قال قلبي وهو يرزح تحت الأغلال :
اتركيني يا نفس ..
أرهقتني ذنوبك
أفقدتني صوابي ..
أهلكتني عيوبك
زادت من عذابي
ضاقت عليَّ الأرض
واختَنَقْت .. اختنقت
من طول غيابي
يا نفس ..
كم طمحتُ إلى الخير
وهممت بإجابة داعي الله
وكدتُ أضع قدمي في قطار الصالحين
وأمضي معهم في طريق النور
فحرمتِني
وحُلتِ بيني وبين النجاة
أما آن لك أن ترحميني
وتدعيني أنجو
فكّيني من أسارك
أطلقيني من قيدك المرير
إن رضيتِ الهجر فأنا لا أطيق منه لحظة
إن أبيت إلا الهلاك فأنا لا أتحمل غمسة في جهنم
إن رغبتِ عن جنات عدن
فأنا المتيَّم في هواها منذ زمن
ويحك!!
أنا منك وأنت مني لكن ..
ما ذنبي وقد سددت عليَّ كل منافذ النجاة؟!
ماذا أفعل وقد قتلت فيَّ أي بذرة خير؟!
ما حيلتي وأنت تريدين قتلي؟!
أما أنتم يا أعوان نفسي :
أيتها الغفلة الجاثمة
أيتها الشهوة العارمة
أيتها القسوة الغالبة
أيها الضالعون عمدا في المؤامرة
يا كل من شارك في الجريمة
ارحلوا عني إلى الأبد
غادروني إلى غير رجعة
لم يعد لكم عندي موضع قدم
موتوا بغيظكم
فقد ردَّ الله إليَّ روحي
وعافاني في ديني
وأذِن لي بذكره
بطاقة دخول
موضع الإصابة :القلب
تاريخ الإصابة : غير معلومة
تاريخ آخر كشف : أول كشف في حياته
درجة الإصابة : شديدة الخطورة
القسم : قسم الحالات الحرجة
أعراض الحالة : نبض الإيمان ضعيف لا يكاد يُسمع .. فطرة أوشكت على الانقراض … فرح بالمعصية .. نفور من الطاعة .. عين جفت من قلة بكائها من خشية الله .. قلب راحته في معصية ربه .. روح وحشتها من الصالحين .. نفس أنسها بالعصاة والمذنبين …. جسد ما عرف طريق المسجد منذ سنين ..
التوصية : يُرسل فورا إلى الرعاية المركزة الإيمانية.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)" آل عمران.
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)" النساء.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) " الاحزاب.
أما بعد :
فهذا الكتاب يعد موسوعة عصرية تغطي موضوع القلب وما يتصل به من أعراض وأمراض وطرق علاج ليعالج ظاهرة الجفاف الروحي التي عمت الجميع حتي شملت كثيرا من الملتزمين الذي أصبح بعضهم يعاني
ظاهرة الاكتفاء الذاتي
ظاهرة تراها من بعض المربين والدعاة وهي انصرافهم عن مجالس الوعظ والرقائق بحجة الاكتفاء الذاتي ، وأن تربية المواعظ والرقائق قد تجاوزوها من زمن ، فالمواعظ وترقيق القلوب إنما هي للمبتدئين أو من هم على عتبة باب الدعوة!! أما هم فقد تخرَّجوا من جامعة الإيمان وتسلموا شهادات التفوق منها ، ولم يعد لهم في هذا الميدان مطمع ، هذا لسان الحال وإن لم يُفصح عنه المقال.
:: ادفع الثمن أولا ::
كان عكرمة حريصا كل الحرص على أن لا يصل هذا العلم إلى من لا يستحق ، لذا قال رحمه الله :
" لا تعلِّموا العلم إلا لمن يعطي ثمنه " ، فقيل له : وما ثمنه؟ قال : " يضعه العالم عند من يعمل به " .
وبيَّن سفيان الثوري السبب في ما قال عكرمة ، فانطلق يشرح :
" إذا رأيتم طالب العلم يطلب الزيادة من العلم دون العمل فلا تعلِّموه ، فإنَّ من لم يعمل بعلمه كشجرة الحنظل كلما ازداد ريا بالماء ازداد مرارة ، وإذا رأيتموه يُخلِّط في مطعمه ومشربه وملبسه ونحو ذلك ولا يتورع ، فكُفُّوا عن تعليمه تخفيفا للحجة عليه غدا " ، وصدق الشاعر حين قال :
لو كان العلم دون التقى شرف … لكان أشرف خلق الله إبليس
لذا لما بعث قوم إلى سفيان الثوري يطلبون أن يُحدِّثهم اشترط عليهم : " حتى تعملوا بما تعلمون ، ثم تأتوني فأحدِّثكم " ، ثم أردف في صراحة فاضحة :
" يدنِّسون ثيابهم ثم يقولون تعالوا اغسلوها!! " .
ولذا خوَّفك سري بن المغلِّس السقطي فقال :
" كلما ازددت علما كانت الحجة عليك أوكد " .
وأهمية عودة الروح كانت واضحة وأخذت ما تستحق من سلفنا المبارك ، ومن هذا ما ذكره الإمام الذهبي في ترجمة عبد الرحمن بن شريح رحمه الله : قال هانئ بن المتوكل : حدثني محمد بن عبادة المعافري قال : كنا عند أبي شريح فكثرت المسائل فقال : " قد درنت قلوبكم ، فقوموا إلى خالد بن حميد المهري استقلوا قلوبكم ، وتعلموا هذه الرغائب والرقائق ؛ فإنها تُجدِّد العبادة وتورث الزهادة ، وتجر الصداقة ، وأقلّوا المسائل فإنها في غير ما نزل تقسِّي القلب وتورث العداوة " .
وحضارة اليوم وهي ترمي سهام خداعها صوب القلوب الغافلة لتصيب لٌبَّها ؛ تحتاج إلى درع حصين تتكسَّر عليه ، فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ، وما هذا الدرع سوى تربية إيمانية راسخة تورث النظر في العاقبة ، واليقين بالآخرة ، والتنافس في الخيرات ، والزهد في الفانيات ، ولا يتم ذاك إلا إذا رد الله إليك روحك.
وما أشبه هذه الحضارة ببساط يسحب الناس ببطء تجاه نهايتهم المحتومة ، وهم عنها غافلون وبغيرها مشتغلون ، والشيطان يرقص بينهم فرحا ، ويقهقه وهو يشُدُّهم بعيدا عن طريق النجاة ، حتى إذا ما وقعت بهم الداهية أفاقوا لكن .. هناك .. على أعتاب الحساب وفي ظلمة القبر ؛ فيا إخوان .. أترضون أن يكون هذا حالكم : تغفلون تغفلون ، ثم تموتون فتندمون!!
يتبع إن شاء الله
اشتاط وهب بن منبه غضبا فصاح معلنا :
"واعجبا من الناس يبكون على من مات جسده ولا يبكون على من مات قلبه وهو أشد " .
وصدق رحمه الله ؛ فأكثر الخلق يخافون موت أبدانهم ويركضون سراعا لشفائها إن مرضت ، ولا يبالون بموت قلوبهم ولا يُحرِّكون ساكنا إن هي صرخت من الشكوى والألم ، فليست الحياة عندهم إلا حياة الجسد ، والحياة في هذه الحالة ليس لها سوى معنى واحد : الموت ، فليس الميت من خرجت روحه من جنبيه ، وإنما الميت من لا يفقه ماذا لربه من الحقوق عليه!!
ولذا لما قال رجل لسهل بن عبد الله : دخل اللص بيتي وأخذ متاعي قال له : اشكر الله تعالى!! لو دخل الشيطان قلبك فأفسد إيمانك ، ماذا كنت تصنع؟!
أخي .. أتبكي في بيت الله ندما على ما سرقت ، فإذا عدت إلى بيتك أكلت المسروق!! يا غافل .. أنفقت ما سرقت وبقي قطع اليد!! أتحفر قبرك بظفرك؟! أتقطع أنفك بسيفك؟! أتقتل نفسك بنفسك؟!
أخي ..قلبك قلبك.. أنقذه منك قبل أن تهلكه ، قلبك .. سفينة نجاتك الوحيدة إلى الجنة وليس لك غيرها ، فإياك والغرق ، والغرق اليوم معناه فقدان التألم باقتراف المعصية ، واللامبالاة بمواطن الزلل ، ومجاراة أهل السوء دون أدنى ندم ، وعدم إنكار المنكر ولو بالقلب ، فإن وجدت نفسك تنجرف منك في هذا السيل ؛ فأعلن حالة الطوارئ ، واجذبها نحو النجاة بقوةٍ تفوق قوة الغريق الذي يتشبث بأي شيء لإدراك النجاة ، وأسرع قبل أن تلفظ أنفاسك الأخيرة ، وإلا فإنها المحرقة!!
ويحك .. كيف تنفصل عنه ، وما خلقك إلا لتتصل به!!
هذا الكتاب باب من أبواب الخير ، " والله سبحانه يعاقب من فتح له باباً من الخير فلم ينتهزه ، بأن يحول بين قلبه وإرادته ، فلا يُمكِّنه بعدُ من إرادته عقوبة له ، فمن لم يستجب لله ورسوله إذا دعاه ، حال بينه وبين قلبه وإرادته ، فلا يمكنه الاستجابة بعد ذلك. قال تعالى : ﴿ يا أيُّهَا الَّذيْنَ آمَنوا اسْتَجيْبوا للهِ وَلِلرَّسوْلِ إِذا دَعَاْكُمْ لِمَاْ يُحْييْكُمْ وَاعْلَموا أَنَّ اللهَ يَحوْلُ بَيْنَ المَرْءَ وَقَلْبِهِ ﴾ [ الأنفال : 24 ] ، وقد صرح سبحانه بهذا في قوله : ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [ الأنعام : 110 ] ، وقال تعالى : ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم ﴾ [ الصف : 5 ] ، وقال : ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ﴾ [ التوبة : 115 ] ، وهو كثير في القرآن " .
أخي .. هذا الكتاب بضاعة وشراؤها بالعمل ، فاقرأه موقنا أن قراءتك هي سبيل الرقي في الدنيا قبل الآخرة « اقرأ وارقَ » ، واستعد بعد قراءته للتسابق وتهيَّأ للانطلاق ، وطلِّق زمن اللهو وانس أيام الغفلة ، واحطم اللات والعزى لديك ، وتزوَّد بالوقود لتبدأ الرحلة ، واتخذه زادا لتشغيل آلة القلب لتستأنف المسير وتتحمل المشاق وتستعذب الألم لتستوجب الثمن ، واقبله مني هدية متواضعة ولمسة رقيقة ليكون جليس روحك وهي تولد من جديد من رحم الغفلة وتتحرر من أسر البدن.
هذا الكتاب رحلة سفر أخروية ، ومن المعلوم أنه " لما سافر موسى إلى الخضر وجد في طريقة مس الجوع والنصب فقال لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ، فإنه سفر إلى مخلوق ، ولما واعده ربه ثلاثين ليلة وأتمها بعشر فلم يأكل فيها ؛ لم يجد مس الجوع ولا النصب ، فإنه سفر إلى ربه تعالى ، وهكذا سفر القلب وسيره إلى ربه لا يجد فيه من الشقاء والنصب ما يجده في سفره إلى بعض المخلوقين " .
هذا الكتاب نهر صاف يسقي القلوب العطشى ويغسل الأرواح التي دنستها الذنوب على مدى سنين ، وليس هدف الكتاب صبُّ الإيمان في قلبك كلا ، بل لإثارة بواعثه الكامنة في عروقك ، ولست أزعم أنني هنا الآن لأجعلك خيرا مما أنت عليه بل لأُعلِمك أنك خيرٌ بكثير مما تظن ، وأصيح فيك بأن رصيد الفطرة الراقد فيك ينتظر شرارة تقدح الحماسة وتطرد الغفلة والكسل ، وأسأل الله أن يجعل هذه الشرارة بين ثنايا هذه الصفحات وفي بطن هذا الكتاب.
أخي!! أجِب دعوة محمد إقبال يهيب بك ويصرخ :
شُقَّ قلب الطود عن جوهرهِ … شُقَّ موج البحر عن دُرٍّ بهِ
وقد عطَّرت هذا الكتاب بعبير القصص لأمتِّع به القارئ وأرسِّخ به المعنى مستحضرا إجابة طلب وتحقيق أمنية أحمد بن حنبل حين قال : " ما أحوج الناس إلى قاص صدوق " .
ولا تتم الفائدة من هذا الكتاب إلا إذا انتقلت روحك من شعور إلى شعور ومن حال إلى حال ، فإذا سافرت في ثنايا هذا الكتاب وهمُّ الدنيا يملأ قلبك ، وأشغالها تشغلك ، وهمومها تُهِمك ، فكأنك قرأت وما قرأت ، وحفظت وما فهمت.
بآآآرك الله فيك
على هآآلطرح
في انتظار جديدك المميز
،،
،،