أنا اللى بالأمر المحال اغتـوى
شفت القمر نطيت فى الهــوا
طلته ماطلـتوش إيه أنا يهمنى
وليه مادام بالنشوة قلبى ارتوى
وعجبـى !!!
ترى من هذا الذى اغتوى بالمحال؟؟؟
إنه.. محمد صلاح الدين/ بهجت حلمى/ أحمد حلمى/ حسن المهدى/ على/ عامر المهدى/ السيد الشريف/ صقر/ جاهين. الشهير بـ "صلاح جاهين".
اغتوى بالمحال.. عشق الصعب، وطوع المستحيل… افترش خياله بساطاً نسجه من خيوط أفكاره وألوان أحاسيسه، وحلق به فوق المدن والقرى… دخل كل بيت وكل قلب، أبت نفسه التكلف، فخلق دنياه بسيطة .. رقيقة .. تشع منها أنوار الطفولة، وتملأ أرجائها ملامح البسطاء.
البسطاء .. تلك الكلمة السحرية التى أخرجت جنى الشعر ومارد الرسم، وهى نفسها التى استمد منها القوة فى ضعفه، والبهجة فى حزنه.
استطاع صلاح جاهين ببساطته وتلقائيته التعبير عن كل ما يشغل البسطاء بأسلوب يسهل فهمهه واستيعابه، وهو ما جعله فارساً يحلق برسومه وكلماته ويطوف بها بين مختلف طبقات الشعب المصرى، بل كانت جواز سفره لمختلف البلدان العربية التى رددت كلماته حَفْزاً للعمل والانجاز.
رغم الشهرة الواسعة التى حظى بها صلاح جاهين ورغم إجادته الحديث عن مختلف الموضوعات ـ كما يقول عنه المقربون منه ـ لم يُجِد الحديث عن نفسه؛ فأوكل المهمة لأشعاره لتعبر عن مكنونات نفسه.
ولد صلاح جاهين فى 25/12/1930 م بحى بشبرا فى شارع جميل باشا.
وصلاح جاهين هو الأكبر بين إخوته.
والد صلاح جاهين
والده المستشار بهجت حلمى الذى تدرج فى السلك القضائى بدءً من وكيل نيابة حتى عُين رئيساً لمحكمة استئناف المنصورة.
كانت ولادة صلاح جاهين متعثرة تعرضت أثنائها والدته للخطر، فوُلد شديد الزرقة دون صرخة حتى ظن المحيطون أن الطفل قد ولد ميتاً، ولكن جاءت صرخة الطفل منبهة بولادة طفل ليس ككل الأطفال.
وكانت لهذه الولادة المتعثرة تأثيرها، فمن المعروف أن الولادة المتعثرة تترك آثارها على الطفل فتلازمه طول حياته وقد تتسبب فى عدم استقرار الحالة المزاجية أو الحدة فى التعبير عن المشاعر – سواء كانت فرحاً أو حزناً، وهو ما لوحظ فى صلاح جاهين الذى يفرح كالأطفال ويحزن لدرجة الاكتئاب عند المصائب.
صلاح طفلاً:
صلاح جاهين طفلاً
عُرف عن صلاح جاهين فى طفولته الهدوء – رغم كونه الابن الأكبر والأخ الأكبر لثلاث شقيقات هن: بهيجة، وجدان، وسامية، وتصغره الأخيرتين بفارق زمنى كبير. لذا توثقت علاقته بشقيقته السيدة بهيجة. فكان شديد الحنان والتسامح مع أخته، حتى أنه كان يتطوع للدفاع عنها عند عقابها إذا ما أخطأت فى حقه.
ومن طبيعة جاهين الهادئة كانت هواياته الهادئة والرقيقة، فكان يهوى صنع الألعاب اليدوية الدقيقة ومنها العرائس لأخواته مقلداً بذلك والدته التى كانت تصنع بعض اللعب بالطين.
والدة صلاح جاهين
أيضاً ورث جاهين هواية القراءة عن والدته – السيدة أمينة حسن – التى كانت تروى له القصص العالمية والأمثال الشعبية بأسلوب سلس لطالما عشقه، فعملت على غرس كل ما تعلمته من دراستها فى مدرسة السنية، ثم عملها كمدرسة للغة الانجليزية فى طفلها النبيه الذى تعلم القراءة فى سن الثالثة. كما لعبت مكتبة جده السياسى والكاتب أحمد حلمى (شارع أحمد حلمى بشبرا يحمل اسمه) – زميل ورفيق الزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد ـ لعبت تلك المكتبة دوراً كبيراً فى إتاحة مجموعة كبيرة من الكتب فى شتى المجالات أمام القارئ الصغير.
ومن هذه المكتبة المنزلية نشأ ولعه بالمكتبات التى كانت أول ما يبحث عنه فى كل محافظة تنتقل إليها الأسرة برفقة الوالد الذى حتمت عليه وظيفته كثرة الانتقال.
تمتع صلاح جاهين منذ صغره بموهبة "الحكى" فكان يقرأ كل ما تقع عليه عيناه ثم يعيد روايته لشقيقاته بأسلوب شيق ومميز يحرص فيه على إيقاع الكلمات. فى سن الرابعة – أو ما دونها – نظم بعض الجمل مرحباً بضيف أباه د. على العنانى فقال: "كانى مانى …
ما خطه صديق الوالد
دكان الزلبانى … د. على العنانى"، فبهرت هذه الكلمات البسيطة الطفولية د. على العنانى حتى أنه سجل إعجابه وتنبؤه له بمستقبل باهر على ظهر صورة أهداها للطفل الفصيح. كما قام بنظم بعض الكلمات على إيقاع دقات القطار على القضبان.
ولكن أول قصيدة حقيقية كتبها كانت وهو فى السادسة عشرة من عمره يرثى فيها الشهداء الذين سقطوا فى مظاهرات الطلبة بالمنصورة عام 1946 قال فيها:
كفكفت دمعى ولم يبق سوى الجَلََد
ليت المـراثى تعيد المجـد للبلد
صبراً … فإنا أسود عند غضبتنا
من ذا يطيـق بقـاءً فى فم الأسد.
ورغم هذا الظهور المبكر لموهبة الشعر، إلا أن موهبة الرسم قد تأخرت فى الظهور حتى سن الرابعة عشر تقريباً، فلم تزد درجاته فى الرسم طوال طفولته عن 4 على 10.
ويرجع الفضل فى تفجر موهبة صلاح جاهين فى فن الرسم إلى مدرس الرسم فى هذه الفترة من حياته – الأستاذ الأرناؤوطى – الذى بوعيه وتفهمه منح للأطفال الحرية فى التعبير عن بعض القصص الخيالية وقصص من الأدب العالمى – مثل الكوميديا الإلهية – التى كان يقرأها عليهم لكسر قيود التقليدية، وهنا وجد الطفل صلاح جاهين متنفساً لقدراته الفنية الحرة فى الخروج والتعبير، فتفوق فى الرسم وشارك فى العديد من المسابقات الدولية لرسم الأطفال.
بشكل عام كان صلاح جاهين طالباً مجتهداً رغم اهتماماته العديدة وعدم رضاؤه عن الأساليب التقليدية فى التعليم وترحال الأسرة الدائم، فقد حصل صلاح جاهين على الابتدائية من أسيوط وعلى الثقافة من المنصورة، والتوجيهية من طنطا.
صلاح شاباً
كان إيمان صلاح جاهين راسخاً بعدم جدوى التعليم بالأساليب التقليدية، ورغبته فى دراسة ما يهوى؛ فكان رفضه الشديد لضغط والديه عليه بدراسة القانون ليكمل مسيرة الوالد، ولكنه انصاع فى النهاية لرغبتهما والتحق بكلية الحقوق.
ولا يهمنى
وكان من نتيجة عدم رضاؤه عن الالتحاق بكلية الحقوق أن تعثر فى دراسته، حتى أنه قضى فى السنة الأولى ثلاث سنوات متتالية حتى لحقته أخته ونجحا معاً فى السنة الأولى والثانية. ولكن لم يستطع صلاح جاهين أن يكبت بركان الفن داخله أكثر من ذلك، فكان رفضه هذه المرة قاطعاً لمحاولات والديه إقناعه بالعدول عن قراره، وهو ما أسفر عن مشادة عنيفة بينه وبين والده غادر صلاح جاهين المنزل على إثرها دون إطلاع أحداً على مقصده. فتوجه لبيت الفنانين بوكالة الغورى ثم سافر لعمه بغزة، وقضى فترة هناك عاد بعدها إلى القاهرة حيث قرأ إعلاناً عن وظيفة مصمم مجلات بالمملكة العربية السعودية، فتقدم لها ثم سافر دون أن يخبر أحداً، ولم يعلم والديه إلا بعد سفره بالفعل. ولكنه عاد مرة أخرى لمصر بعد أن تلقى خطاباً من والده يحثه فيه على العودة. ورغم التحاق صلاح جاهين بكلية الفنون الجميلة بعد ذلك إلا انه لم يكمل الدراسة بها أيضاً.
الحياة العملية:
بدأ صلاح جاهين حياته العملية فى جريدة بنت النيل، ثم جريدة التحرير. وفى هذه الفترة أصدر أول دواوينه "كلمة سلام" فى عام 1955.
وفى منتصف الخمسينيات بدأت شهرته كرسام كاريكاتير فى مجلة روز اليوسف، ثم فى مجلة صباح الخير التى شارك فى تأسيسها عام 1957، واشتهرت شخصياته الكاريكاتورية مثل قيس وليلى، قهوة النشاط، الفهامة، درشوغيرها من الشخصيات.
درش
لقد كانت رسوم صلاح جاهين الكاريكاتورية مؤثرة للغاية، لدرجة أنها تسببت أكثر من مرة فى أزمات سياسية عديدة كان من أبرزها اختلافه مع الشيخ الغزالى بالكاريكاتور عند مناقشة مشروع الميثاق فى عام 1962، فاستباح طلاب الأزهر دمه وتظاهروا وتجمهروا أمام جريدة الأهرام. كما أجرى معه المدعى العام الاشتراكى تحقيقاً بسبب كاريكاتيراً انتقد فيه تقريراً حول نتيجة التحقيق فى شأن تلوث مياه القاهرة.
كما كان صلاح جاهين على شفا دخول المعتقل، فقد وُضِع اسمه على رأس قائمة المعتقلين أكثر من مرة – نظراً لما يعرف عنه من ميول يسارية ونقداً للنظام – لولا تدخل الرئيس جمال عبد الناصر شخصياً لحذف اسمه خمس مرات من هذه القائمة.
وخلال تلك الفترة لم تتوقف أعمال صلاح جاهين الشعرية، فأصدر ديوانه الأول "كلمة سلام" عام 1955، ثم ديوانه الثانى "موال عشان القنال" عام 1957 وفى نفس العام كتب "اليلة الكبيرة" أحد أروع إبداعاته والتى لحنها له سيد مكاوى أحد أقرب أصدقاؤه.
لقد مثلت الفترة الممتدة من 1959 حتى 1967 فترة النضج الشعرى عند صلاح جاهين والتى بلغت قمتها بصدور ديوانه "الرباعيات" عام 1963، ثم عام 1965 حين أصدر ديوانه "قصاقيص ورق"، وخلال تلك الفترة كتب صلاح جاهين أروع أعماله الوطنية التى تغنى بها العديد من المطربين ومنهم عبد الحليم حافظ مثل "صورة"، "بالأحضان"، "والله زمان يا سلاحى" الذى اتُخذ النشيد الوطنى المصرى إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وغيرها من الأعمال الوطنية التى بقت راسخة فى ذاكرة الشعب المصرى. وفى الفترة ذاتها كون صلاح جاهين جماعة "محبى ضوء القمر" عام 1961، كما قدم العديد من المسرحيات مثل "القاهرة فى ألف عام"، وكتب الأغانى والأشعار للعديد من المسرحيات مثل "إيزيس"، و"الحرافيش"، ولم يتوقف إنتاجه عند الأعمال المحلية، بل قام بالترجمة والإعداد مسرحياً لبعض المسرحيات الأجنبية مثل "الإنسان الطيب"، "دائرة الطباشير القوقازية". كما قدم الأغانى والأشعار للعديد من الأعمال الإذاعية مثل أغانى مسلسل "رصاصة فى القلب". وعرفاناً منها بأعماله المتميزة للأطفال – مثل مسرحيات "الفيل النونو الغلباوى"، "الشاطر حسن"، "صحصح لما ينجح"، "حمار شهاب الدين"، والعديد من الأغانى والصور الغنائية للأطفال – اختارته وزارة الثقافة – عام 1962- ليكون مسئولاً عن كل ما يتصل بتوجيه الطفل وثقافته. وانضم صلاح جاهين فى مارس 1964 لأسرة جريدة الأهرام ليكمل مسيرته فيها. كما نال صلاح جاهين وسام الفنون فى عيد العلم عام 1965. وعن هذه الفترة يقول صلاح جاهين عندما سُئل عن اجمل فترات العمر: "هى الفترة ما بين عام 1963-1967 … الفترة دى كانت الذروة فى حياتى".
ولكن جاءت هزيمة 1967 لتكون بمثابة الضربة القاسمة لصلاح جاهين، فأصيب بعدها بالاكتئاب الذى لازمه حتى وفاته. وخلال هذه الفترة توقف عن كتابة الأغانى الوطنية؛ حيث اعتبر نفسه مشاركاً فى الهزيمة بأغانيه وأشعاره شديدة التفاؤل والحماس للثورة ولزعيمها جمال عبد الناصر، فلم يكن صلاح جاهين محباً لعبد الناصر فقط، بل كان مبهوراً به يراه قادراً على تحقيق مالم يستطع أى زعيم وطنى آخر تحقيقه. وعن حبه لعبد الناصر يقول: "أنا وقعت تحت مغناطيسية الكاريزما الموجودة فى شخصية عبد الناصر، ولكنى تعلمت أن انظر إليه بموضوعية..".
ولكنه استعاد توازنه وكتب من وحى حرب الاستنزاف "الدرس انتهى" بعد الهجوم الإسرائيلى على مدرسة بحر البقر، و"عناوين جرانين المستقبل" إثر الهجوم الإسرائيلى على مصنع أبو زعبل. ثم توقف عن الكتابة فترة طويلة كتب بعدها "المصريين أهمه" وكانت آخر أعماله الوطنية.
ورغم الحالة النفسية التى كان يمر بها صلاح جاهين، إلا أنه تغلب على آلامه واستطاع بقلب عليل تثقله الأحزان أن يزرع فى كل واحداً منا بذرة الأمل والتفاؤل والبهجة، فلم يستسلم وقرر أن يطرق أبواباً جديدة، فلم يكن المسرح والكاريكاتير والدواوين أن تسع موهبة صلاح جاهين المتدفقة كشلال لم تستطع أشد المصاعب أن توقفه، طرق صلاح جاهين باب السينما والتلفزيون ولم ينتظر حتى تفتح له الأبواب فقد كانت مفاتيحهما السحرية فى يده لينطلق بنا فى عوالم درامية، غنائية، واستعراضية. فقدم للسينما سيناريوهات أفلام "خللى بالك من زوزو"، "أميرة حبى أنا"، "عودة الابن الضال"، و"شفيقة ومتولى". كما قدم للتلفزيون سيناريو وحوار مسلسل "هو وهى"، فوازير "الخاطبة" و"عروستى"، استعراض "الأسانسير"، "هاشم وروحية"، وغيرهم الكثير. وقام صلاح جاهين بالتمثيل فى بعض الأفلام مثل "جميلة بو حريد"، "اللص والكلاب"، "شهيدة العشق الإلهى"، "لا وقت للحب"، وآخرها "المماليك". ولكنه لم يكمل فى هذا المجال. وعن أدواره فى السينما يقول: "كل الأدوار اللى عرضت على، كانوا بيختارونى عشان وزنى فقط … أنا دخلت مجال التمثيل من باب الفضول".
صلاح الزوج:
"الحب سواء كنت متزوجاً أو لا ؟!، فى حالة عدم الزواج، هناك الحب الحر الذى تستطيع فيه أن تحب كل يوم واحدة. أما الزواج فهو أن تستقر وتختار واحدة تبنى معها الحب يومياً، فعندما تنقطع هذه الصلة وتفقدها تشعر أن هذه فترات ضاعت عليك!"
هكذا كان رأى صلاح جاهين فى الحب والزواج، فالزواج هو الاستقرار، لذلك تزوج صلاح جاهين مرتين، باحثاً عن الاستقرار والحب. فتزوج للمرة الأولى من "سوسن محمد زكى" الرسامة بمؤسسة الهلال عام 1955 وأنجب منها بهاء وأمينة جاهين. ثم تزوج من الفنانة "منى جان قطان" عام 1967 وأنجب منها أصغر أبناءه سامية.
الزواج الأول:
صلاح جاهين وسوسن زكى
عشقت الفنانة سوسن زكى الرسم وأرادت الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، لكن حالت الظروف العائلية دون ذلك فالتحقت بالعمل فى مؤسسة الهلال كرسامة، وهناك التقت بصلاح جاهين الذى كان يعمل فى مجلة التحرير التى يتم طبعها فى دار الهلال، فكان لقاءهما صدفة تعارفا بعدها وبعد فترة وجيزة وبوساطة أحد الأصدقاء تقدم صلاح جاهين لخطبتها ثم تزوجا فى عام 1955.
وعما جذبها فى صلاح جاهين تقول السيدة سوسن زكى: "كان رقيقاً فى معاملاته على كل المستويات … إنساناً مهذباً … نبيلاً فى كل تصرفاته … كان متقدماً فى تفكيره … بسيطاً فى كل المواقف … بهرتنى طريقة تفكيره … وأدهشنى أنه لم تكن لديه طباع متشددة مثل كل الرجال المصريين فى ذلك الوقت … لكن أهم صفة كان يتمتع بها هى البساطة فى كل شئ".
وعن مرحه والطفل داخله تقول: "لما يبقى فاضى ومفيش حاجة يرسمها أو يكتبها، كان يغنى ويرقص ويتنطط فى البيت". كما رقص صلاح جاهين فى المستشفى عند ولادة أول أولاده بهاء.
كان صلاح جاهين صريحاً واضحاً فى كل شئ، فأخبر زوجته منذ البداية أن عمله هو أهم شئ فى حياته تليه هى، كما أخبرها أنه سيصارحها عندما يحب أخرى وهو ما حدث بالفعل فقد اعترف لها بحبه للسيدة منى قطان – زوجته الثانية – وهو ما كان سبب الانفصال بينهما بعد زواج دام 12 عاماً. ورغم الانفصال لم تتأثر علاقته بأبنائه أو أم اولاده فقد كان يهتم بهم فى المناسبات وكان حريصاً على أن يحضر لها الهدايا والتورتات فى عيد ميلادها رغم زواجه من أخرى.
وفى عام 1976 وبناءاً على رغبة صلاح جاهين عادت الحياة بينهما مرة أخرى وذلك لخوفه عليها وعلى أولاده، ولشعوره بالذنب تجاها. واستمرت الحياة بينهما – على الورق – حتى وفاته. "لم يكن خلالها زوجاً عادياً … أو فناناً عادياً، بل كان مزيجاً من الحب والعطاء والحنان". يتبع
صلاح جاهين ومنى قطان
تزوج صلاح جاهين للمرة الثانية من السيدة "منى جان قطان" – الفلسطينية الأصل – ابنة الصحفية والأديبة جاكلين خورى التى هاجرت لمصر بعد حرب 1948 ولم تكن منى وقتها قد تجاوزت العامين. ورغم كونها الابنة الوحيدة إلا إنها قضت بعض طفولتها مع جدتها بعد انفصال والديها، والبعض الآخر فى مدرسة داخلية فى انجلترا اعتادت خلالها الأسلوب الأوروبى فى الحياة. ثم عادت لتقيم مع والدتها الصحفية بالأهرام آنذاك، فعرفتها على زملائها الذى كان صلاح جاهين أحدهم. ففى إحدى زيارتها للأهرام رأت صلاح جاهين يرسم مبناً أثرياً، فسألته عنه فأجابها أنه الأزهر واصطحبها فى زيارة لحى الحسين والأزهر. أما عن المرة الأولى التى قابلت فيها صلاح جاهين فكانت فى صيف 1963- وكان مسرح العرائس يعرض مسرحية "صحصح لما ينجح". فعشقت روح الطفولة الكامنة فى هذا الطفل الكبير، وهو ما افتقدته منى فى طفولتها.
وهكذا كان صلاح جاهين مرآة منى قطان للمجتمع المصرى الشعبى، فرافقته فى رحلاته لهذه الأماكن دون ضيق، فلقد أحبت هذه الأماكن من عشقه لها وتفاعله مع روادها البسطاء.
"- البنت دى فيها حاجة مختلفة. ذكية ولبقة وحساسة أنا بقى أموت فى كده.
– بتحبها؟
– حب إيه يا عم … فيه ناس الحب خسارة فيهم … وناس تانيين الحب بالنسبة لهم يبقى حاجة .. مش قد المقام .. أهى البنت دى واحدة منهم. مخلوق مختلف .. عيب لما الواحد يقول أنه بيحبها .. لأن الكلمة دى اتقالت ملايين المرات فى ملايين السنين عن ملايين الملايين من المخلوقات العادية .. اللى ما فيهاش حاجة ولا ميزة من مزاياها هى."
هكذا وصف صلاح جاهين زوجته منى قطان فى فترة تعارفهما الأولى فى مسلسله الاذاعى "الزير وغطاه" الذى يروى قصة حياته.
بدءا صديقين واستمرت صداقتهما لمدة ثلاث سنوات تقدم بعدها لخطبتها وكان متزوجاً فشعرت منى قطان بالذنب خوفاً أن تكون سبباً فى هدم كيان أسرة، ولكنه كان قد قرر الانفصال عن زوجته الأولى. فتمت الخطبة رسمياً فى صيف 1966، وكان من أسعد أيام صلاح جاهين، وفى هذا اليوم استوحى فكرة الأغنية الوطنية "صورة". ثم بدأت التحضيرات للزواج، وخلال تلك الفترة كان صلاح يشعر بالقلق، يشعر وكأن شئ سيحدث، وتحققت مخاوفه وحدثت نكسة 1967، فتزوجا فى عام 1967 فى حفل بسيط على غير ما كان معداً، فتم عقد القران فى الشهر العقارى؛ إذ أن منى قطان كانت تحمل الجنسية اللبنانية.
وعن طبيعة العلاقة بينهما تقول منى قطان: "الإحساس بالإلتزام هو الذى جعله يدخل كلية الحقوق ولا يكمل دراسته بها، ويدخل كلية الفنون ولا يكمل الدراسة أيضاً … ولذا فالعلاقة بيننا لم تكن علاقة زواج والتزام، بل كانت علاقة صداقة قبل كل شئ."
وعن تعلقه بها يقول صلاح جاهين: "ماذا جعلنى أتعلق بزوجتى ؟! ربما فيها الكثير من أمى، حتى بعض العادات السيئة مثل الكلام الممزوج بلغة أخرى .. فأمى حتى الآن نصف كلماتها بالإنجليزية، وعندما قابلت منى قطان وجدت فيها هذه الخصال الأنثوية المتعبة …. والدتى أروع امرأة قابلتها وأحببت زوجتى لأنها تشبهها."
منى … منى
منى قلبى وروحى
يا بلسم الجـروح
بوجهك الصبوح .. يا منى
منى .. منى
منى و … يا منايا
يا أجمل الصبايـا
غنيت من هنايـا
الله ما أحلى حبنـا
بصوتك الحنون
تغـردين لى ..كبلبل الغصـون
يا طفلة العيون
ما أجمل الدنيا وانت فى عيونى
هنـا .. هنـا
ورغم الهزات العنيفة التى تعرض لها زواجهما – ومنها مشكلة عدم الانجاب لمدة 13 عاماً ومرض صلاح جاهين بالاكتئاب، وهو ما جعلهما يقررا الانفصال ثم تراجعا عنه – إلا أن هذا الزواج احتفظ "بوسامة الروح".
"على رغم فارق السن بيننا، واختلاف الديانة – لأننى كنت مسيحية – وكذلك اختلاف الثقافة والتربية، إلا أن صلاح جاهين احتوانى كامرأة واستطاع أن يخترق كل الحواجز التى كانت بيننا".
فكان صلاح جاهين – كما تقول عنه منى قطان – يقف إلى جوارها كصديق أولاً – ثم كزوج – فى أصعب المواقف ومنها على سبيل المثال وفاة والدتها، "شعرتُ رغم إرهاقى أنه لا يفعل ذلك بصفته زوجى، ولكن بصفة صديق".
ورغم إيمان صلاح جاهين بموهبة منى قطان التمثيلية، إلا أنه لم يحاول فرضها على أى من المخرجين لتقديمها كنجمة، فاكتفت بأدوار صغيرة فى بعض الأفلام مثل "أميرة حبى أنا"، "خللى بالك من زوزو" الذى كتبه صلاح جاهين خصيصاً لمنى قطان، ثم قامت ببطولته الفنانة سعاد حسنى لدواعى إنتاجية. ولم ترهقه هى – رغم حبها الشديد للفن، ورغم مساعدته العديد من الفنانين والفنانات – بطلب المساعدة لتشق طريقها فى عالم الفن شديد الوعورة؛ لذلك كانت الحياة بينهما مستقرة ومفعمة بالحب والحنان فكانت له بمثابة الأم، وكان لها بمثابة الأب الذى حرمت منه فى طفولتها. فتقول له منى قطان: "أتحت لى الفرصة أن نعيش فى مجتمع شرقى دون قيود، صديقان دون افتعال، احترمت ظروفى، احترمت آدميتى، ودأبت على حمايتى بعاطفتك ووجدانك".
صلاح الأب
كان صلاح جاهين يهتم كثيراً بأبنائه فكان دائماً بجوارهم عندما يكون لأى منهم مشكلة، فكان أولاده أصدقاؤه وكان هو صديقاً لهم. فحرص على اللهو واللعب مـعهم، فكـان
صلاح جاهين وابنته سامية
يلعب بالعرائس مع ابنته سامية – أصغر أبنائه – مقلداً أصوات جميع العرائس، وعندما أعربت ابنته الكبرى أمينة عن رغبتها فى الارتباط بأمين حداد، وقد كان وقتها صلاح جاهين فى لندن يجرى عملية القلب المفتوح، ابتسم ابتسامة سعادة وقال لها: "يا مغفلة فى حد يتجوز حد أحلى منه … دا ينفع نجم سينمائى".
كذلك لم يبخل على أى من اولاده بالمشورة سواء فى حياتهم الخاصة أو العملية، فتنبه لموهبة بهاء المبكرة فى الشعر وسعد بها سعادة غامرة، ولكنه لم ينس دور الموجه فطالب ابنه بضرورة المحافظة على الأوزان عندما عرض عليه بهاء أول مجموعة أشعار كتبها – وقد كان فى المرحلة الإعدادية، ولما كان الطفل بهاء لا يدرك معنى الأوزان، تولى والده شرحها له بطريقة بسيطة وسهلة، فيقول بهاء جاهين: "بدأ معايا بوزن "مستفعلن" لأنه سهل، وقرأ لى قصيدة "دموع ورا البرقع" وقعد يخبط على رجله محدثاً نوعاً من النغم الموسيقى، يومها عرفت يعنى إيه وزن". واستمرت نصائح الأب لابنه حتى وفاته.
هكذا كان صلاح جاهين هادئاً حنوناً صادقاً محباً لكل من حوله، عشق فنه فعشقه الناس، فكان ريشة ترسم أرواحهم قبل صورهم. لقد كان ضميرهم ينبههم ويضحكهم على أحزانهم قبل أفراحهم، فكانت "الدنيا ربيع"، "والحياة لونها بمبى"، و"بكرة أجمل من النهاردة".
ضريح رخـام فيـه السعيـد اندفـن
وحفره فيهــا الشريد من غير كفن
مريـت عليهم قلت…..يا . للعجــب
لاتنيـــــن ريحتهــم ليها نفس العفن
عجبـــى !!!!
دمتي بحفظ الله ورعايته
♥|~