تخطى إلى المحتوى

تفسيرسورة الحاقة مقدمة وتمهيد 2024

الونشريس
تفسيرسورة الحاقة
مقدمة وتمهيد


الونشريس

1- سورة «الحاقة» من السور المكية الخالصة، وكان نزولها بعد سورة «الملك» وقبل سورة «المعارج» ، وعدد آياتها إحدى وخمسون آية، وعند بعضهم اثنتان وخمسون آية.
قال الآلوسى: «ويدل على مكيتها ما أخرجه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب قال:
«خرجت أتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فوقفت خلفه، فاستفتح بسورة (الحاقة) ، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت- أى في نفسي-: هذا والله شاعر، فقرأ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ فقلت:
كاهن، فقرأ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ إلى آخر السورة. فوقع الإسلام في قلبي كل موقع».
الراوي:عمر بن الخطاب المحدث:ابن كثير المصدر:مسند الفاروق الجزء أو الصفحة:2/618 حكم المحدث:حسن جيد الإسناد إلا أن شريح بن عبيد لم يدرك أيام عمر

وعلى هذا الحديث يكون نزولها في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة لأن إسلام عمر- رضى الله عنه- كان- تقريبا- في ذلك الوقت.
2- والسورة الكريمة زاخرة بالحديث عن أهوال يوم القيامة، وعن مصارع المكذبين، وعن أحوال أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وعن إقامة الأدلة المتعددة على أن هذا القرآن من عند الله- تعالى- وعلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه- عز وجل-.
وتمتاز هذه السورة بقصر آياتها، وبرهبة وقعها على النفوس، إذ كل قارئ لها بتدبر فكر، يحس عند قراءتها بالهول القاصم، وبالجد الصارم، وببيان أن هذا الدين حق لا يشوبه باطل. وأن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم صدق لا يحوم حوله كذب.
نرى ذلك كله في اسمها، وفي حديثها عن مصارع الغابرين، وعن مشاهد يوم القيامة التي يشيب لها الولدان.
نسأل الله تعالى- أن يرحمنا جميعا برحمته . تفسير الوسيط الطنطاوي
الونشريس
مقدمة من الظلال

الونشريس

• هذه سورة هائلة رهيبة ; قل أن يتلقاها الحس إلا بهزة عميقة ، وهي بذاتها أقوى من كل استعراض ومن كل تحليل , ومن كل تعليق !
• والسورة بجملتها تلقي في الحس بكل قوة وعمق إحساسا واحدا بمعنى واحد . . أن هذا الأمر , أمر الدين والعقيدة , جد خالص حازم جازم . جد كله لا هزل فيه . ولا مجال فيه للهزل . جد في الدنيا وجد في الآخرة , وجد في ميزان الله وحسابه . جد لا يحتمل التلفت عنه هنا أو هناك كثيرا ولا قليلا . وأي تلفت عنه من أي أحد يستنزل غضب الله الصارم , وأخذه الحاسم . ولو كان الذي يتلفت عنه هو الرسول . فالأمر أكبر من الرسول وأكبر من البشر . . إنه الحق . حق اليقين . من رب العالمين .
• يبرز هذا المعنى في اسم القيامة المختار في هذه السورة , والذي سميت به السورة:"الحاقة " . . وهي بلفظها وجرسها ومعناها تلقي في الحس معنى الجد والصرامة والحق والاستقرار .

الونشريس



•ويبرز في مصارع المكذبين بالدين وبالعقيدة وبالآخرة قوما بعد قوم , وجماعة بعد جماعة , مصارعهم العاصفة القاصمة الحاسمة الجازمة:
( فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) . .
_ وهكذا كل من تلفت عن هذا الأمر أخذ أخذة مروعة داهمة قاصمة , تتناسب مع الجد الصارم الحاسم في هذا الأمر العظيم الهائل , الذي لا يحتمل هزلا , ولا يحتمل لعبا , ولا يحتمل تلفتا عنه من هنا أو هناك !


الونشريس

• ويبرز في مشهد القيامة المروع , وفي نهاية الكون الرهيبة , وفي جلال التجلي كذلك وهو أروع وأهول:

{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)}.


الونشريس

• ذلك الهول . وهذا الجلال . يخلعان الجد الرائع الجليل على مشهد الحساب عن ذلك الأمر المهول . ويشاركان في تعميق ذلك المعنى في الحس مع سائر إيقاعات السورة وإيحاءاتها . هو وما بعده من مقالة الناجين والمعذبين: فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول:هاؤم اقرؤوا كتابيه . إني ظننت أني ملاق حسابيه . . فقد نجا وما يكاد يصدق بالنجاة . .
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)}. . بهذا التفجع الطويل , الذي يطبع في الحس وقع هذا المصير . .


الونشريس

• ثم يبدو ذلك الجد الصارم والهول القاصم في النطق العلوي بالقضاء الرهيب الرعيب , في اليوم الهائل , وفي الموقف الجليل:
{ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) } .

وكل فقرة كأنها تحمل ثقل السماوات والأرض , وتنقض في جلال مذهل , وفي هول مروع , وفي جد ثقيل . .


الونشريس

• ثم ما يعقب كلمة القضاء الجليل , من بيان لموجبات الحكم الرهيب ونهاية المذنب الرعيبة:
{إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)}
• ثم يبرز ذلك المعنى في التلويح بقسم هائل , وفي تقرير الله لحقيقة الدين الأخير:
({فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43).

الونشريس

• وأخيرا يبرز الجد في الإيقاع الأخير . وفي التهديد الجازم والأخذ القاصم لكل من يتلاعب في هذا الأمر أو يبدل . كائنا من كان , ولو كان هو محمدا الرسول:
(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)). .
فهو الأمر الذي لا تسامح فيه ولا هوادة ولا لين .


الونشريس

.
••وعندئذ تختم السورة بالتقرير الجازم الحاسم والقول الفصل الأخير عن هذا الأمر الخطير:(وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)}). . وهو الختام الذي يقطع كل قول , ويلقي بكلمة الفصل , وينتهي إلى الفراغ من كل لغو , والتسبيح باسم الله العظيم . .

الونشريس

•إن أسلوب السورة يحاصر الحس بالمشاهد الحية , المتناهية الحيوية , بحيث لا يملك منها فكاكا , ولا يتصور إلا أنها حية واقعة حاضرة , تطالعه بحيويتها وقوتها وفاعليتها بصورة عجيبة !

الونشريس

_ فهذه مصارع ثمود وعاد وفرعون وقرى لوط [ المؤتفكات ] حاضرة شاخصة , والهول المروع يجتاح مشاهدها لا فكاك للحس منها . وهذا مشهد الطوفان وبقايا البشرية محمولة في الجارية مرسوما في آيتين اثنتين سريعتين . . ومن ذا الذي يقرأ:
( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) . .


ولا يتمثل لحسه منظر العاصفة المزمجرةالمحطمة المدمرة . سبع ليال وثمانية أيام . ومشهد القوم بعدها صرعى مجدلين (كأنهم أعجاز نخل خاوية !).

_ وهو مشهد حي ماثل للعين , ماثل للقلب , ماثل للخيال ! وكذلك سائر مشاهد الأخذ الشديد العنيف في السورة .


ثم هذه مشاهد النهاية المروعة لهذا الكون . هذه هي تخايل للحس , وتقرقع حوله , وتغمره بالرعب والهول والكآبة . ومن ذا الذي يسمع
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)}!! ومن الذي يسمع: (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية . والملك على أرجائها). . ولا يتمثل خاطره هذه النهاية الحزينة , وهذا المشهد المفجع للسماء الجميلة المتينة ?! ثم من الذي لا يغمر حسه الجلال والهول وهو يسمعالونشريسوالملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية . يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية). .
•ومشهد الناجي الآخذ كتابه بيمينه والدنيا لا تسعه من الفرحة , وهو يدعو الخلائق كلها لتقرأ كتابه في رنة الفرح والغبطة:
{فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)}


الونشريس

• ومشهد الهالك الآخذ كتابه بشماله . والحسرة تئن في كلماته ونبراته وإيقاعاته:
( يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29))

ومن ذا الذي لا يرتعش حسه , وهو يسمع ذلك القضاء الرهيب:


( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32).
. الخ. . وهو يشهد كيف يتسابق المأمورون إلى تنفيذ الأمر الرهيب الجليل في ذلك البائس الحسير !
وحاله هناك:
{ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)}
وأخيرا فمن ذا الذي لا تأخذه الرجفة وتلفه الرهبة , وهو يتمثل في الخيال صورة التهديد الشديد:
( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)!). .
إنها مشاهد من القوة والحيوية والحضور بحيث لا يملك الحس أن يتلفت عنها طوال السورة , وهي تلح عليه , وتضغط , وتتخلل الأعصاب والمشاعر في تأثير حقيقي عنيف !سيد قطب

الونشريس



انتهت المقدمة ونبدأ بإذن الله فى تفسير السورة
المراجع:
الطنطاوى التفسير الوسيط
سيد قطب فى ظلال القرآن.

بارك الله فيكم على طيب المتابعة فى أمان الله
الونشريس


    مشكورة مجهود رائع
    جعلنا الله من اهل الجنه

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.