أن يجزينا ويجزى كاتبه خير الجزاء وأن ينفعنا وإياكم به
الإعجاز في القرآن الكريم
** معنى الإعجاز ونشأته وأول من ألف فيه:
فالقرآن هو معجزة النبي الخالدة .
وقد عرف العلماء المعجزة
لغة : وهي إثبات العجز والضعف والتعجيز: التثبيط (1) .
واصطلاحاً : أمر خارق للعادة ، مقروناً بالتحدي سالم من المعارضة وهي:إما حسية أو عقلية .
وأكثر معجزات بني إسرائيل كانت حسية لانحصار تفكيرهم بالمادة وقلة بصيرتهم وأكثر معجزات هذه الأمة عقلية لفرط ذكائهم وكمال أفهامهم ولأن هذه الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة – خصت بالمعجزة العقلية الباقية – وهي القرآن ليراها ذوو البصائر .
وإن معجزات الأنبياء انتهت بانقضاء أعصارهم فلم يشاهدها إلا من حضرها ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة فلا يمر عصر من العصور إلا ويظهر فيه شيء من إعجازاته و إخباراته مما يدل على صحة دعواه (2)
وقد عرف العلماء الإعجاز بقولهم :
إثبات عجز العرب وغيرهم عن الإتيان بمثله -من كل وجوه الإعجاز سواء البيانية أو الإخبار بالمغيبات أو غيرها- وهو في اللغة : إثبات العجز وإظهاره .
** نشأة مصطلح إعجاز القرآن وأول من ألف فيه :
لقد كان الذوق العربي السليم يساعد أصحابه على إدراك الأساليب القرآنية في مخاطباته ، وكانت قدسية القرآن وعظمته مسيطرة على نفوسهم ، وكان الإقرار بالعجز عن الارتفاع إلى مستواه كامنا في النفوس .
وبقي هذا الأمر بعد عصر النبوة والخلفاء الراشدين وردحا من الزمن في الدولة الأموية ، إلا أن صفاء السليقة العربية بدأت تفقد رونقها ، وبدأت الثقافات الفارسية واليونانية تأخذ طريقها إلى المجتمع الإسلامي على يد أبناء الأمصار التي فتحها المسلمون وأخذ الناس يفكرون بطريقة عقلية مجردة عن التذوق الجميل لأساليب القرآن وإدراك المعاني بالطريقة الصافية.
ولم يبرز مصطلح إعجاز القرآن على الساحة إلا في القرن الثاني الهجري حيث كانت البصرة تموج بالتيارات الفكرية المختلطة ولعل أول من تولى الرد على المعتزلة وألف في ذلك هو الجاحظ في كتابه – نظم القرآن – (3)
ثم نهج الأدباء الذين جاؤوا بعده نهجه .
ما الغاية من الإعجاز ؟
هل هو التعجيز أم ثبوت صدق المرسلين :
ليس المقصود بالإعجاز إثبات العجز للخلق لذاته ، من غير ترتبِ مطلبٍ على هذا العجز ، بل المقصودُ لازمُ هذا الإعجاز وهو : إقامة الحجة على أن هذا الإدعاء حق وأن الرسول الذي جاء به رسولُ صدقٍ ، فينتقل الناس من الشعور بعجزهم إزاء المعجزات إلى شعورهم وإيمانهم بأنها صادرة عن الإله القادر ، لحكمة عالية وهي : إرشادهم إلى تصديق من جاء به ليسعد في الدنيا والآخرة .
** الحكمة في صرف كفار مكة عن المعجزات المادية إلى معجزة القرآن الكريم :
طالب كفار مكة بمعجزات مادية ولكن الله لم يستجب لمطالبهم وأعطاهم معجزة القرآن التي تتجدد بتجدد الزمان وذلك لحكم جلية نذكر منها :
لأنهم غير جادين بهذه المطالب ولو لبيت لهم لما آمنوا لأن مقصدهم هو التعجيز كما أشارت الآية الكريمة:
{ ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلـوا فيه يعرجـون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون }(4)
فمن العبث عندئذ إتباع أهوائهم ورغباتهم
{ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض }
، ولو أجيبوا إلى مطالبهم من المعجزات المادية الباهرة القاهرة ثم نكصوا على أعقابهم وكفروا فقد جرت سنة الله أن يعذبهم في الدنيا والآخرة .
الحكمة الثانية :
إظهار مكانة القرآن الكريم وأن المعجزات المادية تتضاءل بجانب معجزته فهي المعجزة الباقية الخالدة إلى يوم القيامة (5) .
الحكمة الثالثة :
أن الله عز وجل قد استجاب لمطالبهم ولكن بشيء أعلى وأسمى فهم يطلبون الذي هو أدنى فأعطاهم الله ما هو خير و أعلى : معجزة خالدة باقية هي القرآن الكريم لا تنقضي بانقضاء عصرهم لكنها تبقى حتى يراها من بعدهم فيتبين لهم أنه الحق .
**جوانب الإعجاز في القرآن الكريم :
لو نصت آيات الذكر الحكيم على وجوه الإعجاز لكفر جاحدها أو الشاك فيها هذا ومن رحمة الله تعالى بنا أن القرآن الكريم لم يتركنا في حيرة بل وجهنا في الآية بعد الآية إلى تدبر مواطن الإعجاز التي تقود إلى إدراك مالا يتناهى فيرى كل متدبر حسب سلامة فطرته وقوة بصيرته فقد يدرك الباحث وجها من وجوه الإعجاز بينما يدرك أهل عصر مالا يدركه غيرهم في عصر
آخر (6).
**ومن أهم وجوه الإعجاز في القرآن الكريم :
1. الإعجاز اللغوي وينقسم إلى : الإعجاز البياني و الإعجاز بالنظم و الإعجاز الصوتي و حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحتها .
2. الإعجاز الغيبي وينقسم إلى ثلاثة أقسام على حسب عصر النبوة : غيب الماضي وغيب الحاضر، وهو عصر النبوة، وغيب المستقبل .
3. الإعجاز التشريعي .
**الإعجاز العلمي وينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الإعجاز الكوني والإعجاز الطبي والإعجاز العددي .
**كونه محفوظا من الزيادة والنقصان محروسا عن التبديل والتغيير على تطاول الأزمان. وسيأتي الحديث عنها مفصلا إن شاء الله تعالى .
**ضوابط في مبحث الإعجاز العلمي :
لابد في مبحث الإعجاز العلمي من ضوابط حتى لا يحمّل كلام الله معاني لا يحتملها ومن أهم هذه الضوابط :
1. القرآن كتاب هداية وليس المراد منه الإفاضة في العلوم الكونية أو الإنسانية أو الحيوانية أو غير ذلك .
2. ترك الإفراط والتفريط فتتقيد بالمنهج القرآني ولا تحمل النص مالا يحتمل .
3. مرونة الأسلوب القرآني فينبغي أن نعلم أنه يقبل عدة وجوه للتفسير فلا تلزم الآية أحد وجوه تفسيرها .
4. الحقائق العلمية مناط الاستدلال فلا نفسر الآية بالنظريات .
5. عدم حصر دلالة الآية على الحقيقة الواحدة .
6. استحالة التصادم بين الحقائق القرآنية والحقائق العلمية .
7. إتباع المنهج القرآني في طلب المعرفة (7) .
**هل كلام الله في غير القرآن معجز :
إن القرآن الكريم قد تفرد بالإعجاز البياني وليس كلام الله فيما سواه – من التوراة والإنجيل والأحاديث القدسية وغيرها – بمعجز من ناحية النظم وإن كان معجزا فيما يخبر عنه من المغيبات لأن الله لم يصفه بما وصف به القرآن ولأنه لم يقع به التحدي .
**دور الإعجاز في انتشار الإسلام :
لم ينتشر على سطح الأرض دين بالسرعة التي انتشر فيها دين سيدنا محمد سواء كان دينا سماويا أو أرضيا ، ففي مدة لا تتجاوز الربع قرن من الزمن انتشر الإسلام في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية ثم تتابعت الفتوحات بعد ذلك إلى أن وصلت إلى حدود الصين شرقا وجبال البرنس في فرنسا غربا كل ذلك بسبب أناس انطلقوا بتأثير القرآن فيهم ففتحوا البلاد ودوخوا العباد حتى انتشر الصيت الإسلامي في كل أنحاء العالم ولقد كان تأثير القرآن في نشر الدعوة الإسلامية على جانبين :
الجانب الأول :
فصاحة القرآن وبلاغته وروعة بيانه التي تسيطر على عقول الخاصة والعامة منهم فكانوا اتجاه ذلك على ثلاثة انقسامات : منهم من عرف الحق فآمن ، ومنهم من استكبر لكنه آمن بعد ذلك متأخرا ، ومنهم من عرف الحق ومات على إنكاره .
الجانب الثاني :
هو موافقة الحقائق في عصرنا الراهن للقرآن الكريم الذي تحدث عنها قبل أربعة عشر قرنا من الزمن فزاد أهل الإسلام تمسكا بدينهم،وتعرف كثير من المثقفين الغرب إلى أن الإسلام حق من خلال الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ومصداق ذلك قوله تعالى
:{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } فصلت53
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .