بنسبة 1%.
لا بد أنك سمعت أو قرأت شيئاً ما عن فصام الشخصية أو أن لديك قدراً من المعرفة عن هذا المرض،
ولمعرفة المزيد عن هذا المرض تستضيف الزاوية الصحية الدكتور جلال الدين شربا الاختصاصي بالأمراض العصبية والنفسية فيقول: بداية لا بد أن يعلم القارىء أن ثلث مرضى الفصام يشـفون تمامـاً وثلثهـم يتحسنون بشكـل جيد ويتابعون حياتهم بشكل طبيعي.
وفي الماضي كانت المشكلة كبيرة حين كان الفصامـيون يعتبرون مصدراً للعنف والسلـوك العدوانـي والمضـاد للمجتمع وهو تصور ثبت خطؤه، لكن هناك أنماط سلوكية معينة يتبعهـا الفصامـي لا تنسجـم مـع نظام وتوقعـات المجتمع مما يشكل انحرافاً مداناً من المجتمع.
والفصام حالة مرضية يجب ألا تدعو للخوف أو الخجل أو الإحساس بالذنب من قبل الأهل، فهو حادثـة طبيعيـة مثلها مثل أي مشكلة حياتية قدريـة تعترضـنا ويجب مواجهتهـا بكـل شجاعـة ومحاولـة علاجهـا والوقايـة منهـا والتخفيف من وطأتها على الأسرة والفرد.
والفصام لا يسبب ألماً عضوياً لكنـه يسبب معانـاة نفسـية شديدة تجعـل المريض وأهلـه يتمنون لو أنـه مصـاب بمرض عضوي آخر، كما أن الفصامي يعاني من الإحساس بالغربة وانقطاع الصلة بالعالم فهو يجد نفسه غير قادر على فهم الآخرين كما أنهم بالمثل غير قادرين على فهمه، فهو معزول.
ما هو الفصام؟
– حالـة اضطراب نفسيـة عقلية تصيب الإنسـان وتحدث تغييراً كبيراً فـي أنمـاط التفكيـر والسـلوك والشعـوروالوجدان مما يؤدي إلى اختلاط الحقيقة بالوهم، وتبني أسلوب حياة لا ينسجم مع الواقع .ويكثر حدوثه في مرحلة الشباب بين عمر (20و40) سنة ويحدث في كل الطبقات وفي المدن والأرياف ويصيب الذكور والإناث بنسبة 1%.
ما هي أسبابه؟
1. وراثية ولا يعني أن المرض يورث كمـا يورث لـون البشرة وشـكل الوجـه بـل تعنـي أن هنـاك تهيؤاً عـند الشخص للإصابة بالمرض يحتاج لعوامل أخرى لإظهار المرض، فالمشكلات النفسية تحدث تغيرات كيميائية حيوية في الدماغ تؤدي إلى اضطرابات في الوظائف النفسية وبالتالي ظهور السلوك المرضـي والاضطـراب النفسي.
2. أسباب نفسية: حيث تؤثر العوامل النفسية على الحالة النفسية والعقلية للشخص بطرق مختلفة عن الآخرين مما يؤدي للإصابة بالفصام.
3.الطفولة والحالة الأسرية: وينضوي تحت هذا العنوان شخصية الأم التي تلعب دوراً كبيراً فالأم التي تزرع في نفس أطفالها المشاعر السلبية والخوف والتوتر والشعور بالعداء تجاه الآخرين، وبرودة العاطفـة والتنافـس على امتلاك الأشياء المادية هذا السلوك يجعل الأطفال المهيئين وراثياً للمرض أكثر استجابة لظهوره.
4. مرحلة الشباب والمراهقة: فعدم القدرة على اكتساب الاحساس بالهوية، وعدم القدرة على إنجاز ما تتوقعه أسرته ومجتمعه منه كما تتزايد الضغوط على التحاقه بالدراسة والعمل ودخول أجواء التنافس مما يشعره أنه محاط، وعند مفترق طرق.. فإن كانت شخصيته متينة ولا توجد تهيئة وراثية فإنـه سيكـون قادراً على متابعــة المنافسة والدخـول فـي معـترك الحياة مثابـراً علـى طموحاتـه رغـم ما يتعرض لـه مـن إحباطـات، وإذا كانــت شخصية مهيأة وراثياً للمرض فسيبتعد عن المجتمع ويعيش في عزلة شديدة مع أوهامه وتخيلاته أو يأخذ الشكل العنيف مع الاهلاس والتوهمات.
5. الأسباب الاجتماعية والثقافية: وهي محدودة التأثير فالحرمان والضغوط الاجتماعية والهجرة تزيد معدل حدوث المرض.
ما هي الأعراض التي يظهر بها فصام الشخصية؟
لتوضيح الحالة سأورد مثالين:
طالب جامعي عمره 20سنة كان إنجازه الدراسي جيداً جداً طوال السنوات الماضيـة وبشكـل تدريجـي بدأبالغياب عن محاضراته وإهمال دروسه وهندامه ونظافته وأضحى يجلس فـي غرفتـه منعزلاً شارداً لساعـات طويلة وقلت مشاركاته للأسرة في جلساتها وحوارها أو في متابعة برامج تلفزيونية، ثم أصبح يصاب بالخوف الشديد مؤكداً أن هناك من يراقبه ويلاحقه وقلّ نومه لدرجة كبيرة.
و المثال الثاني :
موظف حاصل على إجازة جامعية وذو تأهيل عال فجأة بدأ دوامه يضطرب ويتكرر غيابه وأخذ في العــودة إلى الكتب المدرسية القديمة مع إهمال لكل نواحي حياته الأخرى، ولدى سؤالـه عن سبـب ذلك يجيبـك أنــــه يبحث عن حقائق النظريات الهندسية البسيطة، وأنه لا يود الذهاب إلى العمل لأن زملاءه يدبرون له مكيـــدة للقضاء عليه والاستيلاء على أفكاره المبدعة، سأستعرض بعض الأعراض التي قد يصادفهـا أحدنا مع شخص بدأ بالدخول في مرحلة المرض.
1-تغيرات في الشخصية وهذه التغيرات قد تحدث ببطء لدرجة أن من يعيش مع هذا الشخص قد لا يعتبرهــا مرضية ولكن الأشخاص الذين لا يرونه إلا في قترات متباعدة سيلحظون ذلك.
2-تراجع في التحصيل الدراسي أو الأداء الوظيفي مع عدم المبالاة بذلك التراجع
3-الانسحاب الاجتماعي: حيث يعزل الشخص نفسه عن الآخرين ممضياً ساعات بل أياماً حبيس غرفتـه مع السيجارة والشاي والشرود.
4-الإحساس بعدم الأمان والشك في كل شيء: فيخاف أن يتناول الطعام أو الشراب من أي شخص (( والدتـه أخته – زوجته )) حتى أنه يقوم بكل الأعمال بنفسه خوفاً من أن يضع له أحد ما شيئاً ضاراً او ساماً في الطعام والشراب.
5-الأفكار الخاطئة والتوهمات: فقد أن هناك من يلاحقه ويراقبه وأن الآخرين ينظـرون إليه نـظرات مختلفــة ويلتفت يمنة ويسرة وهو يسير في الشارع ظناً منه أن هناك من يتبعه فالكـل ينـظر إليـه وكأنـه مذنب أو أنهـم يعرفون ما يدور في رأسه من أفكار ويأخذ بتأويل الوقائع والأحداث على نحو غريب لا يشاركه فيه أحد.
6-قد تأتي الأعراض بشكل حاد صاخب فيكون المريض هائجاً عنيفاً تنتابه ثورات هياج مع أرق شدـيد حـيث يبقى ليالي لا ينام فيها إلا النذر اليسير يكلم نفسه بشكل غير مفهوم ويصبح مردداً لعبارات مثل:
((ابتعدوا عني – اتركوني)) أو يحاول إغلاق أذنيه كيلا يسمع تلك الأصوات التي لا يعرف مصدرها والتي تشكل إزعاجاً وخوفاً له.
7-تغير سلوك وطباع المريض: مثلاً المريضة التي كانت طوال حياتها محافظة في كلامها ولباسها وسلوكهـا تنقلب فجأة ومن دون سابق إنذار إلى متهورة وطائشة في تعاملها مع الآخرين.
وكذلك في خروجها من منزلها بأوقات غير متناسبة مع عادات أسرتها ومجتمعها وقد يحدث العكس وهو الأكثر شيوعـاً في مجتمعنا.فالشخص الذي واظب على دراسته وعمله بشكل طبيعي يبدأ بالتحول إلى الإهمال في عمله وبيته ويبالغ فـيالأمور الدينية، ويردد العبارات الدينية بمناسبة وبدونها ويحاول إسداء النصائح الدينية للجميع وقد يظن خطأ أنها صحوة دينية لكن سرعان ما تتكشف بسره أنهـا ليست سـوى حالـة مرضيـة، فلا هـي قناعـات ولا هـي مباديء اكتسبها عن دراسة وعلـم.
هذه مظاهربسيطة لهذا المرض، فما الحل؟
يقول الدكتور شربا:
أتوجه بدعوة الأهل والمجتمع إلى عدم محاولة الاقتناع بأن تلك الحلات طبيعية أو أنها نتيجـة ذكـاء مفـرط أو أنها حالات تقرب من الله أو لمسة جن أو سحر، ذلك أن كل هذه المحـاولات ستؤدي حتمـاً إلـى تفاقـم الحالـة المرضية وإلى إضاعة الوقت سواء كان ذلك دراسـة أو عمـلاً وكذلك ازديـاد المشاكـل العائليـة والاجتماعيـة وتهديد كيان الأسرة وكذلك الأخطار المترتبة على الشخص نفسه وعلى المحيطين به.
أدعو كل من لديه أشخاص يعانون من هذه الحالـة إلى الوقـوف بصدق وجرأة مـع النفس والوعـي الـتام أن ذلك ليس سوى حالة مرضية يجب علاجها وهي قابلة للعلاج الطبي وأن ذلك العلاج لا يؤثـر علـى عقـل المريض وذكائه ومستقبله ويجب أن يتم العلاج بالسرعة الممكنة سواء قبل المريض أم لا، ولا بـد هنا من التنويه إلى هذه النقطة وهي ان علاج مرض الفصام يجب ألا يعتمد علـى موافقتـهم (( المرضـى ))
فهم أساساً لا يصدقون أنهم مرضى لذلك على الأهل إتخاذ القرار وإجبار المريض على العلاج دون جدال وانتظار إقناعه أن في ذلك مصلحته، فلن يؤثر إجبارهم على تناول العلاج على حالتهم النفسية ولن يؤدي إلى تدهورها في الحاضر ولا في المستقبل وأن ما يوفره الطب النفسي الحديث من علاجات لهذا المرض يدعونا للتفاؤل بقدرتنا على إعادة المريض إلى حياته وعمله، وأسرته بعد أن كان الاعتقاد السائد لعقود طويلة أن إصابة فرد بهذا المرض يعني حكماً خروجه من الحياة الطبيعية وكم من المرضى يمارسون أعمالهم بيننا دون ان ندرك أنهم عانوا من هذا المرض في يوم ما.