والصلاة والسلام علي خاتم النبيين محمد وعلي آله وصحبه
أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين
تمهـيد لابد منه
بعيداً عن إعلامنا وأضاليله وبعيداً عن التلفزيون الذي طالما شوه وزيف التاريخ في مسلسلاته ومازال ..!!!
نقدم في هذا الموضوع لملحمة شعبية كبيرة كانت ولازالت تعيش في وجدان أبناء الصعيد عامة وقبائل الهوارة خاصة ..
إنها قصة رجل حمل من الاصالة والشهامة والعراقة ما شهدت به كتب التاريخ
قدم له المؤرخ الكبير عبد الرحمن الجبرتي فقال
الجناب الأجل والكهف الأظل الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيلي الملكي ملجأ الفقراء والأمراء ومحط رحال الفضلاء والكبراء شيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن صبيه بن سيبيه الهواري
عظيم بلاد الصعيد ومن كان خيره وبره يعم القريب والبعيد وقد جمع فيه من الكمال ما ليس فيه لغيره مثال تنزل بحرم سعادته قوافل الأسفار وتلقى عنده عصى التسيار وأخباره غنية عن البيان مسطرة في صحف الإمكان ..!!
إهتمامه بالعلماء وإكرامهم
قد اهتم شيخ العرب همام كذلك بالعلماء
و إشتهر بتقريبه لهم و إكرامهم و مقابلتهم بما يستحقون من احترام
و تقديم الهدايا العظيمة لهم إذا ما قصدوه في موطنه ومن أشهر هؤلاء العلماء الذين زاروا شيخ العرب همام في موطنه الشيخ مرتضى الحسيني الزبيدي ..
ومنهم ايضاً الشيخ محمد بن سالم الحفناوي احد مشايخ الازهر وكان علي علاقة وثيقة بشيخ العرب همام وكانت بينهما مراسلات وصداقة كبيرة والشيخ الحفناوي وولد ببلدة حفنا احدي قري بلبيس وكانت له مواقف قوية جدا في
التصدي للماليك وظلمهم وكان يقول لهم أخربتم الاقاليم والبلاد .!!
وذالك لشدة تناحرهم وتشاحنهم علي السلطة وكما ذكر الجبرتي فقد مات بالسم رحمه الله الله ويُقال ان المماليك هم الذين سموه …
احد اسواق القاهرة القديمة
ومن أشهر العلماء الذين كانوا يعيشون في أرض شيخ العرب همام
الشيخ علي بن صالح الشاوري المالكي
مفتي فرشوط
و الذي تلقى علومه بالأزهر
ثم عاد إلى فرشوط و تولى الإفتاء بها و قد اهتم شيخ العرب همام بالشاوري اهتماما كبيراً و أكرمه إكراماً كبيراً
و كان يقبل وساطته في أي أمر مما أدى إلى إشتهار أمره .و بعد وفاة شيخ العرب همام غادر الشاوري فرشوط
و حضر إلى القاهرة و ظل بها حتى وفاته
عام 1185 هـ/ 1771 م .
بهذا التقديم ندخل لموضوعنا وهو عن
شيخ العرب همام أميـر الصعيد وزعيم قبائل الهوارة في القطر المصري
ظهر شيخ العرب همام في وقت كان الصعيد فيه في امس الحاجة الي وجود رجل مثله يُقر الامن ويحمي الفلاحين من ظلم الادارة المتمثلة في المماليك ومتاعب الاعراب من سلب ونهب وتهديد …
نشر شيخ العرب همام العدالة بين ابناء الصعيد ولم يكن يفرق في المعاملة بين ابناء قبيلته الهوارة وبين الفلاحين او العرب الاخرين فالجميع امامه سواء …
لقد احال شيخ العرب همام الصعيد من منبت للفتن ومسرح للصراع بين الامراء المماليك المهزومين امام زملائهم في القاهرة ومطارديهم المنتصرين الي منطقة استقرار ورخاء وامن وازدهاروبهذا وضع اساس مجده وخلد ذكره ..
شيخ العرب همام صورة تخيلية
في قرية فرشوط بمحافظة قنا
كان مولد
شيخ العرب همام بن يوسف 1709 م 1121 هـ .
و قد نشـأ شيخ العرب همام في بيت ورث الثراء و المكانة أباً عن جد
فقد كان شيخ العرب هماماً إبناً للشيخ يوسف بن الشيخ أحمد محمد همام
الذي آلت إليه زعامة قبائل الهوارة .
و قد تمتع الهوارة بثراء واسع و كان معظم شيوخهم على جانب كبير من الثراء
فمنذ أن نزل الهوارة إلى الصعيد و إستقروا في جرجا
إمتدت سطوتهم فيها و إتسع ثراؤهم
و كان كبيرهم يقيم في فرشوط و له نفوذ في الصعيد كله
و قد ظلت لشيوخ الهوارة رئاسة الصعيد و السيطرة على الحكم فيه
حتى عام 893 هـ/1575 م
و قد كانت الأسرة التي انحدر منها شيخ العرب همام
و هي الأسرة الهمامية
على صلة طيبة بالفلاحين في الصعيد
فقد استطاعت بما توفر لها من عصبية قبلية قوية
حماية فلاحي الصعيد من المظالم التي كانت تلحق بباقي الفلاحين في أنحاء مصر الأخرى .
وقد ورث شيخ العرب همام عن أبيه الشيخ يوسف التزامات واسعة
شملت معظم أراضي الصعيد من المنيا إلى أسوان
و كانت هذه الالتزامات قد آلت إلى الشيخ يوسف
وراثة عن أبيه الشيخ أحمد بن همام .
242 الف فدان التزام الامير همام شيخ العرب
ولكي يحمي شيخ العرب همام أراضيه الواسعة
و يدفع عنها شر هجمات الأعراب و أطماع أمراء المماليك
كون جيشا كبيراً من الهوارة أقاربه و من المماليك الفارين
إلى الصعيد هرباً من منافسيهم .
دارة همام او القلعة الحربية بمنطقة العركي بفرشوط وكانت تستخدم للتدريب
كانت هذه هي البيئة التي نشأ فيها شيخ العرب همام وقد جعل نُصب عينيه توحيد قبائل الهوارة وجمعها تحت لواء واحد وذالك للتصدي لظلم المماليك واطماعهم التي ماكانت تنتهي ….
و لم تكن شهرة شيخ العرب همام وليدة أساليب البيان و سحر البلاغة
كما لم تكن الهالات التي أحاطت بسيرته وليدة الخيال
و إنما هي شهرة و مجد استمدا وجودهما
من الواقع الذي لا يُخطئ لقد أحال شيخ العرب همام الصعيد
من منبت للفتن و مسرح للصراع بين الأمراء المماليك المهزومين
أمام زملائهم في القاهرة و مطارديهم المنتصرين إلى منطقة استقرار و رخاء وأمن وازدهارو بهذا وضع أساس مجده و خلد ذكراه .
إنشائه للمساجد والوقف لها
و قد إشتهر شيخ العرب همام بالتقوى و الورع
فكان يؤدي الصلاة في أوقاتها
و قد أوقف أوقافاً كثيرة على المساجد في الصعيد و قام بكثير من الاصلاحات فيها
مثل ما قام به من إصلاح في مسجد عبد الرحمن القنائي
أشهر أولياء الصعيد
فقد جدد شيخ العرب همام المسجد و أنشأ خلفه مخزناً و دورة مياه
وأوقف عليه أوقافاً كثيرة وقد أنشـأ شيخ العرب همام مسجداً خاصاً في موطنه فرشوط في الجانب الشرقي منها
عام 1171 هـ / 1757 م
و هو مسجد فخم وتحفه اثرية هامة .
مسجد شيخ العرب همام
ومازال هذا المسجد قائماً في فرشوط
في حالة جيدة و تُقام به شعائر الصلاة و قد كُتِبَ على واجهته :
لجامع همام بن يوسف رونق ** به لاذت العباد من كل وجهة
عليه علامات القبول لوايح ** و قد طاب من أرجائه كل بقعة
فيا داخلاً بالباب ادع لمشئ ** و ارخ يسد الله سر المنية
وعلى جدران المسجد كتبت قصيدة نهج البردة …
وقد اوقف شيخ العرب همام 19 فدان بفرشوط
للانفاق منها على هذا المسجد .
حياته وعدله مع الناس وجلوسه لشكايتهم
كان شيخ العرب همام يجلس يومياً بعدما يُصلي صلاة الصبح لفض المنازعات بين الناس وكان له مجلس عرب يشبه المحكمة
وإذا أصدر الحكم بين متخاصمين أمر كاتبه بولس النصراني بكتابة هذا الحكم
وكان كل شيء يُدون في هذه الجلسات ..
نشر شيخ العرب همام العدالة بين أبناء الصعيد
و لم يكن يُفرق في المعاملة بين أبناء قبيلته من الهوارة
و بين الفلاحين أو العرب الآخرين
فالجميع امامه ســواء و قد اهتم شيخ العرب همام
بتنظيم الزراعة في الصعيد و أدار الحياة فيه بنشـاطٍِ جم و كفاية فائقة
و كان هدفه أن يخلق من الفوضى نظام يُمكنه من نشر الرخاء
بين فلاحي الصعيد .
الفلاحون يجلسون ويتسامرون
لذا اهتم برعاية الأمن فيه
كما عمل على خلق شخصية بارزة له تحميه وتحمي كل بلاد الصعيد التي كانت تحت سلطته فعلياً
من ظلم المماليك و إسـتغلالهم و قد اتقن شيخ العرب همام دوره بصفته أميراً علي بلاد الصعيد
و أخذ في تنفيذه مضحياً بكل ما يملك
من جهد و مال و رجال و لم يكترث بما كان يبذله
من تضحيات و ما يلاقيه من جهد و عناء و بلغ شيخ العرب همام من القوة و النفوذ حداً
جعله يؤثر في تصعيد حدة الصراع بين كبار أمراء المماليك
بالقاهرة و هو باقٍ في مكانه بالصعيد
فلم يذهب إلى القاهرة و لم ينتقل من معقله و مهد نفوذه ..
و قد ظهر شيخ العرب همام
في وقت كان الصعيد في أمس الحاجة إلى وجود رجل مثله يُقر الأمن و يحمي الفلاحين من ظلم الإدارة و متاعب الأعراب
من سلب و نهب و تهديد امراء المماليك .. .
يتبع