الإيمان بالله ورسوله أساس الهداية والفلاح 2024

الإيمان بالله ورسوله أساس الهداية والفلاح

يقول تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *… * وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 21-25].

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذه الآيات الكريمة تتناول قضية توحيد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وهو ما يطلق عليه علماء أصول الدين توحيد الألوهية ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ [البقرة: 21].

وعلل هذا الأمر بخمس علل أو موجبات لتوحيد الله عز وجل بالعبادة.
أولى هذه العلل: لأنه الخالق.

والخلق: الإيجاد من العدم.

إن أعظم نعمة على الإنسان نعمة الخلق والإيجاد، فالعدم ليس شيئاً ولا يمكن أن يكون العدم متصفاً بشيء.

وليس هذا الخلق والإيجاد للمخاطبين وحدهم، بل الخلق والإيجاد للجنس البشري على هذا الكوكب الأرضي.

إن الغاية من خلق المخلوقات: لتؤدي وظيفة في هذه الحياة ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].

والعلة الثانية: الداعية إلى عبادة الله وحده لا شريك له. ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا ﴾ [البقرة: 22].
إن خلق الأرض بهذه الكيفية، وجعلها ممهدة موطأة الأكناف، قدَّر فيها في باطنها وعلى ظهرها وفي غلافها الجوي، وفي مدارها الفضائي، وفي دورانها حول نفسها لتتلقى ساحاتها الضياء من الشمس والنور من القمر، وفي دورانها الفلكي حول الشمس لتتنوع فصول السنة كل ذلك بتقدير العزيز العليم لتكون الأرض السكن والمنزل الوفير الأثير، والفراش الممهد.

إنها نعمة عظيمة لم يكن للإنسان دور في خلقها ولا في وضع الخصائص والأقوات فيها، إنها نعم ربانية تحيط بالإنسان، ومقابل ذلك كلِّف بالاعتراف لواهبها بالشكر والامتنان والتوجه إليه بالعبادة ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 37 – 40].

وثالثة العلل والأسباب: ﴿ وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ﴾ [البقرة: 22]:
في الدلالة اللغوية يطلق لفظ السماء على كل ما علاك.

فسقف البيت سماء والغيوم والسحب سماء، والقبة الزرقاء التي هي الغلاف الجوي للأرض سماء.

أما مصطلح السماء في القرآن فله دلالته: فالسماء بناء محكم ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [الذاريات: 47].

والسماء سقف محفوظ: ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 32]

والسماوات طباق:
﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ﴾ [الملك: 3]، ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ [نوح: 13 – 16]، ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [فصلت: 11-12].

والسماوات لها أهلها وسكانها والله قادر على جمع سكان الأرض والسماء إذا شاء. ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 29].

هذا البناء المحكم المحيط بالأرض، المحفوظ بقدرة الله تعالى من السقوط عليها أو الزوال عنها ألا يستحق خالقه ومدبّر أمره إفراده بالشكر والعبادة.

رابع الأسباب والعلل:﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾ [البقرة: 22]:
الماء هو الحياة كما أخبر سبحانه وتعالى ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30].
ونسبة ما تغطيه المياه من سطح الكرة الأرضية 71%.
والدورة المائية على الكرة الأرضية وفي أجوائها سبب انتظام حياة الناس. من الذي نظم هذه السنن وهذه النسب؟، إنه الخالق الرازق المدبر ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾[الفرقان: 48- 49].

وخامس الأسباب الموجبة لعبادة الله تعالى وتوحيده: ﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [البقرة: 22]:
هذه الأرض مسكن الإنسان من عناصر تربتها خلق، ومن انتاجها يتغذى ومن هوائها يتنفس ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى * مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 53 – 55].

إذا كانت الحكمة البشرية تقتضي:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم الونشريس
طالما استعبد الإنسان إحسان الونشريس

فالإنسان عبد الإحسان.

أفهذا المحسن إلى الإنسان: خلقاً وإيجاداً، ورعاية ورزقاً، ووهبه عقلاً وعلماً، وأرشده تربية وتهذيباً، وأحاطه بحفظه وعنايته ألا يستحق منه الشكر والعبادة.

فإذا كان الجاهل يشطح به عقله وتلجئه أوهامه إلى تقديس بعض المخلوقات وتعظيمها وتوجيه العبادة إليها، وهم مخطئون ومؤاخذون لأنهم لم يستخدموا عقولهم في البحث الصحيح وعلى النهج القويم في التدبر والتفكير.

إذا كان هؤلاء يؤاخذون، فكيف بمن أوتي العقل وبُلِّغ عن طريق الأنبياء والرسل أن لهذه المخلوقات خالقاً، ولهذا الكون منظماً ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [فصلت: 37].

إنه من أقبح القبائح وأشد المنكرات أن يعلم الإنسان حقيقة من الحقائق ثم ينكرها، بله أن يعمل على طمسها وإضاعة معالمها.

إن البشر جميعاً يعلمون أن خالقهم غير هذه الجمادات التي يقدسونها، وأنه غير الزعماء الذين يعطونهم الولاء والتعظيم، ويعلمون أن المخلوقات مهما كان شأنها في التأثير على مصالحهم، ليست التي أوجدتهم من العدم وتتولى رعايتهم ورزقهم ثم تُنهي أعمارهم وآجالهم. إذا كانوا يعلمون كل ذلك فلماذا يتخذونهم آلهة من دون الله. أو يشركونهم مع الله في التقديس والتعظيم. ﴿ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴾ [الكهف: 51].

فيآأيها العقلاء يآأيها الناس ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22] إنه لا يقبل الشرك، إن مما يغيظ الجبار ان تعبد غير الله وهو الذي خلقك ورزقك…

والقضية الثانية الرئيسة في هذه الآيات الكريمة (قضية النبوة: نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم -):
اقتضت حكمة الخالق الذي خلقكم أيها الناس، وجعل لكم الأرض مهداً، ووضع في هذه الأرض مقومات العيش الهنيء الرغيد، أن يكلفكم بحمل الأمانة التي أشفقت السماوات والأرض والجبال عن حملها ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].

هذه الأمانة لا يمكنكم إدراك أبعادها وتفاصيلها إلا ببيان الله سبحانه وتعالى لكم الذي كلفكم بها، وخير وسيلة لهذا البيان، اصطفاء أناس منكم وإرسالهم إليكم ليبلغوكم هذه الآمانة وهذه التكاليف ويبينوا تفاصيلها بالقول وبالتطبيق العملي، فاسمعوا منهم واتخذوهم أسوة وقدوة في التطبيق العملي، وقد جرت سنة الله منذ خلق أباكم آدم على هذه الأرض أن يرسل من أولاده إلى كل أمة وكل شعب أو قوم أو قبيلة من يبلغهم هذه الرسالة ويدعوهم إلى توحيد الله والالتزام بشرائعه. ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 24].

وكان خاتم النبيين محمد – صلى الله عليه وسلم – ومصطفاه، ختمت برسالته الرسالات، وبنبوته النبوات.

وجرت سنة الله في جميع الأنبياء أن يزوّد كل نبي بمعجزة خارقة تثبت صدقه وتقيم الحجة على قومه. وعندما أرسل محمد – صلى الله عليه وسلم – نبياً للعالمين وكانت رسالته خاتمة الرسالات، زوِّد بمعجزات تثبت صدقه، وعلى رأس هذه المعجزات الكتاب الذي أنزل عليه فهو المشتمل على رسالته. وفي نفس الوقت هو كتابه المعجز الذي تحدى الإنس والجن على أن يأتوا بمثل سورة منه.

فإن كنتم أيها الناس:
أيها العقلاء أيها المخاطبون، في شك من صدق محمد في نبوته وأنه مرسل من رب العالمين، فهاتوا سورة من مثل سور القرآن الذي أتاكم به ونسبه إلى ربه. واستعينوا لتحقيق ذلك بمن تشاؤون من علمائكم وأهل الرأي فيكم من المفكرين والخطباء والعظماء والزعماء والدهاة، وكل من تلجأون إليه عند نزول الأمور العظام بكم. ولا تقتصروا على الاستعانة بالإنس بل ادعوا من تتوقعون الاستجابة والتلبية والإسراع في نصركم من الشياطين والجن وكل القوى التي تعتقدون فيها، إن المطلب سهل، فأنتم أصحاب المعلقات والقصائد والحوليات والخطب في المحافل وعرف عنكم وبخاصة قبيلة قريش وزعماؤها عرف عنكم الفصاحة والبلاغة.

وأنتم يا معشر أهل الكتاب عرف عنكم التبجج بأنكم علماء الدين وأحبار الكتب والراسخون في علوم اللاهوت، وتزعمون أنكم أهل الثقافة وأرباب الفكر وفرسان القلم. فهلا جئتم بمثل أقصر سورة من القرآن المنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم.

فإن لم تأتوا بمثل أقصر سورة وعجزتم؛ وحتماً إنكم عاجزون الآن وستعجزون في المستقبل ومن ورائكم الأجيال إلى قيام الساعة.

﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].

وبعد كل ذلك ألا تسلمون أن القضية ليست كلمات وألفاظاً ترصف بجانب بعضها، وإنما هو روح من أمر الله أنزله على قلب محمد لتحيا به النفوس..

﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ… ﴾ [الشورى: 52].

إن العاقل يرتب النتائج على المقدمات، ويربط بين الأسباب والمسببات والجواب على الاستفسار ويتوقع بعد الشرط المشروط..

فإن لم تستطيعوا أن تأتوا بمثل سورة من القرآن، ولم يسعفكم من التجأتم إليهم واستعنتم بهم. ﴿ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [هود: 14].

هو الذي أنزله على محمد – صلى الله عليه وسلم -، فهلا أسلمتم قيادكم لرسوله المرسل وآمنتم به وبالقرآن المنزل عليه.

فيآ أيها العقلاء إن الأمر جد لا هزل فيه، وتكليف ومسؤولية لا تهاون فيها. إن عجزتم عن التحدي، ولم تلقوا مراسم الطاعة والولاء فإن مصيركم إلى النار يوم القيامة إنها نار لا كالنيران التي ترونها في الدنيا، إن النار التي تعهدونها في حياتكم الدنيا نار ضئيلة توقد بالحطب والغاز والطاقة الكهربائية.

أما نار الآخرة فهي سوداء قاتمة أوقد عليها ألف سنة حتى احمرت، وأوقد عليها ألف سنة أخرى حتى ابيضت، وأوقد عليها ألف سنة ثالثة حتى اسودت. إنها توقد بالناس الكفرة الدين اتخذوا مع الله أنداداً، وكذّبوا أنبياءه، وتوقد بالحجارة التي عظمت وقدِّست من دون الله. إن كل معبود من دون الله رضي بعبادة الناس له، وكل عابد اتخذ آلهة من دون الله هم وقود نيران الجحيم.

فقووا أنفسكم أيها العقلاء من هذه النيران التي تتلمظ وتشهق عندما ترى الكافرين ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ﴾ [الفرقان: 12- 13].

أما إذا آمنتم بالله وحده لا شريك له. وهو مقتضى التفكير السليم، وآمنتم برسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – وبالقرآن المنزل عليه. وهو مقتضى التحدي والعجز الذي أقررتم به. فلكم البشارة بجنات عرضها السماوات والأرض، فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. لكم الخلود الدائم فلا موت، والنعيم الخالد فلا فوت، لكم فيها ما تشتهيه الأنفس من الملذات، من المطعومات والمشروبات.

كلما قدِّم إليهم طبق من المطعومات، أو سلة من الفواكه، والثمار وجدوها متشابهة اللون والمظاهر، مختلفة الطعوم والمذاق.

والزوجات الطاهرات المحببات يتقربن بكل أساليب حسن التبعل لأزواجهن، عرب أتراب، أبكار لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان. إنها الحياة الحقيقية التي تليق بكرامة الإنسان المؤمن التي ينبغي الحرص عليها إنها الحياة الخالدة، فيها الأمن من الموت والفوت.

فاللهم ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193]. اللهم إنا نسألك الدرجات العلى في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

    الونشريس

    بارك الله فيك
    وأثابك ونفع بك

    بارك الله فيك

    انشراح الصدر وعلاقته بالهداية وتيسر الأمور 2024

    انشراح الصدر وعلاقته بالهداية وتيسر الأمور

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفصل رسل العالَمين، وعلى آله وصحبه ومَن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:
    فقال – تعالى -: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].

    قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -: "فأعظم أسباب شرح الصدر التوحيدُ، وعلى حسَب كماله وقوته وزيادته يكونُ انشراحُ صدر صاحبه، قال الله – تعالى -: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 22]، وقال – تعالى -: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الأنعام: 125]؛ فالهُدَى والتوحيدُ من أعظم أسباب شرح الصدر، والشِّركُ والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه، ومنها: النور الذي يقذفه الله في قلب العبد، وهو نور الإيمان، فإنه يشرح الصدر ويوسعه، ويفرح القلب، فإذا فُقِد هذا النور من قلب العبد، ضاق وحرج، وصار في أضيق سجن وأصعبه.

    وقد روى الترمذي في جامعه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((إذا دخل النورُ القلبَ، انفسح وانشرح))، قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: ((الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله))، فيُصِيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور، وكذلك النورُ الحسيُّ والظلمة الحسية، هذه تشرح الصدر، وهذه تضيقه"؛ اهـ[1].

    قلتُ – الكاتب -:
    في هذه الآية.. الآية التي ابتدأت بها المقال تلاحظ أن الله – سبحانه – علَّق الهداية بانشراح الصدر، كما علَّق الضلالة بضيق الصدر والحرج؛ فيتلازم انشراح الصدر والهداية، كما تتلازم الضلالة وضيق الصدر، فكل مهتدٍ منشرحُ الصدر، كما كل ضالٍّ ضيِّقُ الصدر منكد، وأعظم ما يَهتَدِي به المرء، ويسعد به، وينشرح به قلبه – التوحيدُ الخالص، الذي يجعله يستشعر أنه مستمتع بعبودية الله، ومشرَّف ومكرَّم بها في الدنيا والآخرة؛ كما قال – تعالى -: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، وقال – تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾ [الحج: 18]، وقال – تعالى -: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وبذلك تعلم أن كل المُشتَكِين من ضيق الصدر أُتوا من رقَّة الدين وضعفه، كما ستلاحظ في القصة التي سنوردها قريبًا عمليًّا وواقعًا؛ إذ لا بد أن يكون المؤمن حق الإيمان صبارًا شكورًا، كما جاء هذا الوصف في القرآن الكريم في آيات كثيرة: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [إبراهيم: 5]، وثبت في الصحيح: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْه سرَّاء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضرَّاء صبر، فكان خيرًا له))؛ رواه مسلم.

    أحد السلف كان أقرع الرأس، أبرص البدن، أعمى العينين، مشلول القدمين واليدين، وكان يقول: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرًا ممن خلق، وفضَّلني تفضيلاً "، فمر به رجل، فقال له: ممَّ عافاك؟ أعمى، وأبرص، وأقرع، ومشلول، فممَّ عافاك؟ فقال: ويحك يا رجل! جعل لي لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا!

    سبحان الله، وَسِع صبره أن يتحمَّل كل هذه الأمراض برحب الصدر، وبالقلب الشاكر، وباللسان الذاكر، وما ذاك إلا أن مَن رزقه الله باتباع الهُدَى ودين الحق فإنه لا يضل ولا يشقى، كما قال – تعالى -: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123- 124]، وقال – تعالى -: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

    وسبب انشراح صدر المؤمن هو نور الحق الذي يستضيء به، والرحمة واللين اللذان أودعهما الله في قلبه، ثم انعكاس هذا النور واللين والرحمة في جوارحه؛ فاكتسب منها الحياة الحقيقية الطيبة، قال – تعالى -: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122]، وقال – تعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52-53].

    فقد وصف الله – سبحانه – صراطه بميزتين عظيمتين كالتالي:
    الميزة الأولى: مالك هذا الصراط – وهو الله جل جلاله – اشتمل ملكُه ما في السموات والأرض، فلا يمكن أن يخرج من قبضتِه وملكه وتصرُّفه وإرادتِه شيءٌ مهما كان – سبحانه.

    والميزة الثانية: كل الأمور تصير إليه، كما قال – تعالى -: ﴿ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 70].

    وهذا كما قال – تعالى – في أول سورة إبراهيم: ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 1- 2].

    لذلك من البديهي جدًّا أن تجد – أيها القارئ الكريم/ أيتها القارئة الكريمة – أن من أظهر مواصفات المؤمنين المخلصين الحقيقيين كذلك إقرار القوة والحول كلها لله وحده، وإقرار مصير الأمور كلها لله وحده، وهذا فعلاً هو كمال الانقياد والاستسلام لله وحده، ومعنى الحوقلة والاسترجاع، كما أنهما تضمنتا ما جاء في قوله – تعالى -: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].

    فعند ذلك لا بد أن تتحقَّق في العبد المؤمن الطائع المستسلم لله وحدَه أعظمُ صفات الإيمان والهداية، كما سيجد بذلك – لا محالة – نورًا يشرح الله به صدرَه، ويحيا به حياة طيبة، ما دام أصبح منقادًا راضيًا لأقدار الله، ويدور مع الحق حيث دار؛ في اليسر والعسر، وفي السراء والضراء، والمنشط والمكره، بل هذه هي الهداية التي جاءتْ في قوله – سبحانه -: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].

    ولا يخفى عليك – أيها القارئ الكريم/ أيتها القارئة الكريمة – أن هذا الصراط المستقيم هو الذي ندعو ربنا أن يهدينا إليه ليلاً ونهارًا، فمَن هداه إليه كان من المنعَّمين مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا، ومَن ضلَّ عنه كان من المغضوبِ عليهم والملعونين، وساء أولئك رفيقًا.

    وأيضًا من الفلاح والهداية والنور على نور لِمَن شرح الله صدرَه للإسلام: أن يخبتَ قلبه لله، ولا يقسو قلبه من ذكر الله؛ كما قال – تعالى -: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 22-23]، وقال – تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]، وفي الصحيح: ((مَثَلُ الذي يَذكُرُ ربَّه والذي لا يَذكُر: كمَثَلِ الحيِّ والميت)).

    وفي ذكرِ الله انشراحٌ لصدر المؤمن، وزيادة لإيمانه، وبركة، ونور على نور لقلبه، يحترق به شيطانه إذا حاول أن يوسوس له، وإخبات، وقربة، وعبادة لا انقطاع فيها، كيفما كان، وبأي حالة كان، إلا في دورة المياه، كما هو ذكر وشرف للمؤمن؛ حيث يذكره الله إذا ذكره، قال – تعالى -: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].

    وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يقول الله – تعالى -: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملأ خير منه)).

    وهذا النور الذي يكتسبه المؤمن من هدايته إلى الحق وانشراح صدره – حريٌّ به، ومطلوبٌ منه أن يدعو الله أن يرزقه إيَّاه آناء الليل وأطراف النهار، وفي أي وقت تتيسَّر له؛ كما جاء في الدعاء المأثور: ((اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا))، وعن ابن عباس – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي لساني نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، ومن أمامي نورًا، ومن خلفي نورًا، واجعل لي في نفسي نورًا، وأعظم لي نورًا))؛ أحمد، والنسائي، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزياداته.

    أما علاقة انشراح الصدر بتيسير الأمور، فواضحةٌ جليَّة إذا تدبَّرت في آيات الكتاب الكريم؛ إذ كل شيء أساسه الذي يقوم عليه هو الهداية، التي هي الإخلاص واتباع الكتاب والسنة أولاً، ثم انشراح الصدر بذلك ثانيًا، فإذا طلب الله – سبحانه – من عباده عدمَ انشراح الصدر للكفر في حالة الإكراه، وتضيق النفس وتعذيبها، فمن باب الأولى والأحرى ألاَّ ينشرح للكفر في حالة الفسحة والحرية التامة، بل الواجب على المسلم أن يُعلِن عداوته للكفر وأهله وبراءته منهم، وموالاته ومحبته لأهل الإسلام والمؤمنين؛ كما ثبت في صحيح البخاري – رحمه الله – عن أنس – رضي الله عنه -: ((ثلاث مَن كنَّ فيه وجدَ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)).

    فلا يمكن لِمَن لم يشرح الله له صدره بالإيمان والتوحيد – ولو تيسرت له أموره المادية – أن يعيش حياة طيبة مطمئنة، بل لا بد أنه سيعيش معيشة ضيقة ضنكًا نكدًا.

    وهكذا هو الواجب على المسلم العابد أن يتفكَّر في تحقيق عبادة ربه، ويتعرض في ساعات الإجابة كلها عابدًا قانتًا لله، يرجو رحمته، ويخاف عقابه؛ لعلمه أنه في هذه الدنيا في حالة الفسحة والاختبار والعمل، قال – تعالى -: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
    "العبد دائمًا بين نعمةٍ من الله يحتاج فيها إلى شكر، وذنبٍ منه يحتاج فيه إلى الاستغفار، وكلٌّ من هذين من الأمور اللازمة للعبد دائمًا، فإنه لا يزال يتقلب في نعم الله وآلائه، ولا يزال محتاجًا إلى التوبة والاستغفار"؛ اهـ.

    قال – تعالى -: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴾ [طه: 25 – 27].

    وقال – تعالى -: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 1 – 6].

    فقد قدَّم موسى – عليه السلام – في دعائه بسؤال انشراح الصدر بنور الهداية قبل تيسير الأمور؛ كما قدم الله سبحانه في سورة الشرح في سياق امتنانه على عبده الكريم رسول الله بانشراح الصدر، ثم ذكر الله بعد ذلك: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5 – 6]؛ إذ الهداية والنور اللذان يشرح الله بهما صدرَ المؤمنين مفتاحٌ للتيسير؛ كما جاء في الحديث: ((احفَظِ الله يحفظْك))، ((وتعرَّف على الله في الرخاء يعرفْك في الشدة)).

    فالمُعْتَدون على حدود الله لا يحفظهم الله، بل ولا يستحقون التيسير إلا بعد خروجهم مما هم واقعون فيه، كما أن الذين يطغون ويَبْطَرون عند النعمة وينسون ربهم – قد لا يجدون استجابة في حال شدتهم، وهم في أمسِّ الحاجة إليه والاضطرار، والله المستعان.

    إذًا لا بد من الحذر من ذلك كله، والتغير بالتوبة، والفرار إلى الله، والاستسلام إليه في كل شيء قبل فوات الأوان؛ ليصيبنا الله بلطفه ورحمته، وقد قال – تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

    أما الذين لم يستسلموا لله وحده، ولم يتوكلوا على الله وحده حق التوكل في كل أمورهم، ولم يقولوا من قلبهم: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]، بل راموا حلّ مشاكلهم من أعدائهم، فقد ضلُّوا ضلالاً مبينًا، وخَسِروا الدنيا والآخرة خسرانًا عظيمًا، وإنما يجب على المؤمنين الحقيقيين حق الإيمان الاعتصامُ بالله وحده قولاً وعملاً ونية؛ كما قال – تعالى -: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج: 78]، وقال – تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات: 15].

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    _________________________
    [1] خير مَن رأيت تكلَّم في أسباب انشراح الصدر الإمام ابن القيم – رحمه الله – في كتابه "زاد المعاد" (2/23 – 28)، فراجعه فإنه بحث نفيس وقيم، وإنما الذي تكلمت عنه هو مجرد ما وجدت من تأملات في هذه الآيات القرآنية – بحمد الله ومنته وتوفيقه – والله أعلم.

      الونشريس

      بارك الله فيكى

      قصة الشيخ العريفي مع شيعي حتى الهداية قصة الشيعى الذى أهتدى على يد الشيخ العريفى 2024

      الونشريس

      الونشريس

        بارك الله فيكي سبحان الله يهدى من يشاء
        شكرا اختى الحبيبة

        بارك الله فيكي

        سلمت أياديكم
        وشكرا جزيلا لكم على التواجد والمشاركة الرائعة
        وجزاكم الله خيرا
        ومع ودي وتقديري

        ما شاء الله
        ان الله يهدي من يشاء
        تسلم ايدك

        بارك الله فيكي