][فرًشي ـالتراب ][ 2024

سَكَرَات الْمَوْت وَشِدَّتَه

نَظَرا لِأَهَمِّيَّة لَحْظَة الْمَوْت فِي الْمَرَاحِل الانْتِقَالِيَّة لِلْإِنْسَان مِن حَال إِلَى حَال ؛

فَقَد أُوْلَاهَا الْقُرْآَن عِنَايَة

مَلْمُوْسَة فِي كَثِيْر مِن آَيَاتِه . وَقَد جَاءَت أَرْبَع آَيَات بَيِّنَات تَصِف لَحْظَة الْمَوْت ؛

حَيْث قَال تَعَالَى : ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَت الْحُلْقُوْم ﴾ ( الْوَاقِعَة : 83)

وَقَال :﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَت الْتَّرَاقِي ﴾ ( الْقِيَامَة : 26 )

وَقَال : ﴿ وَلَو تَرَى إِذ الْظَّالِمُوْن فِي غَمَرَات الْمَوْت وَالْمَلائِكَة بَاسِطُوَا أَيْدِيَهِم ﴾ ( الْأَنْعَام :93 )

وَقَال سُبْحَانَه : ﴿ وَجَاءَت سَكْرَة الْمَوْت بِالْحَق ﴾ (ق :19 )

الونشريس

وَقَد جَاءَت الْأَحَادِيْث الْنَّبَوِيَّة كَذَلِك مُوَضِّحَة لِلَحْظَة الْمَوْت وَسَكَرَاتِه

وَمَدَى شِدَّتِه ؛ حَيْث قَال الْنَّبِي

صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و سَلَّم ) ( مُعَالَجَة مَلَك الْمَوْت أَشَد مِن أَلْف ضَرْبَة

بِالْسَّيْف وَمَا مِن مُؤْمِن يَمُوْت إِلَا وَكُل عِرْق مِنْه يَأْلَم عَلَى حِدَة ))

( رَوَاه أَبُو نُعَيْم عَن عَطَاء بْن يَسَار ، فِي الْحِلْيَة مُجَلَّد 8 ص 201 )

وَتُرْوَى لَّنَا عَائِشَة رَضِي الْلَّه عَنْهَا انْطِبَاعَاتِهَا عِنْد مَوْت الْرَّسُوْل صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و سَلَّم

فَتَقُوْل :

(( مَات الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و سَلَّم وَإِنَّه لَبَيْن حَاقِنَتِي ) الْجُزْء مِن الْجِسْم
الْمُطْمَئِن بَيْن الْتَّرْقُوَة

و الْحَلْق) واقْنَّتِي ( نُقْرَة الْذَّقْن ) ، فَلَا أَكْرَه شِدَّة الْمَوْت لِأَحَد أَبَدا بَعْد الْنَّبِي ))

( رَوَاه الْبُخَارِي فِي صَحِيْحِه فِي كِتَاب الْمَغَازِى بَاب مَرَض الْنَّبِي وَوَفَاتِه 83 )

وَقَالَت عَائِشَة أَيْضا : (( إِن رَسُوْل الْلَّه ÷ كَان بَيْن يَدَيْه رَكْوَة أَو عُلْبَة فِيْهَا مَاء فَجَعَل

يَدْخُل يَدَيْه فِي الْمَاء فَيَمْسَح بِهَا وَجْهَه وَيَقُوْل :

(( لَا إِلَه إِلَّا الْلَّه إِن لِلْمَوْت سَكَرَات ))

ثُم نَصَب يَدَه فَجَعَل يَقُوْل : (( فِي الْرَّفِيْق الْأَعْلَى )) حَتَّى قُبِض وَمَالَت يَدُه ))
( رَوَاه الْبُخَارِي أَيْضا فِي صَحِيْحِه فِي كِتَاب الْرِّقَاق بَاب سَكَرَات الْمَوْت 42 )

فَانْظُر أَخِتي الْمُؤْمِنه كَيْف كَانَت سَكَرَات الْمَوْت شَدِيْدَة

عَلَى الْحَبِيْب الْمُصْطَفَى وَهْو الْنَّبِي الْمُرْسَل

فَكَيْف بِالْإِنْسَان الْعَادِي ؟

وَمَا جَرَى عَلَى الْنَّبِي مُحَمّد صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و سَلَّم مَن شَدَائِد الْمَوْت وَسَكَرَاتِه ،

وَأَيْضا عَلَى غَيْرِه مِن الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسَلِيْن ، فِيْه فَائِدَة عَظِيْمَة ،

هِي أَن يُعْرَف الْخَلْق مِقْدَار أَلَم الْمَوْت ، وَأَنَّه بَاطِن ،

وَقَد يَطْلُع الْبَعْض عَلَى الْمُحْتَضَر فَلَا يُرَى عَلَيْه حَرَكَة ،وَلَا قَلِقَا ،

وَيَرَى سُهُوْلَة خُرُوْج رَوْحِه ، فَيَغْلِب عَلَى ظَنِّه سُهُوْلَة أَمَر الْمَوْت ،

وَلَا يَعْرِف حَقِيْقَة الْمَوْقِف الَّذِي فِيْه الْمَيِّت . فَلَمَّا ذَكَر الْأَنْبِيَاء الْصَّادِقُوْن

فِي خَبَرِهِم : شِدَّة أَلَمِه _ مَع كَرَامَتَهُم عَلَى الْلَّه وَتَهْوِيَنَّه عَلَى بَعْضِهِم ،

قَطَع الْخَلْق بِشِدَّة الْمَوْت الَّذِي يُعَانِيْه وَيُقَاسِيْه الْمَيِّت مُطْلَقا لِإِخْبَار الْصَّادِقِيْن عَنْه ،

عَدَا الْشَّهِيْد قَتِيْل الْكُفَّار كَمَا سَنُوَضِّحُه فِيْمَا بَعْد .

وَرُبَّمَا يَتَسَاءَل الْبَعْض : كَيْف أَن الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل وَهُم أَحْبَاب الْلَّه ،

يُقَاسُوْن هَذِه الْشَّدِائِد وَالسَكِرَات ، مَع أَن الْلَّه قَادِر عَلَى أَن يُخَفِّف عَنْهُم ؟

وَالْجَوَاب :

إِن أَشَد الْنَّاس بَلَاء فِي الْدُّنْيَا الْأَنْبِيَاء ، ثُم الْأَمْثَل ، فَالْأَمْثَل _ كَمَا جَاء فِي الْحَدِيْث الْصَّحِيْح :

(( فَأَرَاد الْلَّه أَن يَبْتَلِيَهُم تَّكْمِيْلا لْفَضَائِلَهُم لَدَيْه ، وَرِفْعَة لِدَرَجَاتِهِم عِنْدَه ، وَلَيْس ذَلِك فِي حَقِّهِم نَقْصا وَلَا عَذَابا.

بَل هُو كَمَال وَرِفْعَة ،مَع رِضَاهُم بِجَمِيْل مَا يُجْرَى الْلَّه عَلَيْهِم ، فَأَرَاد الْلَّه سُبْحَانَه أَن يَخْتِم لَهُم

بِهَذِه الْشَّدَائِد ،

مَع إِمْكَان الْتَّخْفِيف وَالْتَّهْوِيْن عَلَيْهِم ، لِيَرْفَع مَنَازِلِهِم ، وَيُعْظِم أُجُوْرَهُم قَبْل مَوْتِهِم ))

فَقَد ابْتَلَى الْلَّه إِبْرَاهِيْم بِالْنَّار، وَمُوَسَى بِالْخَوْف، وَالْأَسْفَار،

وَعِيْسَى بِالصُحَار ، وَالْقِفَار، وَمُحَمَّد بِالْفَقْر

فِي الْدُّنْيَا وَمُقَاتَلَة الْكُفَّار؛ كُل ذَلِك لِرِفْعَة فِي أَحْوَالِهِم، وَكَمَال فِي دَرَجَاتِهِم ،

وَلَا يُفْهَم مِن هَذَا أَن الْلَّه شَدَّد

عَلَيْهِم أَكْثَر مِمَّا شَدَّد عَلَى الْعُصَاة الْمُخَالِفِيْن فَإِن ذَلِك عُقُوْبَة لَهُم،

وَمُؤَاخَذَة عَلَى إِجْرَامِهِم ؛ فَلَا وَجْه لِلْشَّبَه بَيْن هَذَا وَذَاك .

وَكُل الْمَخْلُوْقَات يُحَدِّث لَهَا عِنْد الْمَوْت هَذِه الْسَّكَرَات ،

لَا فَرْق بَيْن عُلْوِي وَأَرْضَى، وَلَا جِسْمَانِي

وَلَا رُوْحَانِي ..

فَالْجَمِيْع يَشْرَب مِن ذَلِك الْكَأْس جَرَّعَتْه ، وَيَغْتص مِنْه غُصَّتَه، قَال سُبْحَانَه : ﴿ كُل نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت ﴾ (آَل عِمْرَان :185 )

:: الْلَّهُم ارْحَمْنَا وَهُوِّن عَلَيْنَا مِن سَكَرَات الْمَوْت ::

قُوْلُوْا أَمِيْن يَارَب ..

الْقـــــــــــــبِر وَعَذَابَه

بِسْم الْلَّه الْرَّحْمَن الْرَّحِيْم

قَال الْلَّه تَعَالَى: ( وَأَن الْسَّاعَة آَتِيَة لَّا رَيْب فِيْهَا وَأَن الْلَّه يَبْعَث مَن فِي الْقُبُوْر )[1]

يَقُوْل الْلَّه تَعَالَى: ( حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُم الْمَوْت قَال رَب ارْجِعُوْن ، لَعَلِّي أَعْمَل صَالِحا فِيْمَا تَرَكْت ، كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَة هُو قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخ إِلَى يَوْم يُبْعَثُوْن. )[2]

مِن هَذِه الْآَيَة نَعْلَم أَن الْمَوْتَى يَمْكُثُون فِي قُبُوْرِهِم فَتْرَة مِّن الْزَّمَن لَا يَعْلَمُوْن مَدَاهَا إِلَى أَن يَبْعَثُهُم الْلَّه تَعَالَى مِن تِلْك الْقُبُور.

وَأَثْنَاء تِلْك الْفَتْرَة الَّتِي يَقُضُوْنَهَا فِي قُبُوْرِهِم يَكُوْنُوْن إِمَّا سُعَدَاء مُنَعَّمِيْن أَو أَشْقِيَاء مُعَذِّبِيْن بِحَسَب أَعْمَالِهِم فِي الْحَيَاة الْدُّنْيَا.

قَال رَسُوْل الْلَّه (صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم) : ( الْقَبْر إِمَّا رَوْضَة مِن رِيَاض الْجَنَّة أَو حُفْرَة مِن حُفَر الْنِّيْرَان. )[3]

فَتَعَال عَزَيَزَتي نَتَعَرَّف أَحْوَال الْمَوْتَى فِي قُبُوْرِهِم.

يُوَاجِه الْمَيِّت فِي قَبْرِه حَالِات لَم يُشَاهِدْهَا فِي الْحَيَاة الْدُّنْيَا، وَتِلْك الْحَالَات هِي: سُؤَال مُنْكَر وَنَكِيْر ، وَضَغْطَة الْقَبْر وَوَحْشَتِه، وَبَقَاؤُه مِنَعَّمَا أَو مُعَذَّبَا بَعْد مَوْتِه إِلَى أَن يَبْعَثَه الْلَّه تَعَالَى وَيَحْشُرُه لِلْحِسَاب يَوْم الْقِيَامَة.

فَمَا الْمُرَاد بِسُؤَال مُنْكَر وَنَكِيْر ؟ وَمَا الْمُرَاد بِضَغْطَة الْقَبْر وَوَحْشَتِه ؟ وَكَيْف يَبْقَى الْمَيِّت مِنَعَّمَا أَو مُعَذَّبا فِي قَبْرِه ؟

أَوَّلَا: سُؤَال مُنْكَر وَنَكِيْر.

بَعْدَمَا يَمُوْت الْإِنْسَان وَيُوْضَع فِي قَبْرِه يُنَزِّل عَلَيْه فِي الْقَبْر مَلَكَان وَيَسْأَلَانه بَعْض الْأَسْئِلَة، فَإِن كَان ذَلِك الْمَيِّت مُؤْمِنا بِالْلَّه تَعَالَى فَإِن الْمَلَكَيْن الَّذِيْن يَنْزِلَان عَلَيْه فِي قَبْرِه هُمَا مُبَشِّر وَبَشِيْر. أَمَّا إِذَا كَان ذَلِك الْمَيِّت كَافِرا بِالْلَّه تَعَالَى فَإِن الْمَلَكَيْن الَّذِيْن يَنْزِلَان عَلَيْه هُمَا مُنْكَر وَنَكِيْر. وَهَذَا الْإِخْتِلاف فِي شَكْل الْمَلَائِكَة وَأَسْمَائِهَا نَاتِج عَن عَمِل الْإِنْسَان فِي دَار الْدُّنْيَا.[5]

و الْإِيْمَان بِالْمُسَاءَلَة فِي الْقَبْر يَعُد أَمْرا وَجَبَا فِي الْإِسْلَام.

وَلَا شَك أَن هُنَاك حِكْمَة مُهِمَّة لِمُسَائِلَة الْمَيِّت فِي قَبْرِه، أَلَّا وَهِي تَمْيِيِز أَهْل الْإِيْمَان عَن أَهْل الْكُفْر، ثُم مُحَاسَبَتُهُم حَسَب أَعْمَالِهِم الَّتِي فَعَلُوْهَا فِي الْدُّنْيَا؛ فَأَهْل الْإِيْمَان لَهُم الْجَنَّة، وَأَهْل الْكُفْر لَهُم الْنَّار.

أَمَّا الْأَسْئِلَة الَّتِي يَطْرَحُهَا الْمَلَكَان عَلَى الْمَيِّت فِي قَبْرِه فَهِي تَتَعَلَّق بِالمُعْتَقَدَات الْدِّيْنِيَّة الْأَسَاسِيَّة الَّتِي يَجِب عَلَى كُل إِنْسَان مَعْرِفَتِهَا وَالْإِيْمَان بِهَا.

رُوِي عَن الْإِمَام مُوْسَى الْكَاظِم عَلَيْه الْسَّلَام: (( إِذَا أُدْخِل الْكَافِر الْقَبْر وَفَارَقَه الْنَّاس أَتَاه مُنْكَر وَنَكِيْر فِي أَهْوَل صُوْرَة، فَيُقِيْمَانَه ثُم يَقُوْلَان لَه: مِن رَبِّك وَمَا دِيْنُك وَمَن نَبِيُّك؟ فَيَقُوْل: لَا أَدْرِي، فَيَقُوْلان لَه: لَا دَرَيْت وَلَا هَدَيْت وَلَا أَفْلَحْت. ثَم يَفْتَحَان لَه بَابَا إِلَى الْنَّار وَيَنْزْلانّه إِلَى الْحَمِيْم مِن جَهَنَّم، وَذَلِك قَوْلُه تَعَالَى: ( وَأَمَّا إِن كَان مِن الْمُكَذِّبِيْن الْضَّآلِّيْن، فَنُزُل مِّن حَمِيْم) يَعْنِي فِي الْقَبْر. ( وَتَصْلِيَة جَحِيْم ) يَعْنِي فِي الْآَخِرَة. )) [8]

ثَانِيا: ضُغْطَة الْقَبْر.

هِي حَالَة صَّعْبَة جَدَّا تُحَدِّث لِلْمَيِّت فِي قَبْرِه، حَيْث يَنْضَغِط الْقَبْر عَلَى الْمَيِّت، فَيَتَأَلَّم أَلَما شَدِيْدا. وَهِي تَحْصُل لِكُل مَيِّت سَوَاء كَان مُؤْمِنا بِالْلَّه سُبْحَانَه، أَم كَان كَافِرا. وَقَد ذَكَر بَعْض الْعُلَمَاء أَن ضُغْطَة الْقَبْر لِلْمُؤْمِن تَطْهِير لَه مِن الْأَدْنَاس وَالْذُّنُوْب كَي يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة وَلَا ذَنْب عَلَيْه.

رُوِي عَن رَسُوْل الْلَّه (صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم): ( ضُغْطَة الْقَبْر لِلْمُؤْمِن كَفَّارَة لِمَا كَان مِنْه مِن تَضْيِيْع الْنِّعَم. )[9]

وَمِن أَسْبَاب ضُغْطَة الْقَبْر: سُوَء الْخُلُق مَع الْنَّاس، وَالْنَّمِيْمَة، وَالْغِيْبَة، وَعَدَم الِاهْتِمَام بِالْطَّهَارَة وَغَيْر ذَلِك.[10]
أَمَّا الْأَعْمَال الْصَّالِحَة الَّتِي تُنْجِي مِن ضَغْطَة الْقَبْر وَعَذَابِه فَهِي كَثِيْرَة مِنْهَا: قِرَاءَة سُوْرَة الْنِّسَاء كُل جُمُعَة، وَالْمُدَاوَمَة عَلَى قِرَاءَة التَّكَاثُر عِنْد الْنَّوْم، وَقِرَاءَة سُوْرَة الْمُلْك وَقِرَاءَة الْدُّعَاء الْمَأْثُوْر عَن الْنَّبِي مُحَمَّد صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم عِنْد الْدَّفْن.

ثَالِثا: وَحْشَة الْقَبْر.

إِن أَوْل لَيْلَة تَمُر عَلَى الْمَيِّت فِي قَبْرِه تَكُوْن أَوْحَش لَيْلَة عَلَيْه، وَهَذِه الْلَّيْلَة تُسَمَّى لَيْلَة الْوَحْشَة أَو لَيْلَة الْدَّفْن.

وَقَد وَرَد ذِكْر هَذِه الْلَّيْلَة فِي بَعْض أَحَادِيْث الْنَّبِي وَأَهَل بَيْتِه عَلَيْهِم الْسَّلام، وَمِنْهَا مَا جَاء فِي أَحَد كَتَب الْإِمَام عَلَي عَلَيْه الْسَّلَام إِلَى مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر رَضِي الْلَّه عَنْهُمَا، حَيْث قَال فِي ذَلِك الْكِتَاب: (( يَا عِبَاد الْلَّه، مَا بَعْد الْمَوْت لِمَن لَا يَغْفِر الْلَّه لَه أَشَد مِن الْمَوْت، الْقَبْر فَاحْذَرُوا ضِيْقِه وَضَنْكِه وَغُرْبَتِه، إِن الْقَبْر يَقُوْل كُل يَوْم: أَنَا بَيْت الْغُرْبَة، أَنَا بَيْت الْتُّرَاب، أَنَا بَيْت الْوَحْشَة، أَنَا بَيْت الدُّوْد وَالْهَوَام. ))[13]

وَلَرُب سَائِل يَسْأَل: هَل تُوْجَد أَعْمَال صَالِحَة تُنْجِي مِن وَحْشَة الْقَبْر ؟

فَنَقُوْل لَه نَعَم. هُنَاك رِوَايَات تُذَكِّر بَعْض الْأَعْمَال الْصَّالِحَة الَّتِي تُنْجِي الْمَيِّت مِن وَحْشَة الْقَبْر. وَمِنْهَا مَا يَلِي:

1- صَلَاة الْهَدِيَّة.

تُسَمَّى هَذِه الصَّلَاة بِأَكْثَر مِن اسْم، فَمَن أَسْمَائِهَا: صَلَاة لَيْلَة الْوَحْشَة، وَصَلَاة لَيْلَة الْدَّفْن، وَصَلَاة الْهَدِيَّة. وَهِي مُرْوِيَة عَن رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم.

2- الْصَّدَقَة.

يُسْتَحَب الْتَّصَدُّق عَن الْمَيِّت فِي أَوَّل لَيْلَة تَمُر عَلَيْه وَهُو فِي قَبْرِه لِيَنْجُو مِن وَحْشَة الْقَبْر.

وَهَذَان الْعَمَلَان الْصَّالِحَان مَرْوِيَّان عَن رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم فِي قَوْلُه: (( لَا يَأْتِي عَلَى الْمَيِّت سَاعَة أَشَد مِن أَوَّل لَيْلَة، فَارْحَمُوْا مَوْتَاكُم بِالْصَّدَقَة فَإِن لَم تَجِدُوْا فَلْيُصَل أَحَدُكُم رَكْعَتَيْن يَقْرَأ فِي الْأُوْلَى ( بِفَاتِحَة الْكِتَاب ) مَرَّة وَسُوْرَة الْتَّوْحِيْد ( قُل هُو الْلَّه أَحَد ) مَرَّتَيْن. وَفِي الْثَّانِيَة ( فَاتِحَة الْكِتَاب ) مَرَّة وَسُوْرَة التَّكَاثُر عَشْر مَرَّات وَسَلَّم وَيَقُوْل: ( الْلَّهُم صَل عَلَى مُحَمَّد وَآَل مُحَمَّد وَابْعَث ثَوَابَهَا إِلَى قَبْر ذَلِك الْمَيِّت فُلَان بِن فُلَان. )) فَيَبْعَث الْلَّه مِن سَاعَتِه أَلْف مَلَك إِلَى قَبْرِه مَع كُل مَلَك ثَوْب وَحُلَّة، وَيُوَسِّع فِي قَبْرِه مَن الْضِّيْق إِلَى يَوْم يُنْفَخ فِي الْصُّوَر، وَيُعْطَى الْمُصَلِّي بِعَدَد مَا طَلَعَت عَلَيْه الْشَّمْس حَسَنَات وَتَرْفَع لَه أَرْبَعُوْن دَرَجَة. )) [14]

رَابِعا: نَعِيْم الْمَيِّت أَو عَذَابَه فِي الْقَبْر.

قَال تَعَالَى: ( وَلَا تَحْسَبَن الَّذِيْن قُتِلُوَا فِي سَبِيِل الْلَّه أَمْوَاتا بَل أَحْيَاء عِنْد رَبِّهِم يُرْزَقُوْن . فَرِحِيْن بِمَا آُتَاهُم الْلَّه مِن فَضْلِه . وَيَسْتَبْشِرُوْن بِالَّذِين لَم يَلْحَقُوْا بِهِم مِن خَلْفَهُم أِلْا خَوْف عَلَيْهِم وَلَا هُم يَحْزَنُوْن . يَسْتَبْشِرُوْن بِنِعْمَة مِّن الْلَّه وَفَضْل وَأَن الْلَّه لَا يُضِيْع أَجْر الْمُؤْمِنِيْن. )[15]

تُحَدِّثُنَا هَذِه الْآَيَة الْشَرِيفَة عَن حَال الَّذِيْن يَقْتُلُوْن فِي سَبِيِل الْلَّه تَعَالَى، أَنَّهُم يَبْقَوْن أَحْيَاء يُرْزَقُوْن حَتَّى بَعْد مَوْتِهِم، وَيَشْعُرُوْن بِالْفَرَح وَالاسْتِبْشَار بِنِعْمَة الْلَّه عَلَيْهِم.

وَقَال تَعَالَى: ( وَلَو تَرَى إِذ يَتَوَفَّى الَّذِيْن كَفَرُوَا الْمَلَائِكَة يَضْرِبُوْن وُجُوْهَهُم وَأَدْبَارَهُم وَذُوْقُوْا عَذَاب الْحَرِيْق. ذَلِك بِمَا قَدَّمَت أَيْدِيَكُم وَأَن الْلَّه لَيْس بِظَلَّام لِّلْعَبِيد. ) [16]
الْخُلَاصَة

1. يَنْتَقِل الْنَّاس بِالْمَوْت مِن الْحَيَاة الْدُّنْيَا إِلَى حَيَاة الْبَرْزَخ ثُم يَحْشُرُهُم الْلَّه تَعَالَى لِلْحِسَاب لِيَوْم الْقِيَامَة.

2. يَكُوْن الْنَّاس فِي حَيَاة الْبَرْزَخ إِمَّا سُعَدَاء مُنَعَّمِيْن أَو أَشْقِيَاء مُعَذِّبِيْن.

3. تُحَدِّث لِلْمَيِّت فِي الْقَبْر حَالِات لَم يُشَاهِدْهَا فِي الْدُّنْيَا، هِي سُؤَال مُنْكَر وَنَكِيْر، وَضَغْطَة الْقَبْر وَوَحْشَتِه، وَالْنَّعِيم أَو الْعَذَاب فِي الْقَبْر.

4. يُسْأَل الْمَيِّت فِي قَبْرِه عَن رَبِّه وَدِيْنِه وَنَبِيِّه.

5. يُمْكِن لِلْإِنْسَان أَن يَعْمَل أَعْمَالا صَالِحَة تُنْجِي الْمَيِّت مِن ضَغْطَة الْقَبْر وَوَحْشَتِه.
وَأَسْأَل الْلَّه يَقِيْنا عَذَاب الْقَبْر

جزاك الله خيرا وجعل مثواك الجنة

موضوع راائع

الونشريس

الونشريس

الونشريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.