إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صل على حبيبنا ونبينا محمد صلاة باهرة السناء، اللهم أرنا من أنوار الصلاة عليه جمال ذاته وصفاته، اللهم بصرنا بشمائله وعلو درجاته.
أما بعد فيا أيها الإخوة!
تحدثنا في اللقاء السابق عن وجوب التوحيد على كل عبد وأنه الفرض اللازم والحق الواجب لله على عباده، وأنه المهمة التي لأجلها خلق الله الخلق، كما قال سبحانه ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
وهذا هو لقاؤنا الثاني من هذه السلسلة الكريمة وهو بعنوان: "لا إله إلا الله طوق النجاة"، وسأنظم سلك هذا الموضوع العظيم الجليل في العناصر التالية:
أولاً: يوم عصيب.
ثانياً: التوحيد طريق الأمان.
ثالثاً: فضائل التوحيد.
رابعاً وأخيراً: فهيا إلى ظلال التوحيد.
فأعيروني القلوب والأسماع أيها الإخوة والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أولاً: يوم عصيب.
أيها الإخوة! مهما امتدت الحياة فإنها فانية، ومهما تأخرت الآخرة فإنها آتية وكل آت قريب، ومن عاش على ذكر الآخرة حاسب نفسه على ما هو اليوم فيه فإن كان محسناً ازداد إحساناً وإن كان مسيئاً استغفر الله وتاب إليه عسى الله أن يبدله عفواً وغفراناً فالمرء إذا كان متذكراً الآخرة سعى إلى عمرانها وصار من أبنائها.
قال على بن أبي طالب، -رضي الله عنه-: " إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا".
فتعالوا بنا أيها الإخوة ننظر من منظار قريب إلى ذلك اليوم العصيب، انظر أخي الحبيب ها هي الشمس تدنو من الرءوس ففي صحيح مسلم من حديث المقداد أنه –صلى الله عليه وسلم- قال: "تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم مقدار ميل[1].
قال الراوي: فوالله ما أدري ما يعني بالميل: أمسافة الأرض أو الميل الذي تكحل به العين؟! قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً- وأشار –صلى الله عليه وسلم- بيده إلى فيه".
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في قوله -تعالى-: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 6]، قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه"[2]، هل تصورت هذا المشهد؟ حرارة تذيب الحديد والحجارة فوق الرءوس، ولك أن تتصور البشرية كلها تحشر في مكان واحد على أرض واحدة، زحام يخنق الأنفاس!!
وفي هذا المشهد والموقف الرهيب يزداد الهم والكرب بإتيان جهنم، إي والله يؤتى بجهنم في أرض المحشر كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يؤتى بالنار يومئذ لها سبعون ألف زمام، ومع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها"[3]، فإذا أقبلت جهنم وأحاطت بالخلائق ورأت الخلق زفرت وزمجرت غضباً منها لغضب الجبار جل جلاله عند ذلك تجثو جميع الأمم على الركب من الخوف والذلة قال -تعالى-: ﴿ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 28].
وليس ذلك فقط بل يحدث ما تشيب له الرؤوس وتنخلع له القلوب! اسمع إلى الحديث الذي أخرجه الترمذي بسند صحيح والذي يقول فيه الحبيب النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يخرج عنق من النار له عينان تبصران وأذنان تسمعان، ولسان ينطق يقول: إني وكلت بثلاثة: لمن جعل مع الله إلها آخر [لمن جعل مع الله إلهاً آخر، أي: أشرك مع الله غيره في عبادته، أما الموحدون فهم ناجون منه، فاللهم اجعلنا موحدين].
يقول: إني وكلت بثلاثة: لمن جعل مع الله إلهاً آخر وبكل جبار عنيد وبالمصورين بل قال ابن الأثير في جامع الأصول من أحاديث الرسول: وفي رواية ذكرها رزين: أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كذب عليَّ متَعمِّداً فليْتَبوَّأ بين عيني جهنم مقْعدا، قيل: يا رسولَ الله، ولها عينان؟ قال: أما سَمِعتم قول الله -تعالى-: ﴿ إذا رأَتهُمّ من مكان بعيد سَمِعُوا لها تَغَيُّظا وزفيرا ﴾ [الفرقان: 12] يخرج عنق من النار، له عينان تبصران، ولسان ينطق، فيقول: وكِّلْتُ بَمن جعل مع الله إلها آخر، فلَهُوَ أبْصَرُ بهم من الطير بِحبِّ السمسم، فيلتقطهم، فيحبس بهم في جهنم»[4]. في هذا المشهد، في الحر الشديد والزحام الرهيب وفي هذا التدافع في هذا الموقف الذي ترتعد منه الفرائص وتشيب له الرءوس، ويهتز له الوجدان فإن الأنبياء حينما يرون هول هذا الموقف لا يملكون إلا أن يقولوا: اللهم سلِّم سلم.
هذه دعوتهم يومها، والكلام يومئذ مقتصر عليهم دون غيرهم لا يتكلم يومها إلا الرسل، يومها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، تترك رضيعها، وتضع كل ذات حمل حملها وينتاب الناس الهلع والرعب حتى تظنهم سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.
يومئذ يفر المرء من أبيه وأمه وأخيه وصاحبته وينسى الابن أبويه اللذين كان يبرهما في دنياه، وألان لهما الجانب وأطاعهما في غير معصية الله، يومها يفر الأخ من أخيه فلم تعد هناك روابط نَسَبية!!
ويومها تفر الزوجة من زوجها الذي أعطى لها في الدنيا كل عطف وحنان ورعاية وصحبة جميلة حسنة فلم تعد هناك أيضاً روابط زوجية.
يومها ترى الأم الحنون ترمي بطفلها في غير وعي فلا أمومة في هذا الموقف الرهيب المخيف، كلٌ يقول نفسي نفسي! حتى الأنبياء والرسل، كلٌ له شأن يلهيه استمع لقول مولاك -عز وجل-: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 33 – 37].
في هذا الجو الخانق الزحام شديد والشمس تكاد تصهر الرؤوس بحرارتها والجموع تتدافع والسؤال همس والكلام تخافت وجلال الحي القيوم غمر المكان بالهيبة وثمت أهوال وأهوال.
يوم تجثو كل أمة
في دياجير الملمة
للسؤال عن المهمة
يومها ماذا تقول؟!
إن مجرد الكلام عن أهوال هذا اليوم وتخيله ترتعد له الفرائص، فكيف إذا عايناه وعايشناه على أرض الواقع لا أرض الخيال؟!!
كرب ما بعده كرب، وهم ما وراءه هم، وغم ما فوقه غم.
فكيف النجاة من يوم الهول؟ بل الأهوال؟ أين طريق الأمان، هل هناك سبيل إليه؟ هل هناك طريق للأمان من ذلك الكرب؟
والجواب: نعم – أيها الإخوة – وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء:
التوحيد طريق الأمان:
قال الله -تعالى-: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].
هذا هو الأمن والأمان ليس إلا للذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم وهذا وعد الله -تعالى- وحكمه الفاصل الذي حكم به في كتابه.
فإن هذه الآية -أيها الإخوة- جاءت بعد مناظرة إبراهيم الخليل – عليه السلام – لقومه الذين كانوا يعبدون الكواكب فجادلهم إبراهيم – عليه السلام – بالحسنى، وأثبت لهم بالأدلة القاطعة أنها لا تستحق العبادة التي يصرفونها إليها ودعاهم إلى توحيد الله -تعالى- وصرف جميع أنواع العبادة إليه سبحانه، فأبوا، فتبرأ منهم إبراهيم – عليه السلام – وأعلن تمسكه بتوحيده وتحدى الآلهة التي يخوفونه بها معلناً أنه لا يخاف إلا الله -تبارك وتعالى-، قال -تعالى-" ﴿ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 80، 81]" فهنا فريقان يطلبان الأمن وينشدانه فمن الذي يناله ويحصله؟
إبراهيم عليه السلام وهو الذي يمثل فريق الموحدين، أم المشركون الذين يعبدون الكواكب في السماء والأصنام في الأرض يقول: إذا كنتم تهددونني بالتخويف والوعيد وأنا أخوفكم بالله العزيز الحميد وأبين لكم أنكم إن لم تتوبوا إليه فسيعذبكم فأي الفريقين الموحدون أو المشركون أحق بالأمن إن كنتم تعلمون، ففصل الله الحكم بين الفريقين فقال: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، فالأمن في الدنيا والآخرة حاصل للمؤمنين الذي لم يلبسوا إيمانهم بظلم، انتبه أيها الحبيب فهنا ضابطان أو شرطان اثنان فيمن ينال الأمن ويتحقق له الأمان:
الأول: الإيمان وهو التوحيد بإفراد الله -تعالى- بالعبادة، والمحافظة على ما يقتضيه الإيمان من صالح الأعمال.
الثاني: أن لا يلبس هؤلاء المؤمنون إيمانهم بظلم، والظلم المقصود في هذه الآية هو الشرك، والمعنى المقصود أنهم أخلصوا عبادتهم وهذبوا توحيدهم، وصفَّوه من كل ألوان الشرك وأنواعه.
روى البخاري من حديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: لما نزلت ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ قلنا: يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون: "لم يلبسوا إيمانهم بظلم: بشرك، أولم تسمعوا إلى قول العبد الصالح لقمان: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [5].
فالمقصود بالظلم هنا الشرك فمن أشرك بالله فليس من أهل الأمان ومن خلط إيمانه بشرك أيضا ليس من أهل الأمان ولكن الشرط أن يأتي بالأمرين معاً أي يأتي بتوحيد لا شرك فيه، خالصاً من ألوان الشرك وأنواعه، ولذلك أمر ربنا بتوحيده ونهى عن الشرك به في آية واحدة فقال سبحانه ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾.
والشاهد -أيها الإخوة- من الآية أن الموحدين غداً من الآمنين من عذاب الله وعقابه، لهم الأمن والأمان والسلام والاطمئنان، فتلك مَزِيّة لأهل التوحيد خاصة ليست لغيرهم وهذا من فضل التوحيد.
ومزية أخرى بينتها الآية وهي حصول الهداية للموحدين المخلصين لله كما قال -تعالى-: ﴿ وهم مهتدون ﴾. وذلك بأنهم في الدنيا يكونون مهتدين في أعمالهم لا يضلون الصراط المستقيم وهو الهداية، وفي الآخرة لا يضلون الصراط المستقيم ألا وهو الطريق إلى الجنة كما قال -تعالى-: ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾ [الحج: 24].
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ – أي في الدنيا – وهدوا إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ – أي في الآخرة-.
أما من لم يوحد الله فليس له من الأمن نصيب، فهم في رعب وخوف دائم إذ القلب لا يطمئن إلا مع التوحيد، فمن لم يوحد الله أخافه الله من كل شيء هذا في الدنيا، وأما يوم القيامة فهم في فزع عظيم، نعوذ بالله منه، لا ينتهي ولا يزول إذ لا يقف عذابهم عند حد قال -تعالى-: ﴿ فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ﴾ [النبأ: 30] وكذلك هم في الدنيا لا يهتدون إلى صرف ولا عدل وهم في الآخرة أضل عن طريق الجنة بل لا يهتدون إلا إلى صراط الجحيم نعوذ بالله من ذلك، هذه أعظم فضائل التوحيد -أيها الإخوة- أن ينال به المرء الأمن في الدنيا والنجاة في الآخرة وهناك فضائل أخرى للتوحيد فتعالوا بنا لنتعرف إليها وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء: فضائل التوحيد.
فضائل التوحيد -أيها الإخوة- كثيرة كثيرة، ولا نستطيع على الإطلاق تناولها جميعها في هذه الدقائق المعدودات، ولكن حسبنا أن نشير إلى بعض الأحاديث التي تدلنا على ما للتوحيد من فضل وآثار حميدة على العبد في دنياه وأخراه فمن ذلك ما روى البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبده ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل"[6].
في هذا الحديث يخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أن من فضل التوحيد أنه يدخل العبد الجنة ولو كان مقصراً في العمل وعنده ذنوب ومعاص كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- "أدخله الله الجنة على ما كان من العمل"، فهذا وعد من الله -سبحانه وتعالى- لأهل التوحيد بأن يدخلهم الجنة، وأهل التوحيد هم الذين شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه أي أن عيسى عليه السلام أوجد بكلمة كن فلهذا سمى كلمته ومعنى روح منه أي روح مخلوقة من الله مبتدأة منه على نحو غير مألوف فقد وجد من أم بلا أب – وأن الجنة حق والنار حق، هؤلاء هم أهل التوحيد وعدهم الله أن يدخلوا الجنة فهذا من فضل التوحيد وأنه سبب لدخول الجنة.
لكن هل معنى ذلك أن الموحد يعمل من المعاصي والذنوب ما يحلو له، ما دام أن التوحيد يدخله الجنة؟
والجواب: كلا فإن هنا شيئين يجب التنبه لهما:
الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "على ما كان من العمل" أي أن التوحيد يدخله الجنة ويبقى عمله فهو الذي يحله المكان اللائق به في الجنة فإن كان عمله قليلا كان في أدناها وإن كان عمله كثيرًا كان في أعلاها، نسأل الله أن نكون من أهل الفردوس الأعلى من الجنة.
الثاني: أن من أهل العلم من قال: إن قوله -صلى الله عليه وسلم- "على ما كان من العمل" أي أن التوحيد يضمن للعبد أن يدخل الجنة وينجو من النار يوما ما، أي يمنعه من الخلود في النار، وأنه سيصير يوماً ما إلى الجنة لكن قد يكون ذلك بعد فترة يقضيها العبد الذي عليه ذنوب وسيئات ومعاصٍ في النار، فالتوحيد يعصمه من الخلود في النار ولكنه لا يمنعه من دخولها، لأن هذه المعاصي تنافي كمال التوحيد وعلى قدر المعاصي والذنوب التي تلبس بها العبد في الدنيا يبقى في النار ليطهر ويهذب وينقى فيوم أو سنة أو ألف سنة والله أعلم، نسأل الله أن نكون ممن أطاعه وكمل توحيده.
وعلى كلا التفسيرين ففي الحديث فضل التوحيد وأنه يكفر الذنوب بإذن الله أو يمنع من الخلود في النار.
ومن فضل التوحيد أيضًا ما روي البخارى ومسلم من حديث عتبان بن مالك الأنصاري أن الحبيب النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله -تعالى-"[7].
ففي هذا الحديث فضل التوحيد، وأنه يحرم على النار أن يبقى فيها الموحدون بقاءً أبديّاً خالداً سرمديّاً، وإنما من كان منهم من أهل الطاعة دخل الجنة وحرم على النار أن تمسه ومن كان ممن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فهو إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، ثم يكون مآله إلى الجنة، ونعم دار المتقين.
وقد نبه النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث – إلى شرط ينبغي التفطن له، ألا وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- "من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" فاشترط النبي -صلى الله عليه وسلم- الإخلاص في كلمة التوحيد وهذا معناه أنه لا يكفي مجرد النطق بلا إله إلا الله من غير معرفة لمعناها وعمل بمقتضاها واعتقاد لمدلولها فمن لم يأت بذلك لم يكن من أهلها ومن فعل ذلك نال فضل التوحيد وناله فضل التوحيد.
ومن فضل التوحيد كذلك -أيها الإخوة- ما روى ابن حبان والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال موسى عليه السلام: يا رب علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله"[8] سبحان الله فانظر إلى لا إله إلا الله كيف رجحت بالسموات السبع ومن فيهن غير الله والأرضين السبع ومن فيهن وذلك لما اشتملت عليه هذه الكلمة من نفي عبادة غير الله وإثبات العبادة لله وتقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد ومعنى ذلك أنها ترجح بميزان صاحبها فتنجيه من النار وتدخله الجنة برحمة العزيز الغفار.
ومن فضائل التوحيد ما روى الترمذي وحسنه من حديث أنس قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله -تعالى-: « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دعوتني ورجوتني غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استغفرتني غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أتيتني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقيتني لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » [9].
هذا وعد من الله -تعالى-: ﴿ لَوْ أتيتني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقيتني لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئًا ﴾ وهذا شرط: أن تلقاه لا تشرك به شيئا أي تلقاه موحداً كامل التوحيد، وفضل ذلك "لأتيتك بقرابها مغفرة" وهذا من فضل التوحيد -أيها الإخوة-.
وبالجملة: فالتوحيد له فضائل عظيمة، وآثار حميدة، ونتائج جميلة، ومن ذلك:
• أن خير الدنيا والآخرة من فضائل التوحيد وثمراته.
• والتوحيد هو السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة، يدفع الله به العقوبات في الدارين، ويبسط به النعم والخيرات.
• والتوحيد الخالص يثمر الأمن التام في الدنيا والآخرة.
• والتوحيد يحصل لصاحبه الهدى الكامل، والتوفيق لكل أجر وغنيمة.
• والتوحيد يغفر الله به الذنوب ويكفر به السيئات.
• والتوحيد يدخل الله به الجنة.
• والتوحيد يمنع دخول النار بالكلية إذا كمل في القلب.
• والتوحيد يمنع الخلود في النار إذا كان في القلب منه أدنى حبة من خردل من إيمان.
• والتوحيد هو السبب الأعظم في نيل رضا الله وثوابه، وصاحبه أسعد الناس بشفاعة محمد صلّى الله عليه وسلّم.
• جميع الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي كمالها، وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد، فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمت.
• والتوحيد يُسَهِّل على العبد فعل الخيرات، وترك المنكرات، ويسلِّيه عن المصائب، فالموحد المخلص لله في توحيده تخف عليه الطاعات؛ لِمَا يرجو من ثواب ربه ورضوانه، ويهوِّن عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي؛ لِمَا يخشى من سخط الله وعقابه.
• والتوحيد إذا كمل في القلب حبب الله لصاحبه الإيمان وزينه في قلبه، وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، وجعله من الراشدين.
• والتوحيد يخفف عن العبد المكاره، ويهوِّن عليه الآلام، فبحسب كمال التوحيد في قلب العبد يتلقى المكاره والآلام بقلب منشرح ونفس مطمئنة، وتسليمٍ ورضًا بأقدار الله المؤلمة، وهو من أعظم أسباب انشراح الصدر.
• والتوحيد يحرِّر العبد من رِقّ المخلوقين والتعلُّقِ بهم، وخوفهم ورجائهم، والعمل لأجلهم، وهذا هو العزُّ الحقيقي، والشرف العالي، ويكون الموحّد مع ذلك متعبدًا لله لا يرجو سواه، ولا يخشى إلا إيَّاه، وبذلك يتمُّ فلاحه، ويتحقق نجاحه.
• والتوحيد إذا كمل في القلب، وتحقَّق تحققًا كاملاً بالإخلاص التام فإنه يُصيّر القليل من عمل العبد كثيرًا، وتضاعف أعماله وأقواله الطيبة بغير حصر، ولا حساب.
• والتوحيد تكفَّل الله لأهله بالفتح، والنصر في الدنيا، والعز والشرف، وحصول الهداية، والتيسير لليسرى، وإصلاح الأحوال، والتسديد في الأقوال والأفعال.
• والتوحيد يدافع الله -عز وجل- عن أهله ويدفع عنهم شرور الدنيا والآخرة، ويمنُّ عليهم بالحياة الطيبة، والطمأنينة إليه، والأُنس بذكره.
وشواهد هذه الجمل من الكتاب والسنة كثيرة معروفة، والله أعلم"[10].
ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذ يقول: "وليس للقلوب سرور ولذة تامة إلا في محبة الله -تعالى-، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تتم محبة الله إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة لا إله إلا الله"[11][12].
-أيها الإخوة- هذا بعض فضل التوحيد وأهله، ووالله إنه لغيض من فيض ونقطة من بحر، وإلا فإن فضائل التوحيد – كما قلنا – كثيرة، ولكننا اقتصرنا على بعضها والآن هيا -أيها الإخوة- إلى ظلال التوحيد، هيا إلى لا إله إلا الله نتعلمها ونعمل بها كما قال سبحانه آمرا خير الخلق "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ".
مع عنصر اللقاء الرابع والأخير: فهيا إلى ظلال التوحيد
ونقف عليه بعد جلسة الاستراحة نسأل الله أن يجعلنا ممن يعلمون فيعملون فيخلصون فيؤجرون.
فالعنصر الرابع من عناصر اللقاء: فهيا إلى ظلال التوحيد.
قال الله سبحانه آمراً خير الخلق فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات".
ولاحظ أيها الحبيب اللبيب فقد أمر الله في هذه الآية بالعلم، ثم أمر بالاستغفار وهو قول وعمل فقدم العلم، على القول والعمل لأن العلم هو المصحح للنية التي يصح بها كل قول وكل عمل.
فلابد من تعلم لا إله إلا الله، ولابد بعد التعلم من السعي والعمل بها في واقع الحياة، فما هو معنى لا إله إلا الله – أيها الإخوة – لا إله إلا الله معناها لا معبود بحق إلا الله، فكل المعبودات التي يعبدها الناس باطلة إلا عبادة الله فهي حق، وكل عبادة يتعبدها المرء هي شرك إلا عبادة الله فهي توحيد.
هذا هو معنى لا إله إلا الله ومدلولها الذي تدل عليه، والذي ينبغي أن يكون في قلب كل موحد؛ لأن المصطفى – صلى الله عليه وسلم- قال: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة[13]، والحديث أخرجه مسلم من حديث عثمان رضي الله عنه، فيجب علينا أن نعلم أن لا إله إلا الله معناها إثبات التوحيد لله ونفي الألوهية عن غيره، فلا إله إلا الله، لابد وأن تستيقن القلوب بهذا ويستقر في القلب اليقين بذلك ولا يتزعزع فإن الله عاب أقواماً في دينهم حين ترددوا فيه ولم يستيقنوا به بل نفى عنهم الإيمان بالكلية قال -تعالى-: ﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾ [التوبة: 45].
في حين نسمع قول الله -تعالى-: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات: 15]، فاشترط الله في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا أي لم يشكوا، وفي الصحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِى مَسِيرٍ – قَالَ – فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ قَالَ حَتَّى هَمَّ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ – قَالَ – فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِىَ مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ فَدَعَوْتَ اللَّهَ عَلَيْهَا. قَالَ فَفَعَلَ – قَالَ – فَجَاءَ ذُو الْبُرِّ بِبُرِّهِ وَذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ – قَالَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَذُو النَّوَاةِ بِنَوَاهُ – قُلْتُ وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ بِالنَّوَى قَالَ كَانُوا يَمُصُّونَهُ وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ. قَالَ فَدَعَا عَلَيْهَا – قَالَ – حَتَّى مَلأَ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ – قَالَ – فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ « أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ لاَ يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ». [14] وهذا
– أيها الإخوة – هو اليقين.
فإذا تعلم المرء معنى لا إله إلا الله واستيقن قلبه به وصدقه تصديقاً لا يتزعزع ولا يضطرب ولا تؤثر فيه الهواجس وجب عليه أن يقبل كلمة التوحيد بكل ما تتضمنه من الأوامر والنواهي والحدود، وهو في غاية الحب لله والرضا عنه جل في علاه، وجب عليه أن يدخل تحت ظلها وأن يستجيب لأمرها ونهيها، ولا يكون كمن قال الله فيهم: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الصافات: 35] ومعنى ذلك أن يخضع للأوامر والنواهي وأن يقف عند حدود الشريعة، قال سبحانه: "ومن يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى"، ومن يسلم وجهه "إلى الله" أي ينقاد ويخضع ويسلم لله جل وعلا، وهو محسن أي وهو موحد لله، ﴿ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ وهي لا إله إلا الله، فعلى الموحد بعد أن ردد كلمة التوحيد بلسانه واعتقد معناها بقلبه، أن تبدأ جوارحه في طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو المحك الفعلي الحقيقي الذي يظهر معه المؤمن من المنافق والصادق من الكاذب والمدعي بحق من المبطل.
والموحد يمثل أوامر الله ونواهيه ويقف عند حدود الله ولا يتعداها ليوافق الظاهر الباطن فيثمر بذور الصدق فيكتب صاحبه من المفلحين كما في الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِىُّ صَوْتِهِ، وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-" خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ». فَقَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا قَالَ « لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-" وَصِيَامُ رَمَضَانَ ». قَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهُ قَالَ « لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ ». قَالَ وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الزَّكَاةَ. قَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا قَالَ « لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ ». قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-" أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ » [15].
ويبقى -أيها الإخوة- أن ذلك كله لا يقبل إلا عن ركنين رئيسين لابد من الإتيان بهما ألا وهما الإخلاص لله والاتباع لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى يُقبل التوحيدُ بل حتى يُقبل العملُ كله، فلابد من الإخلاص في التوحيد، قال الله -تعالى-: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾، والإخلاص في التوحيد معناه تصفيته من جميع شوائب الشرك، لأن المشرك يُرَدُّ عليه عمله قال الله -تعالى- في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله -تبارك وتعالى-: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه[16]فلا يقبل التوحيد إلا من المخلصين وكما سمعنا في الحديث الذي ذكرناه قبل قليل: "فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة أنه قال: قيل: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أولَ منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه"[17]، هذا هو الإخلاص وهو الشرط الأول لقبول العمل والشرط الثاني أيها الكرام هو الاتباع لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإن رسول الله هو الميزان الأكبر الذي توزن عليه الأشياء على خلقه وهديه وسيرته وسنته – صلى الله عليه وسلم – فما وافقها فهو الحق وما خالفها فهو الباطل.
وقد قال الله -تعالى-: "﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ فلا بد من إخلاص العمل لله فلا يكون للنفس ولا للناس ولا للشيطان فيه حظ ولا نصيب ولابد من اتباع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلا يكون أسوة ولا قدوة إلا هو ومن كان على طريقة وهديه، بذا يضمن المرء النجاة على الله، النجاة يوم يلقاه كما قال ربنا سبحانه: "فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا".
إن التوحيد -أيها الإخوة- هو "أكبر دعامة للرغبة في الطاعة؛ لأن الموحد يعمل لله -سبحانه وتعالى-؛ وعليه، فهو يعمل سّراً وعلانية، أما غير الموحد؛ كالمرائي مثلاً، فإنه يتصدق ويصلى، ويذكر الله إذا كان عنده من يراه فقط، ولهذا قال بعض السلف: "إني لأود أن أتقرب إلى الله بطاعة لا يعلمها إلا هو"[18].
نسأل الله أن يعلمنا من ديننا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علماً، اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، نعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول، فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين. وأغننا من الفقر.
يا سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين.
الدعاء.
>>>>>>>>>>>>>.
يسلمووووووووو
تسلمى ياقمر على الموضوع الجميل
نورتونى
جزاكم الله خيرا
جزاكي الله خيرا