تخطى إلى المحتوى

حدوتة الحائط للاطفال رروعه 2024

تنهّدُ الحائطُ قال:

آهٍ . من أين أبدأ .. وماذا أقول ؟ أتذكّر أنّني قبل عشرِسنوات ٍ،كنت تراباً، أشـربُ المطرَ

وآكلُ البذورَ، لكنّ شـُربي وأكلي مختلفان عن شـرابِ وطعامِ البشر، فأنا في الرّبيع ..

أُخرِجُ من جوفي تلك البذورَ ، على شـكلِ زهورٍ مُلَوّنةٍ ، وحشائشَ خضراء َتبهجُ العين .

وأذكرُ أنّ أمَّ عدنانَ جاءتْ ذاتَ صباحٍ تحملُ سطلاً ومِجْرَفَةً ، جرفَتني

..وضَعَتني في السّطلِ وأفرَغَتني أمامَ بيتِها، وبعدَ أنْ ملأتْ عِدّةَ سطولٍ على شكلِ كومةٍ،

جاءتْ بالقَشِّ والماءِ ،عجنَتْنا مع بعضنا وراحتْ تَبني منّا حائِطاً بينَ دارِها ودارِ جيرانِها.

بعدَ أيّامٍ تصلّبْتُ ، شـعرتُ بأنني صرتُ قاسـياً .. فحزِنت . لكنْ .. في اليوم التالي، وبعد

أنْ طَلَتْني أمّ عدنانَ بالكلسِ الأبيضِ ، فرِحتُ، لقد بَدَوْتُ كحمامةٍ بيضاءَ.وبدأتْ قصّةُ

سـعادتي . ففي الصّباح، يقفزُ الدّيكُ الملوّنُ على ظهري، يصَفِّقُ بجناحَيه ويصيحُ مُعْلِناً

ولادةَ أملٍ جديد. تُهرَعُ إليه الدّجاجاتُ بفرحٍ .. وتنبِشُ عندَ قدمي ، باحثةً عن حبّاتٍ لذيذةٍ

تتسابقُ إلى نَقرِها. ويفيقُ الأولادُ ،ينادونَ بعضهم ، يجتمعونَ بجانبي .. ويبدأُ اللّعب.

سـعفانُ ومحمودٌ ، يتباريانِ بالقفزِ فوقي ، يرجعانِ إلى الخلفِ ، يركضانِ .. ويقفزان

واضِعَينِ أيديَهما على ظهري ، فيبدوانِ كمُهْرَينِ رشـيقَينِ يقْفزانِ العوارضَ الخشـبيّةَ.

حمدانُ وخلفانُ وجدعانُ ، يلعبونَ لعبةَ الاختباء، ويختبئُ حمدانُ خلفي كأرنبٍ خائفٍ،

فأحنوعليه كأُمٍّ . أمّا ريمُ . فتُقبِلُ نحوي ، حامِلَةً قطعةً من الفحمِ ، وتبدأُ الرّسـمَ على

وجهي الأبيضِ ، أحياناً ترسمُ سِربَ سنونو ، أو مزهريّةً ، أودميةً قماشيّةً ، أو… وكلّما

امتلأَ وجهي بالرّسـومِ والأسماءِ والأشـعار ِ، طلَتْني أُمُّ عدنانَ بالأبيض، وهذا الطِّلاءُ يُغري

الأولادَ بالرّسمِ والكتابةِ من جديد، يحملونَ قطعَ الفحمِ،ويُهروِلونَ نحوي كأنّني مدرسةٌ

فتحت أبوابَها لليومِ الأوّلِ. وعندَ العصرِ ، وفوق ظلّي الكثيفِ، تمدُّ أُمُ عدنانَ سجادةً من

الخِرقِ الملوّنةِ، وتنامُ قيلولتَها ، وتشـخرعلى الرّغمِ من كلّ ذلك ، لم أنسَ صداقتي للزّهورِ

والحشائشِ ، فبعدَ كلِّ شـتاءٍ ،تنتشُ البذورُ الّتي أحملُها في جوفي ، فتمُطّ الحشائشُ و

الأزهارُ رؤوسَها من شقوقي وتكبرُ ، وكم كانَ مدهشاً منظرُ إحدى الزّهورِ البنفسجيةِ الّتي

نمتْ فوقَ المزهريّةِ الفارغةِ التي رسَمتْها ريم ، حتّى إنَّ أهالي الضّيعةِ كلّهم جاؤوا ليرَوا

تِلكَ المصادفةَ الرائعة.وتمرُّ السّـنونُ ، وتتوالى الفصولُ ، ويزدادُ تشـقُّقي … وأشـعرُ أنّني

لاأقوى حتّى على حَملِ ديكٍ خفيفِ الوزنِ ،و… أسمعُ عدنانَ يريدُ هدمي ! نعم .. هدمي

. فاليوم .. جلسَ معَ أُمِّهِ في ظلّي ، أسـندَ ظهرَهُ إليَّ ، قال :سـأهدمُ الحائطَ ، إنّهُ مُتداعٍ

ويكادُ ينهار. ردّتْ أُمَّ عدنان :ونبقى دونَ حائط ؟!

مَنْ قالَ إنّنا سـنبقى دونَ حائط ؟ سـأبني بدلاً عنهُ سُـوراً منَ الحجارةِ المصقولةِ. ثمّ دخلَ

البيتَ ، مُخْرجاً مَهدّةً حديديّةً كبيرة. ارتَجَفْتُ خوفاً ، كدْتُ أنْهار ُ.. لكنّني تماسكْتُ عندما

رأيتُ أُمَّ عدنانَ تنظرُ إليَّ بعينينِ حزينتين ،وتقول :

أرجِعِ المهدّةَ ، أنا راضيةٌ بالحائط.

لكنّه قديم !

ابنِ لنفسـِكَ بيتاً جديداً ، وسـَوِّرْهُ بحائطٍ من الحجر، أمّا أنا فسـأرمِّمُه .

ثمّ مسحتْ بيدها الحانيةِ على ظهري ، وسَـكَبتْ دمعتينِ سـاخنتين . زالَ خوفي … وأقسـمْتُ

أنْ أهدي أمَّ عدنانَ في الرّبيعِ القادمِ ، زهرتينِ بيضاوينِ سـتنبتانِ مكانَ الدّمعتينِ بالضّبط

    الونشريس

    تسلمى

    يسلموووو

    القصة راقية بشكل لا يوصف

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.