اقتضت سنة اللّه: {لَهُ معقّبات مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَال} الرعد:11، لا عجزاً منه سبحانه عن التغيير بغير تلك الأدوات، أو بغير أدوات أصلا، ولكنه تكريم لهذا الخليفة في الأرض. فهذه السُّنَّةَ الربانية جديرة بأن نفهمها ونعيها جيّدًا. إنَّ الشّيطانَ يُلَبِّس على النّاس فيقول لهم: ادعوا ربّكم وأنتُم قاعدون عن العمل، واسألوه وأنتُم كسالى، واستنصروه من غير إعداد عدّة النّصر، إذا أطاعوه ففعلوا ما أملى عليهم، فعند ذلك لا يستجيب اللّه لهم ولا يعطيهم ولا ينصرهم. لأنّهم لا يستحقون النّصر..
وكيف يستحقون النّصر وهم قاعدون؟! وكيف يثبتون عليه لو
منحهم اللّه إيّاه؟!
هب أنّ اللّه غيَّر سنَّتَهُ فأنزل عليهم النّصر وهم قاعدون، أَوَ يحفظونه؟ أَوَ يدوم لهم؟ وكيف يحفظونه وهم فاسدون مفسدون، متهالكون متهاوون، لا قدرة لهم ولا عزيمة، ولا دراية بأمر من الأمور؟ من أجل ذلك لا ينصرهم. فمَن أراد النّصر، مَن أراد أن يدعو اللّه فيجيبه، ويسأله فيعطيه، فليكن حيث يريده اللّه، وحيث يُنْزِل عليه نصره وعطاءه فينفع النّصر، وينفع العطاء. أمّا إن حاد عن الطريق وراح يتسكّع يمنة ويسرة، فمن أين يصيبه النَّصر، وهو منصرف عنه وموليه الأدبار؟ إنّ ذاك لعمري هو العبث المبين.
دع المكارم لا ترحل لبُغيتِها واقعد فأنت الطاعم الكاسي
لقد وعت أوروبا جانبًا من سُنّة الله في الأرض، نسيه المسلمون، ونسيت هي جانبًا آخر، وعاه المسلمون.. وعت أوروبا أنّ الإنسان هو القوّة الفعّالة في الأرض، وأنَّ الطاقة البشرية هي أداةُ الإصلاح، من أجل ذلك اتّجهت همَّتُهُم لتجنيد هذه الطَّاقة، وتوجيهها إلى العمل المنتج في واقع الحياة.. ووصلوا في ذلك إلى درجة عجيبة من النَّشاط والتَّنظيم والدأب المنتج، وجنت منه العجب العجاب، ذلك ما نسيه المسلمون اليوم وهم يتواكلون، بدل أن يتّكلوا، ويتقاعسون، وينتظرون وهم قاعدون.
إنَّ أوروبا نسيت اللّه، نسيت أن تعمل في سبيله، وتعيش في سبيله، وتنتج في سبيله، ومضت بطاقتها الإنتاجية الضخمة في سبيل الشّيطان.
والمسلمون يعرفون اللّه، ولكنَّهم يعرفونه في ظاهر قلوبهم فقط، يعرفونه ولا يأتمرون بأمره، ولا ينتهون بنهيه، ولا يعملون في سبيله، فما قدَروا اللّه حقَّ قَدْره، وما عبدوه حقَّ عبادته. إنَّ المسلمين مكلّفون أن يهدوا البشريَّةَ الضالّة إلى الطريق: {وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يتّبع الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لكبيرة إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لرؤوف رَحِيمٌ} البقرة:143. ولن يهدوا النّاس حتّى يهتدوا هُم أوَّلاً إلى اللّه ويسيروا على الطريق، والطريق معروف كما رسمه اللّه.
واللّه ولي التوفيق.
الشيخ واضح عبد المالك
إمام مسجد عمر بن الخطاب (الجزائر)
ويجزاكك خير