﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة 222]، ويقولُ أيضاً: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور 31].
وقد يسأل سائلٌ ويقول: ماذا أفعَلُ إذا أذنبت؟
يقولُ رسولُ الله صَلّى الله عليه وسلم: (ما مِن عَبدٍ يُذنِبُ ذنباً فيتوضأ، فيُحْسِنُ الطهور، ثم يقوم فيُصَلِي ركعتين ثم يَستغفِرُ اللهَ بذلك الذنب إلا غَفَرَ اللهُ له) (انظر صحيح الجامع: 5738).*
• فلذلك ينبغي على العبد إذا أذنَبَ ذنباً أنْ يتوضأ، ويُصلي ركعتينِ توبةً إلى اللهِ تعالى، ثم يستغفرُ اللهَ وَهُوَ شديدُ الندَم والخوف على ما فرّطَ في حَقِ الله، وكذلك يكونُ شديدَ الرجاءِ في مغفرةِ الله له، كما قال تعالى: ﴿ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ﴾ [الإسراء 57].
• فالمؤمن يَطِيرُ إلى الله بجناحَيْنِ وهما: (الخوف والرجاء)، فهُوَ يُؤمِنُ بِقوْلِ اللهِ تعالى: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحجر 49]، كما يُؤمِنُ بقولِهِ تعالى: ﴿ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ ﴾ [الحجر 50].
• فعندما يستغفرُ العبدُ ربَه لابد أنْ يستشعرَ قولَ الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً ﴾ [النساء 110]، ويستشعر قولَهُ تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ﴾ [نوح 10].
أخي الحبيب… أتَخشَى ألا يغفرَ اللهُ لك؟!! أقبِلْ على ربك فإنه سبحانه الغنيُ عن عذابك، قال تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾ [النساء 147] يعني ﴿ ماذا يستفيدُ اللهُ بتعذيبكم إن شكرتم وآمنتم ﴾، وهو القائل سبحانه: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف 156]، وأنت شيء.. فلا تقنَط، وأقبِلْ ولا تَخَفْ.
احذر من قلبك حالَ ارتكابك للمَعصِيَة…
• تَخيّلْ لو أن شَخصَاً دَخَلَ حُجْرَتَهُ، وأغْلَقَ البابَ على نَفسِهِ لِيَرَى شيئاً مُحَرَمَاً على جهاز الكمبيوتر، فوَجَدَ أن الكهرباء مُنقطِعَة، فحَزِنَ على فَوَاتِ المَعصِيَة (هذا الحُزن يكونُ أعظمُ من المَعصِيَةِ نفسها)، ثم فوجِئَ بعدَ قليل بأن التيار الكهربائي قد جاءَ مرةً أخرَى ففرحَ لأنه سَيَفعَلُ المَعصِيَة (هذا الفرَح يكونُ أعظمُ من المعصيةِ نفسها)، ثم فوجئ أثناء فِعلِ المَعصِيَة بوالده يفتحُ الباب عليه فاهتز وخاف أنْ يراه والدُه في هذه الحالة (هذا الخوف يكون أعظمُ من المَعصِيَةِ نفسها).
• فإذا كنتَ قد وَقعْتَ في شيءٍ من ذلك فاندَم واستغفرِ اللهَ على ما حَدَثَ في قلبِِكَ ساعتَها.
اعلَم أن الصَغِيرَة تَعْظُمُ بعدةِ أسباب، منها:
1- الإصرار والمُوَاظبَة:
والإصرار هو البَقاء على المُخَالََفة والعَزْم على المُعَاوَدَة (كأنْ يَنوِي شخصاً ما أنْ يفعلَ مَعصِيَةً مُعَيَنَة في الأسبوعِ القادِم).
يقولُ اللهُ تعالى في وَصْفِ عبادِهِ المتقين: ﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران 135]، ثم قال بعدها: ﴿ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [آل عمران 136]، فوَضَّحَ سُبحَانَهُ وتعالى أن عدم إصرارِهِم كانَ من أحَد أسباب مغفرتِهِ لهم.
ولذلك فإني أنصَحُ أخي المُدَخِن بسرعةِ التوبة والإقلاعِ عن التدخين فوراً، وذلك لأنه بِحَمْلِهِ لِعِلبَةِ السجائر في جَيْبِهِ يَكُونُ مُصِرّاً على مَعصِيَةِ رَبِه تباركَ وتعالى، فتَعْظُمُ مَعصِيَتُهُ بذلك، فيُفاجَأ في الآخرةِ بجبالٍ من السيئات تنتظِرُهُ وهُوَ لا يَدرِى شَيئَاً عنها، وذلك لأنه عندَ حَمْلِهِ لِعِلبَةِ السجائر كانَ حَالُهُ يقول: (يا رَب.. إنني عَصَيتُكَ الآن، وسأعصِيك بعد رُبْع سَاعَة، وهكذا حتى تنتهي العلبَة، ثم أشتري علبَِة أخرى أَعصِيكَ بِِها).
نعم هُوَ لا يقولَُ ذلك بلِسَانِهِ، ولكن قلبُهُ وحالُهُ يقولانِ ذلك، فليَحْذرْ، وليُسْرِِعْ بالرُجُوعِ إلى رَبِهِ الكريمِ الغفار، وليِستَعِنْ باللهِ، وَلْيَدْعُ بِصِدْقٍ ويقول: (يا رب.. كَرّهْنِي فِيها)، فإن قلبَهُ في يَدِ رَبِه.
2-استصغار المَعصِيَة:
كأنْ يقول أحدُ الاشخاص إذا نصحتَهُ بالتوبة من معصيةٍ مُعَيّنَة: (إنني أفضلُ مِن غيرِي بكثير، إن هناك مَنْ يفعل كذا وكذا)، وهو لا يعلمُ أنه بذلك القوْل تَعْظُمُ مَعصِيَتُهُ، وذلك لأنه قد استصغرَ المَعصِيَة، واللهُ تعالى يقول: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور 15].
فإذا رَأى العَبْدُ معصيتَهُ صغيرة فإنها تكونُ عندَ اللهِ عظيمة، وتأمّلْ معي قوْلَ أحَدِ الصالحين:
(لا تنظُرْ إلى صِغَرِ المَعصِيَة، ولكنِ انظر إلى عَظَمَةِ مَن عَصَيْت)، يَعنى: (ليس مُهماً أنْ تكون المَعْصِيَة صغَيرَة أو لا، المُهِم… أتعلمُ في حقّ مَن جَنَيْت؟؟؟).
إياكَ وَالتَرَدُد…
تَخَيّلْ أنك في يومٍ ما وجدتَ شيئاً يتحرك في كِيس قِمامة، فنظرتَ لتعرف ما هذا الشيء، فوجدتَهُ طِفلاً رَضيعاً قد ألقاهُ أحد الأشخاص حتى يتخلصَ منه، فأخذتَ هذا الطِفل وقمتَ بِتَنظِيفِه، وَرَبَيتَهُ مع أبنائِك، وَأنفقتَ عليه حتى أتَمّ تَعليمَهُ، ثم عَينْتَهُ في شَرِكَتِكَ الخاصة، ثم اشتريتَ له مَنزِلاً وسيارة وأعطيتَهُ تكاليف زَوَاجِه.
وفى أحد الأيام كان يَمُرّ مِن أمامِكَ بسيارته (التي اشتريتَها له) فأشرتَ له بالوُقوف فوجدتَهُ قد تَرَدَد:
هل يقف أم لا؟
• كَوْنُهُ تَرَدّد – حتى وإن وَقف بعد ذلك- فهذه جَريمة (ألا يعلمُ مِن أينَ أتيتَ به؟! مِن كيس القِمامة)!!
وهذا هو حالُكَ مع الله – وللهِ المَثلُ الأعلَى – عندما تتردد في تَرك مَعصِيَة مُعَينَة:
• (أتركها الآن وأتوب؟، أم أنتظر قليلا؟)، أو تتردد في الذهاب للصلاة في المسجد (أذهَبُ أم لا؟)
• لابد أنْ تتذكر أولاً: (ماذا كنتَ مِن قبل؟!)، والله تعالى هو الذي خلقك وسَوّاك وعَدَلَك.
• فلابد أنْ تُسرع دونَ تردد إلى تلبية أمرِ اللهِ تباركَ وتعالى، وأنْ تُسرِع بالتوبةِ وتركِ المعصية.
• فَكَم جريمة ترَدََُد مُثبَتَة عليك في صحيفتك… قل الآن مِن قلبك: (أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه).
ماذا أفعل إذا راوَدَتنِي نفسى على فِعل مَعصِيَة؟
لابد أنْ تُذَكِرْها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (وإيّاك والمَعصِيَة فإن بالمَعصِيَةِ حَلََّ – (أي نزل) – سَخَطُ الله) (انظر صحيح الترغيب والترهيب) فتقول لها: (أنا لا أستطيع أنْ أتحمل غضبَ الله تعالى).
وكذلك لابد أنْ تتذكر أنك قد تموتُ الآن وأنت تَعصى اللهَ فَتُبعَثُ على هذه المَعصِيَة، ولا تستبعد ذلك أبداً، فهناك مَن دَخَلَتْ عليه والدتُه وهو في حُجرَتِهِ، فوَجَدَتْهُ قد ماتَ فجأة (أي بالسَكتة القلبية)، وهو يشاهدُ شيئاً مُحَرمَاً على جهاز الكُمبيوتر (فنعوذ بالله من سُوء الخاتمة).
فلذلك تَجد أن أسْهَل طريق للنجاة مِن المَعصِيَة – بعد الاعتصامُ بالله- هو أنْ تَربُطهَا بِمَوْتِ الفَجْأة، بمعنى أنك إذا راودَتْكَ نفسُكَ على فِعلِ مَعصِيَة فلابد أنْ تقول لها: (يا نفسُ.. أرأيتِ إنْ مِتنا الآن.. بمَ نَلْقَ الله؟!).
انتبه… تُب الآن ولا تقل: (سوف أتوب).
يقولُ اللهُ تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات 11].
فقسَّمَ اللهُ بذلك العِباد إلى قِسْمَيْن:
(تائبٌ وظالم)، فإذا لم تكن تائباً من الذنوب والمعاصي فأنت ظالم، فاحذر أنْ يأتيَكَ مَلَكُ المَوْتِ الآن وأنت في هذه الغفلة فتموتَ ظالماً عياذاً بالله (نسأل الله العافية وحُسنَ الخاتمة لنا ولجميع المسلمين)، فلذلك يجب أنْ تحذر مِن أنْ تقول: (سوف أتوبُ غداً، أو في رمضان القادم) فأنت لا تدري متى يأتيك المَوت.
ولذلك لابد أنْ تُسَارَع الآن بالتوبة مِن أي مَعصِيَة تُغضِبُ الله تبارك وتعالى، وأنْ تكثر من الندم والاستغفار على ما فات من الذنوب، حتى تكونَ مُستعداً في أي لحظة للقاء ربك وحبيبك وأنت نظيف (اللهم أيقِظنا من غفلتنا وَتُبْ علينا توبة نَصُوحَاً تَرضَى بها عنا لا نعودُ بعدَها إلى أي مَعصِيَةٍ أبداً).
يتبع
السبب أننا لم نتعلم كيف نتوب.
ولذلك…هيا بنا الآن لنتعرف على مَعنَى التوبةِ النَصُوح:
• يقولُ اللهُ تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا تُوبُوا إلى اللهِ توبةً نَصوحاً ﴾ [التحريم 8].
• قال ابنُ كَثِير رَحِمَهُ اللهُ: التوبة النَصوح هي توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من الذنوب.
• وعَلامَة صِدقِهَا: أنْ تَكْرَهَ الذنبَ كما أحبَبتَه وأنْ تستغفرَ منه إذا ذكرتَه.
وقد اشترط العلماء شروطاً للتوبة النصوح مأخوذة من الآيات والأحاديث وهى:
أولاً: الإقلاع عن المَعصِيَة:
وذلك بأنْ تهجُرَ المَعصِيَة بجميع الأسباب التي أوقعتك فيها، فمثلاً لابد أنْ تهجر المكان الذي عصيتَ اللهَ فيه إن استطعتَ ذلك، وإن لم تستطع (كأنْ يكون هذا المكان في البيت مثلاً) فلابد أنْ تستغفر اللهَ فيه وأنت نادم على ما فعلته، لأن هذا المكان سوف يَشهَدُ عليك يوم القيامة فاجعله يشهد لك أيضاً فتكون المُحَصِلَة: (صِفر) (أي: لا لك ولا عليك)، وكذلك إن استطعتَ أنْ تستغفر اللهَ في كل مكانٍ عصيتَهُ فيه فافعل… بشرط ألا يكون هذا المكان سبباً لوقوعِك في المَعصِيَة مرة أخرى.
ولابد أيضاً أنْ تهجر أصدقاء السُوء (الشِلّة) التي أعانتك على فِعل المَعصِيَة، وهذه نقطة هامة جداً، فإنك لن تستطيع الثبات على التوبةِ النَصوح دون تغيير هذه الصُحبَة الفاسدة، واستبدالها بصُحبَةٍ صالحة تأخذ بيدِك وتعينُك على فِعل الطاعات واجتناب المعاصى، ولتعلمْ جيداً أن هذه (الشِلّة) – إن لم تَتُبْ – فهي كفة ودينُكَ في كفة، فلابد أنْ تُرَجِحَ كفة الدين مهما كَلفكَ الأمر، فقد قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ (التوبة 24).
واعلم أن من الإقلاع أيضاً أنْ تقوم بإزالة أي مَعصِيَة مَوجُودَة عِندَكَ (يكونُ في استطاعتِكَ أنْ تُزيلَها) مثل أنْ تقوم بمَسْح جميع الأفلام والأغاني الموجودة على الكمبيوتر الخاص بك.
فإنك إن لم تفعل ذلك وزعمتَ أنك تائب فإنك تكونًُ وَاهِمَاً، لأن توبتك هنا تكونُ غيرَ صَحِيحَة، حيث إنها فقدَتْ شرطَ الإقلاع، بل ولابد أنْ تعلم أيضاً أنك إنْ لم تَقمْ بمَسْح هذه الأشياء فإنك تكون ما زلتَ مُصِرّاً على معصية ربك، لأنك ستعودُ إليها حَتماً في يوم من الأيام فاحذر من ذلك، واعلم أن الله لا يُغيِرُ ما بقومٍ حتى يُغيِرُوا ما بأنفسِهم، وأن مَن ترَكَ شيئاً لله عَوّضَهُ اللهُ خيراً منه.
ثانياً: الندم على ما فات:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الندَمُ توبة) (انظر صحيح الجامع: 6802)، وذلك لأنه أعظمُ أسبابها، فلذلك تَجِد أنه إذا صَحّ ندمُك.. صَحّتْ توبتك، حيث إنه كلما ازداد ندمك وخوفك من ضرر ذنوب الماضي.. كلما ازداد اهتمامك بإزالتها من صحيفتك.. خوفاً من عقاب الله تعالى، فتنشغل بذلك عن أي معصيةٍ أخرى.
• وعلامة صِدْقِ ندمِك أنْ تكرهَ نفسَكَ الأمّارة بالسُوء، لأنها هي التي أوقعتك في الذنوب، فتقول لها: (أنتِ السبب.. كَفانا ذنوب.. سأضِيعُ بسببك.. دعينا ننظف ما فات بالاستغفار والبكاء)، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – حِينمَا سُئِلَ عن النجاة: (وابْكِ على خطيئتِك) (انظر حديث رقم: 1392 في صحيح الجامع).
• فلابد أنْ تجعل الندم يُسَيطِرُ على قلبك، بحيث إن قلبك إذا غفلَ عن الطاعة، ووجدتَهُ يلتفت إلى المَعصِيَة من حينٍ لآخر ويتمنى فعلها مرة أخرى فلابد أولاً أنْ تعتصم بالله بصِدْقٍ.
فتقول:
(يا رب.. لو تركتَني سأضِيع.. لا تخذلني.. أعوذ بك من شر نفسي)، ثم تتذكر أنك ما زلتَ شديدَ الندم على ما فرطتَ في حَق الله، وعلى ما ضاعَ من عُمرِكَ في المَعصِيَة، وأنك ما زلتَ لم تنتهِ بعد من تنظيف ما فات، فكيف تطمع في معصيةٍ أخرى.
ثالثاً: العَزم على عدم العَودة إلى المَعصِيَة في المُستقبل:
بعض الناس تجده يقول عندما يتوب: (إنني أعرفُ نفسي.. سأتوبُ الآن.. ثم أرجَع مرة أخرى)، فهذا لا تَصِحّ تَوبَتُه لأنها فقدَتْ شرطَ العَزم، (فحتى تتوبَ كما ينبغي) لابد – وأنت تعزم – أنْ تكونُ متأكداً 100% أنك لن تعُودَ إلى هذا الذنب مرة أخرى أبداً، وذلك مِن كثرة ما ستأخذ بالأسباب في مجاهدة النَفس والشيطان، والاستعانة باللهِ عليهما، وإغلاق أي باب يَجُرُكَ الى المَعصِيَة، واليَقظة التامة والتركيز.
فتقول ساعتَها وأنت تتوب: (أنا لا يُمكن أنْ أعُودَ لهذا الذنب مرة أخرى في يَومٍ من الأيام)، لكن لابد أنْ تقول ذلك وأنت صادق في عزيمتك حتى يقبلك الله تعالى، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم –إنْ تَصْدُق اللهَ يَصْدُقكَ) (انظر صحيح الجامع 1415).
ولنا في قصةِ إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه عبرة في صِدق توبته حينما جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ليُسْلِمَ، فقال للنبي – صلى الله عليه وسلم -: (أردتُ أنْ أشترط)، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: (تشترط بماذا؟)، فقال: (أنْ يُغفَرَ لي)، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: (أما عَلِمْتَ أن الإسلامَ يَهدِمُ ما كان قبله، وأن الهجرة تَهدِمُ ما كان قبلها، وأن الحَجَّ يَهدِمُ ما كان قبله؟) (رواه مسلم 336).
فيكفينا مِن صِدق توبته أنْ فتح اللهُ مصرَ على يديه، فهو يأخذ مثل أجر كل مسلم يُولَدُ في مصر منذ أنْ فتحها، فلحْظة صِدْق مع الله يَعمُرُ بها كلُ خَرَاب، ويُتَدَاوَى بها كلُ تَفريط.
رابعاً: رد المظالم إلى أهلها:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن كانت لأخيه عِندَهُ مَظلمَة مِن عِرضٍ أو مال فليَتَحَللهُ اليومَ، قبل أنْ يُؤخَذَ منه يومَ لا دينار ولا دِرهَم، فإنْ كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مَظلمتِه، وإن لم يكن له عمل أَخَذَ من سيئات صَاحبه فجُعِلت عليه) (انظر صحيح الجامع:6511).
فيَخرُجُ التائب من هذه المظالم بأدَائها إلى أصحابها، أو أنْ يَطلب مُسامَحَتِهم (إذا لم يستطع رَدَّهَا) – ولكننا نجد مَن يقول: إنني أجدُ حَرَجَاً في مُصارحة مَن أخذتُ منهم مالاً بغير حق، فلا أستطيع أنْ أواجههم فماذا أفعل؟
مِن المُمكن أنْ ترسلَ حقوقهم مع شخصٍ آخر، فيقول لهم: هذه أمانة كانت لكم عند شخصٍ ما، وهو لا يريد أنْ يَذكُرَ اسمَه، أو أنْ ترسلها بالبريد، أو أنْ تضعها عندهم دون أنْ يشعروا.
ونجدُ آخَرَاً يقول: إنني قد وقعتُ في غِيبَة أشخاص، واتهمتُ آخرين بأشياءَ هُم بَريئون منها فإذا طلبتُ مُسامَحتهم وأخبرتُهم بذلك قد يَغضَبون، وقد يكون ذلك الإخبار سبباً لعداوة لا يَصفون لي بعدها أبداً فماذا أفعل؟
أولاً: لابد أنْ تثني بالخير على مَن اغتبتَهُ في المجالس التي اغتبته فيها، وأنْ تبرئه من أي اتهام اتهمته به.
ثانياً: سأعلمك دعاءً جامعاً تدعو به لكل مَن له عندك مظلمة فتقول:
(اللهم اغفر لكل مَن له عندي مَظلمَة مِن عِرضٍ أو مال)، أو تقول: (اللهم اغفر لكل خُصُومِي وغُرَمَائِي)، واعلم أنك إذا قلت: (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات) فإنه سيكون لك بكل مؤمن ومؤمنة حَسَنة كما أخبر بذلك حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم (انظر صحيح الجامع: 6026).
وَمِسْكُ الخِتام…نصِيحَة غالية:
أنصَحُكَ أخي الحبيب أنْ يكون لك رَصِيداً من الأعمال الصالحة يومياً حتى لا تترك لنفسك فراغاً تُذَكِّرُكَ فيه بمَعَاصِي المَاضي وتفاصيلها وأحداثها فتُزَينَ لك الرُجُوعَ إليها مرة أخرى، فإنَّ نفسَكَ إنْ لم تَشغلْها بالحَق شَغلتْكَ بالبَاطِل، فلذلك لابد أنْ يكونَ لك وِرْداً ثابتاً من الطاعات (مثل قراءة جُزء من القرآن يومياً أو نِصف جُزء)، وأنْ يَكُون لك عَدَدَاً ثابتاً من الركعات في قِيام الليل وورداً مِن الاستغفار وأنْ تكثر مِن: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فأنْ لك بكل كلمة منها شجرة في الجنة (انظر صحيح الجامع: 2613)، وأنْ تكثر من: (سبحان الله وَبحَمدِهِ سبحان الله العظيم)، وكذلك صيام الاثنين والخميس و(13و14و15) من كل شهر عَرَبي وهكذا.. اجعل لك جدولاً يومياً، فهذا يكونُ أقربُ إلى تثبيت الله لك على التوبة النصوح، وتكفير كل ما مَضَى، فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مَثلَ الذي يَعمَلُ السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رَجُلٍ كانت عليهِ دِرْعٍ ضَيقة – (وهي لِبَاسٌ حَديد يرتديها المُقاتل)- قد خَنَقتْهُ، ثم عمل حسنة فانفكّتْ حلقة، ثم عمل أخرى فانفكت الأخرى حتى يَخرُجَ إلى الأرض) (انظر صحيح الجامع: 2192).
منقول