الوسطية في كل أمر هي الركن الركين في هذا الدين الذي جاءنا به الله وكان عليه سيدنا ومولانا رسول الله رسول الله صلي الله عليه وسلم
لا يمشي كمن تفشت فيهم فاشية هذه الأيام يستكبرون أو يستحيون أن يسألوا العلماء ويعملون العمل وهم جهلاء ويظنون أن الله لا يؤاخذهم بذلك ونسوا أن النبي صلي الله عليه وسلم جعل طلب العلم فريضة للمسلم الذي يتعبد به إلى مولاه {طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ}[1]
فإذا كان شيء لا يُحسنه {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} النحل43
وأهل الذكر هم العلماء العاملون الذين يخشون الله ويراقبونه في الغيب وفي الشهادة ويعملون بعلمهم بما يُرضي الله فيسأل العالم لأنه إن لم يسأل فهو المسئول ولا ينفعه الاعتذار بالجهل يوم لقاء رب العالمين
لأنه ما دام انتسب إلى دين الله لا بد له أن يتعلم ما لا بد له منه للعمل بما يُرضي الله من شرع الله فيتعلم الدين ويعلم حقيقة الوسطية التي نوَّه بها كتاب رب العالمين ولا يعمل عملاً صغيراً أو كبيراً إلا مقتدياً برسول الله صلي الله عليه وسلم
واعلموا علم اليقين أنه ما من أمر صغير أو كبير في حياة المسلم إن كان مع زوجه أو مع أولاده أو مع جيرانه أو مع رفقاءه في العمل أو مع والديه أو مع أهله وذوي رحمه أو مع أي إنسان إلا وفصَّله النبي العدنان تفصيلاً واسعاً لا يحتاج بعده إلى بيان فإذا حدث قصور فأنت المسئول يا أيها الإنسان ظلمت نفسك ولم تُطبق ما أمرك به الرحمن
فالمسلم لابد أن يأمن الناس بوائقه وبوائقه أي شروره وآثامه فالمؤمن ليس له شرور ولا آثام لا سب ولا شتم ولا لعن ولا كيد ولا شكاوي كيدية ولا تعدي باليد ولا تعدي بآلة أو بأي أمر من الأمور على أخ من إخوانه المسلمين أو نفر من إخوانه المؤمنين لقول نبينا صلي الله عليه وسلم {الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ}[2]
وأمر المؤمنين أكبر لقول النبي صلي الله عليه وسلم في بعض النفر وأكثرهم في هذا العصر والأوان
{أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ فَقَالَ: " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ}[3]
العاقل في هذا الزمان الذي يُبرئ ذمته من بني الإنسان لا يظلم ولا يغتاب ولا ينم ولا يسعى للوقيعة والفرقة بين المسلمين ولا يسعى للكيد عند الرؤساء على إخوانه وزملاءه الذين يعايشونه في المكتب أو الديوان وإنما لا يرى الناس منه إلا خير ولا يصيبهم منه إلا معروف ولا يصدر منه أذى لأحد من عباد الله لأنه يسعى في الدنيا لرضاء مولاه
مثل هذا الإنسان إذا خرج من الدنيا فأقل الحسنات والطاعات التي عملها تجعله سعيداً وغنياً وثرياً عند مولاه جل في علاه أما الذي ملأ رصيده من الطاعات والحسنات والقربات ولا يستطيع أن يسيطر على أعصابه ولا على أعضاءه ولا على نفسه من الزلات مع إخوانه من المسلمين أو المسلمات فيقول فيه صلي الله وأشباهه وأمثاله {إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ }[4]
قد أغتاب شخص لا يعرفني ولا أعرفه لكنه سيعرفني وأعرفه يوم القيامة وربما الذي ظلمته لا يعرفني ولا أعرفه لكن الحكم العدل سيحضره ويعرفه ويعرفني به يوم القيامة {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} فصلت46
هذا يوم عصيب لمن مشي في الدنيا على هواه ونسي أنه مقبل على يوم سيحاسب فيه الله على اليسير والكثير والنقير والقطمير {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً} الكهف49
ستجد عملك مجسم موجود بهيئته كما فعلته والذي يشهد على الإنسان الجوارح التي سخَّرها له الرحمن فالمسلم الذي يريد أن يخرج من الدنيا على خير، ويكون من أهل الجنة العالية في جوار الحبيب عليه أن يأخذ بهذه الروشتة الغالية وينفذها