اَلتَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ : مِنْ وَسَطِ اَلنَّهَارِ إِلَى قُرْبِ آخِرِ اَلنَّهَار كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّل اَلْبَابِ عَنْ سَلَمَة بْن عَلْقَمَة .
اَلْأَرْبَعُونَ : مِنْ حِينِ تَصْفَرُّالشَّمْسُ إِلَى أَنْ تَغِيبَ رَوَاهُ عَبْد اَلرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ إِسْمَاعِيل بْن كِيسَانَ عَنْ طَاوُس قَوْله ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ اَلَّذِي بَعْدَهُ
اَلْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ : آخِرُ سَاعَة بَعْدَ اَلْعَصْرِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِر مَرْفُوعًا وَفِي أَوَّلِهِ " أَنَّ اَلنَّهَارَ اِثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَة " وَرَوَاهُ مَالِك وَأَصْحَاب اَلسُّنَنِ وَابْن خُزَيْمَة وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ عَبْد اَللَّه بْنِ سَلَامٍ ، قَوْلُه وَفِيهِ مُنَاظَرَةُ أَبِي هُرَيْرَة لَهُ فِي ذَلِكَ وَاحْتِجَاج عَبْد اَللَّه بْن سَلَام بِأَنَّ مُنْتَظِرَ اَلصَّلَاةِ فِي صَلَاة ، وَرَوَى اِبْن جَرِير مِنْ طَرِيقِ اَلْعَلَاءِ بْن عَبْد اَلرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْد اَللَّه اِبْن سَلَامٍ قَوْلَهُ وَلَا اَلْقِصَّة ، وَمِنْ طَرِيقِ اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ سَعِيد اَلْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ كَعْب اَلْأَحْبَار قَوْله ، وَقَالَ عَبْد اَلرَّزَّاق أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْن عُقْبَة أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ : حَدَّثَنَا عَبْد اَللَّه بْن عَامِر فَذَكَر مِثْله ، وَرَوَى اَلْبَزَّار وَابْن جَرِير مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ عَبْد اَللَّه بْن سَلَام مِثْله ، وَرَوَى اِبْن أَبِي خَيْثَمَة مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَأَبِي سَعِيد فَذَكَرَ اَلْحَدِيث وَفِيهِ : قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَلَقِيت عَبْد اَللَّه بْن سَلَام فَذَكَرت لَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يُعَرِّضْ بِذِكْرِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ قَالَ : اَلنَّهَارُ اِثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَة ، وَإِنَّهَا لَفِي آخِرِ سَاعَة مِنْ اَلنَّهَارِ . وَلِابْن خُزَيْمَة مِنْ طَرِيقِ أَبِي اَلنَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْد اَللَّه بْن سَلَام قَالَ : قَلَتْ – وَرَسُول اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِس – إِنَّا لَنَجِد فِي كِتَابِ اَللَّهِ أَنَّ فِي اَلْجُمُعَةسَاعَة ، فَقَالَ رَسُول اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْ بَعْض سَاعَة ، قُلْت : نَعَمْ أَوْ بَعْض سَاعَة اَلْحَدِيثَ ، وَفِيهِ : قُلْت أَيّ سَاعَة ؟ فَذَكَرَهُ . وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اَلْقَائِل " قُلْت " عَبْد اَللَّه بْن سَلَام فَيَكُونُ مَرْفُوعًا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبَا سَلَمَةَ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا وَهُوَ اَلْأَرْجَحُ لِتَصْرِيحِهِ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير بِأَنَّ عَبْد اَللَّه بْن سَلَام لَمْ يَذْكُرْ اَلنَّبِيّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اَلْجَوَابِ
اَلثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ : مِنْ حِينِ يَغِيبُ نِصْف قُرْصِ اَلشَّمْسِ ، أَوْ مِنْ حِينِ تُدْلِي اَلشَّمْس لِلْغُرُوبِ إِلَى أَنْ يَتَكَامَلَ غُرُوبهَا رَوَاهُ اَلطَّبَرَانِيّ فِي اَلْأَوْسَطِ والدَّارَقُطْنِيُّ فِي اَلْعِلَلِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي اَلشُّعَبِ وَفَضَائِل اَلْأَوْقَاتِ مِنْ طَرِيقِ زَيْد بْن عَلِيّ بْن اَلْحُسَيْن بْن عَلِيّ حَدَّثَتْنِي مُرْجَانَة مَوْلَاة فَاطِمَة بِنْت رَسُول اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : حَدَّثَتْنِي فَاطِمَة عَلَيْهَا اَلسَّلَامُ عَنْ أَبِيهَا فَذَكَرَ اَلْحَدِيث ، وَفِيهِ : قَلَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيّ سَاعَةٍ هِيَ ؟ قَالَ : إِذَا تَدَلَّى نِصْف اَلشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ . فَكَانَتْ فَاطِمَة إِذَا كَانَ يَوْم اَلْجُمُعَةِ أَرْسَلَتْ غُلَامًا لَهَا يُقَالُ لَهُ زَيْد يَنْظُرُ لَهَا اَلشَّمْس فَإِذَا أَخْبَرَهَا أَنَّهَا تَدَلَّتْ لِلْغُرُوبِ أَقْبَلَتْ عَلَى اَلدُّعَاءِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ ، فِي إِسْنَادِهِ اِخْتِلَاف عَلَى زَيْد بْن عَلِيّ ، وَفِي بَعْضِ رُوَاتِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ .
وَقَدْ أَخْرَجَ إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْهِ فِي مَسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيد بْن رَاشِد عَنْ زَيْد بْن عَلِيٍّ عَنْ فَاطِمَة لَمْ يَذْكُرْ مُرْجَانَةَ وَقَالَ فِيهِ : إِذَا تَدَلَّتْ اَلشَّمْس لِلْغُرُوبِ وَقَالَ فِيهِ : تَقُولُ لِغُلَامٍ يُقَالُ لَهُ أَرْبَد : اِصْعَدْ عَلَى اَلظِّرَاب ، فَإِذَا تَدَلَّتْ اَلشَّمْس لِلْغُرُوبِ فَأَخْبِرْنِي ، وَالْبَاقِي نَحْوُهُ ، وَفِي آخِرِهِ : ثُمَّ تُصَلِّي يَعْنِي اَلْمَغْرِب .
فَهَذَا جَمِيع مَا اِتَّصَلَ إِلَيَّ مِنْ اَلْأَقْوَالِ فِي سَاعَةاَلْجُمُعَة مَعَ ذِكْرِ أَدِلَّتِهَا وَبَيَانِ حَالِهَا فِي اَلصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وَالرَّفْعِ وَالْوَقْفِ وَالْإِشَارَةِ إِلَى مَأْخَذِ بَعْضِهَا ، وَلَيْسَتْ كُلّهَا مُتَغَايِرَة مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بَلْ كَثِير مِنْهَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّحِدَ مَعَ غَيْرِهِ .
ثُمَّ ظَفَرْت بَعْدَ كِتَابَةِ هَذَا بِقَوْلٍ زَائِدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ غَيْرُ مَنْقُول ، اِسْتَنْبَطَهُ صَاحِبُنَا اَلْعَلَّامَةُ اَلْحَافِظُ شَمْس اَلدِّينِ اَلْجَزَرِيُّ وَأَذِنَ لِي فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ اَلْمُسَمَّى " اَلْحِصْن اَلْحَصِين " فِي اَلْأَدْعِيَةِ لَمَّا ذَكَرَ اَلِاخْتِلَافَ فِي سَاعَةاَلْجُمُعَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْوَالٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ : وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّهَا وَقْتُ قِرَاءَةِ اَلْإِمَامِ اَلْفَاتِحَةَ فِي صَلَاة اَلْجُمُعَةِ إِلَى أَنْ يَقُولَ آمِينَ ، جَمْعًا بَيْنَ اَلْأَحَادِيثِ اَلَّتِي صَحَّتْ
كَذَا قَالَ ، وَيَخْدِشُ فِيهِ أَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَى اَلدَّاعِي حِينَئِذٍ اَلْإِنْصَات لِقِرَاءَةِ اَلْإِمَامِ ، فَلْيُتَأَمَّلْ
قَالَ اَلزَّيْن بْن اَلْمُنِيرِ : يَحْسُنُ جَمْع اَلْأَقْوَالِ ، وَكَانَ قَدْ ذَكَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ عَشْرَة أَقْوَالٍ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ .
قَالَ : فَتَكُونُ سَاعَة اَلْإِجَابَة وَاحِدَة مِنْهَا لَا بِعَيْنِهَا ، فَيُصَادِفُهَا مَنْ اِجْتَهَدَ فِي اَلدُّعَاءِ فِي جَمِيعِهَا وَاَللَّهُ اَلْمُسْتَعَانُ .
وَلَيْسَ اَلْمُرَاد مِنْ أَكْثَرِهَا أَنَّهُ يَسْتَوْعِبُ جَمِيع اَلْوَقْتِ اَلَّذِي عُيِّنَ ، بَلْ اَلْمَعْنَى أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَائِهِ لِقَوْلِهِ فِيمَا مَضَى " يُقَلِّلُهَا " وَقَوْلِهِ " وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ " .
وَفَائِدَةُ ذِكْرِ اَلْوَقْت أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فِيهِ فَيَكُونُ اِبْتِدَاء مَظِنَّتهَا اِبْتِدَاءُ اَلْخُطْبَةِ مَثَلًا وَانْتِهَاؤُهُ اِنْتِهَاء اَلصَّلَاةِ . وَكَأَنَّ كَثِيرًا مِنْ اَلْقَائِلِينَ عَيَّنَ مَا اِتَّفَقَ لَهُ وُقُوعهَا فِيهِ مِنْ سَاعَةٍ فِي أَثْنَاءِ وَقْتٍ مِنْ اَلْأَوْقَاتِ اَلْمَذْكُورَةِ ، فَبِهَذَا اَلتَّقْرِيرِ يَقِلُّ اَلِانْتِشَار جِدًّا ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَرْجَحَ اَلْأَقْوَالِ اَلْمَذْكُورَةِ حَدِيث أَبِي مُوسَى وَحَدِيث عَبْد اَللَّه بْن سَلَام كَمَا تَقَدَّمَ . قَالَ اَلْمُحِبُّ اَلطَّبَرِيُّ : أَصَحُّ اَلْأَحَادِيثِ فِيهَا حَدِيث أَبِي مُوسَى ، وَأَشْهَر اَلْأَقْوَال فِيهَا قَوْل عَبْد اَللَّه بْن سَلَام ا ه .
وَمَا عَدَاهُمَا إِمَّا مُوَافِق لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَوْ ضَعِيف اَلْإِسْنَادِ أَوْ مَوْقُوف اِسْتَنَدَ قَائِله إِلَى اِجْتِهَادٍ دُونَ تَوْقِيف ،
وَلَا يُعَارِضُهُمَا حَدِيث أَبِي سَعِيد فِي كَوْنِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنْسِيهَا بَعْدَ أَنْ عَلِمَهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا سَمِعَا ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ أُنْسِيَ ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ اَلْبَيْهَقِيّ وَغَيْره .
وَقَدْ اِخْتَلَفَ اَلسَّلَف فِي أَيِّهِمَا أَرْجَح ، فَرَوَى اَلْبَيْهَقِيّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي اَلْفَضْلِ أَحْمَد بْن سَلَمَةَ اَلنَّيْسَابُورِيّ أَنَّ مُسْلِمًا قَالَ : حَدِيثُ أَبِي مُوسَى أَجْوَد شَيْءٍ فِي هَذَا اَلْبَابِ وَأَصَحّه ، بِذَلِكَ قَالَ اَلْبَيْهَقِيّ وَابْن اَلْعَرَبِيِّ وَجَمَاعَة .
وَقَالَ اَلْقُرْطُبِيّ : هُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ اَلْخِلَافِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى غَيْرِهِ
وَقَالَ اَلنَّوَوِيّ : هُوَ اَلصَّحِيحُ ، بَلْ اَلصَّوَاب . وَجَزَمَ فِي اَلرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ اَلصَّوَابُ ، وَرَجَّحَهُ أَيْضًا بِكَوْنِهِ مَرْفُوعًا صَرِيحًا وَفِي أَحَدِ اَلصَّحِيحَيْنِ ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ عَبْد اَللَّه بْن سَلَام فَحَكَى اَلتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ : أَكْثَرُ اَلْأَحَادِيثِ عَلَى ذَلِكَ . وَقَالَ اِبْن عَبْد اَلْبَرّ : إِنَّهُ أَثْبَتُ شَيْء فِي هَذَا اَلْبَابِ . وَرَوَى سَعِيد بْن مَنْصُور بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد اَلرَّحْمَن أَنَّ نَاسًا مِنْ اَلصَّحَابَةِ اِجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا سَاعَةاَلْجُمُعَة ثُمَّ اِفْتَرَقُوا فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا آخِرُ سَاعَة مِنْ يَوْم اَلْجُمُعَةِ . وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ اَلْأَئِمَّةِ أَيْضًا كَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَمِنْ اَلْمَالِكِيَّةِ اَلطُّرْطُوشِيّ ، وَحَكَى اَلْعَلَائِيّ أَنَّ شَيْخَهُ اِبْن الزَّمْلَكَانِيِّ شَيْخ اَلشَّافِعِيَّةِ فِي وَقْتِهِ كَانَ يَخْتَارُهُ وَيَحْكِيه عَنْ نَصِّ اَلشَّافِعِيِّ
وَأَجَابُوا عَنْ كَوْنِهِ لَيْسَ فِي أَحَدِ اَلصَّحِيحَيْنِ بِأَنَّ اَلتَّرْجِيحَ بِمَا فِي اَلصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدهمَا إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَا يَكُونُ مِمَّا اِنْتَقَدَهُ اَلْحُفَّاظُ ، كَحَدِيثِ أَبِي مُوسَى هَذَا فَإِنَّهُ أُعِلَّ بِالِانْقِطَاعِ وَالِاضْطِرَابِ : أَمَّا اَلِانْقِطَاعُ فَلِأَنَّ مَخْرَمَة بْنَ بُكَيْرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ ، قَالَهُ أَحْمَد عَنْ حَمَّاد بْن خَالِد عَنْ مَخْرَمَة نَفْسه ، وَكَذَا قَالَ سَعِيد بْن أَبِي مَرْيَم عَنْ مُوسَى بْن سَلَمَة عَنْ مَخْرَمَة وَزَاد : إِنَّمَا هِيَ كُتُبٌ كَانَتْ عِنْدَنَا . وَقَالَ عَلِيّ بْن اَلْمَدِينِيّ : لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ يَقُولُ عَنْ مَخْرَمَةَ إِنَّهُ قَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ سَمِعْت أَبِي ، وَلَا يُقَالُ مُسْلِم يَكْتَفِي فِي الْمُعَنْعَنِ بِإِمْكَانِ اَللِّقَاءِ مَعَ اَلْمُعَاصَرَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ هُنَا لِأَنَّا نَقُولُ : وُجُودُ اَلتَّصْرِيحِ عَنْ مَخْرَمَةَ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ كَافٍ فِي دَعْوَى اَلِانْقِطَاعِ . وَأَمَّا اَلِاضْطِرَابُ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق وَوَاصِل اَلْأَحْدَب وَمُعَاوِيَة بْن قُرَّة وَغَيْرهمْ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ مِنْ قَوْلِهِ ، وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ وَأَبُو بُرْدَةَ كُوفِيٌّ فَهُمْ أَعْلَمُ بِحَدِيثِهِ مِنْ بُكَيْرٍ اَلْمَدَنِيّ ، وَهُمْ عَدَدٌ وَهُوَ وَاحِد . وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ عِنْد أَبِي بُرْدَة مَرْفُوعًا لَمْ يُفْتِ فِيهِ بِرَأْيهِ بِخِلَاف اَلْمَرْفُوع ، وَلِهَذَا جَزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِأَنَّ اَلْمَوْقُوفَ هُوَ اَلصَّوَابُ ، وَسَلَكَ صَاحِبُ اَلْهُدَى مَسْلَكًا آخَرَ فَاخْتَارَ أَنَّ سَاعَة اَلْإِجَابَةِ مُنْحَصِرَة فِي أَحَدِ اَلْوَقْتَيْنِ اَلْمَذْكُورَيْنِ ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُعَارِضُ اَلْآخَر لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا فِي وَقْتٍ وَعَلَى اَلْآخَرِ فِي وَقْتٍ آخَرَ ، وَهَذَا كَقَوْلِ اِبْن عَبْد اَلْبَرّ : اَلَّذِي يَنْبَغِي اَلِاجْتِهَادُ فِي اَلدُّعَاءِ فِي اَلْوَقْتَيْنِ اَلْمَذْكُورَيْنِ .
وَسَبَقَ إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ اَلْإِمَامِ أَحْمَد ، وَهُوَ أَوْلَى فِي طَرِيقِ اَلْجَمْعِ . وَقَالَ اِبْن اَلْمُنِير فِي اَلْحَاشِيَةِ : إِذَا عُلِمَ أَنَّ فَائِدَةَ اَلْإِبْهَامِ لِهَذِهِ اَلسَّاعَةِ وَلِلَيْلَةِ اَلْقَدْرِ بَعْث اَلدَّاعِي عَلَى اَلْإِكْثَارِ مِنْ اَلصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ ، وَلَوْ بَيَّنَ لَاتَّكَلَ اَلنَّاس عَلَى ذَلِكَ وَتَرَكُوا مَا عَدَاهَا ، فَالْعَجَب بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّنْ يَجْتَهِدُ فِي طَلَبِ تَحْدِيدِهَا . وَفِي اَلْحَدِيثِ مِنْ اَلْفَوَائِدِ غَيْر مَا تَقَدَّمَ فَضْل يَوْم اَلْجُمُعَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِسَاعَة اَلْإِجَابَة ، وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ خَيْر يَوْم طَلَعَتْ عَلَيْهِ اَلشَّمْسُ . وَفِيهِ فَضْلُ اَلدُّعَاءِ وَاسْتِحْبَابُ اَلْإِكْثَارِ مِنْهُ ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى بَقَاءِ اَلْإِجْمَالِ بَعْدَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُعُقِّبَ بِأَنْ لَا خِلَافَ فِي بَقَاءِ اَلْإِجْمَالِ فِي اَلْأَحْكَامِ اَلشَّرْعِيَّةِ لَا فِي اَلْأُمُورِ اَلْوُجُودِيَّةِ كَوَقْتِ اَلسَّاعَةِ ، فَهَذَا اَلِاخْتِلَاف فِي إِجْمَالِهِ ، وَالْحُكْم اَلشَّرْعِيّ اَلْمُتَعَلِّق بِسَاعَة اَلْجُمُعَة وَلَيْلَةِ اَلْقَدْرِ – وَهُوَ تَحْصِيل اَلْأَفْضَلِيَّة – يُمْكِنُ اَلْوُصُولُ إِلَيْهِ وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ بِاسْتِيعَاب اَلْيَوْمِ أَوْ اَللَّيْلَةِ ، فَلَمْ يَبْقَ فِي اَلْحُكْمِ اَلشَّرْعِيِّ إِجْمَال وَاَللَّه أَعْلَمُ . فَإِنْ قِيلَ : ظَاهِرُ اَلْحَدِيث حُصُول اَلْإِجَابَةِ لِكُلّ دَاعٍ بِالشَّرْطِ اَلْمُتَقَدِّم مَعَ أَنَّ اَلزَّمَانَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اَلْبِلَادِ وَالْمُصَلِّي فَيَتَقَدَّمُ بَعْض عَلَى بَعْض ، وَسَاعَة اَلْإِجَابَة مُتَعَلِّقَة بِالْوَقْتِ ، فَكَيْفَ تَتَّفِقُ مَعَ اَلِاخْتِلَافِ ؟ أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ سَاعَة اَلْإِجَابَة مُتَعَلِّقَة بِفِعْلِ كُلّ مُصَلٍّ ، كَمَا قِيلَ نَظِيرُهُ فِي سَاعَة اَلْكَرَاهَة ، وَلَعَلَّ هَذَا فَائِدَة جَعْلِ اَلْوَقْت اَلْمُمْتَدّ مَظِنَّة لَهَا وَإِنْ كَانَتْ هِيَ خَفِيفَة ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبَّرَ عَنْ اَلْوَقْتِ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ اَلتَّقْدِير وَقْت جَوَاز اَلْخُطْبَة أَوْ اَلصَّلَاة وَنَحْو ذَلِكَ ، وَاَللَّه أَعْلَمُ .