اجمع المؤرخون أن للنبي –صلى الله عليه وسلم- أربع بنات كلهن أدركن الإسلام، وهاجرن هن: فاطمة عليهاالسلام: ولدت قبل النبوة بخمس سنين، وزينب تزوجها العاص بن الربيع -رضي الله عنه–،ورقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان –رضي الله عنه- تزوج أم كلثوم بعد وفاة رقية .
و الحكمة من أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أباً للبنات – الله أعلم بها– ويرجعها البعض لأسباب:
منها: أن البنت في عُرف العرب قبل الإسلامعار يستحق الدفن حياً قال الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَأَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَالْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُفِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}].
جاء في تفسير هذه الآية: بأنالكظيم هو الكئيب من الهم، ويمسكه على هون: أي يبقى البنت مهانة لا يورثها ولايعتني بها ويفضل أولاده الذكور عليها .
فشاء الله أن يكون النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- أباً لبنات ليكون القدوة للمؤمنين فيما ينبغي للبنت من حقوقومكانة لائقة أقرها لها الدين الإسلامي الحنيف.
فأبوة الرسول –صلى الله عليهوسلم- لبناته حدثاً جديداً في حياة المرأة، وفي هذا قال عمر بن الخطاب – رضي اللهعنه –: "والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهن ما أنزلوقسم لهن ما قسم .
ومنها : أيضاً – والله أعلم – (حتى يكون النبي –صلى اللهعليه وسلم- بعيداً عن تهمة الاستنصار بالولد، والاعتماد عليه ) كما هي عادة العربفي ذلك الوقت.بل أن ما جاء به من دين نُشر في الأرض لأنه هو الحق ولا حق سواه،والحق دائماً أظهر وأقوى.
وقد كان العربي في الجاهلية يترقب الأولادللوقوف إلى جانبه ومساندته، والدفاع عن الحوزة وحماية البيضة، أما البنت فكانالتخوف من عارها يحملهم على كراهتهاحتى بعث الله نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم– بالدين الإسلامي خاتم الأديان الذي ارتضاه الله عزَّ وجل لعباده قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْيُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقالتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْنِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}
فحفظ الإسلام للبنت حقوقهاوأنزلها المنزلة اللائقة بها ووعد من يرعاها ويحسن إليها بالأجر الجزيل وجعل حسنتربيتها ورعايتها والنفقة عليها سبب من الأسباب الموصلة إلى رضوان الله وجنته، جاءفي الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من عال جارتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه"أخرجهمسلم.
يلاحظ في هذا الحديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ضم أصابعه، ولميفرق بينهما كناية عن شدة قرب من عال جارتين من الرسول –صلى الله عليه وسلم- فيالجنة. وفي الحديث الآخر عن عائشة –رضي الله عنها– قالت: "دخلت علىّ امرأة ومعهاابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فقسمتها بينابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي –صلى الله عليه وسلم- علينا،فأخبرته فقال: "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن لهستراً من النار"أي حجاباً ووقاية من النار ، متفق عليه .
أيُّفضل أعظم من هذا الفضل ! وأيُّ أجر أعظم من هذا الأجر !.
وعلىالرغم من هذا الأجر العظيم الوارد في فضل تربية البنات والإحسان إليهن إلاَّ أنهناك من الناس من لا يُسر لمولد البنت –والعياذ بالله- فيظهر الهمَّ والحزن! وماهذا إلا جهل واعتراض على قدر الله، والبعض يفرط ويقصر في تربية وتوجيه بناته ولايرعاهن الرعاية المطلوبة منه.
ولو أن الإنسان تفقه في دينالله ووقف عند حدوده واقتفى أثر الرسول –صلى الله عليه وسلم- في كل أمر من أمورحياته لعاش مطمئناً مرتاح البال قرير العين، ولعرف كيف يعبد ربه، وكيف يتعامل معإخوانه، وأهله، وزوجته، وكيف يربي أولاده فالحمد لله أنه ما من خير إلاَّ ودلناديننا الإسلامي الحنيف عليه وما من شر إلاَّ وحذرنامنه.
تربية النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته في مرحلة الطفولة:من هديه –صلى الله عليه وسلم- في تربية بناته في مرحلة الطفولة أنه كان يُسَّر ويفرح لمولدبناته رضي الله عنهن فقد سُرَّ واستبشر –صلى الله عليه وسلم – لمولد ابنته فاطمةرضي الله عنها وتوسم فيها البركة واليمن، فسماها فاطمة، ولقبها بـِ (الزهراء) وكانتتكنى أم أبيها .
وفي هذا درس عظيم من دروس السيرة النبوية بأن من رزقالبنات وإن كثر عددهن عليه أن يظهر الفرح والسرور ويشكر الله سبحانه وتعالى على ماوهبه من الذرية، وأن يعزم على حسن تربيتها، وتأديبها، و على تزويجها بالكفء "التقي" صاحب الدين حتى يظفر بالأجر الجزيل من الله.ففاطمة –رضي الله عنها– كانت البنتالرابعة للنبي–صلى الله عليه وسلم-، و هي أصغر ذريتة –صلى الله عليه وسلم– .
وفي مرحلة الطفولة يلزم الأبوين الاهتمام بالطفل وتوفير كافةالاحتياجات الخاصة بهذه المرحلة، الحاجات الجسمية والنفسية؛ وبالذات الأم فعليهاتقع المسؤولية الكبرى في رعاية أولادها في مرحلة الطفولة فهم أكثر ما يكونونالتصاقاً بها وقد حرصت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها– على تربيةورعاية أولادها منذ ولادتهم (وكانت إذا ولدت ولداً دفعته إلى من يرضعه في الباديةحتى ينشئوا على الفصاحة والشجاعة كما كانت عادة قريش.لا كما يفعله بعض الأمهات فيزماننا من دفع أولادهم إلى الخادمات والمربيات الأمر الذي قد يحصل معه خلل في عقيدةالطفل وسلوكه.
وفي هذه المرحلة –مرحلة الطفولة- يجب على الأبوين أنيلقنا البنت مبادئ الإسلام، والعقيدة الصحيحة، وتلاوة القرآن الكريم، والصلاة،والتعوّد على لبس الحجاب حتى تنشأ البنت على ذلك منذ نعومةأظفارها.
رعاية النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته في مرحلة الصبا:وإذا كبرتالبنت قليلاً وجب على والديها أن يعلماها حقوق الله سبحانه وتعالى، وحقوق الوالدين،وحقوق الآخرين وحسن الخلق وحسن التصرف في شتى الأمور، وعلى المحافظة على لبس الحجابوالتستر والبعد عن أعين الرجال حتى تنشأ البنت على التربية الإسلامية الصحيحة تعرفما يجب لها وما يجب عليها.
مع الأخذ في عين الاعتبار إعدادها لما هو منتظر منها مندور هام في الحياة بأن تكون زوجةً صالحة، وأماً حانية تربي أولادها وتعدهم لأنيكونوا صالحين مصلحين؛ "لأن للمرأة المسلمة أثراً كبيراً في حياة كل مسلم، فهيالمدرسة الأولى في بناء المجتمع الصالح، وخاصة إذا كانت هذه المرأة تسير على هدى منكتاب الله في كل شيء ].
وإذا قربت البنت من سن البلوغ (التكليف) يجب أن تدرب علىأن تكون زوجة، وأماً وهذه هي سنة الله في خلقه وعلى الأم تقع مسؤولية ذلك، فقدبادرت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها– بتمرين ابنتها الكبرى زينب –رضيالله عنها– عندما كبرت على المشاركة في أعمال البيت والتدريب على الأمومة فكانت (زينب) لشقيقتها الصغرى فاطمة أماً صغيرة ترعى شؤونها وتمضى فراغها في ملاعبتها .
ولقد صدق القائل: "إن الفتاة المتعلمة المهذبة فخر لأهلها وعون لبعلها،وكمال لبنيها، أهلها بها يفتخرون، وأولادها بها يسعدون، ومن ذا الذي لا يسرّ فؤادهبابنته الأديبة التي تدبر الأمور المعاشية بالمعرفة، وتدير الحركة المنزليةبالحكمة، ويجد في مجالستها أنيساً عاقلاً وسميراًكاملاً".
تزويج النبي –صلى الله عليه وسلم– لبناته:
الزواج سنة من سنن الله في خلقه، وأمر مرغوب فيه حثَّ إليه دينناالحنيف ودعى إليه قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْخَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَبَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍيَتَفَكَّرُونَ}[34] وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَلَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَوَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَوَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}.
وامتثالاً لأمر الله عز وجلوأمر رسوله –صلى الله عليه وسلم- يجب على الأب أن يزوج بناته و لا يعضلهن ويمنعهنمن الزواج لأي سبب من الأسباب فواجب الأب أن يزوج ابنته وأن يختار لها الكفء منالرجال والكفء معروف هو صاحب الدين والخلق قال النبي –صلى الله عليه وسلم– "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة فيالأرض وفساد عريض"أخرجه الترمذي
وقد زوج النبي –صلى الله عليهوسلم- جميع بناته من خيرة الرجال: فزوج زينب –رضي الله عنها- من أبي العاص بنالربيع القرشي -رضي الله عنه- وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد وأبو العاص كان منرجال مكة المعدودين مالاً، وأمانة، وتجارة .
وقد أثنى النبي –صلى الله عليه وسلم- على أبي العاص بن الربيع في مصاهرتهخيراً وقال: "حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي" وكان قد وعد النبي أن يرجع إلى مكة،بعد وقعة بدر، فيبعث إليه بزينب ابنته، فوفى بوعده، وفارقها مع شدة حبه لها .
ومما يدل على شهامته وصدقه قصة إسلامه -رضي الله عنه- فقد كان في تجارةلقريش إلى الشام وفي طريق عودته إلى مكة المكرمة لقيته سرية فأخذوا ما معه، وجاءتحت الليل إلى زوجته زينب – وقد كانت في المدينة وفرق بينهما الإسلام فهو لم يدخلفي الإسلام بعد – فاستجار بها فأجارته وخرجت والنبي -صلى الله عليه وسلم- صلىبالناس الفجر فقالت: "أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع" فلما سلم الرسول –صلى الله عليه وسلم- أقبل على الناس فقال: "أيها الناس هل سمعتم الذي سمعت ؟" قالوا :"نعم" قال: "أما والذي نفسي بيده ما علمت بشيىء حتى سمعت ما سمعتم وأنه يجيرعلى المسلمين أدناهم" ثم انصرف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فدخل على ابنته زينبفقال: "أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له" قال: وبعث –صلى اللهعليه وسلم- فحثهم على رد ما كان معه فردوه بأسره لا يفقد منه شيئاً فأخذه أبو العاصفرجع به إلى مكة فأعطى كل إنسان ما كان له ثم قال: "يا معشر قريش هل بقي لأحد منكمعندي مال لم يأخذه؟" قالوا: "لا فقد وجدناك وفياً". قال: "فإني أشهد أن لا إله إلاالله وأن محمداً عبده ورسوله، والله ما منعني عن الإسلام عنده إلاَّ تخوف أن يظنواأني إنما أردت أن آكل أموالكم فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت .
وقد زوجه النبي –صلى الله عليه وسلم- من ابنته زينب عندما طلبت منهأمها خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها- أن يزوجها له فوافق النبي –صلى الله عليهوسلم- على طلبها ، لما يعرف من رجاحة عقلها وثقتها بابن أختها فكانت تعده بمنزلةولدها.
وهنا درس نبوي كريم في تزويج البنات هو أنه لا مانع من أخذ رأي والدةالبنت والتشاور معها ففي ذلك إكراماً لها واعترافاً بحقها.
وزوَّج النبي –صلى الله عليه وسلم- رقية من عثمان بن عفان -رضي الله عنه– الخليفة الراشد الزاهد الجواد السخي الحيي، وكان من أبرز أخلاقه وأشدها تمكناً مننفسه خلق الحياء، الذي تأصل في كيانه؛ لذا فقد أشاد الرسول –صلى الله عليه وسلم– بهذا الحياء الواسع العميم فقال: "إن عثمان رجلٌ حييّ" ،وقال – صلى الله عليه وسلم : "ألاَّ أستحي من رجل تستحي منهالملائكة "أخرجه مسلم.
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يحبه كثيراًفلما توفيت رقية –رضي الله عنها– زوجه النبي –صلى الله عليه وسلم- بأختها أم كلثومولما ماتت أم كلثوم قال النبي –صلى الله عليه وسلم– "لو كان عنديثالثة لزوجتها عثمان"
وزوَّج فاطمة –رضي الله عنها– من علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ابن عمه –صلى الله عليه وسلم- وكان أول من آمنبرسول الله –صلى الله عليه وسلم- من الصبيان ، وكان قد تربى في حجر الرسول –صلىالله عليه وسلم- قبل الإسلام ولم يزل علي مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-حتىبعثه الله نبياً
يقول ابن كثير رحمه الله: "كان أبو طالب ذا عيالكثيرة، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لعمه العباس، وكان من أيسر بني هاشم: "يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلقحتى نخفف عنه من عياله"، فأخذ رسول الله– صلى الله عليه وسلم – علياً فضمه إليه،فلم يزل مع رسول الله حتى بعثه الله نبياً فاتبعه علي وآمن به وصدقه"
و البنت أمانة في بيت والديها ولابد أن تنتقل إلى بيت زوجها يوماً ما، وقدأوجب لها ديننا الإسلامي الحنيف حق الاستئذان في الزواج فلا يحل لوليها أن يعقد لهاعلى رجل تكرهه قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولاتنكحالبكر حتى تستأذن".قالوا: "يا رسول الله، وكيف إذنها؟" قال: "أن تسكت" أخرجهالبخاري
فكلمة تستأمر في حق الثيب تفيد طلب الأمر فلا يعقد عليها إلاَّ بعد طلبأمرها وإذنها بذلك، وكلمة تستأذن في حق البكر تعنى طلب إذنها وموافقتها على النكاح، وإذا عقد الأب لابنته وهي كارهة فالعقد مردود "عن خنساء بنت خدام الأنصارية:أنأباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحها ،أخرجه البخاري في صحيحه .
و كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يستشير بناتهقبل تزويجهن فعندما خطب علي -رضي الله عنه- فاطمة –رضي الله عنها– قال لها الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "إن علياً يذكرك" فسكتت فزوجها " أخرجه ابن سعد في الطبقات .
وهنا يجب على الآباء أن يتأكدوا من موافقة البنت قبل إجراء العقدلها.
ويخطئ بعض الآباء من ترديد كلمة نحن أعلم بمصلحتها – لا شك– أن الأبيفوق ابنته في الخبرة، وطول التجربة في الحياة، ومعرفة الرجال ولكن على الرغم منذلك يجب عليه أن لا يحيد عن تعاليم الإسلام، ولا يجبر ابنته على رجل تكرهه بل عليهأن يستأذنها ويعرف رأيها قبل إجراء عقد النكاح، وفي ذلك خير كبير حيث تشعر البنتبكيانها وأهميتها وتبدى رأيها في الرجل الذي ستنتقل إلى بيته وهو أدعى لدوامالسعادة والوفاق لاقتناع كل من الطرفين بصاحبه فالزوج أباح له الإسلام النظر إلى منينوى نكاحها، وهي كذلك تراه وتستشار في الموافقة على إجراء العقد وهذه من عظمةديننا الإسلامي الحنيف.
صداق بنات النبي صلى الله عليهوسلم
والصداق في الزواج حق من حقوق الزوجة يدفعه لهاالزوج قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّنِحْلَةً}وسنة النبي –صلى الله عليه وسلم– وهديه عدم التغالي في الصداق، بلإن خير الصداق أيسره قال الإمام ابن القيم –يرحمه الله-: "إن المغالاة في المهرمكروهة في النكاح، وأنها من قلة بركته وعسره " فقد زوَّج النبي –صلى الله عليهوسلم- بناته على اليسير من الصداق فبعد أن تمت الموافقة على زواج علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- من فاطمة حُب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصغر بناته جاء إلىالنبي –صلى الله عليه وسلم- فسأله النبي "ما تصدقها؟" فقال علي: "ما عندي ماأصدقها" فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم- "فأين درعك الحطمية التي كنت قد منحتك؟" قال علي: "عندي". قال النبي–صلى الله عليه وسلم- "أصدقها إياها" فأصدقها و تزوجهاوكان ثمنها أربعمائة درهماً ، أخرجه ابن سعد فيالطبقات
هذا هو صداق بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وحبه وأصغر بناته سيدةنساء أهل الجنة.
وما يفعله بعض الناس في زماننا من التغالي في المهور هوأبعد ما يكون عن هدي رسول الله –صلى الله عليه- و هو أمر خطير له أضراره على الفردوعلى المجتمع والدين الإسلامي دين اليسر والسهولة
وفي أمر الزواج لا يقتصر اليسرعلى الصداق بل يمتد إلى الوليمة التي يُشهر بها الزواج وهي أمر دعى إليه الإسلاموحثَّ عليه فكان النبي –صلى الله عليه وسلم- يولم في زواجه باليسير من النفقة، فعنصفية بنت شيبة قالت: "أولم النبي –صلى الله عليه وسلم- على بعض نسائه بمدين منشعير"
وكذلك في زواج أصحابه رضي الله عنهم فعن أنس -رضيالله عنه -: "أن النبي –صلى الله عليه وسلم- رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة،قال: "ما هذا؟" قال: "إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب"، قال: "بارك الله لك، أولم ولو بشاة"رواهالبخاري.
وفي زواج بناته رضي الله عنهن كذلك مظهر من مظاهراليسر في الوليمة ففي ليلة زواج فاطمة رضي الله عنها قال الرسول –صلى الله عليهوسلم-: "يا علي لا بد للعروس من وليمة". فقال سعد بن معاذ -رضي الله عنه-: "عنديكبش". وجمع رهط من الأنصار أصواعاً من ذرة وأولم الرسول –صلى الله عليه وسلم – أخرجه ابن سعد في الطبقات.
رعاية النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته بعدالزواج:يختلف الناس في النظر إلى علاقة البنت بوالديها بعد الزواج: فمنهم من يرىأنه يجب على الأبوين أن يتركوا البنت وشأنها بعد الزواج لدرجة أن علاقتهم بها شبهمقطوعة فلا تزاور من طرف الأهل، بزعمهم أن هذا أدعى لسعادتها الزوجية واستمرارالعلاقة بينها وبين زوجها وأهله.
وفي المقابل نجد أن هناك منالأسر من يتدخل في حياة ابنتهم بشكل مباشر فيتطلعون إلى معرفة كل صغيرة وكبيرة فيحياة ابنتهم، ولهذا التدخل سلبياته التي تؤدي إلى إفساد الحياة الزوجية، لدرجة قدتصل إلى الطلاق! فما هو الهدي النبوي في هذا الجانب من حياة البنات؟.
كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يزور بناته بعد الزواج ويدخل عليهنالفرح والسرور، فقد زار النبي –صلى الله عليه وسلم- فاطمة –رضي الله عنها– بعدزواجها ودعا لها ولزوجها بأن يعيذهما الله وذريتهما من الشيطان الرجيم .
ولم يكن يشغله –صلى الله عليه وسلم- عن بناته –رضي الله عنهن– شاغل بلكان يفكر فيهن وهو في أصعب الظروف وأحلكها فعندما أراد النبي –صلى الله عليه وسلم– الخروج لبدر لملاقاة قريش وصناديدها كانت رقية –رضي الله عنها– مريضة فأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- زوجها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن يبقى في المدينة؛ليمرضها وضرب له بسهمه في مغانم بدر وأجره عند الله يوم القيامة .
ويجب على الأب أن يحافظ على بيت ابنته وسعادتها مع زوجهاوأن يتدخل إذا لزم الأمر ويحرص على الإصلاح بينها وبين زوجها بشكل يضمن إعادةالصفاء إلى جو الأسرة.
فقد حدث أنه كان بين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه– وزوجته فاطمة الزهراء –رضي الله عنها– كلام فدخل عليهما النبي –صلى الله عليه وسلم– حتى أصلح ما بينهما .
وأحياناً يقع الطلاق على الزوجة ظلماً وعدواناً،عندها تحزن البنت كثيراً ويحزن أهلها لحزنها، والعزاء في ذلك أن ابنتي الرسول –صلىالله عليه وسلم-: رقية وأم كلثوم طلقتا من عتبة وعتيبة ابنا أبي لهب ظلماً بدون سببإلاَّ أنهما صدقتا ما قاله النبي –صلى الله عليه وسلم-: من أنه أوحي إليه وأنه نبيهذه الأمة، الكلام الذي أغضب قريش فقد تزوج عتبة بن أبي لهب من رقية بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فلما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} قال أبو لهب: "رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق بنت محمد ففارقها قبل الدخول" .
ولم يكتف أبو لهب بذلك بل أمر ابنه عتيبة أن يطلق أم كلثوم بنت النبي –صلى الله عليه وسلم- ظناً منه أنه بذلك يستطيع أن يشغل النبي –صلى الله عليه وسلم– عن دعوته .
هنا درس للبنات وللآباء بأن يصبروا ويحتسبوا الأجرمن الله جلَّ وعلا، وأن ما وقع من الطلاق ظلماً ما هو إلاَّ ابتلاء سوف يعوضهم اللهخيراً فقد عوض الله ابنتي الرسول –صلى الله عليه وسلم- خيراً من عتبة وعتيبة،عوضهما زوجاً صالحاً كريماً هو عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أحد العشرة المبشرينبالجنة وثالث الخلفاء الراشدين، فقد تزوج عثمان -رضي الله عنه- برقية وبعد وفاتهاتزوج بأختها أم كلثوم قال الله تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُواشَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً}
وقد يحدث أن يفقد الأب بعض بناته بموتهن فالموتنهاية كل حي وهو المصير المحتوم الذي لا مفر منه قال اللهتعالى:
{وَهُوَالْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَأَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لايُفَرِّطُونَ}
وليعلم من ابتلى بفقد إحدى بناته أن الرسول –صلىالله عليه وسلم- فقد جميع ذريته من الذكور والإناث ولم يبق بعد وفاته إلاَّ فاطمةالزهراء –رضي الله عنها- وهديه –صلى الله عليه وسلم- في وفاة بناته رضي الله عنهن،أنه كان يحزن لوفاتهن وتذرف عيناه الدمع على فراقهن، يقول أنس بن مالك -رضي اللهعنه- في نبأ وفاة أم كلثوم –رضي الله عنها–"شهدنا بنتاً لرسول الله –صلى الله عليهوسلم- قال: ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- جالسٌ على القبر، قال فرأيت عينيهتدمعان، وقال: "هل منكم رجل لم يقارف الليل؟" قال أبو طلحة: "أنا" قال: "فانزِل" قال: "فنزل في قبرها " رواه البخاري.
والدموع هذه ليست دموع جزع وسخطمن قضاء الله وقدره -والعياذ بالله- إنما هي دموع رحمة وشفقة تذرف من عيون الرحماءروى أسامة بن زيد –رضي الله عنه- قال: "أرسلت ابنة النبي –صلى الله عليه وسلم– إليه: أن ابناً لي قبض، فأتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: "إن لله ما أخذ، وله ماأعطى، وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب" فأرسلت إليه تقسم ليأتينها فقام ومعهسعد بن عبادة، ومعاذ ابن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال فرُفع إلىرسول
الله –صلى الله عليه وسلم- الصبي ونفسه تتقعقع – قال: حسبتهقال:كأنها شن- ففاضت عيناه، فقال سعد: "يا رسول الله ما هذا؟" فقال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عبادهالرحماء"رواهالبخاري
ومن هديه –صلى الله عليه وسلم- في وفاة بناته –رضيالله عنهن– أنه كان يشرف على غسلهن وتكفينهن، ويصلى عليهن ويدفنهن، ويقف على قبورهنويدعو الله لهن. فعن أم عطية –رضي الله عنها- قالت: "دخل علينا رسول الله –صلى اللهعليه وسلم- ونحن نغسل ابنته فقال: "اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك بماءوسدر واجعلن في الآخرة كافوراً. فإذا فرغتن فآذنني". فلما فرغنا آذناه فألقى إليناحقوة فقال: "أشعرنها إياه".
وفي كيفية الغسل قالت أم عطية –رضي اللهعنها- قالت: "لما غسلنا بنت النبي –صلى الله عليه وسلم-، قال لنا ونحننغسلها: "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها"أخرجه البخاري .
وكان –صلى الله عليه وسلم- يقف على قبر من توفي من بناته ويدعولها فقد كانت رقية –رضي الله عنها– مريضة أثناء غزوة بدر فأمر النبي –صلى الله عليهوسلم- زوجها عثمان بن عفان –رضي الله عنه- بالبقاء إلى جانبها لتمريضها. ولما عاد –صلى الله عليه وسلم- من الغزوة وقد ماتت ابنته رقية، خرج إلى بقيع الغرقد ووقف علىقبرها يدعو لها بالغفران
فنسأل الله تعالى أن يصلح بناتنا و يرزقهن العفاف والستر والاقتداءبأمهات المؤمنين وبنات الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم .
وربنا يجعله فى ميزان حسناتك