بعض ما قيل في تأبين الشيخ عمر المختار من الشعر :
وما أجمل قول شوقي في رثائه :
رَكَـزُوا رُفــاتَـك في الـرِّمــالِ لِـواءَا
يَسْتَنْهـضُ الــوادي صبـــاحَ مَســـاءَا
يـا وَيـْحهُم نَصَبُــوا منــارًا مِــنْ دمٍ
يُـوحِـي إلى جيــل الغــد البَغْضَــاءَا
جُـرحٌ يَصيـح عـلى الـمَـدَى وضحيَّــةٌ
تَتَلَمَّـــسُ الـحُــرِّيَّـــةَ الـحَمْـــــراءَا
يـا أيُّهـا السَّيْــفُ الـمُجَــرَّدُ بـالفَــلَا
يَكْسُو السُّيُـوفَ على الزَّمــان مَضَـــاءا
تلـكَ الصَّحـاري غِمْــدُ كُــلِّ مُهَنَّدٍ
أبْـلَى فـأحْسَـــنَ فـي العَــدُوِّ بَـــلاءَا
لــو لاذَ بـالـجــوْزاءِ منهــم مَعْقِـــلٌ
دخـلــوا عــلى أبـراجهـــا الجــوزاءَا
خُيِّرتَ فاختـرتَ الـمبيـتَ على الطَّـوَى
لــم تَبْــن جــاهًـــا أو تَـلُـمَّ ثــرَاءَا
إن البطـولــةَ أن تمـوتَ مِــنَ الظَّمَـــا
ليــس البطــولــة أن تَعُــبَّ الـمــاءَا
أفريقيـــا مَهْـــد للأُسُــودِ ولَـحْـدُهــا
ضجَّــتْ عليــك أراجِـــلًا ونِســـاءَا
والمسلمـــون على اختــلافِ ديـارهم
لا يَمـلـكُــون مــع المُصــابِ عَــزاءَا
والـجـاهِـلِيَّــةُ مـــن وراءِ قبــورِهــم
يَبكُــونَ زَيْـدَ الخيـلِ والفلْـحَــاءَا ([1])
فـي ذِمَّــةِ الله الكــريــمِ وحِـفْـظِـــهِ
جَسَــدٌ بِبَـرْقَـــةَ وُسِّــــدَ الصَّحْــراءَا
لَـم تُبْق منـه رَحَـى الـوَقَـائِـعِ أعْظُمًــا
تَبْـلَى ولـم تُبْـــقِ الـرِّمــاحُ دِمــــاءَا
كـرُفـــاتِ نسْــرٍ أو بـقيَّــةِ ضيْـغَــمٍ
بَـاتَـا وراءَ السَّـافِيــاتِ ([2]) هَبــــــاءا
بطـلُ البَــدَاوَةِ لـم يكـن يَغْــزو عـلى
تَنْــكٍ ولـم يَــكُ يَـرْكَـبُ الأجْــواءَا
لكــنْ أخـــو خيــلٍ عــلى صَهَـواتِهــا
وأدارَ مِــنْ أعْــرافِهــــا الهَيْجــــــاءَا
لَبَّــى قضــاءَ الأرض أمْـسِ بمُهْـجَـةٍ
لــم تخـش إلَّا للسمـــــاءِ قضــــاءَا
وافـــاه مـرفــوعَ الـجَبِيـــنِ كــأنَّــهُ
سُقْـــراطُ جـــرَّ إلى القُضــــاةِ رِداءَا
شيــخٌ تَـمَـالَـك سِنّـهُ لـم يَنفـجِــرْ
كالطفل مِنْ خـوفِ العِقــابِ بُكــــاءَا
وأخــو أمــــورٍ عــاش في سَــرَّاتِهـــا
فتغيَّـــــرتْ فتـــوقَّــعَ الضَّـــــــرَّاءَا
الأُسْـدُ تَـزأرُ في الحـديــد ولــن تــرى
في السِّجنِ ضِـرْغـامًـا بَكـى اسْتِخْــذَاءَا
وأتــى الأسيـرُ يـجُــرُّ ثقْلَ حـــديــدِهِ
أســـدٌ يُــجَـرْجِــرُ حَيَّـــةً رَقْطـــــاءَا
عضَّــتْ بساقَيْــهِ القيــودُ فلــم يَنُـــؤْ
ومَشَـــتْ بهيكلِـــهِ السُّنــون فَنــــاءَا
تسعـون لـو ركبــتْ منـاكِبَ شـاهِـقٍ
لتـــرجَّلَـــتْ هَضبَـــاتُــــهُ إعيــــاءَا
خَفِيـتْ عـن القاضـي وفــاتَ نصيبُهــا
مِــن رفْــقِ جُنْــــدٍ قـــادةٍ نُبــــلاءَا
والسِّــنُّ تَعْطِــفُ كــلَّ قلـبِ مُهَــذبٍ
عــرفَ الـجُـــدُودَ وأدركَ الآبــــاءَا
دَفعُــوا إلى الـجـلَّاد أغْلَـبَ مـاجِــدًا
يـأسُـو الجِــراحَ ويُـطلِـقُ الأُسَــــرَاءَا
ويُشــاطِـرُ الأقـــرانَ ذُخْـرَ سـلاحِــهِ
ويَصُـفُّ حــولَ خِـوانِــهِ الأعــــداءا
وتـخيَّـــرُوا الـحبـل الـمَهِيــنَ مَنِيَّــةً
لِلَّيْـثِ يَلْفِــظُ حــولَــهُ الحَوْبـــاءَا ([3])
حَـرَمُــوا الـممـاتَ على الصَّوارِمِ والقَنَا
مَـنْ كـان يُعطــي الطعنــةَ النَّجــــلاءَا
يــا أيُّهــا الشعـبُ القـريـبُ أسَــامِــعٌ
فـأصُـوغ فـي عُمْــر الشهيــدِ رِثـــاءَا
أم ألجمَتْ فـاك الخطــوبُ وحـرَّمــتْ
أُذنَيْـك حيــن تُـخـاطـبُ الإصغـــاءَا
ذهــبَ الـزعيــمُ وأنــت بــاقٍ خـالـدٌ
فـانْـقُـدْ رجـالَـكَ واخْـتَــرِ الزُّعَمَـــاءَا
وأرِحْ شُيُـوخَك مِـنْ تكـاليـفِ الـوَغَـى
واحْمِـلْ عـلى فِتْيــانِــك الأعبــــاءَا
« الأعمال الشعرية الكاملة » ، أحمد شوقي (2/18 ، 19) .
منقول من
مختارات سلفية
*****