(( و أما اليتيم فلا تقهر )) هي وصية الله لنا في ذلك الطفل الذي غيب الموت أباه عن الدنيا
فأصبح ضعيف الجناح مكسور الخاطر مسلوب الحنان فاقداً للسند الذي اعتاد أن يستند عليه و
أن يستمد منه القوة و الإرادة و العزيمة فالأب في نظر الطفل هو الباعث الحقيقي للشعور
بالأمان و الحماية من أي أذى أو مكروه قد يواجهه في حياته ولذلك عندما يموت الأب تقتل
كثيرٌ من الأشياء المعنوية الجميلة في قلب الطفل اليتيم لتأتي رحمة الله في ذاك اليتيم لتحييها
من جديد فالله سبحانه وتعالى رحيم ٌ بعباده وخاصة الضعفاء و المظلومين و اليتامى فإذا كان
اليتيم قد خسر أباه فإن الله يعوضه بأباء كثر يقفون إلى جانبه و يرافقونه في مسيرة حياته حتى
يكبر و يقوى عوده و يشتد أزره فيغرس الله بذور العطف و الحنو و الرحمة و الإحسان في
قلوبهم اتجاهه فيصبح جار اليتيم أب له و معلم المدرسة أب له ومختار الحي أب له وحتى
أصدقاؤه و أعمامه و أخواله يتحولون إلى أباء لذاك الطفل اليتيم فيعطفون عليه بأغلى ما
يملكون و يساعدونه في أي محنة قد يتعرض الله لتصبح مسؤولية تربية اليتيم هي مسؤولية
المجتمع بأسره وعلى كل شخص أن يقدم أحسن ما يملك لذاك اليتيم وما يجعل الناس تقف إلى
جانب اليتيم هو المكافأة الكبيرة التي وعد الله بها الذي يساندون اليتيم و يعطفون عليه تلك
المكافأة العظيمة التي حدثنا عنها سيد البشرية وخير البرية عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم
حين بشر كافل اليتيم بالبشارة الكبرى فقال فداه أبي و أمي (( أنا وكافل اليتيم كهاتين )) مشيراً
بأصبعيه الوسطى و السبابة في إشارة صريحة إلى الجنة التي ندعو الله أن يدخلنا إياها و جميع
المسلمين و هل هناك مكافأة أجمل و أغلى من أن يكون المرء في الجنة في رفقة و صحبة و
جوار الحبيب محمد عليه الصلاة و السلام و لأن الله كفل اليتيم كفالة ربانية فإنه توعد وهدد
بالعقاب الشديد المؤلم لمن يتجرأ و يتعدى على حقوق اليتيم وخاصة أمواله التي ورثها عن أباه
المتوفى والتي لا يجيد حكم صغر سنه إدارتها بشكل جيد و الإنفاق منها بشكل معتدل فقال تعالى
في كتابه الحكيم (( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً و
سيصلون سعيراً )) ولذلك نهانا الله عن الاقتراب من مال اليتيم ظلماً و اعتداءً و أمرنا
بالإحسان إليه و الوقوف إلى جانبه فلنكن جميعاً على قلب رجل واحد في دعم اليتامى بكل ما
نستطيع فنمسح دمعته الغالية جداً عند الله و لنمسح على شعره بأيدينا و لندخل البسمة و
السعادة إلى قلبه حتى نساعده على نسيان فقده لأبيه و من كانت لديه القدر المالية فلا يبخل
بالعطاء له وليتبرع للجمعيات الخيرية التي تهتم بكفالة اليتامى وتساعدهم حتى يكملوا دراستهم
و تنشئهم أفضل تنشئة وتعدهم ليكونوا أفراد فاعلين في تنمية المجتمع وبناء الوطن .