كان الصبي يقصد ظهر كل يوم إلى سوق قريته الكبيرة، يخترقه ماشياً فيه بقدميه طولاً وعرضاً، تقفز عيناه متعجبتين راجيتين من مقدمة دكان إلى مقدمة دكان، يقترب أحياناً، ينظر إلى هذه الفاكهة أو تلك، بل ويتوقف مرات ينظر عابثاً بأصابع يديه، يرغب ويتمنى، لكنه لا يملك ما يشتري به شيئاً منها.
ذات يوم قطع الصبي السوق وقبل نهايته وجد سلة مليئة بالتمر والتين والتفاح وقطعة لحم ومعها ثلاثة أرغفة من الخبز، تلفت حوله كان السوق خالياً وساكناً تماماً فقد استغرق أكثر ناسه في نوم الظهيرة، ولما لم يجد أحداً يكلمه أو يسأله عن السلة، قال في نفسه:
"إنه رزق من الله سبحانه وتعالى"..
وحملها وأسرع بها راكضاً إلى جدته ينهب الأرض نهباً.
صار الصبي حمدان ينتظر موعد الظهيرة بلهفة فقد كان يجد السلة مليئة كل يوم بكل أصناف الفاكهة واللحم والخبز، وعلى الرغم من مرور أيام عديدة على هذه الحال لكنه بقي يتلفت وأحيانا يصيح: "هل من أحد هنا؟" ثم يحملها ويسرع راكضاً ثم صار يحملها ويسرع ماشياً وكأن وجود السلة تنتظره غداء أمر اعتيادي..
لكن جدته العجوز الكبيرة العاجزة لم تفهم ماذا يحصل للصبي حفيدها وماذا يحدث معه وعلى الرغم من أنها كانت تفرح كثيراً بالرزق ومن أجله هو، لكنها كانت كثيرة التفكير وإن كانت لا تعرف كيف يصدق –إن كان يسرق لا سمح الله- أن تكون الأشياء مجموعة في سلة؟؟ وحين رأت حِمَّاراً (صاحب حمار) يمر قريباً من الكوخ نادت عليه فأركبها والصبي يسير إلى جنبه..
في السوق وقف الصبي معها في المكان الذي يجد فيه السلة كل يوم وتلفتت حولها وعندها خرج لها رجل وجهه تضيئه ابتسامة، سلم عليها وقال لها:
– أنا من كان يضع السلة للصبي.. لقد كان صبياً عفيفاً ينظر ويتمنى ولكنه لا يمد يده، مع أن أصحاب المحال نيام جميعهم. وكنت، وأنا أنظر إليه، أتذكر أولادي.. فوددت أن أفرحه كما كنت أراهم يفرحون.. ولا حاجة لي بشكر منك أيتها الأم الكبيرة ولا بثمن.. فالله سبحانه زادني خيراً ورزقاً.
وبسرعة جمع الرجل الطيب لهما في سلة أكبر الكثير من الطحين والرز والفاكهة واللحم، ونادى على حمَّار يمر قربه وقال له:
– خذ أُمَّنا وحفيدها إلى بيتها وعد إليّ فأعطيك أجرك..