تخطى إلى المحتوى

قصة القمح المشتعل للأطفال 2024

الونشريس
القمح المشتعل
الونشريس

بدات اصنع الكعك والمعمول استعدادا للعيد .. ووضعت السميد في وعاء كبير ، وادرت عليه السمن المحمى.. .وتجمع اطفالي من حولي فرحين .. هذا يشارك بوضع السمن، وذلك ينزع النوى من التمر ، وذاك ينقي الجوز و الفستق .. وعندما سالتني ابنتي مما يصنع السميد يا امي ؟ ؛ اجبتها دون تفكير من القمح .. يا للقمح ما اقسى ذكراه هذا العام..
تراءت امام ناظري حقول القمح وسنابله الصفراء تتمايل وتلمع كالذهب في اراضي جنوب لبنان . وتراءى امام ناظري (محمد الشريف) وقد خرج مع اهله يبذر القمح في الارض بعد ان حرثها مرتين ، بالجرار مرة وبالبغال مرة اخرى … وتخيلت ام محمد واهل القرية ينتظرون الشتاء ليروي البذار ، ولينبتها اعوادا خضراء ، ثم تمتلئ بالحب المبارك ثم ينتظرون الصيف لتنضج وتلمع كالذهب الاصفر…
ولكن الزرع هذا العام كان كما قال تعالى في كتابة الكريم (( كزرع اخرج شطئه فازره فاستغلظ فاستوىعلى سوقه ، يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار))

الونشريس

كان رزعا يغيظ اليهود ، فدخلو بدباباتهم الحقول والسهول .. وتعمدوا ان يسيروا بين اعواد القمح وسنابله ، وكان اهل محمد وسكان الجنوب في لبنان يخرجون بعد ذلك يتفقدون المحصول للاطمئنان عليه وقد امتلات قلوبهم غيظا والما وكرها منذ دخلت القوات الاسرائيلية جنوب لبنان ، واقتحمت سهوله وجباله ، وهدمت بيوته ومدارسه وجوامعه وكنائسه ، ومنذ ان سرقت مياه انهاره وينابيعه ، ومنذ ان قتلت من قتلت واعتقلت من اعتقلت من ابنائه ، ومحمد شارد الفكر ، يخطط للقيام بعمل ما …. للانتقام منهم اذا ما عاودوا الاعتداء على حقول القمح .

ومع نمو القمح في الحقول نم الحقد في قلب محمد واهل قريته على جنود اسرائيل … ومع اصفرار ونضوج القمح في ارض محمد ، نضجت واختمرت الخطة في عقل محمد في الهجوم السريع على هذه المصفحات وحاملات الجنود التي تسير بكل خيلاء وتكبر على ارضه وزرعه.
وحدد محمد مكان الهجوم وزاوية رمي القنابل ، ثم حدد طريقة الهروب والاختفاء عن الانظار..
وفي بيت من بيوت القرية المهدومة مكث محمد يومين متتاليين يخطط للساعة المرتقبة ، يعد القنابل ويخبئها في المكان الملائم …!

الونشريس

في تلك الاثناء كان فلاحو المنطقة يحملون مناجلهم ويحصدون القمح وهم يغنون اغاني الحصاد … وكانت ام محمد قد خرجت هي الاخرى مع زوجها واطفالها ،حملوا مناجلهم وصرر الاكل والشراب ، واتجهوا لحقلهم … وكانت ام محمد هي الاخرى تخطط كابنها لموسم الحصاد هذا .. فهي ستخصص قسما من القمح (لتدخنه) وتصنع الفريكة الخضراء . وستخصص قسما اخر تطحنه طحنا خشنا لتصنع منه البرغل للكبة والتبولة . ثم ستبقي القسم الاكبر تطحنه طحنا ناعما لتخبز منه رغيف العائله اليومي ،او لتصنع منه احيانا المفتول والشعيرية والبسكوت واقراص السبانخ والصفيحة …
ولم تنس ام محمد ان تخصص جزاء من القمح هذا العام للسميد ، لتصنع منه الكعك والمعمول في العيد ….
ولكنها ، وبينما هي تخطط ، اذ بها ترى عشرات السيارات العسكرية، تسير وكأن بها مس من الجنون في حقول القمح ، لا يهمها ان كانت تسير على الاكوام المحصودة ام على السنابل الواقفة في كبرياء ؛ لتذبلها وتطاطئ راسها الى الارض .

وهبت عائلة محمد وهب جميع الفلاحين مذعورين فزعين ، ولكن محمدا انسحب بكل هدوء الى البيت المهدوم ، واخرج القنابل ، وانتظر حتى مرت السيارات والدبابات المصفحة من بين السنابل،ثم رمى بها بقنبلة ……

الونشريس

لم يكن هناك وقت طويل امام الجنود الاسرائيلين لتحديد ما سيفعلونه امام هذه المشكلة .. فهم يتعرضون لمثلها كل يومين او ثلاثة….وعمليات الاعتقال لا تكفي للانتقام لمقتل خمسة جنود وعطب عدة مركبات … ثم انهم نادرا ما يتوصلون لمعرفة الجاني ، فليكن العقاب اليوم جماعيا… عقاب يصيب كل العائلات وكل الفلاحين …
نظر القائد الى اكوام القمح الاصفر هنا وهنك … ونظرالى العائلات نسـائها ورجالها واطفالها ، واعاد النظر الى القمح … وفزعت ام محمد وقد احست بقلبها المرهف ان امرا ما سيحث ..واخذت تجيل النظر هي الاخرى بين اكوام القمح المحصود واعواده وسنابله التي لم تحصد بعد … ودق قلبها بعنف شديد لم تعهده من قبل ، حينما اشار الضابط الاسرائيلي وقال : احرقوا المحصول …
وخلال دقائق كانت النيران تشتعل في اكوام القمح المحصود ، وخلال دقائق كانت النيران تنتشر بين اعواده وسنابله التي لم تحصد بعد .. ، وخلال دقائق كانت النيران تنتشر بين اعواد السنابل الجافة ، وتنتقل من حقل الى حقل لتتلف الاف الاطنان من القمح ، ولتحرق قلب ام محمد وجميع فلاحي المنطقة.

الونشريس

كانت النيران تشتعل امام عيني ، وكنت احس بلهيبها يلسع وجهي ويدي ، كنت ارى ام محمد تبكي الفريكة والبرغل والطحين والسميد .. وكنت لا ازال افرك السميد لاصنع منه كعك العيد .

    مشكورة حبيبتي

    نوووووووووورتى

    مشكوررررة

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.