الثبات على دين الله 2024

الونشريس

قال – تعالى -: ((يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ))إبراهيم27

الحمد لله الذي هدانا ولم نكن لنهتدي لولا ان هدانا الله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

عزيزاتي في هذا الموضوع سأتطرق لموضوع الثبات على دين الله معناه لغة ً واصطلاحا ً والوسائل المساعدة على الثبات وأثر ذلك على الاسلام والمسلمين بصياغتي الشخصية وبلغة بسيطة غير معقدة لتصل للجميع

الونشريس

أولا ً

الثبات لغةً: مصدر ثبت وهو مأخوذ من مادة (ث،ب،ت) التي تدل على دوام الشيء، يقال ثبت ثباتاً وثبوتاً: (أي دام واستقر) فهو ثابت.
الثبات ضد الزوال. ويقال تثبت الرجل في الأمر واستثبت بمعنى واحد هو التأني وعدم العجلة.

الثبات اصطلاحاً: هو الدوام والاستقامة على الجادة ولزوم الصراط المستقيم من غير عوج ولا انحراف، وهو أيضاً: عدم احتمال الزوال بتشكيك المشكل والثبات على الحق حتى الممات.

من الآيات الواردة في الثبات:

1- قال -تعالى-: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}سورة الفرقان 32.
2- وقال -تعالى-: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل 102).
3- وقال -تعالى-: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً * إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}(73-74) سورة الإسراء.
4- وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} (45) سورة الأنفال.
5- وقال -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} (66) سورة النساء.
6- قال -تعالى-: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} (27) سورة إبراهيم.

من هذا المنطلق يتضح ان الثبات على الحق والتمسك به من صفات المؤمن الصادق الملتزم بدين الله المحب له ولعل قدوتنا في الثبات على دين الله رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم سيدنا محمد فقد واجه الكثير من المحن والصعاب حتى ينشر هذا الدين العظيم وكان في كل يوم يزداد ثباته وايمانه حتى بلغ رسالته غير منقوصة وعلى أتم وجه عليك أفضل وأتم الصلاة والسلام ياحبيبي يارسول الله وعلى آلك وصحبك أجمعين

وكلنا نعلم ان قلب الانسان يتقلب كما يريد الله وقلب الانسان بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)) رواه مسلم
وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يكثر في دعائه: "اللهم مقلبَ القلوب، ثبت قلبي على دينك"

الونشريس

الوسائل المساعدة على الثبات

أولاً :-

الشعور بالفقر إلى تثبيت الله تعالى
قال – تعالى -: ((إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا))الانفال12

وتفسير ذلك ان يشعر الانسان بأنه بحاجة دائمة لله ليثبته ويقوي عزيمته على الطاعات والعبادة وان لايظن الانسان انه اذا صلى وصام وفعل الطاعات انه ليس بحاجة الله ليثبته على ماهو فيه فالانسان قوي بالله وقدرته وتثبيته

ثانيا ً:-

الإيمان بالله تعالى

"يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة"إبراهيم 27
الثبات كفكرة يعني انك حتى تثبت على شيء وتدافع عنه يجب أن تؤمن به بغض النطر ماهو الشيء الذي ثبتت عليه
فحتى يثبت المؤمن ويدافع عن دين الله يجب أن يؤمن بالله كركن أساسي للإيمان لايصح ايمانه إلا به فيجب أن تقتنع وتؤمن كل جوارحنا بالله فينطق به لساننا وتصدقه جوارحنا ويرسخ في قلبنا وتترجمه أفعالنا ونشهد انه الله الواحد لاشريك له وبذلك يعد الله من يؤمن به بكل جوارحه أن يثبته على دينه

ثالثاً :-

ترك المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها ظاهرها وباطنها فإن الذنوب من أسباب زيغ القلوب

نكثر دوماً في دعائنا عبارة استغفر الله العظيم من كل ذنب صـَغُر أو كـَبُر فالانسان المؤمن يتجنب الوقوع في المعاصي مهما صـَغُرت فالمعصية الصغيرة مدخل ٌ لمعصية ٍ أكبر منها وعندما يحاسب الانسان المؤمن نفسه باستمرار يتجنب الوقوع بالمعاصي ويبتعد عنها فالنفس تزين للانسان المعاصي وتهونها عليه ولذلك يجب على الانسان ان يحاسبها باستمرار ولاينقاد لشهوات نفسه وهذا سبب ٌ مهم للثبات على دين الله

رابعاً:-

الإقبال على كتاب الله تلاوة وتعلماً وعملاً وتدبراً

فإن الله – سبحانه و تعالى – أخبر بأنه أنزل هذا الكتاب المجيد تثبيتاً للمؤمنين وهداية لهم وبشرى قال الله تعالى -:
"قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ"النحل 102
فقد انزل الله القرآن العظيم ليثبت عباده على دينه بالتزامهم به فمن تمسك به عصمه الله، ومن اتبعه أنجاه الله، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم.

الونشريس

خامساً:-

ومن أسباب الثبات على الصالحات عدم الأمن من مكر الله
فقد حذر الله عباده من مكره
"أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ"الاعراف99
وقد فسر الشيخ ابن باز هذه الاية بقوله" المقصود من هذا تحذير العباد من الأمن من مكره بالإقامة على معاصيه والتهاون بحقه، والمراد من مكر الله بهم كونه يملي لهم ويزيدهم من النعم والخيرات وهم مقيمون على معاصيه وخلاف أمره، فهم جديرون بأن يؤخذوا على غفلتهم ويعاقبوا على غرتهم بسبب إقامتهم على معاصيه وأمنهم من عقابه وغضبه
ومن هنا أقول ان الله تعالى يرزق عباده بغير حساب ويزدهم ويزين لهم الدنيا ويجب على الانسان ان يعلم ان هذه الدنيا فانية وماعند الله خير ٌُ وأبقى فيلتزم بما أمر اللهويجتنب المعصية فيذكر عظمته وشدة عقابه إذا خالف أمره فيخافه ويخشى عقابه، ويذكر رحمته وعفوه ومغفرته وجوده وكرمه فيحسن به الظن ويرجو كرمه وعفوه

.

سادساً:-

من أسباب الثبات على الهدى والحق سؤال الله التثبيت
فإن الله وحده هو القادر على تثبيت وهداية المؤمن فيجب ان يدعو المؤمن الله ويلح عليه بالدعاء ان يثبته ويثبت قلبه ويقويه ويهديه لما يحبه ويرضاه ويدعوه بأن يبعد عنه الشيطان وفتنه ويدعو وهو موقن ٌ بالاجابة

((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ))آل عمران8
. وما ذكره الله – تعالى – عنهم: ((رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)).البقرة 250
وقد كان أكثر دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم -: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"

سابعاً :-

من أسباب الثبات على الإيمان نصر دين الله ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل:
يجب ان يعلم الانسان المؤمن ان عليه نصرة دين الله بحسب طاقته وبقدر مايستطيع والله لايكلف النفس الا وسعها وليعلم ان الشيطان يحاول تيئسه وثني عزيمته بايهامه بأنه لوحده وبأن الامة نائمة وليس هناك غيره لينصر هذا الدين ولكن هذه الامة أمة حية وان الله سينصر هذا الدين ولو بعد حين وكل ابتلاء حصل لهذه الامه سيبدله اللهفرحاً وخيراً عظيماً

ثامناً :-

من أسباب الثبات على الحق والتقى الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي

الصبر على الطاعة أشد وأعظم من الصبر على المعصية ومثال ذلك صبر المؤمن على الإستيقاظ من نومه في يوم شديد البرودة لأداء صلاة الفجر او مقاومته للنوم لأداء صلاة الوتر قبل النوم او الصيام في يوم ٍ شديد الحرارة والصبر على الجوع والعطش طاعة ً لله وامتثالاً لأوامره ومجاهدة النفس طمعاً برضا الله والفوز ِ بجنه عرضها السماوات والارض

اما الصبر على المعاصي فيتمثل باجتناب الوقوع بها فمتى وضع المؤمن مخافة اللهوغضبه امام عينه وتـَذكر عقاب الله نتيجة وقوعه في المعصية فتراه يجتنب الوقوع فيما حرم الله
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

تاسعا:

ذكر الله:
وهو من أعظم أسباب التثبيت قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} الأنفال /45
ان ذكر الله دائما ً يقوي الانسان ويزيل مخاوفه ويجعله ذا عزيمة قوية فاحساس الانسان ان الله الى جانبه يجعله ثابتاً على دينه يدافع عنه وينصره
(" ألا بذكر الله تطمئن القلوب " ( سورة الرعد 28
(" فاذكروني أذكركم " ( سورة البقرة 152
(" اذكروا الله ذكراً كثيراً " ( سورة الأحزاب 41 .
(" فاذكروا الله قياماً وقعودا وعلى جنوبكم" (سورة النساء 103

أرجو أن يكون هذا الموضوع شاهداً لاشاهداً علي ّ .

م/ن

    بارك الله فيكى

    الونشريس

    الونشريس

    با رك الله فيكي

    جزاكى الله كل الخير

    الثبات على الحق 2024

    الحق دائمًا أقوى من كل عتاد الحرب،
    وأن كلمة الحق أعلى صوتًا من كل الأبواق.
    ولكن الحق في حاجة إلى من يطالب به ويدعو إليه
    ويقف من أجله بإصرار وعزيمة.
    والمؤمن الصادق يعلم أن الجلد والصبر وشدة العزم
    هي طريقه إلى الله؛ فالصبر على الانصياع لأوامر الله
    والابتعاد عن معصيته والصبر على الشدائد والبلاء
    ثم المصابرة على جهاد النفس وإعلاء كلمة الحق
    هو مفتاح الفوز في الدنيا والآخرة؛
    وفقًا لوعده عز وجل "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا".


    والثبات على الحق يحتاج إلى الجهد والمثابرة
    فهو لا يناله إلا أصحاب القلوب الجسورة
    وأصحاب الرسالات والمبادئ في كل عصر.
    وليس أعظم مثالاً من الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأخيار
    الذين ثبتوا على دينهم وعضوا عليه بالنواجذ بالرغم مما تكبدوه
    في سبيل ذلك من مشقة وكدح وألم.
    والثبات على الحق من أعظم النعم التي يمن الله بها على المؤمن؛
    فقد كان دعاء نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه
    "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
    وبالرغم من مشقة الثبات على الحق،
    فإن التاريخ القديم والمعاصر يبرهن على أن إيمان الفرد بالقضية
    التي يدافع عنها وعدالتها هي معمار الثبات عليها
    والإيمان بالله واللجوء إليه والتوكل عليه هو حجر الأساس.
    وقد أكد الله تعالى في كتابه الحكيم على ضرورة تمسك المؤمن
    بالصبر والمصابرة في دروب حياته ليصل إلى مرتبة الصابرين
    وينفع نفسه وأمته؛ فيقول عز وجل في سورة آل عمران:
    "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين"،
    فبدون الصبر والثبات تضيع الحقوق وتصمت الأفواه وتندحر العزائم.
    وفي آخر السورة نفسها يتجدد الأمر الإلهي للمؤمنين جليًا واضحًا
    في قوله تعالى:
    "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".
    فالطريق إلى النجاح في شتى مناحي الحياة يبدأ
    بالصبر على المعوقات والمصابرة على مواجهة هذه المعوقات
    وجهادها جهادًا دائبًا دون كلل أو ملل،
    ثم الاستمرار في العمل الجاد دون تراخٍ أو فتور،
    وهو ما يسميه أساتذة علم التنمية البشرية بـ"التخطيط للنجاح".
    وفي تاريخنا الإسلامي ما لا حصر له من نماذج الصبر والثبات،
    بدءا من المراحل الأولى للدعوة، مرورًا بالغزوات والفتوحات الكبرى،
    ولعل الروح التي تنبض حاليًا في عالمنا الإسلامي المعاصر
    من تجارب ترفض القهر والاستسلام والخنوع وتعلي
    من قيمة الصبر والمصابرة والثبات لهي بريق ضوء
    يلمع بالأمل في فجر جديد.
    منقول للافادة

      جزاكى الله خيرا

      بارك الله فيكى

      الونشريس اقتباس الونشريس
      الونشريس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نسائم الصباح الونشريس
      الونشريس
      جزاكى الله خيرا
      الونشريس الونشريس

      وجزاكى خيرا نورتى حبييتى

      الونشريس اقتباس الونشريس
      الونشريس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريموووو الونشريس
      الونشريس
      بارك الله فيكى
      الونشريس الونشريس

      وجزاكى خيرا ريمو نورتى غلاتى

      الثبات على الدين والأخلاق () 2024

      الونشريس

      كان الربيع بن خيثم شابا معروفاً بجماله، حتى أن المرأة إذا نظرت إليه لا تستطيع أن تملك نفسها، وقيل عنه: إنه كان يغطي على جزء من وجهه حتى لا يفتن النساء، ولكن كان مع هذا من أعظم عباد الله خوفًا من الله، وكان عُمره لا يجاوز الثلاثين؛ وكان في بلده فُسَّاق وفُجَّار يتواصون على إفساد الناس، وليسوا في بلد الربيع فقط ..

      إتفقوا جميعا على إفساد الربيع، فجاؤوا بأجمل امرأةعندهم، وقالوا: هذه ألف دينار، قالت: …علامَ؟ قالوا: على قُبْلة واحدة من الربيع، قالت: ولكــم فوق ذلك أن يزني بي !!

      ثم ذهبت وتعرَّضت له في ساعة خلوة، وأبدت مفاتنها، ووقفت أمامه، فلما رآها صرخ فيها قائلاً: يا أمة الله، كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك ، فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك أمكيف بك إذا نزل ملك الموت،فقطع منك حبل الوتين؟! أم كيف بك يوم يسألك منكر ونكير؟! أم كيف بك يوم تقفين بين يدي الربِّ العظيم؟! أم كيف بك إن لم تتوبي يوم تُرمَيْن في الجحيم؟! فصرخت وولَّت هاربة تائبة عابدة عائدة إلى الله – عز وجـل تقوم الليل وتصوم النهار ، حتى أنها لقِّبت بعد ذلك بعابدة الكوفة !

      وكان هؤلاء المفسدون يقولون: أردناها أن تفسد الربيع فأفسدها علينا الربيع !!

      منقول

        جزاكر الله خيرا

        الونشريس
        جزاكى الله خيرا

        الونشريس

        الثبات : من دروس السيرة النبوية 2024

        الونشريس

        ظلَّ رسولنا – صلى الله عليه وسلم – في مكة يدعو الناس إلى ( لا إله إلا الله ) وإلى عبادة الله، ويحذرهم من الشرك بالله ومن عبادة الأوثان، سراً وجهاراً، ليلاً ونهاراً ، ومنذ بداية الدعوة الإسلامية والمشركون يسعون للحيلولة دون وصولها إلى الناس بأساليب مختلفة، منها: السخرية والاضطهاد والإيذاء، ومع ذلك فالناس يدخلون في دين الله، ويتبعون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .
        عن عروة بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ قال: ( سألت ابن عمرو بن العاص أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟، قال: بينا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي في حِجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه، ودفعه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ ) رواه البخاري .
        وبعد أن فشل كفار قريش في محاربة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصد عن دين الله بهذا الأسلوب، انتقلوا إلى أسلوب آخر، ألا وهو أسلوب الإغراءات والمساومات، وطلب المعجزات للتحدي والإعجاز، لكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ثابتاً أمام هذه التحديات، فلم يفتر ولم يركن إليهم، حتى انتشر نور الإسلام في أرجاء الأرض كلها، قال الله تعالى: { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }(التوبة:32) .
        الونشريس
        ترغيب وإغراء :

        ظن كفار مكة أن الأنبياء يريدون بدعوتهم الدنيا والمناصب، أو الزعامة والرئاسة، ولذلك تقدموا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بهذه المحاولة، وهي إغراؤه بالمال والملك، والرئاسة والسيادة، ولكنهم فشلوا في ذلك .
        ذكر ابن هشام في سيرته عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: ( أرسَلَتْ قريشٌ عُتْبَةَ بنَ ربيعةَ – وهو رجلٌ رَزِينٌ هادىءٌ – فذهب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمتَ من المكان في النسب، وقد أَتَيْتَ قومَك بأمرٍ عظيمٍ فَرَّقْتَ به جماعتهم، فاسمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عليك أمورا لعلك تقبل بعضها، إن كنتَ إنما تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنتَ تريدُ شَرَفا سَوَّدْناكَ علينا، فلا نقطع أمرا دونك، وإن كنتَ تريدُ مُلْكًا مَلَّكْناكَ علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئْيًا ( مس من الجن ) تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك، طلبنا لك الطِّبَّ، وبَذلنا فيه أموالَنا حتى تبْرَأَ .. فلما فرَغَ قولُه تلا رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صَدْرَ سورة فُصِّلَتْ : { حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }(فصلت: 1 : 7 )، حتى وصل إلى قوله تعالى: { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ }(فصلت: 13) .
        الونشريس
        إن الإغراءات والمساومات التي عرضتها قريش على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورفضها، جاءت لتقطع السبيل إلى كل ظن وتشكيك بمقصده ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قيامه بالدعوة، ومع هذا، فقد بقي البعض ممن احترف الغزو الفكري يؤثر القول بأن محمدا – صلى الله عليه وسلم – كانت له دوافع سياسية، وكانت له رغبة في السيادة والملك، وممن قال هذا القول من المستشرقين كريمر الألماني وفان فلوتن الهولندي .
        والرد عليهم واضح جلي، من خلال جواب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على عُتبة في رواية أخرى لابن هشام وابن كثير بقوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ: ( ما جِئتُ بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل عليَّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا وفي الآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم ) .

        لكم دينكم ولي دين :

        انتقل كفار مكة إلى محاولة ثانية وهي ما يسمى بلغة العصر " تقارب الأديان "، ففكرة التقارب بين الأديان ليست بدعة عصرية، وإنما هي قديمة أول من دعى إليها كفار مكة، عندما قالوا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح قال: وما هي؟، قالوا: تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة .
        عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال : ( إن قريشاً وعدوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطئوا عقبه (أي: يسوده) فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمَّد! وكف عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح، قال: وما هي؟، قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة! فقال – صلى الله عليه وسلم -: حتى أنظر ما يأتي من عند ربي، فجاء الوحي من اللوح المحفوظ : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }(الكافرون: 1 : 6)، وأنزل الله – عز وجل – : { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ }(الزمر: 64 : 66) ) رواه الطبراني .
        { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }(الكافرون:6) : ليس هذا من باب الإقرار، وإنما هو من باب المفاصلة والتحذير، قال الإمام البخاري: " لكم دينكم الكفر، ولي دين الإسلام "، وهو مثل قوله تعالى: { وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ }(يونس:41) .
        الونشريس
        وقد بين هذا الموقف من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن طريق الحق واحد لاعوج فيه، إنه توحيد الله، فلا لقاء بين الكفر والإيمان، فالاختلاف جوهري، يستحيل معه التنازل عن شيء من الحق لإرضاء الباطل وأهله، فالكفر كفر، والإيمان إيمان، والفارق بينهما بعيد، والسبيل الوحيد للالتقاء هو الخروج من الكفر إلى الإسلام، وإلا فهي البراءة التامة، والمفاصلة الكاملة، بين الإيمان والكفر: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }(الكافرون:6) .

        التحدي :

        فشل كفار مكة في المحاولة الثانية وهي المساومة، فانتقلوا إلى المحاولة الثالثة وهي تحدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأتيهم بآية أو معجزة تشهد بصدقه، وأظهروا له أنهم على استعداد أن يتبعوه ويؤمنوا به، وهم أرادوا من وراء ذلك تعجيز الرسول – صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: { وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ }(العنكبوت:50)، وقال تعالى: { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً }(الإسراء:93) .
        وبين لنا ربنا ـ عز وجل ـ أنهم يطلبون الآيات ولو نزلت عليهم لا يؤمنون، فقال تعالى: { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ للَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }(الأنعام: 109 : 111) .
        ومن الأدلة على أنهم طلبوا من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يريهم آية أو معجزة استكبارا ومكرا منهم، ولتعجيزه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وليس للإيمان به، ما رواه أنس – رضي الله عنه – قال: ( سأل أهل مكة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – آيةً فأراهم انشقاق القمر فنزلت: { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ }(القمر: 1 : 2) رواه البخاري.
        وعن جبير بن مطعم – رضي الله عنه – قال: ( انشق القمر على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فصار فرقتين: فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل فقالوا: سحرنا محمَّد ) رواه الترمذي .
        الونشريس
        الثبات :

        الصراع بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، قصته واحدة، وإنِ اختلفت صوره وأساليبه بحسب الزمان والمكان، ومن أهم سمات التربية في المرحلة المكية الثبات على الدين، ولا شك أن موقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الراسخ أمام الإيذاء، والإغراء، والمساومة، كان درسا تربويا للصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ولنا من بعدهم، نتعلم منه الثبات على العقيدة، والتمسك بالمبادئ، مهما أوذينا بقول أو فعل، وعدم الضعف أمام المحن، أو التفكير في المغريات التي تعرض علينا لصرفنا عن ديننا ودعوتنا ..
        ثم إن الثبات على الدين والحق نعمة من نعم الله، قال الله تعالى: { وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً }(الإسراء:74)، ولذا كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يكثر من الدعاء بقوله : ( يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك ) رواه أحمد .
        والثبات في أيام الفتن ووقت المحن والبلاء له أجره الكبير وفضله العظيم، ولذلك بشّر رسول الله – صلى الله عليه وسلم ـ الثابت على دينه بأجر خمسين من الصحابة، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم، قالوا: يا نبيَّ الله أو منهم ؟، قال: بل منْكم ) رواه الترمذي .

          جزاك الله خيرا

          الونشريس

          جزاك الله خيرا

          نورتوني

          موانع وعوامل الثبات على الطاعات 2024

          موانع وعوامل الثبات على الطاعات

          الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد:

          يلاحظ أن كثيرًا من المسلمين ممن كانوا يحافظون على أنواع كثيرة من الطاعات في رمضان كالذكر والدعاء والصدقة والتبكير إلى الصلوات وغيرها، يهملون هذه الطاعات بعد رمضان ولا يثبتون عليها وهذا الأمر إن استمر له خطورته على إيمان العبد وخاتمته وآخرته.
          لذا أمرنا الله بالثبات على الطاعات حتى الممات قال تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) {الحجر:99} وأمرنا أن نسأله عدة مرات اهدنا الصراط المستقيم وهذا الثبات له موانع وله عوامل. إن تجنب الإنسان موانعه وأخذ بعوامله ثبت على الطاعة بإذن الله.
          وفيما يلي بيان مختصر – من القران وصحيح السنة- لأغلب هذه الموانع وأهم هذه العوامل، لعل الله عز وجل أن ينفع بها قارئها وكاتبها.

          أولا : موانع الثبات على الطاعات



          المانع الأول: طول الأمل ، حيث يتولد عنه الكسل عن الطاعة، والتسويف بالتوبة، والرغبة في الدنيا والنسيان للآخرة، والقسوة في القلب. وصفاء القلب إنما يكون بتذكر الموت والقبر والثواب والعقاب وأهوال يوم القيامة.
          ويحذرنا الله تعالى من طول الأمل فيقول (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ){الحديد:16}، ويقول جل شأنه (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) {الحجر:3} أي دعهم يعيشوا كالأنعام ولا يهتموا بغير الطعام والشهوات، وقوله ويلههم الأمل أي يشغلهم طول الأمل والعمر عن استقامة الحال على الإيمان، والأخذ بطاعة الله تعالى.

          المانع الثانى: التوسع في المباحات:


          لا شك أن التوسع في المباحات من الطعام والشراب واللباس والمراكب ونحوها سبب في التفريط في بعض الطاعات، وعدم الثبات عليها. إذ أن التوسع يورث الركون والنوم والراحة. بل قد يجر هذا التوسع إلى الوقوع في المكروهات، فلا يزال الشيطان يزين للعبد التوسع بقوله: افعل ولا حرج، حتى يقع في المكروهات، فالمباحات باب الشهوات، والشهوات لا تقف عند حد بل قد تقود إلى شر، قال تعالى: كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه {طه:81} فأمر سبحانه بالأكل ونهى عن الطغيان فيه حتى لا تميل النفس إلى البطالة والكسل، وتتقاعس عن العمل وتطلب الراحة ويعجز المسلم عن حملها عليه، وهذا لا يعني تحريم ما أحل الله، فقد كان صلى الله عليه وسلم (يحب العسل والحلواء) (ويأكل اللحم ويقبل ما يقدم إليه إلا أن يعافه) فاستعمال المباح في التقوي على الطاعة طاعة، ولكن الآفة التوسع والاستكثار، فليكن تناول المباح بقدر.

          المانع الثالث: الابتعاد عن الأجواء الإيمانية:

          النفس إن لم تشغلها بالحق والطاعة شغلتك بالمعصية ، ومن أصول عقيدتنا أن الإيمان يزيد وينقص، فيضعف ويضمحل إذا تعرض العبد لأجواء الإباحية والفجور والتبرج والسفور أو انشغل قلبه بالدنيا وأهلها. لذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن (أحسن البقاع إلى الله المساجد وأبغض البقاع إلى الله الأسواق) ، وما ذلك إلا لأن المساجد بيوت الطاعات، ومحل نزول الرحمات، وأساسها على التقوى، والأسواق محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة وخلف الوعد والإعراض عن ذكر الله وغير ذلك مما في معناه.
          وحينما سأل قاتل المائة العالم: هل له من توبة؟ قال: نعم ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، مما يدل على أن البيئة تؤثر في ثبات المسلم على الطاعة.
          لذا حث الشرع على مرافقة الصالحين ليعتاد المسلم فعل الطاعات، وترك السيئات، قال تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) {الكهف:28}.

          ثانيا: عوامل الثبات على الطاعة

          العامل الأول: الاجتهاد في الدعاء بالثبات:
          قال تعالى: ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم{آل عمران:101} ومن صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم على الطاعة ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب {آل عمران:8}.
          ولما كانت قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) (اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك). وكان من دعائه: اللهم اهدني ويسر الهدى لي ، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يدعو: اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليًا أن يسأل الله عز وجل السداد والهدى، وقال له: ‘اذكر بالسداد تسديدك السهم، وبالهدي هدايتك الطريق’.

          العامل الثانى: قصر الأمل:
          ومعناه العلم بقرب الرحيل وسرعة انقضاء مدة الحياة، وهو من أنفع الأمور للثبات على الطاعات، فإنه يبعث على انتهاز فرصة الحياة التي تمر مر السحاب، ويثير ساكن عزماته إلى دار البقاء، ويحث على قضاء جهاز سفره وتدارك الفائت، ويزهد في الدنيا، ويرغب في الآخرة. فكلما قصر الأمل جد العمل، لأن العبد يقدِّرُ أنه يموت اليوم فيستعد استعداد ميت، فإذا أمسي شكر الله تعالى على السلامة، وقدر أن يموت تلك الليلة فيبادر إلى العمل، وقد ورد الشرع بالحث على العمل والمبادرة إليه، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر فقال له: ‘كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل .
          وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم، قال تعالى حاكيًا عن مؤمن آل فرعون: ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار {غافر:39}.
          وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ‘ما لي وما للدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها’ ، ووصى صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة أن يكون بلاغهم من الدنيا كزاد الراكب.

          العامل الثالث: تنويع الطاعات والمسارعة إليها وعدم التفريط فيها:
          فمن رحمة الله عز وجل بنا أن نوع لنا العبادات لتأخذ النفس بما تستطيع منها، فمنها عبادات بدنية، ومالية وقولية وقلبية وقد أمر الله عز وجل بالتسابق إليها جميعا، وعدم التفريط في شيء منها.
          قال تعالى: فاستبقوا الخيرات {البقرة:148} وقال جل شأنه: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون {المطففين:26}.
          وقال صلى الله عليه وسلم : ‘لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقي أخاك بوجه طلق’.
          وقال: ‘ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدهما هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم’.
          وقال: ‘اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة’.
          ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد ألمح إلى مثل هذا التنوع وتلك المسارعة حين سأل صحابته: من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من اتبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من أطعم اليوم منكم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: أنا. قال صلى الله عليه وسلم :ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة’. ونلحظ أن الطاعات التي سأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم جمعت أنواعًا من العبادات فمنها عبادات بدنية (كالصيام، واتباع الجنائز، وعيادة المريض) وعبادات مالية (كإطعام المساكين)، وعبادات ذات نفع متعد مثل (عيادة المريض اتباع الجنائز إطعام المساكين). وعبادات ذات نفع قاصر (مثل الصيام).
          وبمثل هذا التنوع وتلك المسارعة يثبت المسلم على الطاعة ولا يقطع الملل طريق العبادة عليه، مصداقًا لقوله تعالى: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا {النساء:66}.

          العامل الرابع: التعلق بالمسجد وأهله:
          ففي التعلق بالمسجد وأهله ما يعين على الثبات على الطاعات حيث المحافظة على صلاة الجماعة والصحبة الصالحة ودعاء الملائكة، وحلق العلم، وتوفيق الله وحفظه ورعايته.
          قال تعالى في الملازمين للمساجد المنشغلين بها عن الدنيا:ليجزيهم الله أحسن ما عملوا {النور:38}.
          وفي الحث على حلق العلم والصحبة الصالحة يقول صلى الله عليه وسلم : ‘ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده’.
          ويقول صلى الله عليه وسلم : ‘هم القوم لا يشقى بهم جليسهم’ فبين أن جليسهم يندرج معهم في جميع ما يتفضل الله تعالى به عليهم إكراما لهم، ولو لم يشاركهم في أصل الذكر.
          ويبين صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تدعو لمن جلس بعد الصلاة للذكر فيقول:
          ‘الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يُحدِث فيه، تقول: اللهم أغفر له اللهم ارحمه’.
          أما من جلس ينتظر الصلاة فهو في رباط كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :’وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط’. فمن كان حاله كذلك فقد استغرق عمره في الطاعة وكان ذلك بمنزلة الرباط.

          العامل الخامس: مطالعة قصص الأنبياء وحياة الصحابة والتابعين:
          لقد قص الله علينا في كتابه قصصًا طيبة من أخبار الأنبياء والسابقين، ولم تذكر للتسلية والسمر ولكن لننتفع ونتعظ بها. ومن منافعها تثبيت قلوب المؤمنين والمؤمنات والطائعين والطائعات، قال تعالى: وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك {هود:120}.
          وكثير من الناس تتغير أحوالهم بالاطلاع على سير العظماء والأكابر، خاصة سير السلف الصالح الأوائل الذين ضربوا أعظم الأمثلة في التضحية والعبادة، والزهد والجهاد والإنفاق وغيرها. وكانوا بحق شامة الناس ومقدمي الأمم.
          والاطلاع على هاته السير يورث المرء حماسًا عظيمًا، محاولة منه للحاق بركب أولئك الأكابر الأعاظم.
          فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ، إن التشبه بالكرام فلاح

          العامل السادس: التطلع إلى ما عند الله من النعيم المقيم:
          إن من شاهد الآخرة بقلبه مشاهدة يقين أصبح بالضرورة مريدًا لها ساعيًا إليها، فالحياة قصيرة، والجنة سلعة غالية، لذلك تحتاج إلى عمل دائب متواصل قال تعالى: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا{الملك:2}. فبين سبحانه أن مدة الحياة ابتلاء، وأنها منافسة على أحسن العمل، وأن الموت خلق مع الحياة.
          ويذكر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أدنى أهل الجنة منزلة في حديث يُعلي الهمة ويحث على صالح العمل والثبات عليه حيث يقول:
          سأل موسى ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له: ادخل الجنة فيقول: أي رب: كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له أترضى أن يكون لك مثل مُلْك مَلِك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت ربي. فيقول: لك ذلك ومثله ومثله، فقال في الخامسة رضيت ربي. قال: رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت. غرست كرامتهم بيدي. وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر قال: ومصداقه في كتاب الله تعالى:فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين {السجدة:17}.




          نسأله سبحانه أن يستعملنا في طاعته وأن يثبتنا عليها. آمين

            جزاك الله الف خير

            جزاكي الله الفردوس.

            جزاكى الله خيرا