قال:
4 – وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون الكتاب والسنة وصالح سلف الأمة وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله.
5 – وما جئنا بشيء يخالف النقل ولا ينكره العقل. . . . نقاتل عباد الأوثان (1) كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم ونقاتلهم على ترك الصلاة وعلى منع الزكاة كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، انتهى.
وقال في رسالة أخرى من رسائله: (1 / 56) الدرر السنية:
6 – وأما التكفير فأنما أكفر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله فهذا الذي أكفره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك (2) .
7 – وأما القتال فلم نقاتل أحدا إلا دون النفس والحرمة، فإنما على سبيل المقابلة: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه.
وقال أيضا (1 / 54) الدرر السنية:
8 – وأيضا ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله، ونهيتهم عن الربا وشرب المسكر وأنواع المنكرات.
[نسبه ومولده ونشأته]:
التعريف بشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن مشرف النجدي التميمي. ولد سنة 1115هـ ونشأ في بيت علم، فوالده من علماء البلاد وتولى القضاء في عدة جهات، وجده الشيخ سليمان كان عالما جليلا وإماما في الفقه وهو المفتي في البلاد في وقته وقد تخرج على يديه عدد كبير من العلماء وطلبة العلم، وعمه الشيخ إبراهيم بن سليمان كان من أجلة العلماء، فنشأ الشيخ محمد في هذا الجو العلمي وكان حاد الذهن متوقد الذكاء سريع الحفظ، حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة ودرس على والده كتب الفقه الحنبلي وكان كثير المطالعة والقراءة للكتب إلى جانب قراءته على والده وقرأ في كتب التفسير والحديث والأصول، وعني عناية خاصة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وكتب العلامة ابن القيم، وكان لكتب هذين الإمامين أكبر الأثر في تكوين شخصيته العلمية المتميزة والأخذ بيده إلى مصادر العلم الصحيحة فتكون لديه الاتجاه السليم منذ صغره وتركزت في قلبه العقيدة الصحيحة، وتخرج على كتب هذين الإمامين المحققين.
[رحلاته العلمية]:
رحلاته العلمية ولما استوعب ما يدرس في بلدته من علوم الفقه والعربية والحديث والتفسير تطلع إلى الزيادة وعزم على الرحلة إلى علماء البلاد المجاورة للاستفادة من علومهم فرحل إلى البصرة وإلى الأحساء وإلى مكة والمدينة والتقى بعلماء تلك البلدان وأخذ عنهم واستحصل على الكتب والمراجع، ولنترك المجال لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن ليحدثنا عن تلك الرحلات المباركة، قال:
إنه نشأ في طلب العلم وتخرج على أهله في سن الصبا، ثم رحل لطلب العلم للبصرة مرارًا وللأحساء ثم إلى المدينة، ثم قال في تفصيل ذلك:
فظهر شيخنا بين أبيه وعمه فحفظ القرآن وهو صغير، وقرأ في فنون العلم وصار له فهم قوي وهمة عالية في طلب العلم فصار يناظر أباه وعمه في بعض المسائل بالدليل على بعض الروايات عن الإمام أحمد والوجوه عن الأصحاب، فتخرج عليهما في الفقه وناظرهما في مسائل قرأها في الشرح الكبير والمغني والإنصاف لما فيهما من مخالفة ما في متن المنتهى والإقناع، وعلت همته إلى طلب التفسير والحديث فسافر إلى البصرة غير مرة، كل مرة يقيم بين من كان بها من العلماء، فأظهر الله له أصول الدين ما خفي على غيره وكذلك ما كان عليه أهل السنة في توحيد الأسماء والصفات والإيمان. . . . إلى أن قال: فصنف في البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضله بتصنيفه القريب والبعيد، أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث. . . . إلى أن قال: ثم إن شيخنا رحمه الله بعد رحلته إلى البصرة وتحصيل ما حصل بنجد وهناك رحل إلى الأحساء وفيها فحول العلماء منهم عبد الله بن فيروز أبو محمد الكفيف، ووجد عنده من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ما سر به، وأثنى على عبد الله هذا بمعرفته بعقيدة الإمام أحمد، وحضر مشايخ الأحساء ومن أعظمهم عبد الله بن عبد اللطيف القاضي فطلب منه أن يحضر الأول من فتح الباري على البخاري ويبين له ما غلط فيه الحافظ في مسألة الإيمان، وبين أن الأشاعرة خالفوا ما صدر به البخاري كتابه من الأحاديث والآثار، وبحث معهم في مسائل وناظر، وهذا أمر مشهور يعرفه أهل الأحساء وغيرهم من أهل نجد. . . . إلى أن قال:
ثم إن شيخنا رحمه الله رجع من الأحساء إلى البصرة وخرج منها إلى نجد قاصدًا الحج فحج رحمه الله، وقد تبين له بما فتح الله تعالى عليه ضلال من ضل باتخاذ الأنداد وعبادتها من دون الله في كل قطر وقرية إلا ما شاء الله، فلما قضى الحج وقف في الملتزم وسأل الله تعالى أن يظهر هذا الدين بدعوته وأن يرزقه القبول من الناس، فخرج قاصدًا المدينة مع الحاج يريد الشام فتعرض له بعض سراق الحجيج فضربوه وسلبوه وأخذوا ما معه وشجوا رأسه، وعاقه ذلك عن مسيرة مع الحجاج فقدم المدينة بعد أن خرج الحاج منها فأقام بها وحضر عند العلماء إذ ذاك منهم محمد حياة السندي وأخذ عنه كتب الحديث إجازة في جميعها وقراءة لبعضها ووجد فيها بعض الحنابلة (1) فكتب كتاب الهدي لابن القيم بيده وكتب متن البخاري وحضر في النحو وحفظ ألفية ابن مالك – حدثني بذلك حماد بن حمد عنه رحمهما الله ثم رجع إلى نجد وهم على الحالة التي لا يحبها الله، انتهى المقصود.
الدرر السنة (9 / 215 -216) .
فأنت ترى أيها القارئ من هذا السياق قوة الأسباب التي بذلها الشيخ لتحصيل العلم: كثرة الحفظ وكثرة القراءة والاطلاع وكثرة الرحلات في طلب العلم للتلقي عن العلماء مع شدة الذكاء والنية الصالحة، إن هذه الأسباب مع توفيق الله تعالى كفيلة بتوفر التحصيل وهذا ما حصل.
_________
(1) منهم الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف وابنه.
[حالة المسلمين عند ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب]
حالة المسلمين عند ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لقد ذكر المؤرخون كابن غنام وابن بشر وغيرهما عن حالة أهل نجد خصوصا والعالم الإسلامي عموما الشيء الكثير من ظهور البدع والخرافات والشركيات والجهل بحقيقة الدين الصحيح، ففي نجد كانت القبور والأشجار والأحجار والمغارات تعبد من دون الله بأنواع من القربات، وفي الحجاز واليمن وغيرهما من البلاد من ذاك الشيء الكثير، يقول العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في قصيدة له يصف المظاهر الشركية في البلاد الإسلامية وهو معاصر للشيخ محمد وقد وصف ما يفعل ويمارس حول القبور من الشرك الأكبر فيثني على دعوة الشيخ:
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه … عيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهرا ما طوى كل جاهل … ومبتدع منه فوافق ما عندي
ويعمر أركان الشريعة هادما … مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا بها معنى سواع ومثله … يغوث وود بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها … كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة … أهلت لغير الله جهرا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبل … ومستلم الأركان منهن باليد
ويقول الإمام الشوكاني وهو من المعاصرين لدعوة الشيخ أيضا، يقول في وصف ما يفعل عند القبور من الشرك: وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام، منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصدًا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا.
وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالمًا ولا متعلمًا ولا أميرًا ولا وزيرًا ولا ملكًا، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة، فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي درء للإسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمين تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا:
لقد أسمعت لو ناديت حيا … ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارًا نفخت بها أضاءت … ولكن أنت تنفخ في رماد
انتهى من نيل الأوطار (4 / 90) .
وقد ألف كل من هذين الإمامين رسالة في التحذير من هذا الشرك الذي فشا في البلدان في عصرهما فألف الصنعاني رسالة اسمها "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد"، وألف الشوكاني رسالة اسمها "شفاء الصدور بتحريم البناء على القبور" وكلتا الرسالتين مطبوعة ومتداولة.
وإليك ما قاله فاضلان من أهل العلم معاصران للشيخ محمد ودعوته، قالا رحمهما الله:
(من محمد بن غيهب ومحمد بن عيدان إلى عبد الله المويس، الباعث للكتاب إخبارك عن ديننا قبل أن يجعل هذا الشيخ لهذا القرن (1) .
يدعوهم إلى الله وينصح لهم ويأمرهم وينهاهم حتى أطلع الله به شموس الوحي وأظهر به الدين وفرق به أهل الباطل من السادة والكهان والمرتشين فهو غريب في علماء هذا الزمان هو في شأن وهم في شأن آخر، رفع الله له علم الجهاد فشمر إليه فأمر ونهى ودعا إلى الله تعالى ونصح ووفى بالعهد لما نقضوه وشمر عن ساعد الجد لما تركوه وتمسك بالكتاب المنزل لما نبذوه فبدعوه وكفروه، فديننا قبل هذا الشيخ المجدد لم يبق منه إلا الدعوى والإسم فوقعنا في الشرك فقد ذبحنا للشياطين ودعونا الصالحين ونأتي الكهان ولا نفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ولا بين توحيد الربوبية الذي أقر به مشركو العرب وتوحيد الألوهية الذي دعت إليه الرسل، ولا نفرق بين السنة والبدعة فنجتمع لليلة النصف من شعبان لصلاتها الباطلة التي لم ينزل بها من سلطان ونضيع.
الفريضة، ونقدم قبل الصلاة الوسطى – صلاة العصر – من الهذيان ما يفوتها عن وقت الاختيار إلى وقت الضرورة، هذا وأضعافه من البدع لم ينهنا عنه علماؤنا بل أقرونا عليه وفعلوه معنا فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ولا ينصحون جاهلًا ولا يهدون ضالًا والكلام من جهتهم طويل عصمنا الله وإياك من الاقتداء بهم واتباع طريقتهم فكن منهم على حذر إلا القليل منهم يكفيك عن التطويل أن الشرك بالله يخطب به على منابرهم ومن ذلك قول ابن الكهمري: اللهم صل على سيدنا وولينا ملجانا منجنانا معاذنا ملاذنا.
وكذلك تعطيل الصفات في الطيبي فيشهد أن الله لا جسم ولا عرض ولا قوة.
فقبل هذا الشيخ لا تؤدى أركان الإسلام كالصلاة والزكاة فلم يكن في بلدنا من يزكي الخارج من الأرض حتى جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) (2) .
_________
(1) كذا في الأصل ولعل الصواب: "يجيء" "يجعل".
(2) من كتاب "علماء نجد خلال ستة قرون" للشيخ عبد الله البسام (2 / 605 -606) .
[عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله]:
عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال رحمه الله جوابا لمن سأله عن عقيدته: انظر الدرر السنية (1 / 28 -30) .
أشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني اعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه؛ لأنه تعالى لا سمي له ولا كفؤ له ولا ند له ولا يقاس بخلقه، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلًا واحسن حديثًا فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل فقال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ – وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ – وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 – 182]
والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية، وهم وسط في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية، وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله بين الرافضة والخوارج، وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحية وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأؤمن بأن الله فعال لما يريد ولا يكون في ملكة شيء إلا بإرادته ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور، وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت فأؤمن بفتنة القبر ونعيمه وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا، تدنو منهم الشمس وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 102 – 103]
وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله، وأؤمن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لن يضمأ بعدها أبدًا، وأؤمن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم، وأؤمن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع وأول مشفع ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال، ولكنها لا تكون إلا بعد الإذن والرضى، كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]
وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]
قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] هو لا يرضى إلا التوحيد، ولا يأذن إلا لأهله، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48]
وأؤمن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، وأؤمن بأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته، وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم على المرتضى، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة} .
وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم وأستغفر لهم وأكف عن مساويهم وأسكت عما شجر بينهم وأعتقد فضلهم عملا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء، وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات إلا أنهم ما لا يستحقون من حق الله تعالى شيئا، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء، ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام، وأرى الجهاد ماضيًا مع كل إمام برًا كان أو فاجرًا، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة.
والجهاد ماض منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه، وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، أحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة، وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهو بضع وسبعون شعبة. أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة، فهذه عقيدة وجيزة حررتها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي، والله على ما نقول وكيل. انتهى.
[بدء دعوة الشيخ محمد رحمه الله]:
بدء دعوة الشيخ محمد رحمه الله وفي وسط هذا الجو المظلم الذي سبق وصفه سطعت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ورفع صوته منكرًا هذا الشرك داعيا الناس إلى التوحيد الذي بعث الله به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم فلقي من الناس ما يلقاه أمثاله من الدعاة إلى الله من الأذى وأطاعه من وفقه الله لقبول الحق، يقول حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: ثم رجع إلى نجدوهم على الحالة التي لا يحبها الله ولا يرضاها من الشرك بعبادة الأموات والأشجار والأحجار والجن، فقام فيهم يدعوهم إلى التوحيد وأن يخلصوا العبادة بجميع أنواعها لله، وأن يتركوا ما كانوا يبعدونه من قبر أو طاغوت أو شجر أو حجر، والناس يتبعه الواحد منهم والإثنان فصاح به الأكثرون وحذروا منه الملوك وأغروهم بعداوته. انتهى من الدرر السنية (9 / 216) .
وهذا لا يعني أنه لا يوجد علماء في هذا العصر، بل يوجد منهم الكثير، ولكنهم ما بين مستحسن لهذا الوضع السيئ، أو غير مستحسن لكنه لا يملك الشجاعة لمقاومته.
[أصول دعوة الشيخ رحمه الله]:
أصول دعوة الشيخ رحمه الله لقد أوضح أصول دعوته في إحدى رسائله حيث قال: (1 / 62 -64) الدرر السنية:
1 – أما ما نحن عليه من الدين فعلى دين الإسلام الذي قال الله فيه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]
2 – وأما ما دعونا الناس إليه فندعوهم إلى التوحيد الذي قال الله فيه خطابًا لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]
وقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]
3 – وأما ما نهينا الناس عنه فنهيناهم عن الشرك الذي قال الله فيه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72] وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على سبيل التغليظ، وإلا فهو منزه هو وإخوانه عن الشرك: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ – بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 65 – 66] وغير ذلك من الآيات، ونقاتلهم عليه كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39] أي شرك، ثم ساق الأدلة على ذلك إلى أن قال:
4 – وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون الكتاب والسنة وصالح سلف الأمة وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله.
5 – وما جئنا بشيء يخالف النقل ولا ينكره العقل. . . . نقاتل عباد الأوثان (1) كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم ونقاتلهم على ترك الصلاة وعلى منع الزكاة كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، انتهى.
وقال في رسالة أخرى من رسائله: (1 / 56) الدرر السنية:
6 – وأما التكفير فأنما أكفر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله فهذا الذي أكفره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك (2) .
7 – وأما القتال فلم نقاتل أحدا إلا دون النفس والحرمة، فإنما على سبيل المقابلة: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه.
وقال أيضا (1 / 54) الدرر السنية:
8 – وأيضا ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله، ونهيتهم عن الربا وشرب المسكر وأنواع المنكرات.
_________
(1) وقال في بعض أجوبته: نقاتلهم بعدما نقيم الحجة عليهم من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ممتثلين قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال: 39] . انتهى الدرر السنية (1 / 58) .
(2) وقال: فإن قال قائلهم: إنهم يكفرون بالعموم فنقول سبحانك هذا بهتان عظيم، الذي تكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة، ثم بعد هذا يكفر أهل التوحيد ويسميهم بالخوارج.
[المراحل التي مرت بها دعوة الشيخ محمد رحمه الله]:
المراحل التي مرت بها دعوة الشيخ محمد رحمه الله بدأ الشيخ دعوته في بلدة حريملاء لوجود والده فيها، ولكن لما كانت الظروف غير مواتية ترك هذه البلدة بحثا عن غيرها فاتجه إلى العيينة واتصل بأميرها عثمان بن معمر فساعده في أول الأمر واجتمع حوله طلبة وبدأ بتنفيذ الأحكام الشرعية فهدم بعض القباب الشركية ورجم في الزنا، ثم إن ابن معمر تخلى عنه خوفا من تهديد بعض الرؤساء، فترك الشيخ العيينة وبحث عن غيرها فاتجه إلى الدرعية واتصل بأميرها محمد بن سعود وعرض عليه دعوته فقبلها وبايعه على مناصرته وصدق في ذلك، وهنا استقر الشيخ رحمه الله وانعقدت حوله حلق الدروس ووفد إليه الطلاب من مختلف الجهات وتكونت في هذه البلدة ولاية إسلامية أميرها الإمام محمد بن سعود وموجهها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وامتدت الدعوة إلى البلاد المجاورة ونشأ الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة التوحيد وقمع الشرك، وماهي إلا فترة وجيزة حتى انتشرت الدعوة وتوحدت جميع البلدان النجدية تحت رايتها، وامتدت فيما بعد إلى الحجاز وعسير وشمال الجزيرة، وكان ذلك بفضل الله وحده ثم بمؤازرة آل سعود لهذه الدعوة المباركة، وصدق الله وعده: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7] {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173] {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40]
المراجع التي يعتمد عليها علماء الدعوة والمنهج الذي يسيرون عليه في الفتوى وأخذ المسائل:
المراجع التي يعتمد عليها علماء الدعوة هي:
1 – القرآن الكريم وتفاسيره المعتمدة.
2 – السنة النبوية وشروحها.
3 – كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرها في سائر الفنون.
4 – كتب المذاهب الأربعة وبالأخص كتب المذهب الحنبلي وما ترجح بالدليل من غيره (1) .
يقول الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الدرر السنية (1 / 127، 133) مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف وهي أنا نقر آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها.
ونحن أيضًا في الفروع على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الاربعة.
ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق ولا أحد لدينا يدعيها إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب كإرث الجد والإخوة فإنا نقدم الجد بالإرث وإن خالف مذهب الحنابلة.
ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض، فلا مناقضة لعدم دعوى الاجتهاد، وقد سبق جمع من أئمة المذاهب الأربعة إلى اختيارات لهم في بعض المسائل مخالفين للمذهب الملتزمين تقليد صاحبه.
ثم إننا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلها لدينا تفسير ابن جرير ومختصره لابن كثير الشافعي وكذا البغوي والبيضاوي والخازن والحداد والجلالين وغيرهم.
وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المبرزين كالعسقلاني والقسطلاني على البخاري والنووي على مسلم والمناوي على الجامع الصغير، ونحرص على كتب الحديث خصوصًا الأمهات الست وشروحها ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون أصولًا وفروعًا وقواعد وسيرًا ونحوًا وصرفًا وجميع علوم الأمة.
هذا وعندنا أن الإمام ابن القيم وشيخه إماما حق من أهل السنة وكتبهم عندنا من أعز الكتب إلا أنا غير مقلدين لهما في كل مسألة، فإن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم ومعلوم مخالفتنا لهما في عدة مسائل منها طلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس، فإنا نقول به تبعًا للأئمة الأربعة.
_________
(1) قال الشيخ محمد رحمه الله: (وأما المتأخرون رحمهم الله فكتبهم عندنا فنعمل بما وافق النص منها ومالا يوافق النص لا نعمل به) انتهى. من الدرر السنية (1 / 65) .
[ثمرات دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وآثارها]:
ثمرات دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وآثارها إن كل دعوة من الدعوات وكل عمل من الأعمال إنما تعرف قيمته من ثمراته المترتبة عليه ومن أثره الذي يتركه، وإن دعوة الشيخ ولله الحمد لما كانت دعوة خالصة لله مترسمة منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم مستمدة علمها من الكتاب والسنة صار لها أطيب الأثر واستمر نفعها وبقي أثرها وأنتجت للأمة خيرات كثيرة منها:
1 – قيام دولة إسلامية هي دولة آل سعود الذين آزروا هذه الدعوة وجاهدوا في سبيلها، ولا تزال هذه الدولة ولله الحمد تحكم بشريعة الله وتخدم الحرمين الشريفين وتشد أزر المسلمين في كل مكان من بقاع العالم بعمارة المساجد والمراكز الإسلامية والتعليمية.
2 – تصحيح العقيدة الإسلامية مما علق بها من الشركيات والبدع والخرافات وإرجاعها إلى منبعها الصافي من كتاب الله وسنة رسوله، وقد طهر كل البلاد التي صار لهذه الدعوة المباركة فيها نفوذ وسلطة من جميع مظاهر الشرك والبدع والخرافات.
3 – امتداد أثر هذه الدعوة المباركة خارج بلادها حتى انتفع بها من هدفه الحق في مختلف بلدان العالم الإسلامي في الشام ومصر والمغرب العربي وأفريقيا والسودان واليمن والعراق والهند والباكستان وأندونيسيا وغيرها.
4 – وجود حركة علمية واعية متحررة من التقليد الأعمى، فانتشر التعليم في المساجد في مختلف مناطق البلاد حتى تخرج فيه علماء أفذاذ في حياة الشيخ وبعدها قاموا بنشر هذه الدعوة ورعايتها إلى يومنا هذا، ثم أسست لهذا التعليم جامعات إسلامية تخرج الأفواج تلو الأفواج من مختلف العالم الإسلامي مسلحين بالعقيدة الصحيحة والفكر السليم ينتشرون في العالم الإسلامي وغيره للدعوة إلى الله.
5 – نشاط حركة التأليف والنشر، فقد قدم علماء هذه الدعوة للأمة الإسلامية رصيدًا من الكتب النافعة في الأصول والفروع ومن ذلك:
1 -. مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب إمام الدعوة ويتكون مجموعها من اثني عشر مجلدًا في الفقه والعقائد والتفسير والحديث والسيرة.
2 -. مجموع الفتاوى والرسائل لعلماء الدعوة ويتكون من أحد عشر مجلدًا.
3 -. كتب ألفها أئمة الدعوة في مختلف العصور للرد على خصوم الدعوة تبلغ العديد من المجلدات وهي مطبوعة ومتداولة.
4 -. نشر كتب السلف وتوزيعها على المسلمين في موسم الحج وغيره.
5 -. نشر كل مفيد من المؤلفات العصرية وتوزيعها مجانًا.
[الشبه التي أثيرت حول دعوة الشيخ]:
الشبه التي أثيرت حول دعوة الشيخ تعرضت دعوة الشيخ كغيرها من دعوات المصلحين للنقد من قبل خصومها وأثيرت حولها شبهات ربما تروج على من لم يعرف حقيقتها، وقد أثير كثير من هذه الشبهات في حياة الشيخ ورد عليها بنفسه، وأثير البعض الآخر أو بالأصح أعيدت إثارة نفس تلك الشبه بعد وفاته فرد عليها تلامذته وغيرهم من محققي علماء المسلمين الذين لا يروج عليهم البهرج والكذب ولا تأخذهم في الله لومة لائم ومن هذه الشبه:
1 – أنه يبطل كتب المذاهب الأربعة وأن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء.
2 – أنه يدعي الاجتهاد وأنه خارج عن التقليد وأنه يقول اختلاف العلماء نقمة.
3 – أنه يحرم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وزيارة قبر الوالدين وغيرهما.
4 – أنه يكفر من حلف بغير الله. وقد أجاب الشيخ عن هذه بقوله: جوابي عن هذه المسائل أني أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، وقبله من بهت النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى ابن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل: 105] الآية بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول إن الملائكة وعيسى وعزيرًا في النار فأنزل الله في ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] انتهى، انظر الدرر السنية (1 / 30 -31) .
5 – قالوا إنه ينهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يقول لو أن لي أمرًا هدمت قبة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يتكلم في الصالحين وينهى عن محبتهم. . . . وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقوله: هذا كذب وبهتان افتراه عليَّ الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل، انظر الدرر (1 / 52) .
6 – قالوا: إنه يكفر جميع الناس إلا من اتبعه وأن أنكحتهم غير صحيحة. . . . وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقوله: يا عجبًا كيف يدخل هذا في عقل عاقل وهل يقول هذا مسلم، إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا من مختل العقل فاقد الإدراك، فقاتل الله أهل الأغراض الباطلة، انظر الدرر (1 / 55) .
7 – قالوا إنه يكفر بالعموم ويوجب الهجرة إليه على من قدر على إظهار دينه. . . . وقد أجاب الشيخ على ذلك بقوله: كل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالها لأجل جهلهم وعدم من ينبههم فكيف نكفر من لم يشرك بالله ولم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل (1) سبحانك هذا بهتان عظيم. انظر الدرر (1 / 66) .
8 – قالوا إنه ينكر الشفاعة، فرد الشيخ على ذلك بقوله: ثم بعد هذا يذكر لنا أن عدوان الإسلام الذين ينفرون الناس عنه يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع صاحب المقام المحمود نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفعه فينا، وأن يحشرنا تحت لوائه، هذا اعتقادنا وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح من المهاجرين والأنصار والتابعين وتابع التابعين والائمة الأربعة أجمعين وهم أحب الناس لنبيهم وأعظمهم في اتباعه وشرعه، فإن كانوا يأتون عند قبره يطلبونه الشفاعة فإن اجتماعهم حجة، والقائل إنه يطلب الشفاعة بعد موته يورد علينا الدليل من كتاب الله أو من سنة رسول الله أو من إجماع الأمة والحق أحق أن يتبع، انتهى من الدرر السنية (1 / 46) .
9 – وأما اتهام الشيخ أنه يكفر بالعموم ويقاتل المسلمين، فقد أجاب عنه الشيخ بقوله: وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه ونهى عنه وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفر، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك، وأما القتال فلم نقاتل أحدًا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرف فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه الرجال والنساء، انتهى من الدرر السنية (1 / 51) .
وقال أيضًا لما بين بطلان الذي يفعله القبوريون: فهذا الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم، وهو الذي ندعو الناس إلهي ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25] انتهى من الدرر السنية (1 / 58) .
وقال ابنه الشيخ عبد الله بن محمد مجملا هذه الشبه مع الرد عليها: وأما ما يكذب علينا سترًا للحق وتلبيسًا على الخلق بأنا نفسر القرآن برأينا ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا من دون مراجعة شرح ولا معول على شيخ وأنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا: النبي رمة في قبره وعصا أحدنا أنفع له منه وليس له شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى أنزل الله عليه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] مع كون الآية مدنية وأنا لا نعتمد على أقوال العلماء ونتلف مؤلفات أهل المذاهب لكون فيها الحق والباطل، وأنا مجسمة، ومن فروع ذلك أننا لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرير عليه بأنه كان مشركًا وأن أبويه ماتا على الإشراك بالله وأنا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ونحرم زيارة القبور المشروعة مطلقًا، وأن من دان بما نحن عليه سقطت عنه جميع التبعات حتى الديون، وأنا لا نرى حقًا لأهل البيت وأنا نجبرهم على تزويج غير الكفء لهم، وأنا نجبر بعض الشيوخ على فراق زوجته الشابة لتنكح شابًا إذا ترافعوا إلينا، فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استَفْهَمنَا عنها من ذكر أولا (يعني علماء مكة) كان جوابنا في كل مسألة من ذلك: سبحانك هذا بهتان عظيم، فمن روى عنا شيئا من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا ومن شاهد حالنا وحضر مجلسنا وتحقق ما عندنا علم قطعًا أن جميع ذلك وضعه وافتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين تنفيرًا للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص الله عليه بأن الله لا يغفره: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116] فإنا نعتقد أن من فعل أنواعا من الكبائر كقتل المسلم بغير حق والزنا وشرب الخمر وتكرر منه ذلك أنه لا يخرج بفعله ذلك عن دائرة الإسلام ولا يخلد به في دار الانتقام إذا مات موحدا بجميع أنواع العبادة، والذي نعتقده أن رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم بلا ريب، وأنه يسمع سلام المسلم عليه وتسن زيارته إلا أنه لا يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس، ومن أنفق نفيس أوقاته بالاشتغال بالصلاة عليه الصلاة والسلام الواردة عنه فقد فاز بسعادة الدارين وكفى همه وغمه كما جاء في الحديث عنه، ولا ننكر كرامات الأولياء ونعترف لهم بالحق وأنهم على هدى من ربهم مهما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية، إلا أنهم لا يستحقون شيئا من أنواع العبادات لا حال الحياة ولا بعد الممات، بل يطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته بل ومن كل مسلم فقد جاء في الحديث: (دعاء المسلم مستجاب لأخيه) الحديث، وأمر صلى الله عليه وسلم عمر وعليا بسؤال الاستغفار من اويس ففعلا.
ونثبت الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حسب ما ورد، وكذلك نثبتها لسائر الأنبياء والملائكة والأولياء والأطفال حسب ما ورد أيضا، ونسألها من المالك لها والآذن فيها لمن يشاء من الموحدين الذين هم أسعد الناس بها كما ورد بأن يقول أحدنا متضرعا: (اللهم شفع نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم فينا يوم القيامة،،، اللهم شفع فينا عبادك الصالحين أو ملائكتك أو نحو ذلك مما يطلب من الله لا منهم، فلا يقال يا رسول الله أو يا ولي الله أسألك الشفاعة أو غيرها كأدركني أو أغثني أو اشفني أو انصرني على عدوي ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فإذا طلب ذلك مما ذكر في أيام البرزخ كان من أقسام الشرك، إذ لم يرد بذلك نص من كتاب أو سنة ولا أثر من السلف الصالح في ذلك، بل ورد الكتاب والسنة وإجماع السلف أن ذلك شرك أكبر قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى من الدرر السنية (1 / 127 -129) .
هذا وقد انبرى كثير من العلماء بعد وفاة الشيخ رحمه الله للإجابة عن هذه الشبهات وألفوا في ذلك مؤلفات ضخمة من أشهرها:
1 – (مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام ونسب إليه تكفير أهل الإسلام) في مجلد وهو للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن من آل الشيخ رحمهم الله.
2 – (معارج القبول) ، للشيخ الحسين بن مهدي النعمي من علماء اليمن في مجلد.
3 – (غاية الأماني في الرد على النبهاني) للشيخ محمود شكري الألوسي من علماء العراق وهو في مجلدين.
4 – (صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان) للشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في مجلد، وغير ذلك من الكتب التي ألفت في الذب على دعوة الشيخ حتى من غير المسلمين.
وهكذا يقيض الله سبحانه للحق أنصارا في كل زمان تقوم بهم حجة الله على خلقه، فلله الحمد والمنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
_________
(1) يعني لم يكفر المسلمين ويقاتلهم.
(1) وقال في بعض أجوبته: نقاتلهم بعدما نقيم الحجة عليهم من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ممتثلين قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال: 39] . انتهى الدرر السنية (1 / 58) .
(2) وقال: فإن قال قائلهم: إنهم يكفرون بالعموم فنقول سبحانك هذا بهتان عظيم، الذي تكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة، ثم بعد هذا يكفر أهل التوحيد ويسميهم بالخوارج.
[المراحل التي مرت بها دعوة الشيخ محمد رحمه الله]:
المراحل التي مرت بها دعوة الشيخ محمد رحمه الله بدأ الشيخ دعوته في بلدة حريملاء لوجود والده فيها، ولكن لما كانت الظروف غير مواتية ترك هذه البلدة بحثا عن غيرها فاتجه إلى العيينة واتصل بأميرها عثمان بن معمر فساعده في أول الأمر واجتمع حوله طلبة وبدأ بتنفيذ الأحكام الشرعية فهدم بعض القباب الشركية ورجم في الزنا، ثم إن ابن معمر تخلى عنه خوفا من تهديد بعض الرؤساء، فترك الشيخ العيينة وبحث عن غيرها فاتجه إلى الدرعية واتصل بأميرها محمد بن سعود وعرض عليه دعوته فقبلها وبايعه على مناصرته وصدق في ذلك، وهنا استقر الشيخ رحمه الله وانعقدت حوله حلق الدروس ووفد إليه الطلاب من مختلف الجهات وتكونت في هذه البلدة ولاية إسلامية أميرها الإمام محمد بن سعود وموجهها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وامتدت الدعوة إلى البلاد المجاورة ونشأ الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة التوحيد وقمع الشرك، وماهي إلا فترة وجيزة حتى انتشرت الدعوة وتوحدت جميع البلدان النجدية تحت رايتها، وامتدت فيما بعد إلى الحجاز وعسير وشمال الجزيرة، وكان ذلك بفضل الله وحده ثم بمؤازرة آل سعود لهذه الدعوة المباركة، وصدق الله وعده: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7] {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173] {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40]
المراجع التي يعتمد عليها علماء الدعوة والمنهج الذي يسيرون عليه في الفتوى وأخذ المسائل:
المراجع التي يعتمد عليها علماء الدعوة هي:
1 – القرآن الكريم وتفاسيره المعتمدة.
2 – السنة النبوية وشروحها.
3 – كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرها في سائر الفنون.
4 – كتب المذاهب الأربعة وبالأخص كتب المذهب الحنبلي وما ترجح بالدليل من غيره (1) .
يقول الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الدرر السنية (1 / 127، 133) مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف وهي أنا نقر آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها.
ونحن أيضًا في الفروع على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الاربعة.
ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق ولا أحد لدينا يدعيها إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب كإرث الجد والإخوة فإنا نقدم الجد بالإرث وإن خالف مذهب الحنابلة.
ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض، فلا مناقضة لعدم دعوى الاجتهاد، وقد سبق جمع من أئمة المذاهب الأربعة إلى اختيارات لهم في بعض المسائل مخالفين للمذهب الملتزمين تقليد صاحبه.
ثم إننا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلها لدينا تفسير ابن جرير ومختصره لابن كثير الشافعي وكذا البغوي والبيضاوي والخازن والحداد والجلالين وغيرهم.
وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المبرزين كالعسقلاني والقسطلاني على البخاري والنووي على مسلم والمناوي على الجامع الصغير، ونحرص على كتب الحديث خصوصًا الأمهات الست وشروحها ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون أصولًا وفروعًا وقواعد وسيرًا ونحوًا وصرفًا وجميع علوم الأمة.
هذا وعندنا أن الإمام ابن القيم وشيخه إماما حق من أهل السنة وكتبهم عندنا من أعز الكتب إلا أنا غير مقلدين لهما في كل مسألة، فإن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم ومعلوم مخالفتنا لهما في عدة مسائل منها طلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس، فإنا نقول به تبعًا للأئمة الأربعة.
_________
(1) قال الشيخ محمد رحمه الله: (وأما المتأخرون رحمهم الله فكتبهم عندنا فنعمل بما وافق النص منها ومالا يوافق النص لا نعمل به) انتهى. من الدرر السنية (1 / 65) .
[ثمرات دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وآثارها]:
ثمرات دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وآثارها إن كل دعوة من الدعوات وكل عمل من الأعمال إنما تعرف قيمته من ثمراته المترتبة عليه ومن أثره الذي يتركه، وإن دعوة الشيخ ولله الحمد لما كانت دعوة خالصة لله مترسمة منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم مستمدة علمها من الكتاب والسنة صار لها أطيب الأثر واستمر نفعها وبقي أثرها وأنتجت للأمة خيرات كثيرة منها:
1 – قيام دولة إسلامية هي دولة آل سعود الذين آزروا هذه الدعوة وجاهدوا في سبيلها، ولا تزال هذه الدولة ولله الحمد تحكم بشريعة الله وتخدم الحرمين الشريفين وتشد أزر المسلمين في كل مكان من بقاع العالم بعمارة المساجد والمراكز الإسلامية والتعليمية.
2 – تصحيح العقيدة الإسلامية مما علق بها من الشركيات والبدع والخرافات وإرجاعها إلى منبعها الصافي من كتاب الله وسنة رسوله، وقد طهر كل البلاد التي صار لهذه الدعوة المباركة فيها نفوذ وسلطة من جميع مظاهر الشرك والبدع والخرافات.
3 – امتداد أثر هذه الدعوة المباركة خارج بلادها حتى انتفع بها من هدفه الحق في مختلف بلدان العالم الإسلامي في الشام ومصر والمغرب العربي وأفريقيا والسودان واليمن والعراق والهند والباكستان وأندونيسيا وغيرها.
4 – وجود حركة علمية واعية متحررة من التقليد الأعمى، فانتشر التعليم في المساجد في مختلف مناطق البلاد حتى تخرج فيه علماء أفذاذ في حياة الشيخ وبعدها قاموا بنشر هذه الدعوة ورعايتها إلى يومنا هذا، ثم أسست لهذا التعليم جامعات إسلامية تخرج الأفواج تلو الأفواج من مختلف العالم الإسلامي مسلحين بالعقيدة الصحيحة والفكر السليم ينتشرون في العالم الإسلامي وغيره للدعوة إلى الله.
5 – نشاط حركة التأليف والنشر، فقد قدم علماء هذه الدعوة للأمة الإسلامية رصيدًا من الكتب النافعة في الأصول والفروع ومن ذلك:
1 -. مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب إمام الدعوة ويتكون مجموعها من اثني عشر مجلدًا في الفقه والعقائد والتفسير والحديث والسيرة.
2 -. مجموع الفتاوى والرسائل لعلماء الدعوة ويتكون من أحد عشر مجلدًا.
3 -. كتب ألفها أئمة الدعوة في مختلف العصور للرد على خصوم الدعوة تبلغ العديد من المجلدات وهي مطبوعة ومتداولة.
4 -. نشر كتب السلف وتوزيعها على المسلمين في موسم الحج وغيره.
5 -. نشر كل مفيد من المؤلفات العصرية وتوزيعها مجانًا.
[الشبه التي أثيرت حول دعوة الشيخ]:
الشبه التي أثيرت حول دعوة الشيخ تعرضت دعوة الشيخ كغيرها من دعوات المصلحين للنقد من قبل خصومها وأثيرت حولها شبهات ربما تروج على من لم يعرف حقيقتها، وقد أثير كثير من هذه الشبهات في حياة الشيخ ورد عليها بنفسه، وأثير البعض الآخر أو بالأصح أعيدت إثارة نفس تلك الشبه بعد وفاته فرد عليها تلامذته وغيرهم من محققي علماء المسلمين الذين لا يروج عليهم البهرج والكذب ولا تأخذهم في الله لومة لائم ومن هذه الشبه:
1 – أنه يبطل كتب المذاهب الأربعة وأن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء.
2 – أنه يدعي الاجتهاد وأنه خارج عن التقليد وأنه يقول اختلاف العلماء نقمة.
3 – أنه يحرم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وزيارة قبر الوالدين وغيرهما.
4 – أنه يكفر من حلف بغير الله. وقد أجاب الشيخ عن هذه بقوله: جوابي عن هذه المسائل أني أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، وقبله من بهت النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى ابن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل: 105] الآية بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول إن الملائكة وعيسى وعزيرًا في النار فأنزل الله في ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] انتهى، انظر الدرر السنية (1 / 30 -31) .
5 – قالوا إنه ينهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يقول لو أن لي أمرًا هدمت قبة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يتكلم في الصالحين وينهى عن محبتهم. . . . وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقوله: هذا كذب وبهتان افتراه عليَّ الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل، انظر الدرر (1 / 52) .
6 – قالوا: إنه يكفر جميع الناس إلا من اتبعه وأن أنكحتهم غير صحيحة. . . . وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقوله: يا عجبًا كيف يدخل هذا في عقل عاقل وهل يقول هذا مسلم، إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا من مختل العقل فاقد الإدراك، فقاتل الله أهل الأغراض الباطلة، انظر الدرر (1 / 55) .
7 – قالوا إنه يكفر بالعموم ويوجب الهجرة إليه على من قدر على إظهار دينه. . . . وقد أجاب الشيخ على ذلك بقوله: كل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالها لأجل جهلهم وعدم من ينبههم فكيف نكفر من لم يشرك بالله ولم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل (1) سبحانك هذا بهتان عظيم. انظر الدرر (1 / 66) .
8 – قالوا إنه ينكر الشفاعة، فرد الشيخ على ذلك بقوله: ثم بعد هذا يذكر لنا أن عدوان الإسلام الذين ينفرون الناس عنه يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع صاحب المقام المحمود نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفعه فينا، وأن يحشرنا تحت لوائه، هذا اعتقادنا وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح من المهاجرين والأنصار والتابعين وتابع التابعين والائمة الأربعة أجمعين وهم أحب الناس لنبيهم وأعظمهم في اتباعه وشرعه، فإن كانوا يأتون عند قبره يطلبونه الشفاعة فإن اجتماعهم حجة، والقائل إنه يطلب الشفاعة بعد موته يورد علينا الدليل من كتاب الله أو من سنة رسول الله أو من إجماع الأمة والحق أحق أن يتبع، انتهى من الدرر السنية (1 / 46) .
9 – وأما اتهام الشيخ أنه يكفر بالعموم ويقاتل المسلمين، فقد أجاب عنه الشيخ بقوله: وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه ونهى عنه وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفر، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك، وأما القتال فلم نقاتل أحدًا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرف فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه الرجال والنساء، انتهى من الدرر السنية (1 / 51) .
وقال أيضًا لما بين بطلان الذي يفعله القبوريون: فهذا الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم، وهو الذي ندعو الناس إلهي ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25] انتهى من الدرر السنية (1 / 58) .
وقال ابنه الشيخ عبد الله بن محمد مجملا هذه الشبه مع الرد عليها: وأما ما يكذب علينا سترًا للحق وتلبيسًا على الخلق بأنا نفسر القرآن برأينا ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا من دون مراجعة شرح ولا معول على شيخ وأنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا: النبي رمة في قبره وعصا أحدنا أنفع له منه وليس له شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى أنزل الله عليه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] مع كون الآية مدنية وأنا لا نعتمد على أقوال العلماء ونتلف مؤلفات أهل المذاهب لكون فيها الحق والباطل، وأنا مجسمة، ومن فروع ذلك أننا لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرير عليه بأنه كان مشركًا وأن أبويه ماتا على الإشراك بالله وأنا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ونحرم زيارة القبور المشروعة مطلقًا، وأن من دان بما نحن عليه سقطت عنه جميع التبعات حتى الديون، وأنا لا نرى حقًا لأهل البيت وأنا نجبرهم على تزويج غير الكفء لهم، وأنا نجبر بعض الشيوخ على فراق زوجته الشابة لتنكح شابًا إذا ترافعوا إلينا، فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استَفْهَمنَا عنها من ذكر أولا (يعني علماء مكة) كان جوابنا في كل مسألة من ذلك: سبحانك هذا بهتان عظيم، فمن روى عنا شيئا من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا ومن شاهد حالنا وحضر مجلسنا وتحقق ما عندنا علم قطعًا أن جميع ذلك وضعه وافتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين تنفيرًا للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص الله عليه بأن الله لا يغفره: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116] فإنا نعتقد أن من فعل أنواعا من الكبائر كقتل المسلم بغير حق والزنا وشرب الخمر وتكرر منه ذلك أنه لا يخرج بفعله ذلك عن دائرة الإسلام ولا يخلد به في دار الانتقام إذا مات موحدا بجميع أنواع العبادة، والذي نعتقده أن رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم بلا ريب، وأنه يسمع سلام المسلم عليه وتسن زيارته إلا أنه لا يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس، ومن أنفق نفيس أوقاته بالاشتغال بالصلاة عليه الصلاة والسلام الواردة عنه فقد فاز بسعادة الدارين وكفى همه وغمه كما جاء في الحديث عنه، ولا ننكر كرامات الأولياء ونعترف لهم بالحق وأنهم على هدى من ربهم مهما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية، إلا أنهم لا يستحقون شيئا من أنواع العبادات لا حال الحياة ولا بعد الممات، بل يطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته بل ومن كل مسلم فقد جاء في الحديث: (دعاء المسلم مستجاب لأخيه) الحديث، وأمر صلى الله عليه وسلم عمر وعليا بسؤال الاستغفار من اويس ففعلا.
ونثبت الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حسب ما ورد، وكذلك نثبتها لسائر الأنبياء والملائكة والأولياء والأطفال حسب ما ورد أيضا، ونسألها من المالك لها والآذن فيها لمن يشاء من الموحدين الذين هم أسعد الناس بها كما ورد بأن يقول أحدنا متضرعا: (اللهم شفع نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم فينا يوم القيامة،،، اللهم شفع فينا عبادك الصالحين أو ملائكتك أو نحو ذلك مما يطلب من الله لا منهم، فلا يقال يا رسول الله أو يا ولي الله أسألك الشفاعة أو غيرها كأدركني أو أغثني أو اشفني أو انصرني على عدوي ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فإذا طلب ذلك مما ذكر في أيام البرزخ كان من أقسام الشرك، إذ لم يرد بذلك نص من كتاب أو سنة ولا أثر من السلف الصالح في ذلك، بل ورد الكتاب والسنة وإجماع السلف أن ذلك شرك أكبر قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى من الدرر السنية (1 / 127 -129) .
هذا وقد انبرى كثير من العلماء بعد وفاة الشيخ رحمه الله للإجابة عن هذه الشبهات وألفوا في ذلك مؤلفات ضخمة من أشهرها:
1 – (مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام ونسب إليه تكفير أهل الإسلام) في مجلد وهو للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن من آل الشيخ رحمهم الله.
2 – (معارج القبول) ، للشيخ الحسين بن مهدي النعمي من علماء اليمن في مجلد.
3 – (غاية الأماني في الرد على النبهاني) للشيخ محمود شكري الألوسي من علماء العراق وهو في مجلدين.
4 – (صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان) للشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في مجلد، وغير ذلك من الكتب التي ألفت في الذب على دعوة الشيخ حتى من غير المسلمين.
وهكذا يقيض الله سبحانه للحق أنصارا في كل زمان تقوم بهم حجة الله على خلقه، فلله الحمد والمنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
_________
(1) يعني لم يكفر المسلمين ويقاتلهم.