ما يجري هذه الأيام في البلاد الإسلامية من ثورة ضد حكم الفساد و الظلم يثير تساؤلاً , هل الإسلام دين ظلم و قهر لكي تحدث هذه الثورات بهذه الشكل في البلدان الإسلامية ؟ بالطبع الجواب لا , فمنذ دولة النبي صلى الله عليه و سلم في المدينة المنورة و الإسلام هو دين العدل و الحرية و هذا ما ينطبق على الخلفاء الراشدين الأربعة و العديد من الحكام المسلمين على مر التاريخ و أشهرهم الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز الذي لقبه سفيان الثوري بالخليفة الراشد الخامس لعدله و سماحته . و اليوم أقدم لكم موضوعاً مفصلاً عن هذه الحاكم العادل الذي طالما إشتاقت إليه بلادنا المسلمة …
عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية (717م -720م) ثامن الخلفاء الأمويين، خامس الخلفاء الراشدين من حيث المنظور السني، ويرجع نسبه من أمه إلى عمر بن الخطاب حيث كانت أمه هي أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وبذلك يصبح الخليفة عمر بن الخطاب جد الخليفة عمر بن عبد العزيز. ولد في المدينة المنورة وقد تلقى علومه وأصول الدين على يد صالح بن كيسان في المدينة المنورة واستفاد كثيراً من علماءها ثم استدعاه عمه الخليفة عبد الملك بن مروان إلى دمشق عاصمة الدولة الأموية وزوجه ابنته فاطمة وعينه أميراً على إمارة صغيرة بالقرب من حلب تسمى دير سمعان وظل والياً عليها حتى سنة 86 هـ.
مكانته العلميـة وولايته للمدينة
لقب بخامس الخلفاء الراشدين لسيره في خلافته سيرة الخلفاء الراشدين. تولى الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك في دمشق سنة 99 هجرية وقد سمي الخليفة العادل لمكانته وعدله في الحكم. في ربيع الأول من عام 87هـ ولاّه الخليفة الوليد بن عبد الملك إمارة المدينة المنورة، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة 91 هـ وبذلك صار واليآ على الحجاز كلها واشترط عمر لتوليه الأماره ثلاثة شروط : الشرط الأول :أن يعمل في الناس بالحق والعدل ولا يظلم أحداً ولا يجور على أحد في أخذ مأعلى الناس من حقوق لبيت المال، ويترتب على ذلك أن يقل مايرفع للخليفة من الأموال من المدينة. الشرط الثاني : أن يسمح له بالحج في أول سنة لأن عمر كان في ذلك الوقت لم يحج. الشرط الثالث : أن يسمح له بالغاء أن يخرجه للناس في المدينة فوافق الوليد على هذه الشروط، وباشر عمر بن عبد العزيز عمله بالمدينة وفرح الناس به فرحآ شديدآ. من أبرز الأعمال التي قام بها في المدينة وهو عمل مجلس الشورى يتكون من عشر من فقهاء المدينة. ثم عينة الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك وزيراً في عهده.
قال عنه سفيان الثوري: كخامس الخلفاء الراشدين (الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان ،وعلي، وعمر بن عبد العزيز).
وعن شدة إتباعه للسنة قال حزم بن حزم:قال عمر:لو كان كل بدعة يميتها الله على يدي وكل سنة ينعشها الله على يدي ببضعة من لحمي، حتى يأتي آخر ذلك من نفسي، كان في الله يسيراً. أتفقت كلمة المترجمين على أنه ممن ائمة زمانه، فقد اطلق عليه كل من الإمامين :مالك وسفيان بن عيينه وصف إمام، وقال مجاهد:أتيناه نعلمه فما برحنا حتى تعلمنا منه ،وقال ميمون بن مهران :كان عمر بن عبد العزيز معلم العلماء، قال فيه الذهبي :كان إمامآ فقيهآ مجتهدآ، عارفآ بالسنن ،كبير الشأن حافظآ قانتآ لله أواهآ منيبآ يعد في حسن السيرة والقيام بالقسط مع جده لأمة عمر, وفي الزهد مع الحسن البصري وفي العلم مع الزهري ملحوظة.عندما كان يكتب للشعب كان يضئ شمعة من بيت المسلمين وعندما كان يكتب امور خاصة به كان يضيئ شمعة من ماله وذلك ىدل على امانة عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ,,
ولايته على المدينة المنورة وأعماله فيها
لما ولي الوليد بن عبد الملك الخلافة أمر عمر بن عبد العزيز على المدينة فظل واليا عليها من سنة 29 هـ حتى 93 هـ .لما قدم على المدينة والياً صلى الظهر ودعا بعشرة: عروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالماً وخارجة بن زيد بن ثابت وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا بكر بن سليمان وعبد الله بن عامر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه، ونكون فيه أعواناً على الحق، ما أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم، أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً يتعدى، أو بلغكم عن عامل ظلامة فأحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني". فجزوه خيراً وافترقوا.
بنى في مدة ولايته هذه المسجد النبوي ووسعه عن أمر الوليد له بذلك. اتسعت ولايته فصار والياً على الحجاز كلها، وراح ينشر بين الناس العدل والأمن، وراح يذيقهم حلاوة الرحمة، وسكينة النفس، نائياً بنفسه عن مظالم العهد وآثامه، متحدياً جباريه وطغاته، وعلى رأسهم الحجاج بن يوسف الثقفي،وكان عمر يمقته أشد المقت بسبب طغيانه وعَسْفه، وكان نائباً على الحج في إحدى السنين فأرسل عمر إلى الوليد يسأله أن يأمر الحجاج ألا يذهب إلى المدينة ولا يمر بها، رغم أنه يعرف ما للحجاج من مكانة في نفوس الخلفاء الأمويين…وأجاب الخليفة طلب عمر وكتب إلى الحجاج يقول:" إن عمر بن عبد العزيز كتب إليَّ يستعفيني من ممرك عليه بالمدينة، فلا عليك ألا تمر بمن يكرهك، فنح نفسك عن المدينة". وشى به الحجاج وشاية إلى الوليد كانت سبباً في عزله، ولما عُزِل منها وخرج منها التفت إليها وبكى وقال لمولاه:" يا مزاحم نخشى أن نكون ممن نفت المدينة". يعني أن المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد وينصع طيبها، ونزل بمكان قريب منها يُقال له السويداء حيناً، ثم قدم دمشق على بني عمه.
رفضه خلع سليمان من ولاية العهد
إن الوليد بن عبد الملك عزم على أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد، وأن يعهد إلى ولده، فأطاعه كثير من الأشراف طوعاً وكرهاً، فامتنع عمر بن عبد العزيز وقال:" لسليمان في أعناقنا بيعة ". وصمم، فعرفها له سليمان.
في عهد سليمان بن عبد الملك
قال سليمان بن عبد الملك لعمر بعد أن ولي:" يا أبا حفص ! إنا ولينا ما قد ترى، ولم يكن لنا بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة فمر به". فأقيمت الصلوات في أوقاتها بعد ما كانت تصلى في آخر الوقت، مع أمور جليلة كان يسمع من عمر فيها.
قيل إن سليمان بن عبد الملك حج فرأى الخلائق بالموقف فقال لعمر: أما ترى هذا الخلق لا يحصي عددهم إلا الله ؟ قال: هؤلاء اليوم رعيتك، وهم غداً خصماؤك. فبكى بكاءً شديداً. اصطحبه الخليفة سليمان بن عبد الملك يوماً لزيارة بعض معسكرات الجيش وأمام معسكر يعج بالعتاد والرجال، سأله سليمان في زهوه:" ما تقول في هذا الذي ترى يا عمر؟" فقال :"أرى دنيا، يأكل بعضها بعضاً وأنت المسؤول عنها والمأخوذ بها" فقال له بعد أن بُهت:"ما أعجبك!!" فقال عمر:"بل ما أعجب من عرف الله فعصاه، وعرف الشيطان فاتبعه، وعرف الدنيا فركن إليها".
كيف أختير للخلافة
بويع بالخلافة بعد وفاة سليمان بن عبد الملك وهو لها كاره فأمر فنودي في الناس بالصلاة، فاجتمع الناس إلى المسجد، فلما اكتملت جموعهم، قام فيهم خطيبًا، فحمد الله ثم أثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال: أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر على غير رأي مني فيه ولا طلب له… ولا مشورة من المسلمين، وإني خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم خليفة ترضونه. فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك، فَلِ أمرنا باليمن والبركة. فأخذ يحض الناس على التقوى ويزهدهم في الدنيا ويرغبهم في الآخرة، ثم قال لهم: " أيها الناس من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له على أحد، أيها الناس أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم " ثم نزل عن المنبر.
يقول التابعي العالم الجليل رجاء بن حيوة: " لما تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة وقف بنا خطيبا فحمد الله ثم أثنى عليه، وقال في جملة ما قال : يا رب إني كنت أميرا فطمعت بالخلافة فنلتها، يا رب إني أطمع بالجنة اللهم بلغني الجنة. قال رجاء: فرتج المسجد بالبكاء فنظرت إلى جدران المسجد هل تبكي معنا"
ما دار بينه وبين ابنه بعد توليه الخلافة
اتجه عمرإلى بيته وآوى إلى فراشه، فما كاد يسلم جنبه إلى مضجعه حتى أقبل عليه ابنه عبد الملك وكان عمره آنذاك سبعة عشر عامًا، وقال: ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فرد عمر: أي بني أريد أن أغفو قليلا، فلم تبق في جسدي طاقة. قال عبد الملك: أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: أي بني إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان، وإني إذا حان الظهر صليت في الناس ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله. فقال عبد الملك: ومن لك يا أمير المؤمنين بأن تعيش إلى الظهر؟! فقام عمر وقبَّل ابنه وضمه إليه، ثم قال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني.
نماذج من عـدله
اشتهرت خلافة عمر بن عبد العزيز بأنها الفترة التي عم العدل والرخاء في أرجاء البلاد الإسلامية حتى أن الرجل كان ليخرج الزكاة من أمواله فيبحث عن الفقراء فلا يجد من في حاجة إليها. كان عمر قد جمع جماعة من الفقهاء والعلماء وقال لهم: " إني قد دعوتكم لأمر هذه المظالم التي في أيدي أهل بيتي، فما ترون فيها؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين : إن ذلك أمرًا كان في غير ولايتك، وإن وزر هذه المظالم على من غصبها "، فلم يرتح عمر إلى قولهم وأخذ بقول جماعة آخرين منهم ابنه عبد الملك الذي قال له: أرى أن تردها إلى أصحابها ما دمت قد عرفت أمرها، وإنك إن لم تفعل كنت شريكا للذين أخذوها ظلما. فاستراح عمر لهذا الرأي وقام يرد المظالم إلى أهلها.
وعن عطاء بن أبي رباح قال: حدثتني فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز :أنها دخلت عليه فإذا هو في مصلاه، سائلة دموعه، فقالت: يا أمير المؤمنين، ألشئ حدث؟ قال: يا فاطمة إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلّم فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، وذي العيال في اقطار الأرض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا تثبت لي حجة عن خصومته، فرحمت نفسي فبكيت. كان شديد المحاسبة لنفسه وَرِعًا تقيًا، كان يقسم تفاحًا أفاءه الله على المسلمين، فتناول ابن له صغير تفاحة، فأخذها من فمه، وأوجع فمه فبكى الطفل الصغير، وذهب لأمه فاطمة، فأرسلت من أشترى له تفاحًا. وعاد إلى البيت وما عاد معه بتفاحة واحدة، فقال لفاطمة: هل في البيت تفاح؟ إني أَشُمُ الرائحة، قالت: لا، وقصت عليه القصة –قصة ابنه- فَذَرفت عيناه الدموع وقال: والله لقد انتزعتها من فم ابني وكأنما أنتزعها من قلبي، لكني كرهت أن أضيع نفسي بتفاحة من فيْء المسلمين قبل أن يُقَسَّم الفَيءُ.
تواضعه وزهده
أشتهى عمر تفاحاً، فقال لو كان لنا شيء من التفاح، فإنه طيب الريح طيب الطعم فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفاحاً، فلما جاء به قال عمر: ما أطيب ريحه وأحسنه، أرفعه يا غلام فاقرئ فلاناً منا السلام وقل لهُ: إن هديتك قد وقعت منا بموقع بحيث تحب. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، ابن عمك ورجل من أهل بيتك وقد بلغك أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، فقال : ويحك، إن الهدية كانت للنبي وهي لنا اليوم رشوة.
وعن بشير بن الحارث قال: أطرى رجل عمر بن عبد العزيز في وجهه، فقال له عمر: يا هذا لو عرفت من نفسي ما أعرف منها، ما نظرت في وجهي.
فما اطيبه ويا لشدة تواضعه.
سياسته الداخلية
وقبل أن يلي عمر بن عبد العزيز الخلافة تمرّس بالإدارة واليًا وحاكمًا، واقترب من صانعي القرار، ورأى عن كثب كيف تُدار الدولة، وخبر الأعوان والمساعدين؛ فلما تولى الخلافة كان لديه من عناصر الخبرة والتجربة ما يعينه على تحمل المسؤولية ومباشرة مهام الدولة، وأضاف إلى ذلك أن ترفَّع عن أبهة الحكم ومباهج السلطة، وحرص على المال العام، وحافظ على الجهد والوقت، ودقَّق في اختيار الولاة، وكانت لديه رغبة صادقة في تطبيق العدل.
وخلاصة القول أن عمر بن عبد العزيز رجل زهد وولاية ووجد نفسهُ فجأة خليفة؛ بل كان رجل دولة أستشعر الأمانة، وراقب الله فيما أُوكل إليه، وتحمل مسؤولية دولته الكبيرة بجدٍّ واجتهاد؛ فكان منه ما جعل الناس ينظرون إليه بإعجاب وتقدير.
وكان يختار ولاته بعد تدقيق شديد، ومعرفة كاملة بأخلاقهم وقدراتهم؛ فلا يلي عنده منصبًا إلا من رجحت كفته كفاءة وعلمًا وإيمانًا، وحسبك أن تستعرض أسماء من اختارهم لولاياته؛ فتجد فيهم العالم الفقيه، والسياسي البارع، والقائد الفاتح، من أمثال أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أمير المدينة وقاضيها، والجراح بن عبد الله الحكيمي، أمير البصرة، وكان قائدًا فاتحًا، وإداريًا عظيمًا، وعابدًا قائدًا، والسمح بن مالك أمير الأندلس، وكان قائدًا فذًا، استُشهد على أرض الأندلس، وكان باقي ولاته على هذه الدرجة من القدرة والكفاءة.
وكان عمر لا يكتفي بحسن الاختيار بعد دراسة وتجربة، بل كان يتابع ويراقب، لكن مراقبته لم تكن مراقبة المتهم، بل كان يراقب تطبيق السياسة العامة التي وضعها للدولة.
وإذا كان قد أخذ نفسه بالشدة والحياة الخشنة، فإنه لم يلزم بها ولاته، بل وسّع عليهم في العطاء، وفرض لهم رواتب جيدة تحميهم من الانشغال بطلب الرزق، وتصرفهم عن الانشغال بأحوال المسلمين، كما منعهم من الاشتغال بالتجارة، وأعطى لهم الحرية في إدارة شئون ولاتهم؛ فلا يشاورونه إلا في الأمور العظيمة، وكان يظهر ضيقه من الولاة إذا استوضحوه في الأمور الصغيرة، حيث كتب إليه أحد ولاته يستوضح منه أمرًا لا يحتاج إلى قرار من الخليفة، فضاق منه عمر، وكتب إليه: "أما بعد، فأراك لو أرسلتُ إليك أن اذبح شاة، ووزِّع لحمها على الفقراء، لأرسلت إلي تسألني: كبيرة أم صغيرة؟ فإن أجبتك أرسلت تسأل: بيضاء أم سوداء؟ إذا أرسلت إليك بأمر، فتبيَّن وجه الحق منه، ثم أمْضِه". روي أن الرعية أشتكت عاملاً له فأرسل إليه خطابا قال له في " يا أبن أخي تذكر طول سهر أهل النار في النار لاينامون ولا يستريحون ولا يقضي عليهم فيموتوا ولايخفف عنهم من عذابها ولا يكن آخر عهدك بالله الأنصراف إلي النار" فطوي هذا الوالي الأرض طيا حتي قدم عليه فقال ما أقدمك عليّ قال خلعت قلبي بخطابك والله لا ألي أمرة حتي اموت . و قد كان أول من أوقف عطايا بني أمية وأول من أوقف عطايا الشعراء.
آخر خطبة
في آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز من منبر الجامع الكبير في دمشق قال: إنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم جنة عرضها السموات والأرض.ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيرثها بعدكم الباقون، كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين، وفي كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله، قد قضى نحبه، وانقضى أجله، فتودعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وسكن التراب، وواجه الحساب، غنياً عما خلف، فقيراً إلى ما أسلف، فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته، وأني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم عندي، ولكن أستغفر الله وأتوب إليه. ثم رفع طرف ردائه وبكى حتى شهق ثم نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتى توفي.
وفـاته وشكوك من مقتله
توفي الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز سنة 101 للهجرة ودفن في منطقة دير سمعان من أعمال المعرة بالقرب من حلب في سوريا. وقد قال بعض المؤرخين ان عمر عبد العزيز قد قتل مسموما على ايدى بعض امراء بنى امية بعد أن اوقف عطياهم وصادر ممتلاكتهم واعطها لبيت مال المسلمين وهذا الرأي الارجح. استمرت خلافته فترة قصيرة جداً، فلم تطل مدة خلافته سوى عامين ونصف، ثم حضره أجله ولاقى ربه عادلاً في الرعية قائماً فيها بأمر الله.وعندما توفي لم يكن في سجنه رجل واحد. وفي عهده انتشر العلم وكثرت المساجد في ارجاء الدولة الأموية التي تعلم القرآن، وفي عهده القصير أوقف الحرب مع جيرانه ووسع العمل داخل دولته (البنية التحتية للدولة) كالشوارع والطرقات والممرات الآمنة ودور الطعام (التكايا) كما في دمشق وحلب والمدينة وحمص ومدن مصر والمدن الإسلامية في كل البقاع والمدارس ونسخ الكتب والترجمة والتعريب ونقل العلم وإلى غير ذلك من الأعمال الخيرة حتى دعاه المؤرخون بخامس الخلفاء الراشدين .
رحم الله الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز و جزاه عن أمة المسلمين كل الخير . اللهم أرزقنا عدل عمر بن عبد العزيز .